لا مناطق آمنة في لبنان... والمخاوف تحاصر المجتمعات المضيفة

وجود مقاتلين ومسؤولين من «حزب الله» بين النازحين يعرّضهم لخطر الاستهداف الإسرائيلي

أطفال نازحون من جنوب لبنان في مبنى «العازارية» وسط بيروت (أ.ف.ب)
أطفال نازحون من جنوب لبنان في مبنى «العازارية» وسط بيروت (أ.ف.ب)
TT

لا مناطق آمنة في لبنان... والمخاوف تحاصر المجتمعات المضيفة

أطفال نازحون من جنوب لبنان في مبنى «العازارية» وسط بيروت (أ.ف.ب)
أطفال نازحون من جنوب لبنان في مبنى «العازارية» وسط بيروت (أ.ف.ب)

لم تعد هناك أي منطقة آمنة في لبنان. تحوّلت كل المناطق إلى هدف إسرائيلي محتمل، مع توزّع الاستهدافات على كل المحافظات، التي كان آخرها في منطقة زغرتا شمال لبنان، حيث استُهدف، الاثنين، مبنى لجأ إليه نازحون من عيترون في الجنوب؛ ما أدى إلى سقوط 23 قتيلاً وعدد من الجرحى. وكان قد سبق هذا الاستهداف استهداف مماثل في بلدة المعيصرة بقضاء كسروان وأدى إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة 21 آخرين، وقبلها في منطقة النويري في بيروت، وقبل ذلك بلدات عدّة في إقليم الخروب والشوف، سقط نتيجتها عدد من القتلى والجرحى.

ومع الإعلان الإسرائيلي عن أن معظم هذه العمليات التي تنفّذ خارج إطار تلك المحسوبة على «حزب الله»؛ أي الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، تستهدف شخصيات في «حزب الله»، بدأ المواطنون في المناطق المضيفة النائية التي لجأ إليها النازحون يشعرون بالخوف من وجود عناصر أو شخصيات من «حزب الله» في بلداتهم، بحيث بات من الصعب التمييز بين الأهداف الأمنية والمدنية، وهو ما قد يؤدي إلى تعرّض حياتهم للخطر.

ومع الخوف المشروع في نفوس المواطنين، تسجَّل تحركات وردود فعل في عدد من المناطق؛ حيث طلب من البعض المغادرة على خلفية علاقتهم المباشرة بـ«حزب الله» سياسياً أو عسكرياً، فيما تُبذل جهود من قبل بعض الأحزاب والبلديات تفادياً لتفاقم المشكلة وقطع الطريق أمام أي فتنة داخلية تهدف إليها إسرائيل عبر تأليب المجتمع المضيف على النازحين بوصف ذلك ورقة ضغط إضافية على «حزب الله».

ومن الواضح أن معظم الأحزاب الموجودة في المناطق التي يسجَّل فيها نزوح، تتواصل مباشرة مع «حزب الله»؛ لإبعاد أي شخص قد يشكل خطراً على مناطقها، رغم صعوبة هذا الأمر، نتيجة الإرباك الذي أصاب «الحزب» بعد الضربات القاسية التي تعرض لها، وذلك سعياً إلى عدم انعكاس هذا الوجود سلباً على المجتمع المضيف والنازحين على حدّ سواء.

ومع تفهم خوف أبناء المناطق المضيفة من أن يكونوا أهدافاً إسرائيلية في الأيام المقبلة، والحرص في الوقت عينه على عدم التعرّض للنازحين والمحافظة على كرامتهم، ارتفعت الأصوات التي تحذّر من وجود عناصر في «حزب الله» بين النازحين، فيما سُجّلت اتهامات متبادلة بين الأحزاب الموجودة في الشمال إثر الغارة التي استهدفت بلدة أيطو في قضاء زغرتا.

يذكر أنه يوجد في مناطق جبل لبنان والشمال، إضافة إلى بيروت، العدد الأكبر من النازحين الذي يقدّر إجماليه بأكثر من مليون و200 ألف نازح.

وكان لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» خطوة متقدّمة في هذا الإطار بمنطقة الشوف، حيث له الوجود الأكبر، مع دعوة أطلقها النائب بلال عبد الله، تلتها دعوات مماثلة من قبل البلديات في إقليم الخروب الذي تعرض عدد من بلداته؛ وهي، السعديات، وجون، والجية، والوردانية، وبرجا، لاستهدافات مباشرة، كانت جميعها موجّهة ضد أشخاص في «حزب الله».

وتوجّه عبد الله، في بيان، إلى من يعنيهم الأمر لـ«الأخذ في الاعتبار حماية النازحين وأهل المنطقة، وعدم تعريضهم للخطر عبر القيام بزيارات تفقدية لعائلاتهم في المنطقة المكتظة بالمواطنين، مهما كانت مسؤوليته، وإلى أي جهة انتمى».

ويؤكد عبد الله أن هناك تواصلاً مع الأجهزة الأمنية ومع من يعنيهم الأمر تحديداً، في إشارة إلى «حزب الله»، لإبعاد المقاتلين والمسؤولين عن مناطق النزوح، مشيراً، في الوقت عينه، إلى صعوبةٍ في هذا الإطار نتيجة «التشتت الذي أصاب (الحزب) وغياب المرجعية الواحدة كما كان عليه في السابق».

وفي حين يرى عبد الله أن كل الاستهدافات التي وقعت واضحة أهدافها من قبل الهمجية الإسرائيلية؛ التي لا تأخذ في الحسبان الأبرياء والمدنيين، يتحدث عن جهود استثنائية في هذا الإطار، آملاً أن تنعكس نتائجها في المرحلة المقبلة بشكل أكبر؛ «لا سيما أن هناك أكثر من 120 ألف نازح في إقليم الخروب»، مشيراً إلى أن المشكلة الأشد صعوبة تكمن في البيوت والمنازل المستأجرة؛ حيث تحاول البلديات المراقبة قدر الإمكان، في حين أن مراكز الإيواء تبقى من مسؤولية القوى الأمنية.

أطفال نازحون من جنوب لبنان في مبنى «العازارية» وسط بيروت (أ.ف.ب)

ومع تأكيده على مشروعية المخاوف التي يعبّر عنها الأهالي، يقول: «ليس كل نازح مقاتل، لكن لا يمكن القبول بوجود المسؤولين بين المدنيين، وبالتالي لا يمكن التراخي، كما يجب عدم المبالغة، وقطع الطريق أمام أي فتنة داخلية»، مضيفاً: «في (اللقاء الديمقراطي) نقوم بمهمتنا لتكريس الوحدة الوطنية، وتقريب وجهات النظر، واحترام شعور وكرامة كل بيئة على تنوعها».

والمخاوف نفسها تسجَّل في مناطق الشمال كما في مختلف المناطق التي تحوّلت إلى وجهة للنازحين، على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها السياسية والطائفية. وهو ما بدا واضحاً إثر الغارة التي استهدفت، الاثنين، بلدة أيطو في قضاء زغرتا، حيث توجد مراكز إيواء يتولى إدارتها بشكل أساسي «تيار المردة»، وقد أعلن صراحة رئيسه سليمان فرنجية أنه كان قد طلب من «حزب الله» عدم نزوح أي شخص يشكل خطراً على المنطقة.

وبعدما لمح رئيس «حركة الاستقلال»، النائب ميشال معوض، إلى أن «تيار المردة»، حليف «حزب الله»، يستقبل عناصر من «حزب الله» في زغرتا، ردّ عليه «المردة» بنفي الموضوع، وقال رئيسه، الوزير السابق سليمان فرنجية، إنه طلب من «حزب الله» «ألا ينزح أي شخص يشكل خطراً على أهالي زغرتا باتجاه المنطقة»، وقال: «النازحون في أيطو لم يتواصلوا معنا، والجيش الإسرائيلي لا يستثني أحداً، والمنزل الذي يقطنون فيه صاحبه ينتمي سياسياً إلى حزب متعاطف مع إسرائيل»، في إشارة إلى حزب «القوات»، الذي عاد وردّ عليه متّهماً إياه «بأنه وأمثاله ساهموا في وصول الوضع في لبنان إلى ما وصل إليه».

جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية على بلدة أيطو في شمال لبنان (أ.ف.ب)

ومع تأكيده على أنه لم تعد هناك مناطق آمنة في لبنان، يحمّل مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات»، شارل جبور، المسؤولية للمواطن الذي يؤجر منزله حرصاً منه على أملاكه وأرواح عائلته، وبالدرجة الثانية للبلدية التي عليها التحقق من هوية المستأجر، مشيراً من جهة أخرى إلى أن للجيش اللبناني مهمة أساسية في مراكز الإيواء لمنع تسلل مقاتلين أو أشخاص من «حزب الله». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن (حزب الله) مخترق، والإسرائيلي يعلم تماماً كل التفاصيل، وبالتالي فالذي يتغاضى عن هذه الأمور، يعرض المنطقة والعائلات النازحة للخطر».


مقالات ذات صلة

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

المشرق العربي مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

قال محافظ بعلبك لوكالة «رويترز» إن 12 شخصاً قتلوا في قصف إسرائيلي لمركز للدفاع المدني في مدينة بعلبك اللبنانية، اليوم (الخميس)، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ جارية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع: على «حزب الله» إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

قال سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، إن «حزب الله» المدعوم من إيران يجب أن يلقي أسلحته في أسرع وقت ممكن لإنهاء حربه المستمرة منذ عام.

«الشرق الأوسط» (معراب)
المشرق العربي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا (أ.ف.ب)

مسؤول أممي: انتشار الجيش في جنوب لبنان «محوري تماماً» لأي حل دائم

أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام أنّ إعادة انتشار الجيش في جنوب لبنان «محوري تماماً» لأي حل دائم يؤدي إلى وقف الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان في لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: دمرنا منصة صاروخية ﻟ«حزب الله» داخل قاعدة مهجورة للجيش اللبناني

قال الجيش الإسرائيلي إنه دمر، قبل عدة أيام، منصة صاروخية أطلقت بواسطتها جماعة «حزب الله» صواريخ من داخل قاعدة عسكرية مهجورة للجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)

ثقة مفقودة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني

تتسم العلاقة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني بـ«التوتر» وعدم الثقة في نقل مجريات الحرب الدائرة اليوم.

كارولين عاكوم (بيروت)

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)
مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)
TT

مقتل 12 في قصف إسرائيلي على مركز دفاع مدني ببعلبك شرق لبنان

مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)
مسعفون ينقلون مصابين جراء غارة إسرائيلية استهدفت بعلبك في شرق لبنان (أ.ف.ب)

قال محافظ بعلبك لوكالة «رويترز» إن 12 شخصاً قتلوا في قصف إسرائيلي لمركز للدفاع المدني في مدينة بعلبك اللبنانية، اليوم (الخميس)، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ جارية.
وذكرت وزارة الصحة اليوم أن ثمانية أشخاص آخرين، بينهم خمس نساء، قتلوا أيضا وأصيب 27 في هجوم إسرائيلي آخر على المدينة اللبنانية.

وقال المسؤول المحلي في الدفاع المدني سمير الشقية لوكالة الصحافة الفرنسية إنه تم «استهداف مركز الدفاع المدني في بعلبك، والى الآن ثمة خمسة شهداء من الدفاع المدني». من جهته، أشار محافظ بعلبك الهرمل الى أن المركز تعرض لـ«استهداف... أثناء تواجد أكثر من 20 عنصراً» داخله.