العراق يرفض توسيع الحرب واستخدام أجوائه لضرب إيران

أنباء عن سعي عراقجي لإيصال رسالة إلى واشنطن عبر بغداد

وزير الخارجية العراقي مستقبلاً نظيره الإيراني في بغداد الأحد (إكس)
وزير الخارجية العراقي مستقبلاً نظيره الإيراني في بغداد الأحد (إكس)
TT

العراق يرفض توسيع الحرب واستخدام أجوائه لضرب إيران

وزير الخارجية العراقي مستقبلاً نظيره الإيراني في بغداد الأحد (إكس)
وزير الخارجية العراقي مستقبلاً نظيره الإيراني في بغداد الأحد (إكس)

حذَّر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين من اتساع نطاق الحرب التي تخوضها إسرائيل في المنطقة لتشمل إيران، مما «يهدد مصادر الطاقة ويخلق أزمة عالمية».

وقال حسين، في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، في بغداد، الأحد، إن «الحكومة العراقية ووزارة خارجيتها حذرَتا من توسيع رقعة الحرب، وقلنا إن عدوان الكيان الإسرائيلي على لبنان سيؤدي إلى ولادة حرب أخرى».

وأضاف أن «استمرار الحرب في غزة ولبنان يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها»، مؤكداً «خطورة استمرار تلك الحرب».

وأعرب حسين عن رفض الحكومة «استغلال الأجواء العراقية بوصفها جزءاً من فضاء الحرب»، مبيناً أنه «ليس لدى الحكومة العراقية قرار بالحرب، وهذا القرار خاضع إلى الدولة بسُلطاتها الثلاث».

وأكد وزير الخارجية العراقي أن «منطقتنا تواجه تحديات خطيرة جداً»، مشيراً إلى أن «المنطقة تعيش في وضع حذِر، وهناك احتمال لتصعيد نزاعات قد تتسع وتؤدي إلى حرب شاملة».

كان وزير الخارجية الإيراني قد أكد، في تصريحات لدى وصوله إلى بغداد، أن بلاده «ستبذل مع الحكومة العراقية قصارى جهدها من أجل إبعاد المنطقة عن شبح الحرب». وقال: «لا نريد الحرب، ولا نريد الاستفزازات، لكننا على استعداد تام لمواجهتها».

وأضاف عراقجي: «سنبذل كل مساعينا، بالتشاور مع الحكومة العراقية، لإبعاد المنطقة عن شبح أي كارثة حربية».

وخلال مؤتمره الصحافي مع نظيره العراقي، قال عراقجي: «إننا مستعدون لأي سيناريوهات، ولا أحد يريد الحرب في منطقتنا غير الكيان الصهيوني».

وأضاف: «إننا نتشاور مع الأصدقاء لوقف العدوان الصهيوني على لبنان وغزة»، مؤكداً أن «المنطقة تواجه تحديات خطيرة، وتمر بمرحلة حساسة، حيث تزداد احتمالات اندلاع اشتباكات وتصاعد التوتر بشكل كبير».

وأوضح أن «إيران لا ترغب في التصعيد أو الحرب، لكنها مستعدة للتعامل مع أي وضعية، سواء أكانت حرباً أم سلاماً»، مؤكداً استعداد بلاده التام لهذه الأوضاع.

رسائل إلى واشنطن

ورأت أوساط سياسية عراقية متابِعة للزيارة القصيرة لوزير الخارجية الإيراني، أن مهمة عراقجي في بغداد تقتصر على «حمل رسائل بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية عبر الدبلوماسية العراقية».

ومن جانبه، قال سبهان الملا جياد، مستشار رئيس الوزراء العراقي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة وزير الخارجية الإيراني «جاءت لاستطلاع الموقف العراقي والتنسيق المشترك في صياغة الحلول السياسية الممكنة في المرحلة القادمة». وأكد أن «تحرك العراق ملحوظ من ناحية الجهود الدبلوماسية لتحشيد الموقف الدولي المعارض لاتساع رقعة الحرب، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وإيران». وأوضح جياد أن «وزير الخارجية العراق اسمع نظيره الإيراني أن العراق يحرص على إيقاف هذه الحرب وعدم استعداد العراق للانجرار ليكون طرفاً في الحرب، حيث أعرب العراق عن رفضه لاستخدام الأجواء العراقية للاعتداء على الدول المجاورة".

وكانت قد سبقت زيارة الوزير الإيراني إلى بغداد تسريبات بأن الهدف من زيارته هو ضبط إيقاع الفصائل العراقية المسلّحة التي ترتبط بإيران بما يسمى «وحدة الساحات»، والتي تواصل ضرب أهداف داخل إسرائيل، رغم نفيها مقتل جنديين إسرائيليين على أثر ضربة من بغداد.

وكان المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية، إسماعيل بقائي، قد كتب، في منشور على منصة «إكس»، أثناء وصول عراقجي إلى العاصمة العراقية بغداد، أنه «استمراراً لمشاورات وزير الشؤون الخارجية الدكتور عراقجي مع الدول الإسلامية بشأن الوضع المتأزم في المنطقة نتيجة الإبادة الجماعية واعتداءات الكيان الإسرائيلي في غزة ولبنان، وصلنا إلى بغداد».

في مقابل ذلك، أفاد مصدر عراقي وكالات الأنباء بأن زيارة عراقجي لبغداد تأتي لبحث تطورات الأوضاع الأمنية بالمنطقة، وتأكيد عدم توسعة دائرة الحرب.

وفي حين زار عراقجي، قبيل زيارته إلى العراق، المملكة العربية السعودية وقطر، فإنه سيتوجه بعد بغداد إلى العاصمة العمانية مسقط لمواصلة مشاوراته الإقليمية التي بدأها الأسبوع الماضي.

عراقجي يُطلع ويطّلع

من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد مهمة في هذه المرحلة. وأضاف، في تصريحات صحافية، الأحد، أنه «لأهمية العراق الجيوسياسية، ودوره الفاعل في أزمتيْ غزة ولبنان، تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بغداد ليُطلع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على آخر تفاصيل المباحثات التي أجرتها إيران إقليمياً ودولياً، خلال الأسبوعين الماضيين، ومسار الأحداث المتوقعة خلال المرحلة المقبلة».

وأضاف العوادي أن عراقجي «سيستمع بدوره أيضاً من رئيس الوزراء إلى جهود العراق واتصالاته بسياق الأزمة نفسها»، مشيراً إلى أن «الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ووزير خارجيته عراقجي، لديهما حراك مكثَّف ولقاءات واتصالات مكثفة جداً مع دول المنطقة والعالم؛ خصوصاً بعد أحداث لبنان والضربات الإيرانية للكيان الصهيوني».

وأكد العوادي أن «الحكومة العراقية لن تتخلى عن أداء مسؤوليتها الخارجية في الجانب المتعلق بقضايا العالمين العربي والإسلامي، حيث يؤمن العراق بالسلام والعدل والحقوق المتكافئة للشعوب، ويرفض منطق العدوان والحرب».

وتابع أن «العراق مارَسَ، ولا يزال، الدور الفاعل بنزع فتيل الأزمات، ويمارس، اليوم، دوره بدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، والوقوف إلى جانب وقف إطلاق النار، والركون إلى تسويات عادلة، وانطلاقاً من قِيمه والتزاماته وطبيعة شعبه، فالعراق كان، وما زال وسيبقى، سنداً للشعوب في الأزمات، وستبقى جهود الحكومة متواصلة وفاعلة على مستوى اتصالات رئيس الوزراء بزعماء وقادة العالم، أو لقاءاته الداخلية، أو كل ما تقتضيه الحاجة أو تفرضه الظروف لاحقاً».

الفصائل تواصل

وفي وقت كانت تحط فيه طائرة رئيس الدبلوماسية الإيرانية في بغداد، كانت الفصائل العراقية المسلَّحة تواصل توجيه ضرباتها إلى إسرائيل، رغم الموقف المعلَن للحكومة العراقية الرافض لأي تصعيد في المنطقة.

وفي هجوم هو الثاني من نوعه خلال ساعات، أعلنت الفصائل المسلَّحة في العراق، الأحد، ضرب «هدف حيوي» لإسرائيل، في الجولان.

وذكر بيان صادر عن «المقاومة الإسلامية في العراق» أن مجاهديها هاجموا لـ«المرة الثانية خلال اليوم، هدفاً حيوياً في الجولان المحتل، بواسطة الطيران المسيّر».


مقالات ذات صلة

جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

خاص صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي) play-circle 01:12

جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

يروي جمال مصطفى السلطان، في الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة معه، كيف تلقت أسرة صدام حسين نبأ إعدامه، وقصة زواجه من حلا، كريمة صدام الصغرى، وأكلاته المفضلة.

غسان شربل
شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

ثمة من يعتقد أن إيران ستركز اهتمامها في مناطق نفوذها في العراق بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية

المحلل العسكري
خاص عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب) play-circle 03:44

خاص جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

ليس بسيطاً أن تكون صهر صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وليس بسيطاً أن تُسجن من عام 2003 وحتى 2021... فماذا لدى جمال مصطفى السلطان ليقوله؟

غسان شربل
المشرق العربي جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

قالت وزارة الخارجية العراقية إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية و«التعاون الإسلامي» بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

TT

جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي)
صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي)

لم يتوقع المحيطون بصدام حسين أياماً قاسيةً من قماشة التي عاشوها معه في المعتقل. لم يخطر ببالهم أن تلقي الآلة العسكرية الأميركية بكامل ثقلها فيتداعى النظام ويسقط مع الحزب والجيش، وأن تتقدم قوى حليفة لإيران إلى مواقع القرار في النظام الجديد.

دار الزمان دورة صاعقة وكاملة. الرجل القوي الذي كان ممسكاً بالمصائر تحوّل سجيناً مع شعوره أن موعد إعدامه آتٍ وإن تأخر قليلاً. كان الرجل عنيداً حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم تنكسر إرادته ولم يطلب لشخصه شيئاً من سجّانيه. ساهم في رسم صورة ما بعد إعدامه. وأعطاه الحكام الجدد فرصة تثبيت هذه الصورة باختيارهم توقيت الإعدام والتعرض بعده لجثته.

أركان القيادة الذين كانوا يتحلقون حول رئيسهم على طاولة مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء توزعوا هذه المرة في زنزانات المعتقل. استجوبهم أميركيون واستجوبهم عراقيون وكان الإعدام مدرجاً منذ البداية على جدول الأعمال.

صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي)

في هذه الحلقة يتحدث الدكتور جمال مصطفى السلطان عن رحيل رفاقه وأقاربه إلى حبل الإعدام. سيروي أيضاً كيف تزوج حلا أصغر بنات الرئيس صدام حسين، ويتحدث عن السلوك العائلي لصدام وهواياته، وهنا الحلقة الثانية:

سألت جمال مصطفى السلطان عن أبرز الذين أُعدموا خلال وجوده في المعتقل والظروف التي رافقت إعدامهم والملابسات فأجاب:

«السيد الرئيس والأستاذ طه ياسين رمضان، نائب رئيس الجمهورية، وخالي علي حسن المجيد، عضو مجلس قيادة الثورة، وخالي الآخر عبد حسن المجيد، وعواد البندر، وكيل رئيس الديوان، وبرزان إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق للرئيس، والفريق عبد حمود، سكرتير السيد الرئيس، وفاروق حجازي، وهو كان معاوناً لمدير المخابرات في مرحلة ما ثم سفيراً للعراق في تركيا.

لفهم ما رافق الإعدامات أحيلك إلى فيديو وزّع حديثاً لخضير الخزاعي النائب السابق لرئيس الجمهورية بعد الاحتلال. يعترف الخزاعي بالصوت والصورة أنه لم يجد ما يبرر حكم الإعدام الذي أصدرته المحكمة بحق الفريق عبد حمود. أخطر ما في الأمر اعترافه بأنه ذهب إلى إيران وتشاور مع مرجع قضائي هناك أورد اسمه، وأن الأخير شجعه على التوقيع ففعل. والحقيقة أننا شعرنا منذ البداية أن المحكمة أداة انتقام تعمل بأوامر إيرانية. أبلغوا عبد حمود بنقله إلى المستشفى، وفي المساء قال لنا الحراس إنهم نفذوا بحقه حكم الإعدام.

السيد الرئيس كان يتوقع أن يُعدم. والحقيقة هي أن مجرد وجوده حياً ولو في السجن كان يثير قلقهم. ويمكنني الجزم أن أعضاء القيادة واجهوا بشجاعة قرار إعدامهم ولم يبدر منهم أي ضعف أو يرف لهم جفن. ذات يوم أبلغوا برزان وعواد البندر بقرار الإعدام. كنت أمارس الرياضة مع عواد ولا أبالغ إن قلت إنه كان محتفظاً بتفاؤله. أخذوا برزان وبندر لتنفيذ الحكم ثم أعادوهما وأرجأوا التنفيذ إلى موعد لاحق ثم أعدموهما في اليوم نفسه. وفي موعد آخر عرفنا من الحراس أنهم أعدموا عبد حسن المجيد وفاروق حجازي وهادي حسن (ضابط في المخابرات).

سأعطيك فكرة عما كان يجري. ذات يوم لفقوا لي تهمة مفادها أنني أعطيت قبل الاحتلال السيد خميس الخنجر (سياسي سُنّي) مبلغ مائتين وخمسين مليون دولار. طبعاً لا أساس لهذا الكلام. قالوا لي: إذا لم تعترف بذلك ستبقى في السجن طيلة عمرك.

رفضت أن أخضع وقلت لهم إن علاقتي به عادية كوني كنت مهتماً بملف العشائر. عادوا إليّ لاحقاً بسيناريو مختلف. قالوا ننقلك إلى السفارة العراقية في الأردن وتعترف هناك بأنك سلّمته المبلغ، وبعد الاعتراف يطلق سراحك في عمّان مع مبلغ مالي ضخم. أجبت أنني لن أفعل مهما كان العرض ولن أتخلى عن قيمي للإيقاع بخميس الخنجر الذي كان صديقي. لفقوا لي لاحقاً تهمة المشاركة في عملية تجفيف الأهوار ولم تكن لي أي علاقة بهذا النوع من الملفات».

الاتصال الأول بعد الإعدام

سألته متى اتصل بزوجته حلا لتعزيتها بعد إعدام والدها الرئيس، وكيف كانت أوضاع والدتها السيدة ساجدة خير الله طلفاح التي تعيش معها فأوضح: «بعد خمسة أيام من استشهاد السيد الرئيس، اتصلت بعائلتي فتحدثت مع زوجتي ووجدتها تتمتع بمعنويات عالية جداً وكان إيمانها وصبرها عاليين جداً وفي الوقت نفسه سألتها عن عمتي السيدة أم عدي فطمأنتني وقالت لي إن معنوياتها عالية على رغم الألم. حقيقة المصاب كبير وجلل والتضحيات عظيمة ولكن الله سبحانه وتعالى حباها بالإيمان والصبر والعزيمة والهمة، وكانت الحقيقة قوية جداً، الله يعطيها الصحة والعافية ويطول بعمرها لأننا دائماً نستمد القوة منها والإصرار على المضي في هذا الاتجاه. خسرت عمتي نجليها عدي وقصي ثم خسرت زوجها. وهي في الحقيقة لعبت منذ البداية دوراً كبيراً في دعم زوجها السيد الرئيس منذ بدأ نضاله. كانت تسانده وتدعمه في عمله إلى أن وصل إلى القيادة واستمرت تسانده وتقف إلى جانبه وكان لها دور كبير».

بداية الرحلة مع الرئيس

يسترجع جمال مصطفى بداية رحلته مع صدام حسين على الشكل الآتي: «كان ذلك عندما باشرت عملي بالحماية الخاصة المرافقة للسيد الرئيس. أول لقاء حصل معه ورأيته. ربما كان لدي تصوّر مثل بعض العراقيين والعرب والإخوان أنه شخص صعب، لكن حقيقة رأيته إنساناً أبوياً. عندما تتعامل معه وتقترب منه تتكون لديك رؤية مختلفة عما كنت تعتقده، لأن تعامله أبوي جداً. هذا أول لقاء معه.

سألني عن اسمي ومن أكون. نحن أبناء العشيرة نفسها ونلتقي معه في الجد الرابع أي أننا (أبناء) أعمام. والدتي أيضاً ابنة عمه. في كل الاتجاهات نحن (أبناء) أعمام.

رافقت السيد الرئيس الله يرحمه قرابة 20 سنة، بدءاً من الحماية ثم كلفني بعمل شؤون المواطنين، أي الاهتمام باحتياجاتهم ومشاكلهم ومقابلاتهم معه. كان يهتم جداً بشأن المواطنين ولا يسمح بأن يظلم واحد منهم ويهتم بمعالجة المسائل لأي مواطن إذا كانت لديه مشكلة في الجانب المادي أو علاج أو أي جانب من الجوانب التي يحتاجها المواطن. وحقيقة، كان كثير من القوانين يتغير آنذاك بناء لشكوى قدمها مواطن. تُغيّر أو تُعدّل من خلال شكاوى المواطنين.

كان هناك هاتفان في مكتب السيد الرئيس ولهما اتصال بمكتبي. من لديه مشكلة يستطيع أن يتصل بالسيد الرئيس من خلال تليفونات المواطنين وأنا كنت أجاوب على اتصالاتهم وأسمع مشاكلهم وبعدما أسمع مشاكلهم أحدد لهم مقابلة السيد الرئيس وأحياناً أطلب من المتصل أن يحضر الطلب لنعالج له مشكلته. فكان أحياناً يدخل على التليفون ويتحدث معي ويقول لي: ما هو موضوع المواطن؟ فأخبره، فيقول لي: أعطني المواطن لأتحدث معه. وفعلاً يستمع له ويقول له تعال غداً إلى استعلامات المجلس الوطني لمواجهتي وفعلاً يأتي. وفي القصر الجمهوري والمجلس الوطني كانوا يتلقون طلبات المواطنين ويجلبونها إلى الاستعلامات فتصلنا ونوصلها إلى السيد الرئيس. وهكذا يلتقي خلال الأسبوع مئات المواطنين ويحل مشاكلهم وكان يهتم جداً بهذا الجانب.

أحكي كشخص تعامل معه عن قرب. إنسان حقيقة لا تستطيع أن تصفه ولم أر إنساناً بمثل هذه الطباع. يصغي ويهتم ثم يوجه بالحل. عندما كنت أعرض عليه أمراً أقول له: الموضوع الفلاني كذا كذا. يصغي إلى أن أكمل، ثم يطرح علي ويقول لي: باعتبار هذا العمل عملك واختصاصك، ما هو رأيك؟ فأعطيه رأيي ويأخذ به.

من خلال عملي أسوق لك بعض الأمثلة حصلت معي. كان هناك مؤتمر للشعراء في عمّان، وذهب إليه الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، وهناك حصلت لقاءات مع عراقيين وغير عراقيين، وهناك من قال له: لماذا لا تبقى أو حاول أن يبقيه في عمّان. كان ذلك قبل الحرب بفترة قصيرة. الرجل ربما تأثر بالكلام الذي قالوه له وكتب رسالة إلى عائلته يحثها على الالتحاق به في عمان. رسالته وقعت في يد جهاز المخابرات. طبعاً أجهزتنا كانت، رغم ظروف الحصار، قوية. جاءتنا الرسالة. بعثتها المخابرات في كتاب وقالوا إن هذا ما حصل مع عبد الرزاق عبد الواحد وهو يحث عائلته على الالتحاق به في عمّان.

جمال مصطفى السلطان (الشرق الأوسط)

عادة عندما تأتيني أمور كهذه، كمكتب سكرتير، نقوم بالفعل التالي: نبحث، أو نطلب آراء مسؤولين وقياديين، مثل الأستاذ طارق عزيز والأستاذ طه ياسين رمضان أو الأستاذ عزت إبراهيم. كل المسؤولين الكبار نطلب رأيهم، وبعد أن يكتمل الرأي نعرض المسألة على السيد الرئيس. اكتمل الرأي ولكن كانت الآراء متشددة أن هذا كيف يروح وهذا كذا... كلام فيه قسوة نوعاً ما. نحن كنا ذاهبين إلى اجتماع مجلس الوزراء وكان الفريق عبد حمود، الله يرحمه، السكرتير وأنا وأحمد حسين، الله يفرج عنه، الآن هو في السجن، رئيس الديوان. قلت لهم أنا رأيي الشخصي إننا بدلاً من أن ندخل في هذه التفاصيل والمتاهات أفضل أن نكلف ضابطاً من المخابرات يحمل الرسالة ويذهب إلى عائلة الشاعر الكبير وينقل تحيات السيد الرئيس إلى العائلة ويقول لهم هذه الرسالة موجودة عندكم، إن كنتم تريدون مغادرة البلد نحن مستعدون لمساعدتكم، وأي مساعدة تريدونها لذلك فنحن حاضرون. أما إذا كنتم تحبون البقاء في بلدكم فهذا أمر يخصكم. اختاروا ما يريحكم.

وفعلاً وصلنا إلى السيد الرئيس قبل أن ندخل إلى اجتماع مجلس الوزراء وعرض هذا الرأي وقال السيد الرئيس نعم، ونعم الرأي. قال هذا هو الصحيح، لأن عبد الرزاق عبد الواحد رجل محسوب علينا وهو من الشعراء الكبار في العراق فلا يمكن أن نتصرف تصرفاً غير هذا التصرف الحكيم. وفعلاً أرسلنا شخصاً إلى عائلة عبد الرزاق عبد الواحد، والعائلة امتنعت عن الالتحاق به في الأردن ثم دعوه للعودة إلى العراق ورجع إلى العراق وفعلاً كتب قصيدة جميلة جداً قبل الاحتلال، للسيد الرئيس وكرمه عليها وأهداه سيارة.

وعندي مثلاً مرة أخرى أتذكر أنا كنت مناوباً في يوم عيد وجاءني أحد مرافقي السيد الرئيس وقال لي: السيد الرئيس يسأل كيف دخلت طيارات المفتشين (الدوليين على أسلحة الدمار الشامل في العراق) ومن أعطاهم موافقة بالدخول؟ قلت له: أنا أيضاً ليس لدي علم من أعطاهم موافقة وليس لدي شيء بهذا الاتجاه بل سمعت بالأخبار مثلما أنتم سمعتم، وكان الأستاذ طه ياسين رمضان هو المشرف في تلك المرحلة على موضوع التفتيش، فاتصلت به وسألته عن الموضوع فقال لي: تفضل إلى بيتي لنتحدث في الأمر. ذهبت إليه وكتب لي مطالعة وقال لي: أنا أعطيت الموافقة بحكم صلاحيتي الممنوحة لي كعضو مجلس قيادة الثورة، وأنا تصرفت وفق صلاحيتي، وفعلاً رفعناها إلى السيد الرئيس، فقال: فعلاً مارس الرجل صلاحيته.

لم يكن يعترض عندما يكون هناك شيء صحيح. وأتذكر عندما كلفني العمل في شؤون المواطنين قال لي إنك ستكون مسؤولاً عن هذا العمل وهذه مسؤولية أمام الله وأمامي، وإذا جاء أي مشتكٍ عراقي عليك أو بالأحرى على عدي وقصي تأتي بها إليّ مباشرة، فقلت له: تأمر سيدي. هذه أمانة وإن شاء الله لا أقصر فيها. وفعلاً بعد فترة من الزمن، سنتين أو ثلاثاً، جاء مواطن و(اشتكى عليّ)، قدّم طلب (شكوى عليّ) فحملت شكوى المواطن وذهبت إلى السيد الرئيس الله يرحمه وقلت له سيدي هذا الموطن اشتكى عليّ، فقرأ الشكوى وهمش عليها: تُشكّل لجنة للتحقيق والتأكد من هذا الكلام. وفعلاً تشكلت لجنة وحققت معه ومعي وتبيّن أن هذا الكلام كان مغلوطاً وغير دقيق وانتهى الأمر.

أذكر مرة جاءتني شكوى من مواطن من الناصرية (يشتكي على) المحافظ، وفعلاً قدّم الطلب وقرأت طلبه ورفعته إلى السيد الرئيس وكتب: تشكّل لجنة للتحقق من الموضوع، وفعلاً تبينت مصداقية المواطن والمحافظ كان قائماً بعمل غير صحيح تجاه المواطن ونُقل على أثرها».

صهر الرئيس

متى ذهبت إلى الرئيس صدام حسين لتطلب يد ابنته حلا؟ أجاب: «في عام 1994 ذهبنا أنا وأعمامي وأخوالي كالعادة. نحن في عُرفنا وعُرف العراقيين عامة عندما تتقدم لطلب امرأة تأخذ أسرتك. أعمامك وأخوالك، أي الناس القريبين منك، لأجل طلب التي تسعى للزواج منها. وفعلاً ذلك حصل كما يحصل مع العوائل العراقية الأخرى، ومثلما يحصل مع عشيرتنا بالذات.

نحن من قبيلة البوناصر، وهي من القبائل الكبيرة في العراق، ويقطن أفرادها في مناطق عدة منها صلاح الدين والفلوجة والبصرة وكركوك. أخذت عدداً من أسرتي وأعمامي وأخوالي. تحدث أحد أعمامي إلى السيد الرئيس وطلب الزواج من كريمته حلا للمعني وهو جمال مصطفى. وافق السيد الرئيس وكان مرحباً. وعلى الفور كان القاضي قريباً. أتينا به في ذات اللحظة التي وافق فيها السيد الرئيس. عقد القران وتغدينا عند السيد الرئيس - الله يرحمه - مع أعمامي وأخوالي والجميع ثم غادرنا. أتذكر أول لقاء حصل مع حلا في 12-9، ثم تم الزواج في 26-9. فترة قصيرة، ونحن عادة عندما تحصل الخطبة لا تطول الفترة للزواج، فتم الزواج ومشينا في هذا الطريق.

كان السيد الرئيس يفصل بين العمل الرسمي وعلاقاته العائلية. عمله كان مختلفاً عن العائلة نهائياً. والعائلة لا علاقة لها بالعمل السياسي والدولة. لا تتدخل في هذا الجانب. فالسيد الرئيس في العمل رجل دولة، وعندما يأتي إلى البيت يأتي كأب، أي يتعامل مع أسرته كأب وأب مثالي. وكل أسرة تتمنى أن يكون عندها أب بمستواه لأنه يعتني بأولاده من الصغير إلى الكبير، يهتم بكل عائلته. عندما يجلس إلى الغداء مثلاً هو بنفسه يصب الطعام ويسأل أولاده ماذا يريدون؟ يصب لكل واحد منهم ويهتم جداً بالعائلة وأسرته. الدولة شيء والأسرة شيء آخر. وهو في الوقت ذاته يتعامل مع العراقيين كأب للعراقيين كلهم ولا يميز بين عدي وفلان من العراقيين. يتعامل معهم بنفس الصيغة وذات الأسلوب وبذات العدالة. هذا هو صدام حسين.

كما ذكرت لك، أي شكوى يتعامل معها بحدية وعدالة عالية مع أبنائه أو غير أبنائه. يتعامل بعدالة متناهية، لأنه يسعى دوماً إلى أن يحقق العدل للعراقيين بصورة عامة ولا يسمح بأن يظلم عراقي أبداً. لم يسمح بأن يظلم عراقي مهما كان وفي أي نقطة من العراق. فهو رجل، الله يرحمه ويغفر له، كان يتعامل مع أولاده بشدة إذا قصّروا في أي اتجاه من الاتجاهات».

هوايات صدام حسين

أي نوع من الطعام كان صدام حسين، وماذا كانت هواياته؟ يقول: «هو رجل عربي أصيل كان يحب الأكلات العربية العراقية الأصيلة. كان دائماً يطبخ بيده أكلة الهبيط. كان يطبخها بطريقته. نحن تعلمنا منه هذه الطريقة التي تجعل طعمها مختلفاً عن الهبيط الذي يطبخ في العراق. أي يكون لها طعم خاص مميز. وهي لحم ومرقة وثريد الخبز. هذا هو الهبيط. وفي الوقت نفسه الأسماك، المسكوف الذي يحبه العراقيون. كان هو يعدّه.

كانت لديه هوايات مختلفة، مثلاً ركوب الخيل، الفروسية، ثم الصيد والسباحة والرماية. كان يحب الصيد بشكل متواصل وكان أحياناً قبل أن يذهب إلى جبهات القتال مع إيران، يحاول في منطقة العمارة التي فيها كثير من أنواع الصيد كصيد الغزال والوزّ، وكان أحياناً يصطاد وهو في الطائرة. من المروحية. أحياناً يكون في الطائرة ومثلاً يمر رف أوز على ذات المستوى، فيطلق النار على الأوز ثم تنزل طائرة أخرى تحمل ما تم اصطياده. كان يمارس هذه الهواية لفترة من الفترات. ولكن لاحقاً صار المكان بعيداً والظروف صعبة فراح يمارس هواية صيد السمك بشكل متواصل.

كان بارعاً في الرماية منذ صغره. نحن بحكم تكويننا العشائري، بصورة عامة، كل واحد من الأولاد عندما يكبر قليلاً يبدأون في تعليمه الرماية ويكون رامياً جيداً. هذا هو تكويننا. في الوقت نفسه كان قارئاً كبيراً. يقرأ بشكل متواصل، دائماً يقرأ ويكتب أيضاً».

سألته عن الشاعر الذي أحبه صدام، فأجاب: «بصورة عامة كان يحب الاستماع إلى الشعراء. كان شعراء عراقيون كثيرون يسمعهم، مثلاً عبد الرزاق عبد الواحد كان من فحول الشعراء العراقيين، وكثيرون مماثلون كان يسمعهم، وبعضهم كانت له علاقة معهم.

لا أعتقد أن علاقة قوية ربطته بمحمد مهدي الجواهري. الجواهري أصوله فارسية، والرجل على مر العصور يختلف مع كل حكومة تأتي لأجل الاختلاف لا لأجل مصلحة عامة، بل لأجل مصالح شخصية، فيختلف مع كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق. لا يختلف لأجل الوطن إنما اختلاف شخصي ولأجل مآرب شخصية».