هل بدأ تنفيذ «خطة الجنرالات» في شمال قطاع غزة؟

إسرائيل توسّع عمليتها البرية... وتمنع المياه والطعام والوقود عن نحو 200 ألف محاصر

فلسطينيون ينزحون من شمال قطاع غزة السبت (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من شمال قطاع غزة السبت (رويترز)
TT

هل بدأ تنفيذ «خطة الجنرالات» في شمال قطاع غزة؟

فلسطينيون ينزحون من شمال قطاع غزة السبت (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من شمال قطاع غزة السبت (رويترز)

وسّعت إسرائيل، السبت، بشكل مفاجئ عمليتها العسكرية في شمال قطاع غزة، وطلبت إخلاء مزيد من المناطق المجاورة لمخيم جباليا الذي بدأت اجتياحاً له قبل 8 أيام، وسط قصف جوي ومدفعي وإطلاق نار من الآليات والطائرات المسيّرة، الأمر الذي خلّف مزيداً من الضحايا والدمار، بينما أُفيد بانقطاع المياه والطعام والوقود عن نحو 200 ألف محاصَر في المنطقة المستهدَفة.

وطلب الجيش الإسرائيلي من سكان أحياء جباليا البلد، وجباليا النزلة، وأجزاء من حي الشيخ رضوان (منطقة أبو إسكندر)، وهي مناطق تضم أكثر من 120 ألف فلسطيني، بخلاف الآلاف من النازحين الذين تكدّسوا فيها منذ أشهر، إخلاءها فوراً، ما خلّف حالة من الخوف والقلق والفوضى.

وقال مصطفى حلاوة (49 عاماً) ويسكن في حي الشيخ رضوان لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع مخيف. واضح أنهم قرروا السيطرة على شمال قطاع غزة مع انشغال العالم بما يحدث في لبنان». وأضاف: «يريدون إجبارنا على النزوح إلى جنوب قطاع غزة؛ ليبقى شمال القطاع خالياً من أي سكان».

وجاء التحرك الإسرائيلي المباشر تزامناً مع تحركات أخرى غير معلنة رصدها السكان في منطقة شمال بيت لاهيا، وأيضاً في المناطق الغربية لها، وشملت إطلاق نار وقصفاً مدفعياً طال أيضاً أجزاء من المناطق الشمالية لمدينة غزة وتحديداً مناطق الكرامة، ومحيط مقر المخابرات، والمقوسي.

ويُظهر الوضع في شمال القطاع توسيع إسرائيل بشكل كبير العملية العسكرية الجارية في مخيم جباليا، مع تشديد الحصار الذي حرم عدداً كبيراً من السكان من المساعدات، والوقود، والمياه الصالحة للشرب، وبعض الخضراوات.

فلسطيني يبكي أقاربه الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا ليلة الجمعة (أ.ف.ب)

ويخشى السكان من أن يكون ما يحدث في شمال القطاع تنفيذاً غير معلن لما عُرفت باسم «خطة الجنرالات» التي تحدّثت عنها وسائل إعلام عبرية باستفاضة في الأيام الأخيرة، خصوصاً بعدما أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً بدراسة الخطة وإمكانية تنفيذها.

وقالت ميرفت منصور (53 عاماً)، التي تسكن في مدينة غزة: «أصبح واضحاً أنهم يريدون دفعنا نحو الجنوب». وأضافت: «إنهم يحاصروننا بشكل كامل، ويوسّعون العملية، ويدمرون المباني، ويستهدفون مراكز الإيواء، ويرمون علينا المنشاير من أجل أن نخرج».

وتنص «خطة الجنرالات»، التي أعدها جنرالات سابقون في الجيش الإسرائيلي من أبرزهم رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، غيورا آيلاند، وقُدّمت لنتنياهو وهيئة أركان الجيش، على ضرورة القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة «حماس» في شمال القطاع، من خلال إفراغ المنطقة من سكانها تماماً، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها، واعتبار كل مَن يتبقّى داخلها «إرهابياً»، والعمل على تصفيته.

ولم ينفِ الجيش الإسرائيلي أو يؤكد تبني مثل هذه الخطة، واكتفى مصدر عسكري بالحديث لصحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن العملية هدفها تفكيك قدرات «حماس» التي أعادت بناءها شمال القطاع.

وفي محاولة لمنع إسرائيل من تطبيق الخطة، دعت وزارة الداخلية في قطاع غزة السكان في الشمال إلى عدم الالتفات إلى تهديدات وبيانات قوات الاحتلال، والبقاء في منازلهم ومناطق سكنهم ومراكز الإيواء، وعدم إخلائها.

وأكد كل من حلاوة ومنصور، بالإضافة إلى آخرين التقتهم «الشرق الأوسط»، أنهم لن يغادروا مناطقهم رغم التحذيرات الإسرائيلية.

وقال وائل النجار (31 عاماً): «أنا باقٍ هنا في جباليا. لقد متنا وجعنا وخسرنا كل شيء. لم يبقَ شيء نخسره». وأضاف: «إنهم يجرّبون كل شيء. قطعوا المياه والطعام، ويقصفون الآن. لكنني مستعدّ للموت هنا وليس في الجنوب».

وأكد «برنامج الأغذية العالمي» انقطاع خطوط المساعدات الغذائية إلى شمال قطاع غزة، مشيراً إلى أن خطر المجاعة «ما زال قائماً» في القطاع.

نازحون من شمال قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

وأوضح في منشور له عبر منصة «إكس»: «لم تدخل أي مساعدات غذائية إلى شمال غزة منذ الأول من أكتوبر (تشرين الثاني)» الحالي، مؤكداً أن تداعيات ما يحدث كارثية على الأمن الغذائي لآلاف الأسر الفلسطينية، مبيناً أن نقاط توزيع الأغذية شمال غزة اضطرت للإغلاق؛ بسبب تواصل القصف، وأوامر الإخلاء. وأشار إلى اندلاع النيران في المخبز الوحيد العامل في جباليا، بعد إصابته بذخيرة متفجرة.

وبحسب الدفاع المدني في قطاع غزة، فإن سكان مخيم جباليا وعدداً من المناطق المحيطة به دون مياه ولا طعام لليوم السابع على التوالي.

وقال الدفاع المدني: «هناك 200 ألف مواطن في مخيم جباليا ومحيطه يواجهون خطر الموت إما بالقصف الإسرائيلي، أو الجوع والعطش في ظل الحصار الخانق».

ويطال الاستهداف الإسرائيلي مقومات الحياة كلها. وطلب الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة من 3 مستشفيات تعمل في جباليا وبيت لاهيا، وهي «كمال عدوان»، و«الأندونيسي»، و«العودة»، إخلاءها من المرضى والطواقم الطبية، إلا أن الأطباء رفضوا، رغم إطلاق قذائف دخانية ومدفعية تجاهها.

وسمح جيش الاحتلال، صباح السبت، بإدخال شاحنة واحدة تحمل وقوداً لصالح مستشفى «كمال عدوان» الذي يستقبل الضحايا من داخل مخيم جباليا وبعض المناطق المحيطة به، حيث يتم إجلاء المصابين بصعوبة بالغة وتحت النار، بحسب ما يؤكد فارس عفانة مدير الإسعاف في الخدمات الطبية.

وقال عفانة، في تصريح لعدد من الصحافيين عبر خدمة «واتساب» من داخل مكانه في مخيم جباليا، إن هناك حالات لا يستطيعون الوصول إليها؛ بسبب تحرك الآليات الإسرائيلية والطائرات المسيّرة التي تطلق النار في كل مكان.

ويسمع سكان شمال قطاع غزة بأكمله، بما في ذلك مدينة غزة، انفجارات ضخمة يومياً تبين أنها ناجمة عن عمليات نسف منازل في مخيم جباليا ومنطقتي التوام والصفطاوي؛ ما يتسبب بارتدادات أرضية مثل «الهزات».

ولا يتمكّن السكان الموجودون في بعض مراكز الإيواء داخل مخيم جباليا ويتعرّضون لاستهدافات مباشرة وغير مباشرة، من معرفة ماذا يجري داخل المخيم بشكل مفصل. كما أن الصورة ما زالت غائبة عن كثير من الصحافيين بعد تكرار استهدافهم منذ بدء العملية هناك.

ويسيطر على سكان مدينة غزة، وشمال القطاع اللذين يقطن بهما أكثر من 370 ألف فلسطيني، كثير من الارتباك.

وقالت حركة «حماس» إن مجازر الاحتلال التي تشتد في جباليا هدفها معاقبة الأهالي على صمودهم في أرضهم ورفضهم كل محاولات التهجير عنها، في حين قالت مركزية حركة «فتح» إن شمال القطاع «يُباد» من قبل إسرائيل، داعيةً إلى ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ السكان في ظل تسارع وتيرة «الإبادة» بحقهم.


مقالات ذات صلة

إسرائيل توسّع عمليتها شمال غزة

المشرق العربي فلسطينيون ينزحون من مناطق شمال مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

إسرائيل توسّع عمليتها شمال غزة

وسّعت إسرائيلية عمليتها البرية في مخيم جباليا، شمال غزة، وسط معلومات عن انقطاع المياه والطعام والوقود عن نحو 200 ألف محاصَر في هذه المنطقة التي يسعى الجيش

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي أرشيفية أطفال بمركز لـ«الأونروا» في دير البلح بغزة (أ.ف.ب)

السعودية تدين قرار إسرائيل مصادرة مقر « الأونروا» بالقدس

أعربت وزارة الخارجية السعودية، عن إدانة المملكة واستنكارها بأشد العبارات قرار إسرائيل مصادرة الأرض المقام عليها مقر وكالة «أونروا» وتحويله إلى بؤرة استيطانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة

قالت مصادر فلسطينية إن الجيش الإسرائيلي فصل شمال قطاع غزة عن المدينة نفسها، محاصراً آلاف العائلات الموجودة في المنطقة الشمالية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي یحیی السنوار (أرشيفية - أ.ف.ب)

وثائق سرية... «حماس» حاولت إقناع إيران بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» محاضر 10 اجتماعات بين كبار قادة «حماس» للتخطيط لهجوم 7 أكتوبر، مشيرة إلى أن يحيى السنوار أراد مشاركة إيران و«حزب الله» في الهجوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقاء وفد حركة «فتح» في القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر تشدد على ضرورة تعزيز مسار المصالحة الفلسطينية

بدر عبد العاطي استعرض اتصالات مصر مع مختلف الأطراف لوقف الحرب في قطاع غزة، والتوصل لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والمحتجزين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة

علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة

علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

قالت مصادر فلسطينية، السبت، إن الجيش الإسرائيلي فصل شمال قطاع غزة عن المدينة نفسها، محاصراً آلاف العائلات الموجودة في المنطقة الشمالية.

وقال سكان محليون، في تصريحات منفصلة لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الجيش الإسرائيلي طوّق بلدة ومدينة جباليا شمال القطاع، من خلال إنشاء حواجز رملية، في حين واصل استهداف الفلسطينيين الذين يحاولون التحرك والنزوح من جباليا باتجاه مدينة غزة.

وأضاف السكان: «أن الجيش الإسرائيلي نسف مربعات سكنية بأكملها في جباليا؛ مخلفاً عشرات القتلى والجرحى والعالقين الذين لم يتمكن أي من طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم بسبب استهداف الجيش الإسرائيلي لهم».

ويواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية «معقدة» في مدينة ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين لليوم الثامن على التوالي، مخلفاً عشرات القتلى والجرحى.

وأفاد الدفاع المدني الفلسطيني، في بيان له، وصلت نسخة منه لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، بأن طواقمه تمكّنت من انتشال نحو 75 جثة لفلسطينيين قتلوا برصاص وقصف الجيش الإسرائيلي.

وأضاف الدفاع المدني: «ما زال العشرات من القتلى والضحايا ملقون في الشوارع، والجرحى الذين ينزفون ولا يجدون من يسعفهم بسبب منع الجيش الإسرائيلي الوصول إليهم».

وعلى مدار أيام، كان الجيش الإسرائيلي يطالب السكان بإخلاء منازلهم، وكذلك المستشفيات الثلاثة الموجودة في المكان، إلا أن عدداً من السكان قالوا إن الجيش كان يستهدفهم أثناء محاولتهم النزوح، ما اضطرهم للبقاء في منازلهم.

من جانبه، حذّر حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، من إصرار الجيش الإسرائيلي على إخلاء مستشفيات شمال قطاع غزة، ومنع إدخال الوقود إلى المستشفى، ما سيتسبب في موت العشرات من المرضى.

وقال أبو صفية، في اتصال هاتفي مع «وكالة الأنباء الألمانية»: «للأسف، قد لا نتمكن من استقبال مزيد من الجرحى، والذين غالباً سوف يموتون في الشوارع (...) نحن نناشد العالم لإنقاذ شمال قطاع غزة».

واتهم المكتب الإعلامي الحكومي الجيش الإسرائيلي بتعزيز ما وصفه بـ«الإبادة الجماعية» في جباليا ومحافظة شمال قطاع غزة، ومنع طواقم الإسعاف من أداء عملهم.

وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان له: «لليوم الثامن على التوالي من حصار جباليا وشمال غزة، يمنع جيش الإسرائيلي طواقم الإسعاف والدفاع المدني من انتشال أكثر من 75 شهيداً، من أصل 285 قتلهم الجيش خلال الأيام الثمانية الماضية».

وأضاف: «الجيش يرتكب مجازر ضد الإنسانية، ويمارس القتل العمد، عبر قصف مراكز النزوح والإيواء، ويرتكب عدة مجازر فظيعة ضد المدنيين من خلال القصف المقصود لتجمعات الأطفال والنساء».

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، استهدف الجيش كل القطاعات الحيوية شمال غزة، «ويسعى إلى تحويل محافظة شمال غزة إلى منطقة خراب وقتل، في إطار تحقيق خطته بتهجير شعبنا الفلسطيني».

وشدد على أن «ما تتعرض له جباليا ومحافظة شمال قطاع غزة جريمة استئصال، وجريمة ضد القانون الدولي وضد الإنسانية، ومطلوب من المجتمع الدولي وقف هذه المهزلة».

وحمّل كلاً من الجيش الإسرائيلي والإدارة الأميركية كامل المسؤولية عن «استمرار جريمة الإبادة الجماعية، ومواصلة استهداف وقتل المدنيين في جباليا وشمال غزة، خصوصاً قتل الأطفال والنساء».

وطالب المجتمع الدولي وكل المنظمات الأممية والدولية بالعمل على وقف جريمة «الإبادة الجماعية»، ووقف شلال الدم في قطاع غزة.