حرب الانبعاث أم حرب القيامة؟

الدوافع الدينية والسياسية للنهج الإسرائيلي في تسمية الحروب

الدخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على بيروت يوم الخميس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على بيروت يوم الخميس (أ.ف.ب)
TT

حرب الانبعاث أم حرب القيامة؟

الدخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على بيروت يوم الخميس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على بيروت يوم الخميس (أ.ف.ب)

أخطأ العرب الذين ترجموا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول نيته تغيير اسم الحرب الحالية من «السيوف الحديدية»، إلى «حرب هتكوما». لكن الخطأ يمكنه أن يجعل التسمية الخاطئة صحيحة، من دون أن يقصد الإسرائيليون ذلك.

فقد استخدم نتنياهو كلمة «تكوما» العبرية، وهي تعني بالعربية «انبعاث» وتعني أيضاً «قيامة». لكنه قصد منها «الانبعاث»؛ لأنه كان يتحدث في مستهل جلسة حكومته عن الإنجازات التي حققها جيشه في الحرب على غزة بشكل عام (تدمير 90 في المائة من قوة «حماس» العسكرية)، وفي لبنان بشكل خاص (الاختراق الأمني الكبير والاغتيالات التي طالت نحو 500 شخصية قيادية بارزة، بلغت أوجها باغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لـ«حزب الله»، وغالبية قيادات الصف الأول الأخرى). وما أراد قوله إنه في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فشلت إسرائيل في صد هجوم «حماس»، ولكنها في 7 أكتوبر التالي، يمكن القول إنها نهضت من جديد وردت على الهجوم. فإذا كان هناك من تخيل أن إسرائيل انهارت، فإنها انبعثت من جديد.

وقد عبر عن ذلك قائلاً: «هذه هي حرب الانبعاث لضمان عدم تكرار السابع من أكتوبر. هذه حرب من أجل وجودنا. فعلى عكس ما حدث في أثناء الهولوكوست، لقد انتفضنا ضد أعدائنا لخوض حرب شرسة».

والقيامة هي العكس والنقيض للانبعاث؛ لأنها في المفهوم الديني تعني آخر أيام الكون، «يوم القيامة». وكما هو معروف، فإن الكثيرين من الخبراء، وبينهم إسرائيليون أيضاً، يحذرون من أنه في حال استمرار القيادات الإسرائيلية في سياسة التفوق العرقي والعجرفة والتكبر والاعتقاد بأنهم قادرون على كل شيء، وإذا لم يعرفوا ويقتنعوا بأن هناك حدوداً لمفهوم القوة، فإن الحرب ستنتهي بكارثة قومية على إسرائيل. فيكون فعلاً يوم القيامة.

جنود إسرائيليون في الجليل الأعلى قرب الحدود مع لبنان يوم الخميس (أ.ف.ب)

إلا أن هذا النقاش حول تسمية الحرب جاء ضمن الحرب الخفية التي تدور وتستعر بين نتنياهو وقيادة الجيش وبقية الأجهزة الأمنية. فالجيش هو الذي اختار تسمية الحرب على غزة باسم «السيوف الحديدية»، وقصد بذلك أن الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس» سيكون بالسيوف الحديدية التي تقطع الرؤوس؛ أي شرسة ووحشية. وهي كانت كذلك فعلاً. ومثل هذه الوحشية لم تعرف في حروب سابقة في العصر الحديث، لكن نتنياهو أراد أن يظهر أن هجوم «حماس» أمسك بإسرائيل في لحظة ضعف وانهيار، بسبب إخفاقات الجيش، وأنه بقيادته القوية يوقف إسرائيل على أقدامها، ينهضها، ويعيد إليها الانبعاث. وكان الكثير من نشطاء اليمين قد سخروا في حينه من تسمية الجيش للحرب، وتهكموا عليهم قائلين: «يجب تسمية الحرب بسيقان دجاجة».

ولكن اللافت في هذه المعركة إلى الأسماء ما يحتويها من إشارات بشأن طريقة إطلاق التسميات على الحروب والعمليات الحربية. فهذه التسميات متنوعة، لكنها تستند لشيء؛ قسم منها سياسي، مثل حرب 1948، التي تسمى في إسرائيل حرب الاستقلال. أو «حرب الأيام الستة» في 1967؛ لأنها هزمت الجيوش العربية بستة أيام، أو حرب «يوم الغفران»؛ كونها وقعت في يوم الغفران، وهو يوم صوم وتسبيح وتسامح. أو حرب لبنان الأولى سنة 1982، التي سُميت «سلامة الجليل».

أسلحة وذخائر قال الجيش الإسرائيلي إنه صادرها خلال عملياته في جنوب لبنان يوم الأربعاء (رويترز)

لكن هناك تسميات تستند إلى مفاهيم دينية من التوراة أو التاريخ اليهودي. حتى الحرب على غزة، لها تفسير ديني ليس رائجاً بشكل واسع في الشارع، لكنه منتشر في المجتمع الديني فيقول إن «السيوف الحديدية» (حرفوت برزيل)، تساوي كلمة «راحيل» من حيث التناسب الرقمي. ففي اللغة العبرية يتم تحويل الأحرف إلى أرقام. «برزيل» تساوي الرقم 239 و«راحيل» تساوي الرقم 238، فإذا أضيف إليها اسم الله تصبح 239. وراحيل هو اسم قديسة يهودية، ضريحها مشهور على مدخل مدينة بيت لحم الفلسطينية. وهي معروفة كأم رحوم. وفي أحد الاجتياحات لقطاع غزة، سنة 2014، روى جنود يهود متدينون أنهم شاهدوها تطل عليهم من غزة وسط زنار نور بهيج، وتباركهم وتبشرهم بالانتصار دائماً على غزة. ولذلك يشكرون الجيش الذي اختار هذا الاسم للحرب.

وقد شهدت تسميات الجيش الإسرائيلي بشكل عام اعتماداً غير قليل على التعابير والمفاهيم الدينية. بحسب بحث أجرته د. داليا جبرئيلي نوري في جامعة «بار إيلان» قرب تل أبيب، فإنه من مجموع 81 عملية حربية قامت بها إسرائيل ضد جيرانها العرب، استند الثلث إلى التوراة، والثلث إلى الطبيعة، والثلث إلى السياسة. الاعتماد على الطبيعة كان يهدف إلى إعطاء طابع إيجابي لعملية وحشية جداً، مثل اسم عملية «ربيع الشباب» الذي أعطى للهجوم الذي نفذته قوة الكوماندوز بقيادة إيهود باراك على 13 موقعاً في بيروت سنة 1973، والتي تم فيها اغتيال كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار.

وفي اعتماد السياسة، اختير اسم «الرصاص المصبوب»، للإشارة إلى أن إسرائيل صامدة في وجه الانتقادات الدولية كالرصاص.

وفي اعتماد الأسس الدينية يذكر اسم «عامود عنان»، التعبير الذي يشير إلى أن الله رافق اليهود في خروجهم من مصر بعامود نور في السماء.

وكان لافتاً أن حركة «حماس»، بالذات، انتهجت تسميات مشابهة في عملياتها، تلك التي بادرت إليها هي بنفسها أو التي بادرت إليها إسرائيل. فقد أطلقت على هجومها في 7 أكتوبر «طوفان الأقصى». والعملية التي أسمتها إسرائيل «الرصاص المصبوب»، سنة 2008، أسمتها حركة «حماس» باسمها «حرب الفرقان». وعملية «عمود عنان» في 2012 ضد غزة، أسمتها الحركة «حجارة السجيل»، في إشارة لحجارة سجيل التي سقطت على أبرهة الحبشي وجيشه الذي جاء ليهدم الكعبة، والتي ذُكرت في القرآن في سورة «الفيل». وعملية «الجرف الصامد» الإسرائيلية ضد غزة، في 2014 أسمتها الحركة «العصف المأكول»، أيضاً من سورة «الفيل». وعملية «حارس الأسوار»، في 2021، أطلقت عليها «حماس» اسم «سيف القدس».


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تنشر النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان

خاص دخان يتصاعد من قصف بيروت (أ.ف.ب)

«الشرق الأوسط» تنشر النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان

حصلت «الشرق الأوسط»على النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الذي يتضمن 13 بنداً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة نتنياهو يصلان إلى مطار سيدني في أستراليا 22 فبراير 2017 (رويترز)

زوجة نتنياهو تطلب اعتبارها ضحية لهجوم استهدف منزل العائلة

طلب محامي سارة نتنياهو - زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - من المحكمة الاعتراف بزوجة رئيس الوزراء كضحية لهجوم استهدف منزلهما في قيسارية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

إيطاليا: هناك كثير من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال نتنياهو

قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الثلاثاء، إن هناك كثيراً من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (فيوجي (إيطاليا))
أوروبا وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني في مؤتمر صحافي بختام أعمال اجتماع وزراء «مجموعة السبع» في فيوجي الثلاثاء (أ.ف.ب)

«مجموعة السبع» لـ«حل دبلوماسي» في لبنان

أنهى وزراء خارجية «مجموعة السبع» اجتماعها الذي استمر يومين في فيوجي بإيطاليا، وقد بحثوا خلاله القضايا الساخنة في العالم.

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب متلفز للإعلان عن موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان (أ.ب) play-circle 00:30

نتنياهو: سنوافق على اتفاق وقف إطلاق النار

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الثلاثاء)، أن الحكومة الأمنية ستوافق هذا المساء على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، مع «حرية الحركة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

TT

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)
عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)

تحوّلت العاصمة بيروت إلى هدف أساسي للجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، بعد تحذيرات أطلقها المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، إلى مناطق وأحياء بيروتية للمرة الأولى، ما أثار حالة من الرعب والخوف في أوساط المواطنين الذي خرجوا من منازلهم قبل تنفيذ التهديدات، لا سيما أن المناطق المُحددة مكتظة بالسكان، ومعظمها لا يُعدّ محسوباً على «حزب الله».

وفيما أفادت «القناة 12» الإسرائيلية بأن تل أبيب جهّزت خطة عسكرية كاملة للساعات الأربع والعشرين الأخيرة من الحرب مع لبنان، بدأ استهداف بيروت ظهر الثلاثاء بغارة على منطقة النويري، القريبة من وسط العاصمة، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية بأن غارة «نفذها الطيران الحربي المعادي» استهدفت مبنى «في المنطقة الواقعة بين النويري والبسطة في بيروت». ودمّرت الغارة «مبنى مؤلفاً من 4 طوابق يؤوي نازحين»، وفق الوكالة.

ومن موقع الغارة في النويري، وقفت رولا إلى جانب زوجها وسام جعفر باكية تحتضن ابنها الذي فقد لوقت قصير: «كنا في البيت، وفجأة وقعت الضربة، طرنا، والجدران كلها تناثرت علينا (...) الصدمة كانت صعبة جداً».

وبعد النويري التي استُهدفت دون إنذار، توالت التحذيرات الإسرائيلية لمناطق في العاصمة بيروت، بحيث قال أدرعي إنها تستهدف فروعاً لـ«القرض الحسن». وقال في منشور له على منصة «إكس»: «يواصل الجيش الإسرائيلي العمل بقوة لتفكيك بنى (حزب الله). على المدى الزمني القريب سنقوم بمهاجمة فروع عدة لجميعة (القرض الحسن)؛ حيث تحتوي هذه الفروع على أموال تمويل إيرانية وأخرى من مصادر الدخل لـ(حزب الله) التي تُستخدم في الواقع لإدارة وتخزين مصالح الحزب»، مضيفاً: «هذه الغارات ستُشكل ضربة إضافية لسلسلة التمويل الإيرانية لـ(حزب الله) الذي يستخدم هذه الجمعية لأغراضه العسكرية».

وفي منشورات متلاحقة، حذّر أدرعي السكان الموجودين في مبانٍ محددة على الخرائط في مناطق رأس بيروت والمزرعة والمصيطبة وزقاق البلاط لإخلائها، إضافة إلى مبانٍ في مدينتي صيدا وصور، علماً بأنها المرة الأولى أيضاً التي يستهدف فيها وسط مدينة صيدا.

وخلال أقل من ساعة على التحذيرات التي جعلت العائلات تخرج من منازلها على وجه السرعة من دون أن تعرف الوجهة التي ستذهب إليها، بدأت الغارات الإسرائيلية باستهداف منطقة النويري مرة ثانية، ومن ثم مارالياس (كانت قد استُهدفت قبل نحو أسبوع)، وبربور والمزرعة وشارع الحمرا، ومناطق أخرى للمرة الأولى.

وفيما أدى هذا الخوف إلى زحمة سير خانقة في كل أحياء وشوارع العاصمة، اضطرت عائلات من بعض المناطق، ولا سيما الفقيرة منها، على غرار منطقة الجناح، للخروج سيراً على الأقدام.

عمليات بحث عن ضحايا تحت أنقاض أحد المباني الذي استهدف في غارة إسرائيلية (أ.ب)

وفي تعليق منه على التصعيد، قال عضو كتلة «حزب الله» النائب أمين شري، بينما كان يتفقد موقع الغارة في بيروت، إن «العدو الإسرائيلي» قبل «التسوية يريد أن ينتقم من كل جمهور المقاومة ومن كل اللبنانيين» مشيراً إلى «عشرات الإنذارات» التي وجهها الجيش الإسرائيلي قبل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب.