قرى مسيحية بين نارَي إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان تكافح للبقاء

صورة عامة لقرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
صورة عامة لقرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

قرى مسيحية بين نارَي إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان تكافح للبقاء

صورة عامة لقرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
صورة عامة لقرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

يجد سكان قرى مسيحية حدودية في جنوب لبنان أنفسهم محاصرين بين نيران القصف المتبادل بين «حزب الله» وإسرائيل، لكنهم يرفضون ترك بيوتهم والاستسلام لحرب «فُرضت عليهم»، كما يقولون.

بعد عام من بدء التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، تحوّلت المواجهات عبر الحدود اللبنانية، اعتباراً من 23 سبتمبر (أيلول)، إلى حرب مفتوحة ازداد وقعها على سكان رميش المسيحية التي تبعد نحو كيلومترين عن الحدود مع إسرائيل.

ويقول جوزيف جرجور (68 عاماً) في اتصال مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال فسحة قصيرة توافرت فيها شبكة الإنترنت الضعيفة بالقرية: «نحن مسالمون؛ ليس لدينا سلاح، ولا نحبّ الحرب منذ الأمس وحتى الآن. نريد البقاء في بيوتنا ولا نريد أن نكون طرفاً».

ولا تكلّ أصوات القصف في القرية النائية التي تفترش هضابها بيوت بأسطح حمراء تصدّعت من عصف الانفجارات المتكررة.

في القرية المعروفة بزراعة التبغ وحقول الزيتون، يقول جرجور: «نحن محاصَرون... الطرق ليست ميسرة، ومن الصعب التوجه نحو بيروت».

ويضيف: «إذا قصفت إسرائيل يعبر القصف فوق رؤوسنا، وإذا ردّ عليها الحزب يمرّ فوق رؤوسنا».

مع ذلك، يقول الرجل الذي يعيش مع زوجته في القرية: «نحن صامدون في قريتنا حتى النفس الأخير. لن نتخلى عنها أو عن بيوتنا. سنبقى فيها مهما حصل».

يراقب السكان تبادل إطلاق النار على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في قرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

صعوبات

وسط صعوبة التنقُّل، برز شُحّ في بعض السلع لدى سكان رميش البالغ عددهم حالياً نحو 6 آلاف شخص يشكّلون نسبة 90 في المائة من عدد السكان الإجمالي، وفق رئيس البلدية ميلاد العلم، فيما تستضيف البلدة أيضاً مئات النازحين من قريتي عين إبل ودبل المجاورتين.

ويقول العلم: «الحياة متوقفة منذ أكتوبر 2023. كل المهن الحرة والأعمال والقطاع الزراعي توقفت، ومَن كان لديه مدخرات صرفها خلال الأشهر الماضية».

ويضيف: «نحن كبلدية تمكنّا من تأمين بعض المساعدات» من منظمات غير حكومية تُنقل بمواكبة الجيش اللبناني ومعرفة من «اليونيفيل»، ووصل آخرها الخميس: «لكن لا نستطيع أن نحلّ مكان الدولة».

خلال الحروب العديدة التي مرّت على جنوب لبنان، وصولاً إلى حرب يوليو (تموز) 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل، لم تفرغ القرية يوماً من السكان.

ويقول العلم إن حرب 2006 «استمرّت 33 يوماً... أما الآن فهي متواصلة منذ عام، ولا نعرف الأفق. هذا الأمر لا يشجع السكان على النزوح لأنهم إن غادروا فعلاً، لا يعرفون متى يمكن أن يعودوا».

وبقيت القرى ذات الغالبية المسيحية في جنوب لبنان بمنأى، إلى حدّ بعيد، عن القصف الإسرائيلي، منذ بدء المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» الذي فتح «جبهة إسناد» لقطاع غزة من لبنان في الثامن من أكتوبر 2023، غداة اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

أما القرى الشيعية المحيطة، فقد لحقها دمار هائل بسبب القصف الإسرائيلي، وفرغت من سكانها.

وتعترض شريحة كبيرة من اللبنانيين، لا سيما مسؤولين سياسيين ودينيين مسيحيين، على فتح «حزب الله» جبهة من جنوب لبنان.

في إحدى عظاته، يناير (كانون الثاني)، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي إن أهالي القرى الحدودية «يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم»؛ فهم يرفضون أن يكونوا «رهائن ودروعاً بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة».

تُظهِر هذه الصورة مدخل قرية القليعة المسيحية في جنوب لبنان - 10 أكتوبر 2024 ويظهر في الوسط تمثال للقديس جرجس (أ.ف.ب)

محاولة نسيان الحرب

مثل رميش، لا يزال ثلثا سكان قرية القليعة التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود مَوجودين فيها أيضاً.

ويقول كاهن الرعية بيار الراعي إن السكان قرّروا البقاء على الرغم من ورود اسم القرية في إنذارات الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة. ويضيف: «لن نخلي. نحن أشخاص مؤمنون ومتمسكون بأرضنا».

توجد في القرية حالياً نحو 550 عائلة، من أصل 900، وفق الكاهن، رغم صعوبة توافر بعض الأدوية وشحّ الوقود، وأحياناً صعوبة التحرك، وإغلاق المستشفى الأقرب في بلدة مرجعيون المجاورة.

ويتابع: «لا أعمال عسكرية في بلدتنا. جهدنا حتى لا تكون هناك أي أعمال عسكرية هنا... ولا توجد منشآت عسكرية».

في القرية التي يتوسطها تمثال للقديس جرجس، الحركة خفيفة صباحاً، وأصوات القصف والقصف المضاد تُسمَع بوضوح.

لكن السكان يحاولون تخفيف عبء الحرب عن بعضهم، لا سيما عبر الأنشطة الكنسية، كما تقول بولين متى (40 عاماً).

وتضيف: «أقمنا مخيماً صيفياً للأطفال لأسبوعين... القصف فوقنا... كانت المسيّرة تحلّق فوقنا... لم نكن لنتمكّن من الاستمرار هذا العام لولا تلك الأنشطة... نذهب إلى الكنيسة، وننسى أن هناك حرباً».

إلا أن الخوف لا ينتهي تماماً. وتروي أنها أجهشت بالبكاء حين علمت أن قريتها باتت من القرى المهدّدة بالإخلاء.

وتقول الأم لأربعة أولاد، أكبرهم يبلغ من العمر 18 عاماً، وأصغرهم فتاة في الرابعة: «لم أعد أحتمل أصوات جدار الصوت أو القصف. أصرخ حين أسمعها».

لكن فكرة النزوح بعيداً تثير قلقها، لا سيما أن راتب زوجها الجندي في الجيش اللبناني ليس كبيراً.

وتشدّد المرأة على أن الحرب «فُرِضت علينا، لا علاقة لنا بها. أصررنا على البقاء. لماذا نرحل؟ أنا مصرَّة على البقاء على الرغم من أنني أم لأربعة أولاد. لا أريد أن أتشرّد على الطريق».


مقالات ذات صلة

عمليات نسف إسرائيلية لمنازل في يارون وكفركلا بجنوب لبنان

المشرق العربي جنديان إسرائيليان خلال عمليات تمشيط جنوبي لبنان (موقع الجيش الإسرائيلي)

عمليات نسف إسرائيلية لمنازل في يارون وكفركلا بجنوب لبنان

أقدمت القوات الإسرائيلية على نسف عدد من المنازل، مساء الأربعاء، في بلدتَي يارون وكفركلا في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)

لبنان يتمسك بتحييد شمال الليطاني عن جنوبه والكلمة لهوكستين

الجديد في مواصلة إسرائيل خرقها لوقف النار منذ دخوله حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يكمن في قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن غارة على بلدة…

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)

هاجس إنهاء «المقاومة» يسكن «حزب الله»

استخدم أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم 7 مرات في خطابه الأخير مصطلحي «استمرارية المقاومة» و«المقاومة مستمرة»، حيث أقر أيضاً بخسارة طريق إمداده عبر سوريا

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي اكتظاظ العائدين إلى الضاحية (إ.ب.أ) play-circle 01:09

اللبنانيون يقعون فريسة «طمع التجار» لإصلاح ما دمَّرته الحرب مع إسرائيل

يعاني العائدون إلى منازلهم المتضررة نتيجة الحرب، من ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في إعادة ترميم منازلهم، لا سيّما الزجاج والألمنيوم

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني أمام مبنى مدمر في بلدة الخيام في جنوب لبنان (رويترز) play-circle 02:51

تململ داخل بيئة «حزب الله» نتيجة البطء في دفع التعويضات والمحسوبية

رغم التطمينات التي يحاول «حزب الله» بثّها في أوساط جمهوره فإن التململ من التباطؤ في دفع التعويضات والمحسوبيات بدأ يتوسّع تدريجياً في بيئته.

كارولين عاكوم (بيروت)

عشرات القتلى والجرحى جراء قصف إسرائيلي في غزة

فلسطينيون يتفقدون خيما قصفتها القوات الإسرائيلية في وقت سابق لدى مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون خيما قصفتها القوات الإسرائيلية في وقت سابق لدى مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عشرات القتلى والجرحى جراء قصف إسرائيلي في غزة

فلسطينيون يتفقدون خيما قصفتها القوات الإسرائيلية في وقت سابق لدى مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون خيما قصفتها القوات الإسرائيلية في وقت سابق لدى مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (أ.ف.ب)

قال مسعفون في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس إن عشرة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب 20 جراء ضربتين إسرائيليتين على غزة.
وقُتل خمسة أشخاص وأصيب 20 في قصف إسرائيلي لمنزل في حي الزيتون بمدينة غزة. وحذر المسعفون من أن عدد القتلى مرشح للارتفاع بالنظر لأن هناك العديد من الأفراد المحاصرين تحت الأنقاض. وفي حادث منفصل، قُتل خمسة صحفيين جراء قصف إسرائيلي استهدف مركبتهم في محيط مستشفى العودة في النصيرات بوسط غزة. وكان الصحفيون يعملون لصالح قناة «القدس اليوم» التلفزيونية.
ووفقا لوسائل إعلام فلسطينية ومراسلين محليين فإن المركبة كانت تحمل شعارا يوضح أنها مركبة إعلامية، واستخدمها الصحفيون لتغطية التطورات من داخل المستشفى ومخيم النصيرات. ولم يصدر على الفور تعليق من جانب إسرائيل بشأن الضربتين. وتبادلت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وإسرائيل أمس الأربعاء الاتهامات بالمسؤولية عن الفشل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار رغم حديث الجانبين خلال الأيام الماضية عن إحراز تقدم.