متهمون بالسرقة معلقون على أعمدة الضاحية... حرب لبنان «تُهَجِّر» الأمن

TT

متهمون بالسرقة معلقون على أعمدة الضاحية... حرب لبنان «تُهَجِّر» الأمن

متهمون بالسرقة معلّقون على أعمدة في الضاحية الجنوبية (وسائل التواصل الاجتماعي)
متهمون بالسرقة معلّقون على أعمدة في الضاحية الجنوبية (وسائل التواصل الاجتماعي)

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لرجال مربوطين على أعمدة في شوارع ضاحية بيروت الجنوبية، وخلفهم آثار الدمار الهائل الذي تركته الغارات الجوية الإسرائيلية في المنطقة التي كانت مكتظة بالسكان، وباتت شبه خالية منذ وصول شرارات الحرب إليها أواخر الشهر الماضي، ليتبين أنهم اتهموا بتنفيذ سرقات، وأمسك بهم شبان المناطق، في غياب الحضور الأمني الرسمي الفاعل، وغياب شبه تام لعناصر «حزب الله» الذي كان يتولى الأمن في معاقله.

«إنهم أشجع منا»، يقول مسؤول أمني لبناني رفيع لـ«الشرق الأوسط»، متحدثاً عن الشبان الذين يلاحقون السارقين المشتبهين. وأضاف أن «اللصوص يستهدفون المنازل المتضررة جزئياً من الغارات الإسرائيلية، مستغلين حالة الفوضى التي تعقب الغارات».

ولا تقتصر هذه الحالة على الضاحية، بل امتدّت على مساحة الأماكن المستهدفة في الجنوب والبقاع وغيرهما من المناطق اللبنانية، حيث بات من الصعب على القوى الأمنية الوجود وسط ساحة الحرب التي تستهدف هذه المناطق بشراسة.

ولم يوفر القصف المتواصل قوى الأمن والجيش الذي سقط له أربعة جنود في حوادث قصف متفرقة، فيما أصيب الكثير من مخافر قوى الأمن الداخلي التي سحب الكثير منها في أكثر من منطقة. ويقول المصدر الأمني إن «قوى الأمن الداخلي أجرت عمليات إعادة نشر لعناصرها إلى مناطق أكثر أمناً، مع إبقاء العين الأمنية قدر الإمكان في الأماكن الممكنة».

متهمون بالسرقة معلّقون على أعمدة في الضاحية الجنوبية (وسائل التواصل الاجتماعي)

وفي ضاحية بيروت الجنوبية أفرغت الحرب الكثير من المخافر، وانتقل أكثرها إلى أماكن مجاورة مع استمرار «الحد الأدنى» من الحضور الأمني، فيما أخلى الجيش اللبناني حواجزه على مداخل الضاحية التي نصبها منذ عام 2013 خلال التفجيرات التي قام بها موالون لتنظيمات متشددة آنذاك.

واحتفظ الجيش بمراكز داخل الضاحية في ثلاثة أماكن على الأقل، كما تنتشر قواته فور حصول التفجيرات للمساعدة في عمليات الإنقاذ. وكان الجيش اللبناني نفذ عملية إعادة انتشار من نقاطه على الحدود قبيل بدء العملية البرية الإسرائيلية، لكنه «لا يزال ينشط في العديد من الأماكن جنوباً لتنفيذ عمليات إجلاء للسكان أو تأمين إمدادات للعالقين جراء الحرب».

وفي خضم الحرب الإسرائيلية التي هجّرت الآلاف من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، هناك من وجد فرصة لاستغلال غياب العائلات عن منازلها بالدخول إليها وسرقتها. وبعدما كانت قوى الأمن الداخلي قد أعلنت، الثلاثاء، عن إلقاء القبض على سارق من الجنسية الفلسطينية، انتشرت، الأربعاء، صور على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيها رجال معلّقون على أعمدة الكهرباء في منطقة الضاحية، وكتبت على صدورهم كلمة «حرامي».

وأشارت المعلومات إلى أن شباناً من المنطقة لا يزالون متواجدين في الأحياء لحراسة الأحياء عمدوا إلى الإمساك بأشخاص يحاولون سرقة المنازل في الضاحية، وعلقوهم على الأعمدة، وهو ما لاقى ردود فعل متباينة بين من دعم هذه الخطوة واعتبر أن من شأنها أن تحد من ظاهرة السرقات التي تعم المناطق الخطرة التي اضطر أهلها إلى مغادرتها خوفاً من القصف، وبين من اعتبر أن معاقبة هؤلاء يجب أن تكون من مسؤولية القوى الأمنية، وكان يفترض تسليمهم إلى الأجهزة للقيام بواجباتها.

وفي حين يرفض المصدر الأمني الحديث عن «ظاهرة سرقات»، يلفت إلى أن هناك بعض «المجرمين الانتحاريين، الذين يستغلون هذا الوضع وغياب السكان عن منازلهم للسرقة، والقوى الأمنية تقوم بإلقاء القبض عليهم عند التبليغ عنهم».

مشتبهان بالسرقة في ضاحية بيروت الجنوبية (وسائل التواصل الاجتماعي)

وكانت المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي أعلنت، الاثنين، إلقاء القبض على سارق في منطقة صور. وقالت في بيان لها: «في إطار المتابعة اليومية التي تقوم بها قوى الأمن الداخلي لمكافحة الجرائم في مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، توافرت معلومات لدى شعبة المعلومات حول قيام شخص مجهول بتنفيذ عمليات سرقة من داخل شقق سكنية في صور والمناطق المجاورة، مستغلاً نزوح سكّانها بفعل الحرب».

وأشارت إلى أنها ضبطت «بحوزته مبلغاً مالياً وأجهزة خلوية ومجوهرات وآلات إنترنت وأغراضاً أخرى، واعترف بما نسب إليه لجهة إقدامه على الدخول إلى الشقق السكنية التي تعرض بعضها للضرر جراء القصف وسرقة ما توفر من داخلها، كما اعترف بتعاطي المخدّرات».

وتسبب القصف الإسرائيلي المتواصل على الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع بدمار هائل، وأدى إلى نزوح آلاف العائلات، وتخطى عدد النازحين حتى الآن المليون و200 ألف، حيث تم توزيعهم على مراكز الإيواء بشكل أساسي في مناطق جبل لبنان والشمال.


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
المشرق العربي عمال يزيلون الأنقاض من موقع غارة جوية إسرائيلية على احد المنازل في بعلبك (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

أفادت تقارير إعلامية لبنانية اليوم (السبت) بمقتل خمسة في قصف إسرائيلي استهدف بلدة شمسطار في بعلبك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني تقف قرب المبنى المستهدف في البسطة (الشرق الأوسط) play-circle 00:39

مصدر أمني لبناني: استهداف قيادي بـ«حزب الله» في ضربة بيروت

كشف مصدر أمني لبناني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «قيادياً كبيراً» في «حزب الله» الموالي لإيران جرى استهدافه في الغارة الإسرائيلية التي طاولت فجر اليوم بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد نتيجة غارة جوية إسرائيلية على قرية الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله»: قتلى وجرحى من الجيش الإسرائيلي في اشتباكات بجنوب لبنان

أعلن «حزب الله»، السبت، أن عناصره اشتبكت مع قوة إسرائيلية كانت تتقدم باتجاه بلدة البياضة بالجنوب اللبناني، وأسفرت الاشتباكات عن قتلى وجرحى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».