إسرائيل تأمر بإخلاء شواطئ الجنوب... هل تمهّد للإنزال البحري؟

صياد لبناني على متن قارب صيد في مرفأ صيدا جنوب لبنان (رويترز)
صياد لبناني على متن قارب صيد في مرفأ صيدا جنوب لبنان (رويترز)
TT

إسرائيل تأمر بإخلاء شواطئ الجنوب... هل تمهّد للإنزال البحري؟

صياد لبناني على متن قارب صيد في مرفأ صيدا جنوب لبنان (رويترز)
صياد لبناني على متن قارب صيد في مرفأ صيدا جنوب لبنان (رويترز)

تتسارع وتيرة التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان، سواء بتكثيف الغارات الجوية والتدمير الممنهج في الجنوب والضاحية والبقاع، أو بالتوغل البرّي المحدود، وباتت أشبه بمسلسل يسهر اللبنانيون على فصوله المرعبة كلّ ليلة، لكنّ إسرائيل لم تكتفِ بهذه الوتيرة، بل فجّرت مفاجأة جديدة، تمثلت بتوجيه إنذار طلبت فيه «إخلاء الشواطئ البحرية الجنوبية، بدءاً من مدينة صيدا، وصولاً إلى الناقورة الواقعة على حدود فلسطين المحتلّة».

وحذر الإنذار، مساء الاثنين، اللبنانيين من «الوجود على ساحل البحر جنوب نهر الأولي»، معلناً أنه «سيستهدف المنطقة البحرية في جنوب لبنان». واستخدم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي اللغة العربية؛ حيث وجّه تحذيراً عاجلاً للأفراد لـ«تفادي ارتياد شاطئ البحر أو ركوب قوارب على ساحل لبنان من نهر الأولي جنوباً حتى إشعار آخر».

ولم يبرر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الأسباب الكامنة وراء هذا الطلب؛ ما فتح الباب على تفسيرات مقلقة، إذ اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو أن «إصرار إسرائيل على إخلاء الشواطئ في جنوب لبنان من الناس أمر مثير للاهتمام، خصوصاً أن (حزب الله) ليست لديه مراكز عسكرية على البحر ولا زوارق حربية تشكل تهديداً للإسرائيليين». ورأى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا الإنذار يهدف إلى الضغط على الناس للخروج من مناطق الجنوب بسرعة، بما يتيح له استخدام البوارج الحربية للتخلّص من كل منصات الصواريخ المتوسطة، مثل (فلق) و(الفجر) وغيرها التي تهدد أمن الشمال الإسرائيلي».

وتخوّف الحلو من أن «تمهّد إسرائيل لعمل عسكري كبير، ربما عبر إنزال لقوات المشاة البحرية، أو تدخل البوارج البحرية لضرب كل مواقع الحزب الموجودة على الساحل، وإرباكه، وعدم حصر اهتمامه بالحدود البرية الجنوبية».

صابر صياد لبناني يفك شباكه في مرفأ صيدا رغم التهديدات الإسرائيلية (أ.ب)

هذا التحذير سبقته دعوة وجهها الجيش الإسرائيلي لسكان مدن وقرى الجنوب لإجلائها والتوجّه إلى شمال مجرى نهر الأولي؛ ما يعني أن سكان مدينة صيدا الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً من العاصمة بيروت مشمولين بهذه الدعوة، وتعززت المخاوف لدى رواد الشاطئ وصيادي الأسماك الذين تركوا مراكبهم وأخلوا الشاطئ على الفور.

من جهته، أشار مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، إلى أن «الإنذار الإسرائيلي بإخلاء الشواطئ ينبئ بعمليات ما قيد التحضير قد تفاجئ اللبنانيين بأي وقت». ولا يستبعد أن تكون غايتها «استهداف مخازن أسلحة ونقاط عسكرية تابعة لـ(حزب الله)، وربما الاستعداد لإنزال من البحر لتشتيت قوات الحزب المتمركزة على الحدود وفي الداخل».

وأوضح نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الإسرائيلي «لا يكشف عن نياته، ونلاحظ الآن أنه يخفض من سقف توقعاته، خصوصاً عندما يتحدث عن عملية برية محدودة، حتى لا تنعكس عليه سلباً إذا أخفق في تحقيق الهدف الأكبر، لكنه قد يفاجئنا بالوصول إلى نهر الأولي إذا ما نجح في خرق الحواجز العسكرية الكبيرة للحزب في القطاع الأوسط».

ونبّه البيان الإسرائيلي إلى أن «نشاط (حزب الله) يجبر الجيش (الإسرائيلي) على العمل ضده حيث سيعمل في الوقت القريب في المنطقة البحرية ضد أنشطة (حزب الله)». وقال: «من أجل سلامتكم امتنعوا عن الوجود في البحر أو على الشاطئ من الآن وحتى إشعار آخر، فالوجود على الشاطئ وتحركات القوارب في منطقة خط نهر الأولي جنوباً يشكلان خطراً على حياتكم».

ورأى العميد خليل الحلو أن «تهديد الشواطئ قد يسهّل التقدم البرّي من الجنوب». وقال: «صحيح أن الجيش الإسرائيلي «اخترق الشريط الحدود عبر الوحدة 91 وفي بعض الأماكن حتى 2 كلم، ودخل إلى بلدتَي مارون الراس ويارين، وهذا الدخول مجرد عمليات استطلاع من أجل اختبار قدرات مقاتلي (حزب الله) ومحاولة كشف تحصيناتهم، لكنه بالتأكيد يتكبد خسائر كبيرة ويتخوف من مفاجآت يخبئها الحزب على طول الجبهة».

القلعة البحرية في مدينة صيدا جنوب لبنان (رويترز)

وتتعدَّد السيناريوهات التي قد يلجأ إليها الإسرائيليون لتحقيق أهداف الحرب، وهي القضاء على قدرات «حزب الله» الصاروخية وحتى الميدانية، ولا يستبعد الدكتور سامي نادر أن «يوسّع الإسرائيلي نطاق عملياته شرقاً باتجاه الجولان أو منطقة كفرشوبا للتقدّم نحو البقاع الغربي، ومنه إلى سهل البقاع، لأن غايته القضاء على الصواريخ الاستراتيجية الموجودة في البقاع وعلى الجانب السوري القريب من حدود لبنان».


مقالات ذات صلة

الجيش اللبناني: توقيف سورييْن جنّدتهما إسرائيل لتصوير آثار غاراتها

المشرق العربي تصاعُد الدخان جرّاء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

الجيش اللبناني: توقيف سورييْن جنّدتهما إسرائيل لتصوير آثار غاراتها

أعلن الجيش اللبناني، الأربعاء، توقيفه سورييْن اثنين، قال إن إسرائيل جنّدتهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق آثار الغارات التي تشنّها على مناطق عدة في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان وسط القصف الإسرائيلي المستمر (أ.ف.ب)

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: «حزب الله» يحاول التغطية على خسائره الكبيرة

قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، اليوم (الأربعاء)، إن جماعة «حزب الله» اللبنانية تحاول إخفاء خسائرها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

مخاطر الحرب الإسرائيلية على لبنان من المنظور الفرنسي

قلق فرنسي من المقاربة الأميركية للحرب الإسرائيلية في لبنان، وباريس مستعجلة لعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان، ووزير خارجيتها يحذّر من خطط نتنياهو إزاءه.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي متهمون بالسرقة معلّقون على أعمدة في الضاحية الجنوبية (وسائل التواصل الاجتماعي) play-circle 00:20

متهمون بالسرقة معلقون على أعمدة الضاحية... حرب لبنان «تُهَجِّر» الأمن

في خضم الحرب الإسرائيلية التي هجّرت الآلاف من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، أخذ من تبقى من السكان على عاتقهم فرض الأمن بأياديهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان في 9 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل أربعة أشخاص على الأقل بغارة إسرائيلية على لبنان

قالت وزارة الصحة اللبنانية إن أربعة أشخاص على الأقل لقوا حتفهم، اليوم (الأربعاء)، في غارة جوية إسرائيلية على منطقة تقع جنوب العاصمة بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نجا من 4 محاولات اغتيال... من قائد «كتيبة بلاطة» الذي قتلته إسرائيل؟

TT

نجا من 4 محاولات اغتيال... من قائد «كتيبة بلاطة» الذي قتلته إسرائيل؟

قائد «كتيبة بلاطة» وسط مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية في أبريل 2023 (الشرق الأوسط)
قائد «كتيبة بلاطة» وسط مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية في أبريل 2023 (الشرق الأوسط)

اغتالت قوات خاصة إسرائيلية 4 فلسطينيين وسط مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، إذ استهدفت مركبة كانت تقلّهم وسط المدينة.

وقالت «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» (وفا) إن «قوة من المستعربين (القوات الخاصة) تسللت إلى مدينة نابلس وأطلقت النار على مركبة كان يستقلّها أربعة شبان قرب السوق الشرقية، فيما دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات كبيرة إلى شارع القدس قادمة من جهة حاجز حوارة العسكري، ثم انسحبت عقب ذلك».

ومن بين من استهدفتهم القوات الخاصة الإسرائيلية، صلاح الصلّاج، قائد «كتائب شهداء الأقصى – الثأر والتحرير» التابعة لحركة «فتح» في مخيم بلاطة بالمدينة.

قائد «كتيبة بلاطة» وسط مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية في أبريل 2023 (الشرق الأوسط)

وكان الصلّاج قائداً لـ«كتيبة بلاطة» التي ضمّت في تشكيلاتها عناصر من «فتح» و«حماس» والجهاد الإسلامي» قبل الإعلان عن تشكيل مسلح جديد. وتتهم إسرائيل الكتيبة بتنفيذ سلسلة من العمليات ضد أهداف للجيش والمستوطنين في شمال الضفة الغربية وتلاحق قادتها وعناصرها منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

وولد الصّلاج عام 1993 في مخيم بلاطة، أكبر مخيمات الضفة الغربية، والتحق بمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» قبل الانضمام لصفوف حركة «فتح» بالمخيم والالتحاق بجناحها العسكري.

ونجا الصلّاج من 4 محاولات اغتيال سابقة وأصيب في إحداها بإصابات بالغة قبل أن تتمكن الوحدات الخاصة الإسرائيلية من الوصول إليه، الأربعاء، في نابلس. وكانت إسرائيل تتهم الصلّاج بالتخطيط وتنفيذ عمليات مسلحة ضدها وتصنيع العبوات الناسفة.

لقاء مع «الشرق الأوسط»

وكانت «الشرق الأوسط» التقت الصلّاج بين أزقة مخيم بلاطة في أبريل (نيسان) 2023، في ذروة نشاط مجموعته المسلحة، إذ قال الشاب المقنع حينها والمسلح ببندقيته إن قراره ورفاقه حملَ السلاح مجدداً جاء مدفوعاً بتصاعد هجمات الجيش والمستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية.

قائد «كتيبة بلاطة» وسط مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية في أبريل 2023 (الشرق الأوسط)

ولفت الصلّاج، في الحوار الذي تستعيده «الشرق الأوسط»، إلى الاختلال في موازين القوى بين أسلحة عناصر الكتيبة الفردية وقدرات الجيش الإسرائيلي العسكرية، مشيراً إلى أن المواجهة هذه «لا تعكس إلا حجم العناد» لدى جيل جديد من الفلسطينيين على وقع تصاعد العنف وارتفاع وتيرة سياسات الضم والاستيطان.

ويتصاعد العنف في الضفة الغربية منذ بدء حرب إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وقُتل المئات من الفلسطينيين في اشتباكات مع قوات إسرائيلية، بمن في ذلك مقاتلون مسلحون وشبان يرشقون القوات بالحجارة ومدنيون.