الوافدون من لبنان إلى سوريا... معاناة عبر الحدود

ضرب المعابر وقطع الطرق لم يحدّ تدفق الهاربين من الحرب

هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
TT

الوافدون من لبنان إلى سوريا... معاناة عبر الحدود

هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)

لم تحدّ الغارات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان منذ بدء الضربات الإسرائيلية لـ«حزب الله» في لبنان، من تدفق الوافدين اليومي من لبنان إلى سوريا، ليتجاوز العدد الإجمالي للوافدين منذ 24 سبتمبر (أيلول) 78500 وافد لبناني، بينما تجاوز عدد العائدين السوريين نحو 219400 عائد، وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات السورية.

وأوضحت عضو المكتب التنفيذي في محافظة ريف دمشـق، آلاء الشيخ، لوكالة «سانا» الرسمية، أن «دخول الوافدين من لبنان عبر معبر جديدة يابوس استمر سيراً على الأقدام، بعد استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي للطريق الدولي قرب معبر المصنع، فجر الجمعة، وخروج الطريق عن الخدمة؛ حيث عبر يوم الجمعة نقطة جديدة يابوس نحو 2700 وافد لبناني، ونحو 6 آلاف عائد سوري».

وصلت مئات العائلات إلى شمال غربي سوريا بحثاً عن ملجأ عبر معبر عون الدادات الواقع بين مدينتي جرابلس ومنبج (فيسبوك)

سائق تاكسي على خط دمشق- بيروت، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلب الوافدين من النساء والأطفال كانوا يحملون ما قل من حاجياتهم، ويعبرون الحفرة العميقة التي خلفها القصف، لافتاً إلى أن العمل في مكاتب ختم الجوازات لم يتوقف على جانبي الحدود، كما لم تتوقف الحركة من دمشق إلى بيروت؛ حيث يتم التنسيق بين مكاتب السفريات، وتقوم السيارات السورية بإيصال المسافرين إلى نقطة الحدود السورية ليعبروا سيراً على الأقدام نحو النقطة اللبنانية، ثم يستقلون سيارات لبنانية لإكمال الطريق إلى وجهتهم في لبنان. وأكد السائق أن الضربات الإسرائيلية قد لا توقف حركة العبور بين جانبي الحدود؛ لكنها تجعلها أخطر وأكثر كلفة.

واستهدف الطيران الإسرائيلي ليل الجمعة مبنى في بلدة الجمالية، شمالي بعلبك، لجهة الطريق الدولية. ما أدى إلى قطع الطريق الدولي رياق- بعلبك الذي يصل الأراضي السورية بريف حمص الغربي، والذي يعد من 3 طرق دولية تصل بين لبنان وسوريا.

طفل ينظر من شباك حافلة أقلته مع عائلته إلى ريف إدلب شمال غربي سوريا الجمعة (إ.ب.أ)

واستهدف القصف إسرائيلي الأسبوع الماضي أكثر من مرة معبر مطربا الحدودي الذي يصل بين منطقة القصير بريف حمص الغربي ومنطقة الهرمل اللبنانية. كما قصفت إسرائيل معبر كفر يابوس وعدة معابر غير شرعية أخرى، في المناطق الوعرة بمنطقة الزبداني بريف دمشق، بينما تواصل المُسيَّرات الإسرائيلية مراقبة الحدود السورية- اللبنانية بشكل مستمر، في محاولة لتضييق الخناق على «حزب الله» اللبناني، ومنعه من نقل السلاح من سوريا إلى لبنان؛ حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي رأى أن «هذه الرقابة المشددة هي جزء من استراتيجية إسرائيلية تتبعها بهدف محاولة شل حركة عمليات نقل السلاح للحزب؛ خصوصاً في ظل تصاعد التوترات على الأراضي اللبنانية».

ويواجه الوافدون مخاطر كثيرة في ظل الاستهداف الإسرائيلي للمعابر، أبرزها الانتظار لساعات طويلة، قد تصل إلى أيام عند المعابر لعدم توفر وسائل نقل تقلهم إلى وجهتهم في الداخل السوري، و«معاناتهم لا تنتهي عند الحدود»، حسب المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، رولا أمين، التي أشارت في مؤتمر صحافي عقد في جنيف إلى أن معظم الوافدين من لبنان هم سوريون ولبنانيون، ونحو 1450 من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين وبعض المهاجرين، لافتة إلى أن 60 في المائة من الوافدين هم من الأطفال والمراهقين، وهناك أطفال وصلوا بمفردهم. وكثير من العائدين السوريين ليس بحوزتهم أي موارد لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما أفادت رولا أمين بتوجه غالبية الوافدين الجدد إلى مدنهم وقراهم الأصلية للالتحاق بأقاربهم، بينما يحتاج البعض إلى مكان للإقامة. وتستضيف مراكز الإيواء في ريف دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص وحماة الآن الوافدين السوريين واللبنانيين.

سوريون وصلوا بعد رحلة دامت 5 أيام إلى ريف إدلب شمال غربي سوريا الجمعة (أ.ف.ب)

وتعاني المفوضية من نقص حاد في التمويل؛ سواء في لبنان أو في سوريا؛ حيث تحتاج المفوضية إلى 111 مليون دولار لتقديم مساعدات في لبنان من أصل 425.7 مليون دولار يحتاجها لبنان لتقديم المساعدة الحيوية لأكثر من مليون شخص نزحوا من بيوتهم. بينما حصلت المفوضية على 27 في المائة من احتياجها لتقديم مساعدات في سوريا البالغ 460 مليون دولار.

ومنذ 24 سبتمبر وصل إلى العراق أكثر 5 آلاف وافد لبناني، منهم أكثر من 500 عبروا الحدود السورية- العراقية عن طريق معبر القائم الحدودي.

وبينما قدمت الحكومتان السورية والعراقية تسهيلات وخدمات للوافدين، عبر المعابر الرسمية، يعاني من سلك طرقاً غير شرعية لا سيما العائدين السوريين من صعوبات كثيرة؛ حيث علق نحو 2400 عائد في معبر عون الدادات الذي يربط مناطق سيطرة «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، في شمال سوريا، مع مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بانتظار السماح لهم بالعبور إلى مناطق سيطرة المعارضة، في ظل غياب المواد الإغاثية الأساسية.


مقالات ذات صلة

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

المشرق العربي غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

غارات إسرائيلية على محيط مدينة السفيرة بريف حلب

استهدفت غارات إسرائيلية محيط مدينة السفيرة بريف حلب، حسبما وكالة الأنباء السورية (سانا)، التي أشارت إلى «معلومات أولية عن عدوان إسرائيلي» على محيط المدينة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لعناصر من الميليشيات الإيرانية

الحساسيات العشائرية السورية تهدد النفوذ الإيراني في البوكمال

تفجر التوتر في البوكمال في وقت تعمل فيه إيران على إعادة تموضع ميليشياتها في سوريا على خلفية الاستهداف الإسرائيلي لمواقعها داخل الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أرشيفية لمجموعة من الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في دير الزور (المرصد السوري)

الميليشيات الإيرانية ممنوعة من دخول منطقة السبع قرى في دير الزور

نصبت القوات الروسية حاجزاً عسكرياً على الجسر الحربي الرابط بين ما يعرف بـ«القرى السبع» وغرب الفرات، ومنعت دخول أي عنصر من الميليشيات الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق التشكيلية الكردية تناولت آلام النساء في زمن الحرب (الشرق الأوسط)

التشكيلية الكردية يارا حسكو تحتفي بالمرأة وتُجسِّد مآسي الحرب

يضمّ معرضها مجموعة أعمال دخلت من خلالها إلى روح النساء، رابطةً ظروف حياتهنّ الخاصة برسومها، لتعيد سرد قصة كل لوحة بحركات وتعابير تحاكي الحرب السورية وتقلّباتها.

كمال شيخو (القامشلي)
رياضة عربية أعلنت إدارة نادي الوحدة في بيان لها أنها قامت بتسديد كامل قيمة العقوبة (نادي الوحدة)

الدوري السوري: تأجيل جميع مباريات نادي الوحدة

أعلن الاتحاد السوري لكرة القدم عن تأجيل جميع مباريات نادي الوحدة، ضمن مسابقة الدوري العام، موسم 2024 - 2025، «حتى إشعار آخر».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

بعد 14 ساعة قضاها تحت ركام مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، نجا الطفل علي خليفة من الموت بأعجوبة. لكنه خسر، كما يروي أحد أقربائه، والديه وشقيقته وجدتيه. واضطر الأطباء لبتر يده.

على سرير في قسم العناية المشدّدة للأطفال في أحد مستشفيات مدينة صيدا الساحلية قبل نقله إلى مستشفى أكثر تجهيزاً في بيروت، كان الطفل ذو السنتين تحت تأثير منوّم: رأسه ملفوف بضمادة بيضاء، وجفناه منتفخان، ووجهه المتورم تكسوه الجروح، في حين يخرج أنبوب التنفس الاصطناعي من فمه. وتبدو من تحت غطاء أبيض طبي يده المبتورة فوق المعصم.

بتأثّر شديد، قال حسين خليفة (45 عاماً)، خال والد الطفل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «علي هو الناجي الوحيد من عائلته. قُتل والده محمّد، وأمه منى، وشقيقته الصغيرة نور، وجدتاه. كان يتنفّس بصعوبة عندما أُخرج بعد 14 ساعة تحت الأنقاض».

الطفل اللبناني علي خليفة يرقد في المستشفى (أ.ف.ب)

واستهدفت غارة إسرائيلية ليل 29 أكتوبر (تشرين الأول) مبنى من طبقات عدة في بلدة الصرفند الواقعة على بعد قرابة 15 كيلومتراً جنوب صيدا؛ ما أسفر وفق حصيلة أوردتها وزارة الصحة في الليلة ذاتها عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 21 آخرين بجروح. لكن حصيلة القتلى ارتفعت في اليوم اللاحق، وفق سكان البلدة، إلى 15 قتيلاً غالبيتهم أقرباء.

«ما زال نائماً»

في اليوم التالي للغارة، أحضرت فرق الإنقاذ معدات ورافعات ثقيلة لرفع الأنقاض. وشاهد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع طبقات متكدسة من الركام، بعدما أسفرت الغارة عن تفتت المبنى بأكمله فوق رؤوس قاطنيه وتضرر أبنية وسيارات مجاورة.

وروى حسين: «كاد عمال الإنقاذ يفقدون الأمل في العثور على أحياء تحت الركام (...) حتى اللحظة التي أصابت الجميع بصدمة، حين ظهر علي بين الحجارة في رفش الجرافة، بعدما كان الجميع ظنوا أنه فارق الحياة».

بعد نقله إلى المستشفى، قرّر الأطباء المشرفون على علاج علي «بتر يده اليمنى من المعصم»، وفق ما قال حسين.

ونُقل علي في وقت لاحق إلى مستشفى في بيروت لاستكمال علاجه وحاجته إلى البقاء في العناية المشددة.

وقال حسين: «حين أصابت الغارة علي، كان نائماً على كنبة في منزله، وما زال حتى اليوم نائماً... ننتظر التئام جراحه وأن يصحو»، مضيفاً بتأثر شديد: «متى يصحو؟!».

عام من التصعيد

الطفل علي هو في عداد آلاف الجرحى الذين أصيبوا جراء غارات كثيفة تشنها إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، وتستهدف بشكل خاص معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، حيث أوقعت أكثر من 2600 قتيل، وفق وزارة الصحة.

وخلال أكثر من عام من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، أحصت وزارة الصحة مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين.

وقلبت الغارة الدامية على المبنى في الصرفند حياة الشقيقتين زينب (32 عاماً) وفاطمة (30 عاماً) خليفة رأساً على عقب خلال لحظات مرت ثقيلة عليهما في حين كانتا تتسامران في الغرفة ذاتها.

زينب خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

إثر الغارة، تم نقل الشقيقتين إلى مستشفى في الصرفند، لتبدآ رحلة علاج طويلة من كسور وشظايا وحروق وفقدان أحبة ترك ندوباً قاسية.

ونقل حسين خليفة، وهو خال الشقيقتين، عن زينب قولها إنها «لم تسمع أصوات الصواريخ التي انهالت على منزل عائلتها، بل شعرت بظلمة تعمّ المكان وصراخاً يصمّ الآذان».

وأوضح أنها بقيت ساعتين تحت أنقاض المبنى قبل نقلها إلى المستشفى حيث تبلغت لاحقاً بمقتل والديها وزوجها وأطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات.

«أكبر من إصابة جسدية»

واستدعت إصابتها نقلها قبل أيام إلى أحد مستشفيات بيروت لحاجتها إلى تلقي علاج متخصص بالعيون، في حين تتابع شقيقتها فاطمة علاجها في مستشفى البلدة.

وشرح طبيب العناية الفائقة والتخدير علي علاء الدين من المستشفى في الصرفند، أن «الإصابات توزعت في أنحاء جسديهما: كسور في القدمين وتضرّر في الرئتين».

فاطمة خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

وبينما خضعت فاطمة في المستشفى لـ«عمليات ترميم الجمجمة والصدر، ومعالجة الرئتين»، فقدت شقيقتها زينب «إحدى عينيها وتحتاج العين الأخرى إلى علاج جراء إصابة بالغة»، وفق الطبيب.

وتكسو الجروح وجه زينب وتحيط بعينها اليمنى، في حين تغطي ضمادة بيضاء عينها اليسرى. أما شقيقتها فاطمة، فرأسها ملفوف بضمادات والحروق تعلو وجهها.

وتابع الطبيب: «حالة زينب وفاطمة ليست من أصعب الحالات التي نواجهها خلال الحرب، لكنها الأقسى من الناحيتين النفسية والإنسانية». وقال: «الأضرار النفسية التي لحقت بزينب أكبر بكثير من إصابتها» الجسدية.

ورغم أنها لا تتمكن اليوم إلا من رؤية نور خافت، قال الطبيب: «يبقى أملنا كبيراً في أن تستعيد الرؤية».