الركام والدخان يخنقان الضاحية: لا أثر لمعالم إنسانية تحت الأنقاض

خريطة الاستهدافات توسَّعت... و«حزب الله» يعِد بإعادة إعمار

TT

الركام والدخان يخنقان الضاحية: لا أثر لمعالم إنسانية تحت الأنقاض

آثار الدمار في مبانٍ وعمارات دمَّرتها غارات إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (الشرق الأوسط)
آثار الدمار في مبانٍ وعمارات دمَّرتها غارات إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (الشرق الأوسط)

فوجئت سارة بحجم الدمار الذي أحيط بمنزلها، لحظة وصولها إلى مبنى كانت تقيم فيه في الضاحية. «هذه السيارة كيف وصلت إلى هنا؟»، تسأل، في إشارة إلى سيارة منقلبة ومهشمة تستقر على موقف السيارات الفرعي في عمارتها، ليتبين لاحقاً أن هذه السيارة «طارت جراء عصف الانفجار من موقف سفلي في مبنى ملاصق تعرض للاستهداف فجر الأربعاء».

والصدمة التي عبّرت عنها خلال تفقدها دماراً هائلاً يحيط بمنزلها، تمثل جزءاً من ذهول عبَّر عنه عشرات الصحافيين ومراسلي القنوات الأجنبية، لدى معاينتهم بعض مواقع الاستهداف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية، خلال جولة مفتوحة نظمها «حزب الله»، وشارك فيها نحو 200 صحافي ومصوّر وممثل وسيلة إعلامية.

صحافيون يعاينون مبنى قناة «الصراط» الدينية التي دمَّرتها غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (الشرق الأوسط)

خريطة الاستهدافات

تختلف الحرب بامتداداتها اليوم، عما كانت عليه في حرب يوليو (تموز) 2006. كان الدمار في ذلك الوقت شبه مقتصر على منطقة حارة حريك، حيث كان يوجد ما يُعرف بـ«المربع الأمني» لـ«حزب الله»، وقد سوّته إسرائيل بالأرض تماماً.

أما الآن، فإن خريطة الاستهدافات توسَّعت إلى رقع أكثر اتساعاً. تبدأ الاستهدافات المتفرقة من تخوم مدخل الضاحية الشمالي في حي الأميركان وبئر العبد وطريق صيدا القديمة، وتصل إلى مداخل الضاحية من جهة الجنوب في الشويفات، مروراً بالعمق في الرويس وحارة حريك، والأطراف الشرقية في الجاموس والسان تيريز. كبرت الضاحية كثيراً خلال 18 عاماً، وتوسعت معها أهداف إسرائيل فيها، مما لا يبقي منطقة آمنة فيها.

مبنى على أوتوستراد «هادي نصر الله» يخفي دماراً هائلاً في مربع سكني خلفه (الشرق الأوسط)

تغيير معالم الضاحية

من منطقة بئر العبد، بدأت الجولة الإعلامية، حيث سوّت غارة إسرائيلية مبنى قناة «الصراط» التلفزيونية بالأرض. القناة دينية، ولا تنشر محتوى سياسياً. على أنقاض المبنى، ردّ مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف، على الاتهامات الإسرائيلية بأن المباني تُستخدم لأغراض عسكرية. قال إن «الأبنية التي استهدفها العدو الإسرائيلي، مدنية، وهدف إسرائيل التدمير وتغيير معالم الضاحية». وقال عفيف إن إسرائيل «تسعى لتحريض بيئة الحزب عليه»، لكنه أكد أن البيئة تلتف حوله. وقال إن الحزب «سيعيدها أجمل مما كانت»، في إشارة إلى العبارة التي أطلقها أمين عام الحزب حسن نصر الله بُعيد حرب يوليو (تموز) 2006، حين أعلن عن مشروع إعادة إعمار الضاحية الجنوبية التي دُمّرت بفعل الحرب.

قضت الغارات الجوية على مربعات سكنية كاملة بالضاحية الجنوبية لبيروت (الشرق الأوسط)

تدمير مربعات سكانية

لم تخرج المنطقة من صدمتها جراء «التدمير الهائل» الذي قضى على المعالم الإنسانية، كما الحضرية والمدنية. يحاول الواقف فوق الدمار البحث عما يشير إلى أن سكاناً هنا كانوا موجودين. لكنه لا يجد. محت الانفجارات معالم الحياة. لا أثر لأثاث المنازل، ولا صور معلقة على جدران أو كتب أو قصاصات ورق تلوح بين الركام. لا زجاج وأواني منزلية حتى! الحياة هنا، كأنها لم تكن. أفرغت التهديدات المنطقة من سكانها، فيما مسحت الغارات حيوات أشخاص وذكرياتهم ومعالم حياة امتدت لسنوات طويلة.

عَبَرَ الصحافيون بين دخان لا يزال يتصاعد من ركام مبانٍ دُمرت قبل ساعات قليلة، ومن بينها مبنى في «حي الأميركان»، أحد أرقى الأحياء في الضاحية، ويقع على مدخلها الشمالي. الدخان كثيف، أشبه بسحابة ضبابية. رائحة الحريق تتسلل من بين الحجارة المطحونة، والأسقف المنهارة التي شملت أيضاً أسقف مواقف السيارات السفلية في المبنى.

تقول سارة التي حضرت إلى الضاحية لـ«إجلاء القطط الأربع العالقة في المنزل»، أن المباني الملاصقة لموقع سكنها «كان عبارة عن مجمع يضم ست بنايات، دُمرت بالكامل نتيجة الغارة الإسرائيلية». تقول: «هنا وقف جارنا المغني معين شريف صباحاً، حينما وصل إلى هنا لتفقد منزله المدمر». وتشير إلى أن شقيقها كان يعتني بالقطط، قبل أن يخرج من المنزل في الساعة الواحدة فجراً، بعد صدور التحذير عن الجيش الإسرائيلي.

مناصر لـ«حزب الله» يلوّح براية فوق مبنى مُدمَّر بالضاحية (الشرق الأوسط)

تدمير واسع

ومشهد الدمار الواسع، بات سمة للاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة في الضاحية. تلوح على أوتوستراد هادي نصر الله، الشارع الرئيسي في الضاحية، آثار حريق شب في مبنى تعرض لأضرار، من غير أن يُدَمّر. غير أن هذا المبنى، تخفي أضراره دماراً فادحاً لا تزال تتصاعد منه أعمدة الدخان في المباني خلفه. بدا أن الغارات الإسرائيلية «طحنت» مجموعة من المباني المتلاصقة الواقعة في شارع فرعي، وتسللت النيران إلى المباني أمامه؛ ما أدى إلى تصدّعها وتضررها.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي جانب من الدمار جراء إطلاق صواريخ سقطت على وسط إسرائيل أمس (أ.ف.ب)

«حزب الله» يعلن استهداف مستوطنة شتولا وتجمع لقوات إسرائيلية شرق الخيام

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيانين منفصلين، اليوم الاثنين، أن عناصره استهدفت مستوطنة شتولا وتجمعاً لقوات إسرائيلية شرق مدينة الخيام، بـ«صلية صاروخية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (رويترز)

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان «خلال أيام»

أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، اليوم الاثنين، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، بأن بلاده اتخذت قراراً بالمُضي قدماً نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

TT

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

سيارة لقوات الأمن الأردنية تقف قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان (رويترز)
سيارة لقوات الأمن الأردنية تقف قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان (رويترز)

لم تكشف التحقيقات الأولية الأردنية، بشأن الهجوم المسلح الذي وقع قرب السفارة الإسرائيلية بمنطقة الرابية في عمّان، وصنفته الحكومة «إرهابياً»، حتى مساء الأحد، عن ارتباطات تنظيمية لمُنفذه، ما رجحت معه مصادر أمنية تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، أن يكون «عملاً فردياً ومعزولاً وغير مرتبط بتنظيمات».

وكان مسلح أطلق النار، فجر الأحد، على دورية شرطة تابعة لجهاز الأمن العام الأردني، وانتهى الهجوم بمقتل المنفذ بعد ساعات من الملاحقة، ومقاومته قوات الأمن بسلاح أتوماتيكي، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عناصر أمنية.

وذهبت المصادر الأردنية إلى أن «(الهجوم الإرهابي) لم يؤكد نوايا المنفذ، إذ بادر بإطلاق النار على دورية أمن عام كانت موجودة في المنطقة التي تشهد عادة مظاهرات مناصرة لغزة».

أردنيون يُلوحون بالأعلام خلال احتجاج خارج السفارة الإسرائيلية في عمان على خلفية حرب غزة (أ.ف.ب)

وأفادت معلومات نقلاً مصادر قريبة من عائلة المنفذ، بأنه «ينتمي لعائلة محافظة وملتزمة دينياً، تسكن إحدى قرى محافظة الكرك (150 كيلومتراً جنوب عمّان)، وأن الشاب الذي يبلغ من العمر (24) عاماً، قُتل بعد مطاردة بين الأحياء السكنية، وهو صاحب سجل إجرامي يتعلق بتعاطي المخدرات وحيازة أسلحة نارية، وقيادة مركبة تحت تأثير المخدر».

«عمل معزول»

ووصفت مصادر أمنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» الحادث بأنه «عمل فردي ومعزول وغير مرتبط بتنظيمات»، وأضافت المصادر أن التحقيقات الأولية أفادت بأن المهاجم تحرك «تحت تأثير تعاطي مواد مخدرة، وقد تم ضبط زجاجات ومواد حارقة، الأمر الذي يترك باب السؤال مفتوحاً عن هدف منفذ العملية ودوافعه».

وذكّرت عملية فجر الأحد بحدث مشابه نفذه «ذئب منفرد» لشاب اقتحم مكتب مخابرات عين الباشا شمال العاصمة، وقتل 5 عناصر بمسدس منتصف عام 2016، الأمر الذي يضاعف المخاوف من تحرك فردي قد يسفر عن وقوع أعمال إرهابية تستهدف عناصر أمنية.

وكشف بيان صدر عن «جهاز الأمن العام»، صباح الأحد، عن أن «مطلق الأعيرة النارية باتجاه رجال الأمن في منطقة الرابية، مطلوب ولديه سجل جرمي سابق على خلفية قضايا جنائية عدة من أبرزها قضايا المخدرات».

وذكر البيان الأمني الذي جاء على لسان مصدر أن «من بين القضايا المسجلة بحق هذا الشخص حيازة المخدرات وتعاطيها، وفي أكثر من قضية، والقيادة تحت تأثير المواد المخدرة، وإلحاق الضرر بأملاك الغير، ومخالفة قانون الأسلحة النارية والذخائر».

دورية أمنية أردنية تتحرك يوم الأحد قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان (رويترز)

ولفت البيان إلى أن «منفذ العمل الإرهابي كان قد بادر وبشكل مباشر بإطلاق الأعيرة النارية تجاه عناصر دورية أمنية (نجدة) كان توجد في المكان قاصداً قتل أفرادها بواسطة سلاح أوتوماتيكي كان مخبئاً بحوزته، إضافةً إلى عدد من الزجاجات والمواد الحارقة».

«الدفاع عن النفس»

وأضاف البيان أن «رجال الأمن اتخذوا الإجراءات المناسبة للدفاع عن أنفسهم وطبقوا قواعد الاشتباك بحرفية عالية، للتعامل مع هذا الاعتداء الجبان على حياتهم وعلى حياة المواطنين من سكان الموقع»، موضحاً أن «رجال الأمن المصابين قد نُقلوا لتلقي العلاج، وهم في حالة مستقرة الآن بعد تأثرهم بإصابات متوسطة، وأن التحقيقات متواصلة حول الحادث».

وعدَّ الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، الوزير محمد المومني، في تصريحات عقب الهجوم أنه «اعتداء إرهابي على قوات الأمن العام التي تقوم بواجبها»، مؤكداً أن «المساس بأمن الوطن والاعتداء على رجال الأمن العام سيقابل بحزم لا هوادة فيه وقوة القانون وسينال أي مجرم يحاول القيام بذلك القصاص العادل».

ولفت المومني إلى أن «الاعتداء قام به شخص خارج عن القانون، ومن أصحاب سجلات إجرامية ومخدرات، وهي عملية مرفوضة ومدانة من كل أردني»، مشيراً إلى أن «التحقيقات مستمرة حول الحادث الإرهابي الآثم لمعرفة كل التفاصيل والارتباطات وإجراء المقتضيات الأمنية والقانونية بموجبها».