ناجون من غارات الضاحية يفترشون الساحات العامة في بيروت

نزحوا إليها على عجل... وبعضهم يقرر العودة إلى الجنوب

TT

ناجون من غارات الضاحية يفترشون الساحات العامة في بيروت

امرأة تساعد طفلها على الاغتسال في شارع بوسط بيروت إثر نزوحهم من الضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)
امرأة تساعد طفلها على الاغتسال في شارع بوسط بيروت إثر نزوحهم من الضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

تنتظر فاطمة وأولادها الثلاثة عند الواجهة البحرية لبيروت مَن ينقلهم إلى مأوى مؤقت، بعد ساعات على نزوحها وعائلتها من الضاحية الجنوبية، إثر تهديد الجيش الإسرائيلي بقصف المنطقة. «لم ننم الليل.. ولم نجد مأوى، فانتظرنا هنا في العراء، ريثما نجد مأوى لنا».

وفاطمة واحدة من آلاف خرجوا من الضاحية، منتصف ليل الجمعة - السبت، بعد تهديد إسرائيل بقصفها. وضَّبت أغراض لأطفالها على عجل، ورافقت زوجها الذي كان قد أخرج السيارة من المرأب، إلى وجهة مجهولة. «لم نعرف إلى أين سنذهب»، تقول فاطمة: «فاخترنا بيروت لأنها المنطقة الأكثر أماناً والأقرب إلينا، لكننا لم نجد مأوى، فكان الشارع وجهتنا».

وكانت الضاحية، حتى مساء الجمعة، ملاذاً لقسم من النازحين من الجنوب، ومن آخرين من سكانها ترددوا في الخروج منها، تجنباً للجوء إلى مدارس عامة، خصوصاً أولئك الذين لا خيارات لهم، ويحول ارتفاع الأسعار دون استئجار منازل تفوق قدراتهم المالية. ويقول بعض النازحين من الضاحية إن الأبنية كانت تضم على الأقل 20 في المائة من سكانها، وخرجوا جميعاً لحظة إطلاق إسرائيل التهديد بقصف المنطقة.

لم تمضِ ساعة ونصف الساعة على التهديد، حتى بدأ القصف. يقول النازحون إن الناس كانت لا تزال عالقة بزحمة السير على مدخل الضاحية الشمالي على طريق صيدا القديمة، وعلى طريق الحدث، وعلى طريق المطار بالنسبة للخارجين باتجاه عرمون وبشامون على مدخل بيروت الجنوبي، وعلق بعضهم لنحو 4 ساعات على طريق المطار.

نازحون من الضاحية يفترشون الأرض في وسط بيروت (إ.ب.أ)

وكانت ساحات بيروت، وواجهتها البحرية، الوجهة الأكثر أماناً بالنسبة لكثيرين.

أمضى النازحون ليلتهم بالعراء، حيث افترشوا الكورنيش البحري، والساحات القريبة من منطقة البيال. صباح السبت، كانت السيارات محملة بالأفرشة وحقائب أغراض النازحين، وينام أطفال في بعضها، بينما النساء والرجال يقفون إلى جانبها، أو يفترشون الأرض بمحاذاتها.

يقول قاسم النازح من الضاحية إنه لم يجد خياراً غير الساحات العامة ليلجأ إليها. «عندي طفلان، نجوت بهما من القصف»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «الوضع محزن. أين نذهب؟ ما خياراتنا؟ لا مكان آمن هنا».

قرب منطقة الزيتونة باي، يتظلل رجل ستيني بحائط مبنى فندق. وصل إلى المنطقة فجر السبت، ولم يرافقه أحد. يقول إنه استقل حافلة نقل عام باتجاه طريق صيدا القديمة، وسار قليلاً قبل أن يقلّه نازح أيضاً بسيارته. يقول: «فرضت إسرائيل علينا حرباً مفاجئة. عائلتي باتت في مكان آمن، لكنني كنت رافضاً للخروج من منزلي». يفكر الرجل بـ«تفاصيل صغيرة»، حسب قوله، مثل: «الخجل من تكرار الطلب من موظفي الفندق أو المطاعم المحاذية السماح لقضاء حاجتي في حماماتها»، وهي واحدة من تفاصيل يفكر بها النازحون الذين يصفون أنفسهم بـ«ناجين من الموت بالضاحية».

عائلات نازحة في الضاحية بساحة الشهداء في وسط بيروت (رويترز)

تتكرر المشاهد، وتتراكم المآسي جراء النزوح. يرى كثيرون أن السُبُل أُغلقت أمامهم، ويترددون في اللجوء إلى المدارس التي فتحت الدولة اللبنانية أبوابها أمام النازحين ليلجأوا إليها. يجلس أحد النازحين أمام مسجد الصفا في منطقة رأس النبع متألماً، ويقول: «لن أبقى هنا. سأعود إلى الجنوب. لن أُذلّ. الموت تحت ركام منزلي أهون عليَّ من انتظار رغيف خبز يقدمه لي أحد»، ويشير إلى أنه سيغادر الجنوب عائداً بعد صلاة الظهر.

ويكشف حجم الدمار ما أحدثته الغارات الإسرائيليّة على الضاحية الجنوبية مع ساعات الصباح الأولى. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن شوارع الضاحية بدت فارغة إلا من بعض الحرائق التي كانت لا تزال مشتعلة، وركام المنازل والمحال التجارية.

وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني استشهاد أحد عناصرها، كما أن حالة عنصر آخر حرجة، خلال تنفيذهما مهمة إغاثة وإنقاذ ليل الجمعة – السبت، نظراً لكثافة الغارات الإسرائيلية التي طالت ضاحية بيروت الجنوبية.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

المشرق العربي عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله، يبدو «حزب الله» أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل، أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا متظاهرون يحملون صوراً للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في تجمع احتجاجي بمنطقة الأعمال المركزية في سيدني اليوم (أ.ف.ب)

الصين تعرب عن «قلقها البالغ» بعد مقتل حسن نصر الله

أكدت الصين اليوم (الأحد) أنها «قلقة للغاية» و«تتابع عن كثب» التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، بعدما قتلت إسرائيل حسن نصر الله.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي ضابط من الجيش الأردني خلال إحدى التدريبات (صفحة الجيش الأردني على فيسبوك)

الجيش الأردني يعلن سقوط صاروخ من طراز «غراد» أطلق من جنوب لبنان

قال الجيش الأردني، في وقت متأخر من يوم أمس (السبت)، إن صاروخاً من طراز غراد أطلق من جنوب لبنان هذا المساء سقط في منطقة صحراوية خالية من السكان في الموقر.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث للصحافيين أثناء مغادرته كنيسة سانت إدموند الرومانية الكاثوليكية بولاية ديلاوير (ا.ب)

بايدن: حان الوقت لوقف إطلاق النار في لبنان

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، إلى وقف إطلاق النار بعد حملة القصف الإسرائيلي الواسعة على معاقل «حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جانب من عملية استهداف لمسيّرة في الشمال الإسرائيلي (إ.ب.أ)

إسرائيل: دويّ صفارات الإنذار في القدس والضفة الغربية بعد قصف من لبنان

أفادت تطبيقات التنبيه الإسرائيلية بأن صفارات الإنذار دوت في ضواحي القدس والضفة الغربية المحتلة اليوم السبت للتحذير من قصف من لبنان وفقا لما قاله الجيش الإسرائيل

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

تقرير: إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال نصر الله

TT

تقرير: إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال نصر الله

الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

كشف مسؤولون إسرائيليون وأميركيون، لموقع «أكسيوس» الأميركي، السبت، أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة اتخاذ خطوات لردع إيران عن مهاجمة إسرائيل رداً على الغارة الجوية الإسرائيلية في بيروت التي قتلت زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، وجنرالاً إيرانياً كبيراً.

وأوضح الموقع أهمية الطلب لأن الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» يتصاعد بالفعل إلى حرب شاملة في المنطقة.

وكانت إيران حريصة على تجنب أي هجوم على إسرائيل يمكن أن يجرها إلى مثل هذه الحرب، لكن المسؤولين في واشنطن وتل أبيب قلقون من أن اغتيال نصر الله قد يدفع طهران إلى حافة الهاوية.

ويأتي الطلب الإسرائيلي للدعم الأميركي بعد أن تراجع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» وشن الهجوم الضخم دون التشاور المسبق على الرغم من حث الولايات المتحدة على خفض التصعيد.

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته على عدم علمهم المسبق بالهجوم الذي أدى إلى مقتل نصر الله، لكنهم لم ينتقدوه أيضاً وأصدروا بيانات تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين لـ«أكسيوس»: «كان نصر الله رجلاً سيئاً، لكن من المحبط أن يفعل الإسرائيليون هذا دون استشارتنا ثم يطلبون منا الدعم عندما يتعلق الأمر بردع إيران».

وذكر ثلاثة مسؤولين أميركيين لـ«أكسيوس» أن إدارة بايدن تدعم مقتل نصر الله، لكنها تشعر بالإحباط إزاء الافتقار إلى التشاور والشفافية من الجانب الإسرائيلي.

وقال المسؤولون الأميركيون إن أوستن ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز وقائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا تلقوا إحاطة من نظرائهم الإسرائيليين، حيث كانت العملية جارية بالفعل، دون إمكانية حقيقية للتدخل أو التعبير عن آرائهم.

وأضاف أحد المسؤولين الأميركيين أن الأولوية القصوى لإدارة بايدن الآن هي تجنب قيام إسرائيل بعملية برية في لبنان، فضلاً عن منع التدخل الإيراني المباشر في القتال والتوصل إلى حل دبلوماسي يسمح للمدنيين على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالعودة إلى ديارهم.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، هاجمت إيران إسرائيل بشكل مباشر لأول مرة في التاريخ، رداً على غارة جوية إسرائيلية قتلت أعلى جنرال إيراني في سوريا، وأحبط الهجومَ تحالف دولي وإقليمي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتعهدت إيران بالرد على اغتيال إسرائيل لزعيم «حماس» إسماعيل هنية في طهران قبل شهرين، لكنها لم تفعل ذلك بعد.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت طلب في محادثة مع نظيره الأميركي لويد أوستن بعد اغتيال نصر الله اتخاذ خطوات عملية وإصدار بيانات لردع إيران عن شن هجوم ضد إسرائيل، بحسب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.

وأصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) السبت بياناً قالت فيه إن أوستن «أعرب عن دعمه الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، وإن الولايات المتحدة عازمة على منع إيران والشركاء والوكلاء المدعومين منها من استغلال الوضع أو توسيع الصراع».

وقال المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، إن أوستن أوضح أن الولايات المتحدة «تظل على استعداد لحماية القوات والمرافق الأميركية في المنطقة وملتزمة بالدفاع عن إسرائيل».