«حزب الله» يتمسّك بـ«الإسناد وربط الساحات» برغم الحرب الشاملة على لبنان

أدخل سلاحاً جديداً على المواجهة... وبقي متمسّكاً بـ«قواعد الاشتباك»

خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
TT

«حزب الله» يتمسّك بـ«الإسناد وربط الساحات» برغم الحرب الشاملة على لبنان

خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)
خلال تشييع عناصر من «حزب الله» قُتلوا بقصف إسرائيلي في بلدة السكسكية الجنوبية (أ.ب)

برغم الغارات الإسرائيلية التي أشعلت لبنان من جنوبه إلى بقاعه، مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت وجرود منطقة جبيل (جبل لبنان)، وبرغم تخطِّي عدد الضحايا الـ500 في اليوم الأول من الحرب على لبنان، لم تخرج بيانات «حزب الله» عن أدبياتها، القائمة على «وحدة الساحات وربط جبهة لبنان بغزّة»، ويُصرّ على تجيير كلّ عملياته «على طريق القدس، ودفاعاً عن فلسطين»، لكنّه أضاف في الساعات الأخيرة على هذه البيانات عبارة: «... ودفاعاً عن الشعب اللبناني»، وفي آخر تحديث لسرديّة الحزب تضمّنت بياناته ما يلي: «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وإسناداً لمقاومته الباسلة ‌‏‌‏‌والشريفة، ودفاعاً عن لبنان وشعبه، قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية للمرة الثالثة مطار مجيدو العسكري غرب العفولة بصَلْية من صواريخ فادي 2».

مواقف «حزب الله» المُصرّة على ربط جبهتَي لبنان مع غزّة، وضعها الدكتور رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)، في سياق «المكابرة»، ولفت إلى أن الحزب «يَعُدّ تخلّيه عن ربط ملفّ لبنان بغزّة تخلّياً عن استراتيجية وضعها لنفسه؛ إذ يَعدّ أن كلّ قياديّيه وعناصره الذين اغتالتهم إسرائيل سقطوا على طريق القدس، وهو مستمرّ بهذا الخيار حتى لو أدّى ذلك إلى تدمير لبنان».

وأكّد قهوجي لـ«الشرق الأوسط»، أن «حرب المساندة فُتحت بقرار إيراني، ولو لم تدخل طهران طرفاً في هذه الحرب، لكنها تُصرّ أن تبقى راعية لمحور المقاومة، وهي ابتدعت فكرة وحدة الساحات، ليبقى شعار (تحرير فلسطين) هو العمق الأساسي للثورة الإسلامية»، مشدّداً على «أنّ فكّ الارتباط بين الجبهتين الآن يعني إغلاق جميع الجبهات، خصوصاً أن جبهة لبنان هي الأكثر فاعليةً، أما باقي الجبهات فهي ثانوية، ودورها هامشي، بما فيها الدور الحوثي الذي لم يصِل من قصفه إلى إسرائيل سوى مسيّرة وصاروخ واحد»، مشيراً إلى أن «طهران تريد من الحوثي أن يلعب دوراً إقليمياً في البحر الأحمر»، لافتاً إلى الأسئلة التي بدأت تُطرح على «حزب الله» من بيئته وقاعدته الشعبية ومن خارجها: «لماذا تربط لبنان بغزة؟ ولماذا يدفع لبنان وحده الثمن الكبير؟».

وبالنسبة للعالِمين بما يدور في ذهن «حزب الله»، فإن هذه البيانات لها ما يبرّرها، وأشار الباحث السياسي والخبير في شؤون «حزب الله»، قاسم قصير، إلى أن الحزب «أدخل عبارة إضافية على بياناته هي «الدفاع عن لبنان وشعبه»، ولم يتخلّ عن قاعدته الثابتة، وهي أن «كل عملياته تأتي دفاعاً عن القدس».

ورأى قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الطبيعي ألّا يتخلّى الحزب عن قضيته الرئيسية، أي القضية الفلسطينية، لذلك يستمرّ الإسرائيلي في ضغطه على الحزب للفصل بين جبهة لبنان وجبهة غزّة»، مشدّداً على أن الحزب «يأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان، وواضح أننا سنكون أمام مرحلة صعبة وطويلة من العنف، وهو سيطوّر وضعه، سواءً بالأداء أو بالخطاب، والحزب يَعدّها معركة طويلة يُدِيرها بأعصاب باردة بدل الانفعال».

عائلات تبكي أقاربها الذين قُتلوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدات في جنوب لبنان الاثنين (أ.ب)

وبالتوازي مع القصف الإسرائيلي الذي دمّر عشرات البلدات في جنوب لبنان، ومناطق وأحياء واسعة في البقاع اللبناني، وأوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى، ودمّر مخازن أسلحة وصواريخ، لم تتجاوز هجمات «حزب الله» الصاروخية الجليل والمستوطنات الشمالية، باستثناء قصف قاعدتين عسكريتين جنوب وغرب مدينة حيفا، مؤثراً بذلك عدم التفريط بـ«قواعد الاشتباك» التي ما زال ملتزماً بها، إلّا أن الدكتور رياض قهوجي تحدّث عن تغيير في طبيعة ردود «حزب الله» على إسرائيل، وقال: «لا شكّ أنّ الحزب طوّر عملياته أكثر، وانتقل من الكاتيوشا القصيرة المدى إلى صواريخ (فادي 1) و(فادي 2) المتوسطّة المدى التي بلغ مداها عمق إسرائيل، ولم يبقَ لديه سوى الصواريخ الباليستية التي لم يستخدمها حتى الآن، والتي تصل إلى إيلات وصحراء النقب وغيرها»، ورأى «أن استخدام الصواريخ الباليستية ليس أمراً سهلاً، وهي مخبّأة تحت الأرض وفي الأنفاق، وإسرائيل قادرة على كشف تحرّكها بسرعة، وتحديد مكان استخدامها والفتحات التي يمكن أن تُطلَق منها، ولا أعرف إذا كان النظام السوري يسمح بإطلاقها من أراضيه».

وتابع قهوجي: «الصواريخ الباليستية هي الملاذ الأخير لـ(حزب الله)»، وأضاف: «حُكماً دخلنا في الحرب الشاملة من خلال الحملة الجويّة الإسرائيلية التي تطول كل المناطق اللبنانية، حتى لو لم تبدأ العملية البريّة»، ولفت إلى أنّ الحرب باتت في مرحلة جديدة، والضغوط على (حزب الله) ستشتد، سواءً من المجتمع الدولي، أو حتى من داخل لبنان، وخصوصاً من بيئته، وسنشهد في الأيام المقبلة على أن إسرائيل ستستغلّ تمسّك (حزب الله) بربط لبنان بجبهة غزة لتطوير عملياتها التدميرية في لبنان».

ثمّة معايير عسكرية وميدانية يعتمدها الحزب في الجبهة، وتتحكّم بطبيعة ونوع العمليات التي ينفّذها ضدّ إسرائيل، وإذ اعترف الباحث السياسي قاسم قصير بأن إسرائيل «وجّهت ضربة قويّة للحزب، وأحدثت صدمة كبيرة من خلال غاراتها الكثيفة التي شملت معظم المناطق اللبنانية، من أجل إخضاعه وإجباره على وقف الجبهة، والانسحاب من منطقة جنوب الليطاني، لكن الحزب تمكّن من امتصاص هذه الصدمة، ويَعُدّ أن المعركة ما زالت في بداياتها»، ورأى أن «(حزب الله) لم يصعّد في ردّه لأكثر من سبب، لكنّ السبب الأهم أنه يترك المجال للنازحين للوصول إلى مراكز الإيواء، وترتيب أمورهم».


مقالات ذات صلة

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق وقف إطلاق النار لا يمنع عودة «حزب الله» إلى ما كان عليه

تحليل إخباري سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق وقف إطلاق النار لا يمنع عودة «حزب الله» إلى ما كان عليه

هل الاتفاق، الذي يبدو أنه جُزّئ بين «حزب الله» و«إسرائيل»، يعني أن يدَ «الحزب» العسكرية ستبقى طليقة في لبنان.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب) play-circle 00:33

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب.

كارولين عاكوم (بيروت)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز - أرشيفية)

وزير الدفاع الإسرائيلي يوافق على استمرار العمليات العسكرية على الجبهة الشمالية

قال متحدث باسم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (الثلاثاء)، إن الوزير وافق على استمرار العمليات العسكرية الهجومية على الجبهة الشمالية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي النائب عن "حزب الله" حسن فضل الله يغادر البرلمان اللبناني، وسط بيروت 14 يونيو 2023 (رويترز)

نائب عن «حزب الله»: الجماعة ستبقى بعد نهاية الحرب

قال حسن فضل الله النائب في مجلس النواب اللبناني والعضو في جماعة «حزب الله»، اليوم (الثلاثاء)، إن «حزب الله» سيبقى بعد انتهاء حربه مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 تصل إلى لبنان

وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في مدينة بيروت بالجمهورية اللبنانية، اليوم، الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
TT

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)

اختارت إسرائيل وقت ذروة الحركة في منطقة القصير عند الحدود مع لبنان، لتعيد قصف المعابر التي دمرتها بغارات سابقة، بينما أكدت مصادر أهلية في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن الضربات الإسرائيلية تفاقم المعاناة المعيشية لسكان المنطقة على جانبي الحدود؛ لأنها تغلق المتنفس المتاح لحصولهم على المواد المعيشية الأساسية.

واستهدفت غارات إسرائيلية، مساء الاثنين، جسور الحوز ومطربة والجوبانية وجوسيه في منطقة القصير جنوب غربي حمص، وقال مصدر عسكري سوري إن إسرائيل شنت «عدواناً جوياً» من اتجاه الأراضي اللبنانية مستهدفة نقاط عبور على الحدود بين سوريا ولبنان، وهي نفسها التي استهدفتها إسرائيل سابقاً على الحدود السورية - اللبنانية في منطقة القصير بريف حمص. وحسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أسفرت الضربة عن إصابة مدنيين اثنين بجروح، ووقوع خسائر مادية.

قطع طرق إمداد

قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الغارة استهدفت طرق استخدمها «حزب الله» اللبناني لنقل وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان، وقال إن «حزب الله» وبدعم من السلطات السورية، يواصل استغلال بنى تحتية مدنية لـ«أغراض إرهابية»، مؤكداً أن الضربات الأخيرة تمت في إطار الجهود المستمرة الهادفة إلى «عرقلة القدرات العملياتية لـ(حزب الله)، وضمان أمن إسرائيل».

ورأى أدرعي أن الغارات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة ركزت على إحباط قدرات «الوحدة 4400» التابعة لـ«حزب الله» والمسؤولة عن نقل الأسلحة المستخدمة في شن عمليات ضد إسرائيل.

تدمير للجسور الفرعية في القصير السورية (الشرق الأوسط)

المصادر الأهلية في القصير قالت إن الجسور والبنى التحتية سبق أن تم تدميرها بالكامل، ولا يمكن للآليات والسيارات عبورها، وتكرار ضربها يؤذي المدنيين الذين يستخدمونها مضطرين للحصول على أساسيات العيش على جانبي الحدود. وأكدت المصادر أن الغارات، مساء الاثنين، حصلت في وقت ذروة الحركة للحصول على المواد الأساسية للمعيشة، حيث يتوجه الأهالي على الجانبين قبل مغيب الشمس لتأمين حاجتهم من الوقود اللازم للتدفئة والغاز المنزلي اللبناني، بسبب أزمة المحروقات على الجانب السوري، وازدياد الحاجة إليها مع تدني حرارة الطقس والبرودة الشديدة. وفي المقابل، يحصل سكان الجانب اللبناني على مواد غذائية أرخص ثمناً كالألبان والأجبان وبعض الأصناف الأخرى.

وأشارت المصادر إلى أنه في ظل التأزم المعيشي جراء الحرب تمثل الحدود متنفساً لسكان المنطقة، وقطع تلك الطرقات وتدميرها بشكل كامل يزيد معاناتهم، ويعرضهم للخطر الدائم حيث يقومون ببناء جسور مؤقتة خطيرة، أو يضطرون لعبور مياه نهر العاصي في أجواء شديدة البرودة.

القصير معقل لـ«حزب الله»

تقع منطقة القصير على الحدود مع لبنان، وتضم نحو 80 قرية وبلدة، يعيش فيها خليط ديني غالبية من السنة وأقليات من الشيعة والمرشديين والعلويين والمسيحيين، ومعظم سكان تلك المناطق من المزارعين الفقراء، حيث ترتبط القصير بمناطق الهرمل ـ بعلبك بعدة معابر منها جوسية ومطربا كمعبرين شرعيين والكثير من المعابر غير الشرعية كحوش السيد علي وجرماش والقصر وغيرها.

تبادل سلع ومحروقات عند جانبي الحدود السورية - اللبنانية لجهة المصنع في البقاع (أ.ف.ب)

ومنذ عام 2013 سيطر «حزب الله «على القصير بعد تهجير أهلها، وأصبحت أحد أبرز معاقله في سوريا، ثم استغل فقر أهالي القرى الشيعية لتجنيدهم في صفوفه، ومنحهم امتيازات مالية وسلطوية. وحسب مصادر محلية، تكتسب منطقة القصير أهمية استراتيجية كبيرة لدى «حزب الله»، وإن حركة الامداد فيها شهدت تراجعاً جراء التصعيد الإسرائيلي، مع الإشارة إلى عدم إمكانية قطعها تماماً لوجود طرق بديلة في جغرافية ممتدة على طول الحدود.

ومنذ بداية التصعيد الإسرائيلي على لبنان، استهدفت إسرائيل المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان 36 مرة، بحسب تقرير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أفاد، الثلاثاء، بأن الضربات الإسرائيلية على المناطق الحدودية جاءت في سياق تعطيل عودة النازحين إلى لبنان ومنع وصول الإمدادات والمساعدات إلى الداخل اللبناني، وقطع طرق إمداد «حزب الله»، ومنعه من نقل سلاحه من داخل الأراضي السورية باتجاه لبنان. وتركز القصف على المعابر الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى الطرق الترابية والفرعية في منطقة الحدود السورية - اللبنانية، مع استمرار المراقبة المكثفة للمنطقة الحدودية.

تدمير ممرات وجسور صغيرة بين لبنان وسوريا قرب القصير (الشرق الأوسط)

وحسب توثيقات المرصد، بدأت أولى الغارات في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأسفرت عن تدمير مواقع عدة، وخروج معابر رسمية وغير رسمية عن الخدمة، ما أعاق حركة عبور النازحين من لبنان إلى سوريا والعكس. كذلك تسببت هذه الضربات بمقتل 30 شخصاً، بينهم 4 من عناصر «حزب الله»، وشخص لبناني الجنسية، و6 من السوريين العاملين مع «حزب الله»، و8 مدنيين، إلى جانب ذلك، أصيب 22 آخرون، هم: 8 من قوات النظام وأجهزته الأمنية، و12 من العاملين مع الحزب، بالإضافة إلى إصابة مدنيين اثنين.