أصيب سكان العاصمة اللبنانية بيروت بالتوتر والقلق الشديدين مع تكثيف إسرائيل غاراتها الجوية ضد «حزب الله»، حيث تخوف الكثيرون من احتمالية اندلاع حرب شاملة بالبلاد، مع تعهد الجانبين بتصعيد حدة الصراع.
وتلقى المواطنون في بيروت وعدد من المناطق الأخرى في جنوب لبنان وشرقه، رسائل أرسلتها إسرائيل إلى محطات الراديو وبعض الهواتف الجوالة صباح أمس (الاثنين)، محذرة من عمل عسكري وشيك، ومطالبة السكان بالابتعاد عن أهداف مرتبطة بـ«حزب الله».
وأثارت هذه الإنذارات حالة من الذعر في جميع أنحاء العاصمة، التي تهيمن جماعة «حزب الله» على ضواحيها الجنوبية، وهرع الآباء إلى المدارس لتسلم أطفالهم، بعد أن أمرت وزارة التعليم اللبنانية في وقت متأخر من صباح الاثنين، بإغلاق بعض المدارس العامة والخاصة، مشيرة إلى «الأوضاع الأمنية والعسكرية» التي قد تعرض الطلاب للخطر.
وبحلول فترة ما بعد الظهر، امتدت صفوف السيارات والدراجات النارية من محطات الوقود إلى شوارع المدينة، وفر العديد من السكان على أمل العثور على ملجأ في جبال لبنان الشمالية، فيما تهافت الكثيرون على محلات البقالة لشراء وتخزين المياه والأطعمة، بحسب ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
في الوقت نفسه، كانت الأخبار العاجلة تتدفق عبر شاشات هواتف الناس، وتوضح تفاصيل الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة على جنوب لبنان، وبسبب ما شهدوه من عقود من الصراعات، اعتقد الكثيرون أنهم يعرفون ما هو قادم، وأن هناك احتمالية لاندلاع حرب شاملة بالبلاد.
وتوقع مواطن من بيروت يدعى ضاهر عامدي (34 عاماً)، أن تنزلق المدينة قريباً إلى حرب شاملة.
وقال وهو يجلس خارج مقهى شبه فارغ، يستنشق سيجارة ببطء: «إنها حرب بكل تأكيد».
ومن جهتها، قالت جويل ناصر (44 عاماً)، وهي أم لثلاث فتيات، تتراوح أعمارهن بين 6 و8 و16 عاماً، ذهبت لأخذهن بسرعة من مدرستهن في شرق بيروت، بعد تحذير وزارة التعليم: «أنا خائفة، خائفة جداً. لست مستعدة لحدوث حرب».
وخلال اليوم، أصبح مدى القصف الإسرائيلي المميت أكثر وضوحاً. فقد أظهرت وسائل الإعلام أعمدة ضخمة من الدخان تحوم فوق القرى في مختلف أنحاء الجنوب. وكان الناس يحدقون في هواتفهم، ويشاهدون ارتفاع عدد القتلى بشكل مفزع.
وفي منطقة الطريق الجديدة في غرب بيروت، جلس حبيب بازي (75 عاماً) خارج منزله في حالة من الصدمة، حيث قال إنه كان يشاهد القنوات الإخبارية على شاشة التلفزيون منذ صباح الاثنين، وخرج للاستراحة من مشاهد الدمار التي يبدو أنه لا نهاية لها.
وأضاف بازي: «لقد تحطم قلبي. لا يمكنني أن أقول غير ذلك».
وفي مركز تسوق شهير في ضاحية جنوبية لبيروت تهيمن عليها جماعة «حزب الله»، كانت ميرنا (38 عاماً)، وابنها البالغ من العمر 14 عاماً، يتجولان في ممرات متجر للبقالة ويدفعان عربتي تسوق كبيرتين ممتلئتين بأكياس السكر والعدس والأرز.
وقالت ميرنا إن معظم جيرانها فروا إلى منازل أقارب في أجزاء أخرى من البلاد، مضيفة: «أخبرت زوجي أنه يتعين علينا المغادرة، يجب أن نغادر قريباً بالتأكيد».
ومن جهتها، قالت لاما عبد الستار التي كانت تتسوق مع ابنتها بالمركز التجاري نفسه: «الموت قريب جداً، أنا قلقة من أنه قريب جداً». ولكن رغم يقينها من أن الحرب قادمة، فإنها لم تكن تعرف ما إذا كان من الأفضل لها أن تغادر البلاد أم تبقى، أو إلى أين ستذهب.
وأضافت: «أي قرار سأتخذه قد لا يكون القرار الصحيح، فأنا لست متأكدة من أي شيء».
ومن جهته، قال بلال بورغاوي (37 عاماً): «ليس هذا هو الوقت المناسب لهذه الحرب»، مشيراً إلى تدهور الوضعين السياسي والاقتصادي للبنان منذ سنوات.
وقال إنه اعتاد إدارة وكالة سياحة، لكن أعماله توقفت خلال العام الماضي، مع قلق العديد من العملاء بشأن الوضع الأمني.
وأشار بورغاوي إلى أنه يعمل الآن حارس أمن يكسب نحو 300 دولار شهرياً، وذلك بالمقارنة مع 20 ألف دولار شهرياً كان يكسبها عندما كان يدير وكالة السياحة.
وأكمل قائلاً: «لا نستطيع أن نتحمل المزيد من الضغوط التي نشعر بها الآن».
وفي محطة وقود في حي المزرعة في غرب بيروت، قال مواطن يدعى فريد في الثلاثينات من عمره أثناء انتظاره في طابور طويل لملء سيارته، إن عائلته تستعد للمغادرة إلى شرق لبنان.
وأضاف: «عائلتي مذعورة حقاً، إنهم يبكون طوال الوقت. أستمر في محاولة تهدئتهم، وأقول لهم إنهم لن يهاجمونا، ولن يقصفونا هنا، لكنني بصراحة لا أعرف».
وخلّفت مئات الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان الاثنين 492 قتيلاً، بينهم 35 طفلاً، بحسب ما أفادت وزارة الصحة اللبنانية، في أعنف قصف جوي على الإطلاق يستهدف هذا البلد منذ بدء تبادل إطلاق النار على جانبَي الحدود قبل نحو عام على خلفية الحرب في غزة.