«مدافع البيشمركة» تثير جدلاً واسعاً في العراق

الحلبوسي عدّها «ضرباً للأمن المجتمعي الوطني»

قوات من «البيشمركة» الكردية خلال احتفال في أربيل عاصمة إقليم كردستان 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
قوات من «البيشمركة» الكردية خلال احتفال في أربيل عاصمة إقليم كردستان 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
TT

«مدافع البيشمركة» تثير جدلاً واسعاً في العراق

قوات من «البيشمركة» الكردية خلال احتفال في أربيل عاصمة إقليم كردستان 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
قوات من «البيشمركة» الكردية خلال احتفال في أربيل عاصمة إقليم كردستان 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

أثارت مدافع «هاوتزر»، منحتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى قوات البيشمركة الكردية، جدلاً واسعاً في العراق خلال اليومين الأخيرين، رغم أنها وصلت إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان، قبل نحو 40 يوماً. بيد أن تدوينة بشأنها عبر منصة «إكس» لزعيم حزب «تقدم» رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، أشعلت نيران الجدل والنقاشات من جديد.

وقال الحلبوسي، في تدوينة السبت الماضي: «نرفض رفضاً قاطعاً تسليح قوات محلية (البيشمركة) واجبها الدستوري يقتصر على حفظ أمن داخلي ضمن حدود مسؤوليتها (بمدفعية ثقيلة متطورة)». وأضاف أن «هذا الإجراء المرفوض قد يكون سبباً في ضرب الأمن المجتمعي الوطني بشكل عام وفي محافظتي نينوى وكركوك على وجه الخصوص إذا ما تمت الإساءة باستخدام تلك الأسلحة (لا سمح الله) في نزاعات عرقية أو حزبية مستقبلاً».

وتابع أن «هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون حكراً بيد الجيش العراقي الذي ندعو باستمرار إلى تعزيز قدراته وإمكاناته».

وكان وزير شؤون البيشمركة، شورش إسماعيل، قد أعلن في السادس من أغسطس (آب) الماضي، أن وزارة الدفاع الأميركية زودت قوات البيشمركة (حرس الإقليم) بمجموعة من المدافع الثقيلة بموافقة الحكومة الاتحادية العراقية، وذلك خلال حفل تسليم قوات البيشمركة 24 مدفعاً من النوع الثقيل من قبل القوات الأميركية. وجرت مراسيم التسليم داخل مبنى وزارة شؤون البيشمركة في مدينة أربيل. والمدافع المشار إليها من نوع «هاوتزر» أميركية من عيار 105 ملم من طراز «إم 119». ويصل مداها إلى 30 – 40 كيلومتراً، وهي أسلحة دفاعية وليست هجومية، بحسب بعض الخبراء العسكريين.

وأشعلت تدوينة الحلبوسي «النيران في رماد صمت قوى الإطار التنسيقي الشيعية»، على حد وصف مصدر رفيع في قوى الإطار.

وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «كلام الحلبوسي تسبب بحرج كبير لقوى الإطار ووضعهم في موقف لا يحسدون عليه، خاصة أنهم يهيمنون على الحكومة، وجميع رؤساء الوزراء، منذ عام 2014، رفضوا المساعي الأميركية لتجهيز الأكراد بأسلحة ثقيلة».

وتابع أن «حكومة (محمد شياع) السوداني قد تواجه انتقادات شديدة من قبل قادة الإطار ومطالبات بسحب المدافع الثقيلة من البيشمركة»، مضيفاً أن هذا الأمر «قد يهدد الاستقرار والدعم الذي تحظى به (الحكومة) من قبل أولئك القادة».

ورأى المصدر أن قادة الإطار يأخذون في الاعتبار بكل تأكيد انتقادات الحلبوسي على رغم معرفتهم بـ«الأهداف السياسية التي تقف وراء رفضه صفقة المدافع، بالنظر لخلافاته الحادة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني حول منصب رئاسة البرلمان».

في المقابل، وجّه عدد من الساسة الأكراد انتقادات لاذعة للحلبوسي واتهموه بـ«تزلّف» قوى الإطار التنسيقي للحصول على منصب رئاسة البرلمان المعطل منذ نحو 11 شهراً.

وقال القيادي في الحزب «الديمقراطي الكردستاني» وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، في تدوينة عبر «إكس»، إن «موقف السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق والمحروم قضائياً من ولاية جديدة من تسلم قوات بيشمركة الإقليم جزءاً بسيطاً من أسلحة دفاعية من التحالف الدولي يعكس البهلوانية الشعبوية الرخيصة وعقلية مريضة لصعود سياسي الصدفة! وإلا لماذا لا تستخدم هذه الأسلحة ضد أعداء العراق فقط؟».

وفي تغريدة مماثلة، قال عضو البرلمان الاتحادي عن الحزب «الديمقراطي» ماجد شنكالي، إن «أحدهم (في إشارة إلى الحلبوسي) اغتر كثيراً وتجاوز الحدود وأراد أن يلعب وحده دون الأخذ بتعليمات وتوجيهات الطرف الإقليمي (إيران) الداعم والراعي للنظام السياسي القائم فتم طرده وحرمانه من اللعب لمدة غير محدودة».

عناصر من «البيشمركة» يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)

وأضاف: «الآن بدأ بمغازلة ذلك الطرف الإقليمي والمقربين منه بصفقة ديالى مروراً بكركوك وأخيراً وليس آخراً، رفضه تجهيز قوات البيشمركة بالمدافع والأسلحة بحجة الدفاع عن المكوّن»، في إشارة إلى المشاكل التي حدثت في مجلس محافظتي ديالى وكركوك، حيث فضّل حزب الحلبوسي «تقدم» الاصطفاف مع التحالف الذي حرم الحزب الديمقراطي من تسلم مناصب مهمة في المجلسين.

وتعليقاً على الضجة المثارة حول «مدافع البيشمركة»، قال كفاح محمود، الباحث والمستشار السياسي لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التوقيت مثير للشبهات، خصوصاً أن هذه المدافع تم الاتفاق على تسليمها لقوات البيشمركة التي تعد جزءاً مهماً من المنظومة العسكرية العراقية، قبل عدة أشهر وتم تسليمها قبل أكثر من 40 يوماً».

وأضاف أن «إثارة الموضوع من الحلبوسي أو غيره توضع عليه علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أننا حيال تيارين؛ أحدهما يعمل على حل وتصفير المشاكل بين أربيل وبغداد وآخر يعمل على تعطيل تلك التوجهات».

وتابع أن «التيار المعطل يسعى جاهداً وبتوجيه من جماعات محددة داخل الإطار (التنسيقي) إلى تعكير الأجواء وعدم نجاح مساعي التهدئة والحل بين بغداد وكردستان».

ويعتقد محمود أن «مساعي التعطيل لن تنجح، خصوصاً أن المجتمع السني من أقصى الأنبار إلى أقصى نينوى يكن احتراماً كبيراً لإقليم كردستان ولقوات البيشمركة وللزعيم بارزاني. مواقف البيشمركة معروفة للعراقيين وقد قدمت تضحيات جسيمة في الحرب ضد داعش وهي جزء من منظومة الدفاع العراقية».


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن تحييد 19 عنصراً من حزب العمال الكردستاني شمال العراق

المشرق العربي لقطة من مقطع فيديو يُظهر أنقاض مبنى في سكينية بشمال العراق تعرّض لغارة جوية عام 2021 (رويترز)

تركيا تعلن تحييد 19 عنصراً من حزب العمال الكردستاني شمال العراق

أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم الجمعة، تحييد 19 عنصراً من تنظيم حزب العمال الكردستاني «بي كيه كيه» الانفصالي، في غارات جوية بشمال العراق.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان التقى مسعود بارزاني في أربيل (إكس)

بارزاني: إيران تقف معنا دائماً في الأوقات الصعبة

في ثاني أيام زيارته الرسمية إلى العراق، أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الخميس، لقاءات مع المسؤولين الكرد في أربيل والسليمانية، بإقليم كردستان.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي مقاتل وذخائر في أحد مقرّات الأحزاب الكردية المعارضة بإقليم كردستان (حزب كوملة)

العراق لـ«توطين» المعارضة الإيرانية في بلد ثالث

أعلن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، أن السلطات تعمل على توطين المعارضة الكردية الإيرانية في بلد ثالث، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

المشرق العربي مقاتلات كرديات إيرانيات في محيط أربيل بكردستان العراق في صورة تعود إلى 1 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)

مجلس أمن كردستان يتهم «الاتحاد الوطني» بتسليم معارض كردي إلى طهران

حمّل «مجلس أمن إقليم كردستان» المسؤولية عن تسليم معارض كردي إيراني إلى طهران، لأجهزة الأمن في محافظة السليمانية التي يهيمن عليها حزب «الاتحاد الوطني».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي قوات من البيشمركة الكردية خلال احتفال في أربيل عاصمة إقليم كردستان 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

كردستان العراق يسلّم طهران ناشطاً كردياً إيرانياً

سلّمت قوات الأمن الداخلي الكردية (الأسايش) في السليمانية ثاني أكبر مدن كردستان العراق، السلطات الإيرانية ناشطاً كردياً إيرانياً ينتمي إلى حزب معارض بارز.

«الشرق الأوسط» (السليمانية)

العراق: رفض سني لربط العفو العام بتعديل قانون الأحوال الشخصية

تحضيرات في البرلمان العراقي لعقد جلسة انتخاب رئيسه في 18 مايو 2014 (إعلام المجلس)
تحضيرات في البرلمان العراقي لعقد جلسة انتخاب رئيسه في 18 مايو 2014 (إعلام المجلس)
TT

العراق: رفض سني لربط العفو العام بتعديل قانون الأحوال الشخصية

تحضيرات في البرلمان العراقي لعقد جلسة انتخاب رئيسه في 18 مايو 2014 (إعلام المجلس)
تحضيرات في البرلمان العراقي لعقد جلسة انتخاب رئيسه في 18 مايو 2014 (إعلام المجلس)

في وقت يستمر فيه خلو جدول أعمال البرلمان العراقي من فقرة انتخاب رئيس جديد له رغم مرور 10 شهور على شغور المنصب، فإنه لا تكاد تعقد جلسة إلا وتتضمن إدراج مشروع قانون مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية أو العفو العام أو الاثنين معاً.

والأسباب التي تكمن في عدم قدرة البرلمان على انتخاب رئيس له تعود إلى الخلافات السياسية السنية - السنية والسنية - الشيعية التي لا تزال مستمرة، خصوصاً أن الأطراف الشيعية الفاعلة هي التي تتحكم الآن بمفتاح باب الصعود إلى منصة رئاسة مجلس النواب. غير أن هذه الخلافات امتدت كما يبدو من منصب رئيس البرلمان إلى قانون العفو العام الذي يطالب به العرب السنّة منذ سنوات، وسط مساومات معهم على تمرير هذا القانون في مقابل موافقتهم على تمرير تعديل مثير للجدل لقانون الأحوال الشخصية الذي تطالب به قوى شيعية نافذة في البرلمان.

وتضمنت جلسة البرلمان التي عقدت الاثنين، مناقشة مشروعي القانونين (العفو العام والأحوال الشخصية) بهدف استكمال قراءتهما وتعديل ما يمكن تعديله منهما لكي يمر داخل البرلمان بالأغلبية. وأشار مراقبون سياسيون في هذا الإطار إلى اتساع دائرة رفض تشريع قانون الأحوال الشخصية لتشمل الأكراد أيضاً، ودفع ذلك بالقوى الشيعية التي تطالب بإقرار قانون الأحوال الشخصية إلى رفع سقف مطالبها بإجراء تعديلات أساسية على قانون العفو العام، وهو ما يعني من وجهة نظر قوى سنية إفراغه من محتواه.

وفي الوقت الذي يرفض فيه النواب السنّة أن يتم تمرير قانون عفو عام لا يتضمن إخراج جميع الأبرياء من السجون والمعتقلات، فإن النواب الشيعة يعملون على إعادة تعريف مفهوم الإرهاب والإرهابي، وهو ما يعني عدم شمول أعداد غفيرة من أبناء المناطق والمحافظات السنية بهذا القانون رغم أنهم قد يكونون ضحايا لشكاوى كيدية أو تقارير من مخبرين سريين.

عراقيون يحتجون في بغداد ضد قانون يسمح بتزويج القاصرات في 6 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

مهر القاصرات

وفي هذا السياق، يقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي سجاد سالم، وهو نائب مستقل، إن «الكرد والسنة وجزءاً من الوسط والجنوب لن يعترفوا بتعديل قانون الأحوال الشخصية». وقال سالم في بيان، إن «إعطاء صلاحيات نواب البرلمان القانونية للأوقاف الدينية بقانون الأحوال (الشخصية)، سابقة من نوعها». وأضاف أن «329 نائباً لا يعرفون محتوى مدونات الأحوال الشخصية. والمدونة الواحدة لكل المذاهب كانت لمنع الاحتيال والتلاعب بالحقوق عبر المذاهب»، مشيراً إلى أن «الادعاء بأن قانون الأحوال موصى به من قبل المرجعية افتراء».

أما النائب السني في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، فقد أكد من جانبه وجود ضغوط سياسية لتمرير قانون الأحوال الشخصية مقابل تمرير قانون العفو العام. وقال الدهلكي في تصريح متلفز، إن «رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي هدد بسحب قانون العفو من جلسة الاثنين في حال عدم التصويت على الأحوال الشخصية»، مبيناً أن «جدول أعمال الجلسة تضمن قوانين للكرد (إعادة العقارات المصادرة)، والسنّة (العفو العام)، والشيعة (الأحوال الشخصية)، إلا أن التعديل الجديد لقانون العفو أقسى على المعتقلين من القانون السابق». وأضاف: «لن نصوّت على قانون الأحوال الشخصية لأنه يعطي صلاحيتنا للأوقاف، ولن نقبل بقانون العفو أن يكون مهراً للقاصرات»، مشدداً على أنه «يجب الحصول على أدلة كافية لانتماء المحكومين للتنظيمات الإرهابية ولا نعتمد على الاعتراف فقط»، في إشارة إلى أن اعترافات المسجونين قد تكون تمت بالإكراه.

رفض كردي

إلى ذلك، نفت رئيسة كتلة حزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي فيان صبري، تأييد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، لمقترح قانون الأحوال الشخصية المطروح في مجلس النواب العراقي. وقالت صبري في بيان: «نحن في إقليم كردستان دائماً ما سنكون مع كل الحقوق والحريات التي كفلها الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية بهذا الشأن ونؤمن بضمان حقوق المرأة والطفل، وقد أعطيت المرأة والطفل في إقليم كردستان حقوقاً كثيرة توازي مصاف الدول المتقدمة، خصوصاً في موضوع الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والميراث والحضانة». ولفتت إلى أن «رئيس الإقليم رائد في دعم حقوق المرأة والطفل، وأنه عندما تكلم (في هذا الموضوع) كان الكلام عن موضوع الأقليات والمسيحيين»، بما في ذلك حقوق الأطفال الذين تتغير ديانة والدهم أو والدتهم. وختمت بالقول إن «أي تعديل لقانون الأحوال الشخصية عليه ألا يكون ضد مواد الدستور العراقي التي تؤكد على حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان».

في السياق نفسه، رفض اتحاد علماء الدين الإسلامي في إقليم كردستان، إدراج مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي في جدول أعمال البرلمان لجلسة الاثنين.

رأي قانوني

من جهته، يرى الدكتور باسل حسين رئيس «مركز كلواذا للدراسات» لـ«الشرق الأوسط»، أن مقترح «قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية يمس مهام السلطة القضائية، بل ويمتد تأثيره إلى أكثر من ذلك، إلى بنية النظام القضائي من خلال إنشاء سلطة موازية للسلطة القضائية. فكان على المجلس لزاماً وعملاً بمبدأ الفصل بين السلطات وانسجاماً مع قرار المحكمة الاتحادية التشاور مع مجلس القضاء قبل تقديم المقترح». وأضاف: «ليس كل تعديل على القوانين، بما فيها قانون العقوبات أو القانون التجاري، يتطلب أخذ مشورة مجلس القضاء، لكن نص قرار المحكمة الاتحادية واضح ويتعلق بالقوانين التي تمس مهام السلطة القضائية، وهو ما يسري على مقترح قانون التعديل تماماً».