في الوقت الذي أعلنت جهات رسمية سورية، في حصيلة جديدة، الاثنين، مقتل 16 شخصاً على الأقل جراء غارات إسرائيلية، استهدفت «مواقع عسكرية» وسط سوريا مساء الأحد، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بارتفاع حصيلة القتلى إلى 25 شخصاً، بينهم 5 مدنيين، و4 من قوات النظام، و2 من «حزب الله» اللبناني من الجنسية السورية، و11 من السوريين العاملين مع الميليشيات الإيرانية، و3 مجهولو الهوية، بالإضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 32 آخرين.
الضحايا سقطوا نتيجة الغارات الإسرائيلية المكثفة التي استهدفت مركز البحوث العلمية بمدينة مصياف (ريف حماة وسط سوريا)، وموقعاً على طريق مصياف – وادي العيون، وموقعاً ضمن منطقة حير عباس بمدينة مصياف، وموقعين في قرية الراوي، ومعامل دفاع جوي جنوب غربي مصياف قرب قرية البيضا.
وأكد ضباط من قوات في المنطقة يعملون في مركز البحوث العلمية، للمرصد السوري، أن المركز لا علاقة له بالأسلحة الكيميائية، ومنذ 6 سنوات يوجد فيه ضباط من «الحرس الثوري» الإيراني، في إطار تطوير صواريخ دقيقة قصيرة ومتوسطة المدى، وخلال العام الجاري دخل عليه خط تطوير المسيّرات».
ولفت المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن القصف وقع على 4 دفعات واستهدف مواقع إيرانية، كان آخرها موقع حير عباس بريف مصياف، وجسماً عائماً في البحر قبالة سواحل بانياس.
وتحدث مسؤولون تقنيون سوريون عن ضرر أصاب الطرقات ومرافق الكهرباء وشبكة الاتصالات، جراء ضربات هي «بين الأشدّ» على سوريا منذ سنوات.
وقالت وكالة «سانا» نقلاً عن مدير المستشفى الوطني في مصياف، فيصل حيدر، إن «عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على عدة مناطق بريف مصياف ارتفع إلى 16 شهيداً، بينما هناك 36 جريحاً، منهم 6 في حالة خطرة».
وذكرت الوكالة أن الورشات الفنية في فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية بحماة، تعمل على إعادة حركة السير في طريق عام مصياف - وادي العيون، التي تعطلت أمس، من الضربة الجوية، حيث تسبب بإحداث حفرة بجسم الطريق بعمق 7 أمتار وامتداد 30 متراً، لافتة إلى أن طريق عام مصياف - وادي العيون تعد حيوية وتربط محافظتي حماة (وسط سوريا) وطرطوس (غرباً على الساحل السوري). كما تسببت الضربة في الإضرار بمشاريع المياه في المنطقة، وانقطاع التغذية الكهربائية لآبار الجريفات التي تُغذي مدينة مصياف.
وقال بيان رسمي إن «العدو الإسرائيلي شن عدواناً جوياً من اتجاه شمال غربي لبنان استهدف عدداً من المواقع العسكرية في المنطقة الوسطى، وقد تصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها».
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الغارات «من كبرى الضربات وأشدّها» التي تنفّذها إسرائيل في سوريا. وأضاف أن الغارات استهدفت «مركز البحوث العلمية في مصياف ومواقع مرتبطة به». وأشار إلى أنه يجري تطوير «صواريخ دقيقة ومسيّرات» في هذا المركز الذي يضمّ خبراء إيرانيين.
ورداً على سؤال من مكتب القدس في الوكالة الفرنسية حول هذه الغارات، قال الجيش الإسرائيلي إنه «لا يعلّق على تقارير وسائل إعلام أجنبية».
الخارجية السورية من جهتها، نددت بهذه الغارات، معتبرةً في بيان أن «تمادي كيان الاحتلال الإسرائيلي في اعتداءاته على الأراضي السورية»، دليل على سعيه «المحموم» إلى «مزيد من التصعيد في المنطقة والدفع بها إلى منزلقات خطرة ستكون لها عواقب وخيمة لا يمكن توقعها».
مبانٍ عسكرية
من جهتها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف مركز بحوث لتطوير أسلحة في سوريا. وتحدث موقع «إسرائيل 24» عن وقوع موجتين مختلفتين على الأقل من الهجمات في أربع مناطق (دمشق وحمص وحماة وطرطوس) وجرى إطلاق ما لا يقل عن 15 صاروخاً، ووقعت الموجة الأولى من الهجمات في منطقة مدينة مصياف غربي سوريا. وردَّ الجيش السوري وقال إنه أسقط بعض الصواريخ، وإن العدوان تسبب في مقتل 3 أشخاص وإصابة 15 آخرين وأضرار في الممتلكات. أما الموجة الثانية من الهجمات فبدأت بعد الساعة 02:00 فجراً بقليل في مدينة طرطوس الساحلية السورية.
صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» ذكرت أن منطقة مصياف الواقعة غرب حماة تُستخدم قاعدةً للقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها، وأنها كانت في السنوات الأخيرة، هدفاً متكرراً لهجمات «نُسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل».
الصحيفة أوردت أن المبنى المستهدَف يضم مركز البحث العلمي والتطوير، «المعروف باسم CERS أو SSRC، الذي تدَّعي إسرائيل أن القوات الإيرانية تستخدمه لإنتاج صواريخ أرض-أرض دقيقة».
ونقلت «سانا» عن مصدر عسكري أن الهجوم حصل قرابة الساعة 20:23 من مساء الأحد (17:23 توقيت غرينتش)، «من اتجاه شمال غربي لبنان»، مؤكّدة أنه استهدف «عدداً من المواقع العسكرية في المنطقة الوسطى، وقد تصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها».
ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ ضربات في سوريا، لكنّها تكرّر أنها ستتصدّى لما تصفها بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري على حدودها.
وأدانت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، الغارات الإسرائيلية «الإجرامية». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني: «نُدين بشدة هذا الهجوم الإجرامي الذي نفّذه النظام الصهيوني على الأراضي السورية. نعتقد أن الوقت حان ليتوقف مؤيدو الكيان (الإسرائيلي) عن دعمه وتسليحه».
ومنذ سنوات النزاع الأولى في سوريا، كانت إيران أحد أبرز داعمي الرئيس بشار الأسد، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، كما دعمت طهران مجموعات موالية لها، على رأسها «حزب الله»، في القتال إلى جانب الجيش السوري. وتمكنت القوات السورية، بفضل الدعمين الإيراني والروسي، من استعادة قسم كبير من الأراضي السورية التي كانت خسرتها في أول الحرب لصالح مجموعات معارضة.
وازدادت الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ بدء الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، عقب شنّ الحركة هجوماً غير مسبوق على جنوب الدولة العبرية.
وإن كان «حزب الله» قد أعلن فتح «جبهة إسناد» لغزة من جنوب لبنان ضد إسرائيل، فإن سوريا تحاول البقاء بمنأى عن التصعيد الإقليمي، لكنّ «حزب الله» اللبناني ومجموعات أخرى موالية لإيران، تنفّذ أحياناً هجمات ضد مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة انطلاقاً من سوريا.
في أبريل (نيسان) الماضي، استهدف قصف نُسب إلى إسرائيل مبنى ملحقاً بالسفارة الإيرانية في دمشق، أسفر عن مقتل 7 عناصر من «الحرس الثوري» الإيراني. وردّت إيران على هذا القصف بهجوم غير مسبوق على إسرائيل. وفي أغسطس (آب)، قُتل ثلاثة مقاتلين موالين لإيران في غارات إسرائيلية استهدفت مواقع للجيش السوري و«حزب الله» اللبناني في وسط سوريا.
ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية مستهدفةً مواقع لقوات النظام وأهدافاً لإيران و«حزب الله» الحليفين له، لكن نادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات.