أوعز رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هاليفي، بمواصلة الهجوم في الضفة الغربية، في اليوم الرابع للعملية الواسعة، التي بدأها الجيش الإسرائيلي، الأربعاء ضد مخيمات شمال الضفة، وتركزت، السبت، في مخيم جنين في مدينة جنين، وهو المخيم الذي يصفه الجيش بأنه «عش الدبابير».
وأكد هاليفي، بعد ترؤسه جلسة لتقييم الوضع مع قادة المناطق العسكرية وقادة في هيئة الأركان لبحث الأنشطة العسكرية في كل الجبهات، وفي ضوء الأحداث في منطقة الضفة الغربية، «مواصلة الجهود الهجومية لإحباط الإرهاب والجهود الدفاعية في البلدات (المستوطنات) والطرقات ومنطقة التماس، بالإضافة إلى جاهزية واستعداد القوات».
وقال هاليفي إن الهجوم على جنين «يهدف إلى إحباط عمليات إرهابية مثل تلك التي وقعت الليلة الماضية في منطقة عتصيون»، في إشارة إلى الهجوم المزدوج الذي وقع جنوب الضفة الغربية في مجمع مستوطنات «غوش عتصيون»، وأثار مخاوف إسرائيلية كبيرة من توسع المواجهة إلى الجنوب، بعدما ظلت إلى حد كبير طوال الحرب الحالية على قطاع غزة مركزة في شمال الضفة.
واقتحمت قوات إسرائيلية معززة مخيم جنين بعدما أنهت هجماتها على مخيمات طولكرم وطوباس. وقال الجيش الإسرائيلي إنه خلال 4 أيام قتل 26 فلسطينياً واعتقل نحو 30 مطلوباً له، وفكك عبوات ناسفة، وأكد أنه سيواصل هجومه على جنين.
وانفجرت في مخيم جنين أعنف الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي ومسلحين بعد توغله في قلب حارات محددة.
وشوهدت قوات كبيرة من الجيش تقتحم حارات المخيم وتشتبك مع الفلسطينيين وتنفذ عمليات اعتقال واسعة هناك، قبل أن تترك للسكان ملصقات كُتب عليها: «عندما تعودون إلى منازلكم، ستعودون إلى مكان أكثر أماناً. لا تسمحوا للمجرمين بالتحكم في مستقبلكم، مستقبلكم بين أيديكم».
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن قتالاً ضارياً دار بين الجيش والمسلحين في مخيم جنين، واستخدم الجيش مئات الجنود من لواء «غفير»، ووحدة القوات الخاصة «دوفدفان»، ومهندسين قتاليين، وشرطة حرس الحدود، ومدرعات وجرافات وطائرات مروحية ومسيرات في الهجوم، مخلفين دماراً هائلاً في المناطق المقتحمة، فيما تصدى المقاتلون الفلسطينيون لهم بالأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة.
وسُمع دوي اشتباكات عنيفة في حارة الدمج في مخيم جنين وانفجارات، وحلقت الطائرات الإسرائيلية على علو منخفض قبل أن تخلي جرحى إسرائيليين.
وبحسب «القناة الـ14» الإسرائيلية، فقد استخدم المسلحون في المخيم، لأول مرة، صواريخ محمولة على الكتف من المحتمل أنها مهربة من إيران، لكن لم يؤكد أي مصدر فلسطيني أو مصدر إسرائيلي آخر ذلك.
وجاءت العملية الأضخم في الضفة الغربية منذ عام 2002، في ذروة تحذير الاستخبارات الإسرائيلية من تصعيد متوقع في الضفة الغربية، لدرجة أن الأمر قد يتطور إلى انتفاضة. ونقلت دائرة الاستخبارات تقديراً ينذر الأجهزة الأمنية بأن التصعيد في الضفة متوقع، وقد يكون حتى بحجم انتفاضة، ويشمل هجمات بالمتفجرات وعمليات انتحارية في إسرائيل.
الخوف من انتفاضة كاملة
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن القلق المحدد في جهاز الأمن هو من انتفاضة كاملة يتخللها هجوم منظم في شمال الضفة على المستوطنات، أو المزارع الفردية غير المحمية، على غرار ما فعلته «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، بمشاركة أجهزة الأمن الفلسطينية.
واتهم مسؤولون أمنيون إسرائيليون إيران و«حماس» بالعمل على إشعال الأوضاع في الضفة؛ لأنهما تعتقدان أنها الطريقة الأنجح في منع هجوم إسرائيلي على إيران ولبنان، وتخفيف الضغط عن قطاع غزة.
لكن في ذروة الهجوم على شمال الضفة، تلقت إسرائيل ضربة من الجنوب أربكت حسابات أجهزة الأمن، وأشعلت المخاوف من توسيع وتمدد المواجهة.
وهاجم فلسطينيان في مجمع مستوطنات «غوش عتصيون» القريبة من الخليل، بسيارتين مفخختين محطة وقود ومستوطنة قريبة في عملية منسقة، كانت لو نجحت من شأنها أن تغير المعادلة.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن المنفذين قادا معاً سيارتين مفخختين عبر طريق 60 لتنفيذ هجومين بالتزامن، فتوجه أحدهما إلى محطة الوقود عند مفترق «غوش عتصيون»، والآخر إلى «كرمي تسور»، وفي الساعة 11:35 انفجرت السيارة الأولى في محطة الوقود، في وقت مبكر كما يبدو عندما لاحظ المنفذ أن سيارته بدأت تحترق وخرج منها محاولاً مهاجمة العمال والقوات التي تم استدعاؤها هناك، وتم قتله، وأصيب ضابط وجندي بجروح متوسطة وخفيفة جراء إطلاق النار بالخطأ. وفي الساعة 11:49 مساءً تم تفعيل إنذار حول مخاوف من تسلل إلى مستوطنة كرمي تسور التي تقع على بعد بضعة كيلومترات من المفترق، ولاحقاً تم تأكيد تسلل «الإرهابي»، وأنه اخترق الحاجز الأمني للمستوطنة، وحاول دهس حارس الأمن عند مدخلها. فهرعت دورية أمنية في المستوطنة إلى المكان واصطدمت بسيارته وفتحت النار أيضاً، فانفجرت السيارة في أثناء وجوده بداخلها، وأصيب أحد أفراد الدورية بجروح طفيفة كما أصيب ضابط كبير قائد لواء عتصيون بجروح طفيفة في يده.
وأكد مسؤولون في الجيش أنه كان هناك اتصال وتنسيق بين المنفذين، وكلاهما غادر المنطقة نفسها وفي الوقت عينه، وخططا لتفجير السيارات المفخخة في الوقت نفسه بموقعين مختلفين.
وفوراً أغلقت إسرائيل محافظة الخليل، واقتحمت عدة مناطق، وقالت إنها عثرت على معمل يستخدم في تصنيع العبوات والأسلحة وقامت بتفجيره واعتقلت آخرين من المدينة.
وجاء هجوم الخليل بعد أيام من تهديد «حماس» لإسرائيل بتلقي ضربات من جنوب ووسط الضفة. ونعت «حماس» منفذَي الهجوم، محمد مرقة وزهدي أبو عفيفة، وأكدت أن «العملية البطولية المزدوجة رسالة واضحة بأن المقاومة ستبقى ضاربة وممتدة». وأضافت: «هذه العملية النوعية تحمل دلالة رمزية من حيث مكان حدوثها ومن حيث زمانها». وأكدت «حماس» أن «العملية تؤكد للاحتلال أنه لا يمكنه الاستفراد بأي جزء من الوطن».
وتحقق إسرائيل حول العملية، مع معتقلين من الخليل، وتفحص من بين أمور أخرى من يقف خلف العملية، ومن أرسلهم وكيف حصلوا على المواد المتفجرة.
وكتب المحلل العسكري في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، تحت عنوان: «هل تتوسع الانتفاضة إلى الخليل؟»، قائلاً إن ما يحدث حالياً في الضفة هو أن «الإرهاب» ينخفض في مكان ثم يصعد بشكل مفاجئ في مكان آخر، محذراً من أن الضغط الكبير والمستمر الذي يقوم به الجيش على مخيمات اللاجئين في الشمال، يدفع مبادري العمليات ومنفذيها للبحث عن مناطق لا يكون الجيش الإسرائيلي مجهزاً فيها بقوات كبيرة.
ورأى الكاتب أن الوضع الاقتصادي الصعب في الضفة، بما في ذلك توقف دفع الرواتب من قبل السلطة الفلسطينية ومنع العمال من الوصول إلى إسرائيل، وصعوبات العمل الأمني الفعال، يزيد من احتمالية التصعيد. كما أن الضغط على قوات الأمن وافتقارها لقوات إضافية قد يؤثران على قدرتها في مواجهة التصعيد في مناطق جديدة.
وقال بن يشاي إن هناك قلقاً من أن الانتفاضة قد تتوسع إلى جنوب الضفة، خاصة نحو الخليل، وهو ما قد يفرض ضغوطاً إضافية على الجيش الإسرائيلي، ويجبره على تقسيم جهوده بين جبهتين نشطتين، وبالتالي سوف يؤثر على فاعليته في غزة ولبنان. وأضاف: «إذا توسعت حرب الإرهاب إلى المنطقة التي بجنوب القدس، فقد تتسرب أيضاً إلى داخل أراضي إسرائيل وراء الخط الأخضر. لذلك، يجب أن تركز المعركة الآن على جميع المجالات التي تغذي مكافحة الإرهاب، من اعتقال ومنع الناشطين الرئيسيين إلى القضاء على المنفذين من الخارج، مع التركيز على منع تهريب الأسلحة والأموال إلى منطقة الخليل وبيت لحم».