«حزب الله» يعيد تأهيل آلته العسكرية بعد ضربات إسرائيل «الاستباقية»

زخم بإطلاق الصواريخ المنحنية تلا تركيزه على المسيّرات

صورة لمسيّرة تحمل شعار «حزب الله» مرفوعة على جدار في ساحة فلسطين في طهران (أ.ف.ب)
صورة لمسيّرة تحمل شعار «حزب الله» مرفوعة على جدار في ساحة فلسطين في طهران (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يعيد تأهيل آلته العسكرية بعد ضربات إسرائيل «الاستباقية»

صورة لمسيّرة تحمل شعار «حزب الله» مرفوعة على جدار في ساحة فلسطين في طهران (أ.ف.ب)
صورة لمسيّرة تحمل شعار «حزب الله» مرفوعة على جدار في ساحة فلسطين في طهران (أ.ف.ب)

أعاد «حزب الله» الزخم إلى عملياته العسكرية في جنوب لبنان، بعد تراجع في العدد والحجم، ظهر إثر رده على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، والضربات الاستباقية الإسرائيلية التي استهدفت منصات صواريخ.

ولم يتخطَ عدد العمليات العسكرية للحزب أيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، 3 عمليات يومياً، وركّز فيها على استخدام أسراب المسيّرات الانقضاضية، حسبما أعلن في بياناته، كما استخدم القذائف المدفعية لاستهداف تجمعات لجنود إسرائيليين قرب المواقع العسكرية المقابلة للحدود اللبنانية.

الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان ضمن هجوم استباقي نفذته إسرائيل في لبنان فجر الأحد (رويترز)

لكن إطلاق الصواريخ استُؤنف بزخم أكبر بدءاً من يوم الخميس، حيث أعلن عن استهداف مواقع عسكرية وتموضعات لجنود إسرائيليين بالأسلحة الصاروخية، وازدادت العمليات يوم الجمعة بشكل كبير يشبه ما كان عليه قبل ضربة الأحد، حيث بلغ عدد العمليات العسكرية 6 عمليات، بينها اثنتان استهدف فيهما مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا التي تقع على ارتفاع شاهق عن الأراضي اللبنانية، في حين أعلن ليل الجمعة إطلاقَ صواريخ «كاتيوشا» و«فلق» باتجاه مربض مدفعية تابع للكتيبة 411 في نافه زيف، ومقر قيادة اللواء الغربي 300 في ثكنة يعرا، وانتشاراً للجنود في محيطه.

وذكرت «وكالة الأنباء المركزية» اللبنانية أن الحزب قصف للمرّة الأولى، منذ تصعيد الأحد الماضي، بصواريخ «فلق» و«كاتيوشا» مواقع عسكرية إسرائيلية في الجليل.

إسرائيليون يتفقدون الأضرار عقب إطلاق «حزب الله» صواريخ من لبنان في إطار الرد على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر (أ.ف.ب)

إعادة تأهيل الراجمات

ويشير هذا الزخم المستجد إلى أن الحزب، «أعاد تأهيل آلته العسكرية» التي تعرّضت لقصف عنيف صباح الأحد، إثر هجوم إسرائيلي واسع بعشرات الغارات شاركت فيه مئات الطائرات، لإحباط الرد على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر. وقالت مصادر ميدانية في الجنوب لـ«الشرق الأوسط» إن «استئناف القصف الصاروخي بالصواريخ المنحنية مثل (كاتيوشا) و(فلق)، يعزز الاعتقاد بأن الحزب أعاد تثبيت راجمات صواريخ ونقل الذخائر إلى مرابضها، بعد هجوم الأحد».

وقالت المصادر: «مرابض إطلاق المسيّرات الانقضاضية، عادة ما لا تتأثر بأي ضربات، كونها لا تحتاج إلى مساحات، ولا إلى مسافات جغرافية قريبة من الحدود، مثل صواريخ (الكاتيوشا) المعروفة بأنها قصيرة المدى، ويفرض إطلاقها أن تكون في مواقع قريبة من الحدود»، لذلك، «تم الاعتماد في الأيام السابقة على المسيّرات الانقضاضية بشكل كبير، كما على القذائف المدفعية مثل (المورتر) التي يمكن حملها ونقلها بسهولة بين مواقع التخزين والإطلاق».

وبالفعل، استخدم الحزب محلقات مفخخة، يوم الخميس؛ لاستهداف تجهيزات تجسسية مثل كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار في موقع «العباد» وثكنة «دوفيف» بالجليل الأعلى، حسبما ظهر في مقاطع فيديو نشرها الحزب.

امرأة تحمل صورة لأمين عام «حزب الله» وتعبر بها وسط الدمار في بلدة عيتا الشعب بجنوب لبنان (أ.ب)

صواريخ «كاتيوشا» و«فَلَق»

ورصدت إسرائيل في الأيام الماضية، تراجعاً بحدة القصف، وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية (الأربعاء) بأنه «منذ الضربة الاستباقية ضد حزب الله تم تسجيل أقل عدد من عمليات إطلاق الصواريخ على الشمال».

واعترف أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، بأن الضربات الإسرائيلية الاستباقية استهدفت مرابض صواريخ «كاتيوشا» فجر الأحد، لكنها لم تستهدف الراجمات التي كانت مُعدّة لإطلاق الصواريخ ضمن عملية الردّ المخطط لها. وقلّل نصر الله من فاعلية تلك الضربات، قائلاً إن تكلفة إنتاج الراجمة بأحسن أحوالها، تتراوح بين 8 و10 آلاف دولار، وأن الحزب يمتلك الآلاف منها.

وتعتمد ترسانة الحزب التي تُستخدَم في الحرب الأخيرة بشكل أساسي على الصواريخ المنحنية من طراز «كاتيوشا» و«فلق» لضرب أهداف تبعد مسافة تتراوح بين 7 و15 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، خصوصاً في كريات شمونة وهضبة الجولان السوري المحتل، إضافة إلى المحلقات المفخخة التي يستهدف بها أهدافاً في العمق. وفي بداية الحرب، كان يعتمد بشكل أساسي على الصواريخ الموجهة التي تراجعت فاعليتها إثر إخلاء الجيش الإسرائيلي المواقع الحدودية الواقعة مباشرة على الشريط الحدودي مع لبنان.

نتنياهو يلتقي جنوداً من «لواء غولاني» على الحدود الشمالية... الأربعاء (د.ب.أ)

40 صاروخاً من لبنان

ودوت صباح السبت صفارات الإنذار في مسكاف عام والمالكية على الحدود مع لبنان، وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بسقوط 3 صواريخ في مناطق مفتوحة في الجليل الأعلى، من دون الإفادة بوقوع إصابات.

وتحدّثت وسائل إعلام لبنانية محلية عن إطلاق نحو 40 صاروخاً من لبنان باتجاه إسرائيل، علماً بأن تلك الرشقات هي الأكثر غزارة منذ يوم الأحد الماضي. ودوت صفارات الإنذار في جورين، وإدميت، وعراب العرامشة، ويعرا بالجليل الغربي. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الجيش أصدر تعليمات للسكان في عديد من المستوطنات الإسرائيلية للبقاء بالقرب من المناطق المحمية. وأعلن «حزب الله» في المقابل استهداف موقع المرج بالأسلحة الصاروخية وأصاب مقاتليه إصابة مباشرة.

وقصفت المدفعية الثقيلة بعشرات القذائف أطراف بلدة شمع وأودية بلدة مجدل زون وزبقين في القطاع الغربي، وأطراف بلدتَي دير سريان والطيبة في قضاء مرجعيون بالقطاع الشرقي. وتعرّضت أطراف يحمر الشقيف ومجرى النهر عند الأطراف الجنوبية فيها لقصف مدفعي، تسبب في اندلاع النيران التي امتدت إلى مشارف المنازل.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، استهداف مناطق إطلاق صواريخ في شبعا بالمدفعية، وأنه قصف مبنى لـ«حزب الله» في طير حرفا.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، بأن سيارات إطفاء تحرّكت لإخماد حريق كبير شبّ في أطراف بلدة الناقورة جراء إلقاء طائرة مسيّرة إسرائيلية مواد حارقة في المنطقة.

وكانت الطائرات الإسرائيلية نفّذت غارة عنيفة منتصف ليل السبت - الأحد استهدفت أطراف بلدات حداثا ورشاف والطيري.


مقالات ذات صلة

إصابة 4 جنود إيطاليين بقصف على قاعدة لـ«اليونيفيل» في جنوب لبنان

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة في قاعدة الأمم المتحدة بجوار قرية مارون الراس اللبنانية... كما شوهد من أفيفيم على الجانب الإسرائيلي من الحدود 19 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

إصابة 4 جنود إيطاليين بقصف على قاعدة لـ«اليونيفيل» في جنوب لبنان

قال مصدران حكوميان، اليوم (الجمعة)، إن 4 جنود إيطاليين أصيبوا في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في بلدة شمع بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
TT

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)

كان لافتاً أن يخرج أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أخيراً، للحديث عن مرحلة ما بعد وقف النار وانتهاء الحرب الإسرائيلية، ليعلن أن خطوات الحزب السياسيّة وشؤون الدولة ستكون «تحت سقف الطائف»، ويتحدث عن «مساهمة فعالة» لانتخاب رئيس للجمهورية، مع إشارة واضحة إلى ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي عدّها «الرصيد المتبقّي الذي نستطيع من خلاله أن نبني وطننا». وهذه الثلاثية هي عبارة ترد في البيان الوزاري للحكومات اللبنانية منذ أعوام، وفيها تشريع مبطن لعمل الحزب العسكري.

واختلفت قراءة مواقف الحزب تلك. ففيما عدَّ البعض أنه يمهّد من خلالها لتنازلات في المرحلة المقبلة مرتبطة بسلاحه، رأى آخرون أنها تنحصر بـ«المشروع السياسي»، إذ إن آخر ما قد يُقدم عليه «حزب الله» اليوم طالما الحرب مستمرة وفي أوجها الحديث عن سلاحه ومصيره.

ما الذي نص عليه «الطائف»؟

وقسّم «اتفاق الطائف»، الذي يُعرف بـ«وثيقة الوفاق الوطني اللبناني»، التي صادق عليها مجلس النواب في عام 1989، المراكز والمناصب على الطوائف، وحدد صلاحيات السلطات الأساسية. ونصّ على «حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية»، لكنه في الوقت عينه أشار إلى «اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها».

ولطالما حاول «حزب الله» إبداء تمسكه بـ«اتفاق الطائف». وفي يوليو (تموز) 2023، أكد الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله أن «الحديث عن أن (حزب الله) يريد إلغاء (اتفاق الطائف) والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين هو كذب وتضليل مقصود».

المشروع السياسي

ووصف الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير، المطلع عن كثب على شؤون «حزب الله»، موقف قاسم، بـ«المهم»، معتبراً أنه «يؤكد التزام الحزب بالاتفاق، وأنه لن يكون له مشروع سياسي داخلي مختلف». وشدد قاسم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أنه «ليس لهذا الموقف علاقة بالسلاح باعتبار أن (اتفاق الطائف) له علاقة بالمشروع السياسي».

مصلحة شيعية

من جهته، رأى عضو كتلة «تحالف التغيير» النائب ميشال دويهي أن «مفهوم (اتفاق الطائف) عند عدد كبير من القوى السياسية يتخطى (الطائف) والصلاحيات الدستورية. فنرى هذه القوى، وعلى رأسها (الثنائي الشيعي)، أي (حزب الله) وحركة «أمل»، تنتقي ما تريد من هذا الاتفاق وتطبقه»، متسائلاً: «ألم ينص الاتفاق على حل كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة وهو أمر لم يحصل؟».

وعدَّ دويهي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل السلوك السياسي والدستوري والقانوني لـ(الثنائي)، هو تعدّ على (الطائف)»، مضيفاً: «آخر ملامح خرق (الطائف) تولي الرئيس بري مفاوضات وقف النار بدلاً عن رئيس الجمهورية»، ولافتاً إلى أنه «بعد الحرب الكبيرة والمؤلمة لجميع اللبنانيين، نرى أنه لدينا فرصة لتطبيق (الطائف)، واستعادة الدولة وبناء المؤسسات، ونعتقد أن للطائفة الشيعية مصلحة وجودية وكيانية بالعودة إلى الدولة والمساهمة في بناء دولة قوية».

لا شيء مضمون

أما رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي بول مرقص، فعدَّ أن الشيخ قاسم، وبحديثه في هذا التوقيت عن «الطائف»، إنما «غمز باتجاه أن الحزب سيكون من الآن وصاعداً حزباً سياسياً يعمل وفق أطر اللعبة السياسية التي أرسى قواعدها (اتفاق الطائف) لا ميليشيا مسلحة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قصد أيضاً أن الحزب لن يذهب باتجاه (العد)، أي اعتبار أن أكثرية طائفية معينة يمكنها أن تحتل مركز طائفة أخرى. لكن الأمرين أشار إليهما من باب الغمز، لا من باب الضمانة أو التأكيد، لأن لا شيء يمنع أن يستمر الحزب بحمل سلاحه طالما العبارة لم تأت واضحة وصريحة».

وأضاف مرقص: «(الطائف) نصّ على حل جميع الميليشيات إلا أنه أبقى على مفهوم المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية، لذلك يفسره (حزب الله) على النحو الذي يريده، بحيث يبقي على سلاحه تحت هذا الشعار، من هنا لا يمكن اعتبار عبارة (تحت سقف الطائف) عبارة ضامنة إنما تحتمل الكثير من الالتباس والتأويل».