غموض يلفُّ إصابة المتهم بـ«سرقة القرن» العراقية في بيروت

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: نور زهير وصل لبنان بطائرة خاصة وغادره إلى تركيا

نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)
نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)
TT

غموض يلفُّ إصابة المتهم بـ«سرقة القرن» العراقية في بيروت

نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)
نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)

ازداد الغموض في قضية المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» العراقية، بعد أنباء عن إصابته في حادث مروري «مزعوم» ببيروت، فيما كشفت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» معلومات عن دخوله وخروجه من البلاد في غضون 3 أيام، دون إشارة قضائية بحقه في «مطار رفيق الحريري».

كانت وسائل إعلام لبنانية قد ذكرت فجر السبت أن «رجل الأعمال العراقي نور زهير المظفر نجا بالكاد من حادث مروري في منطقة الحدث»، إحدى ضواحي بيروت.

وزهير هو المتهم الأبرز في قضية الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال «الأمانات الضريبية»، في واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في البلاد.

وسحبت الأموال بين سبتمبر (أيلول) 2021، وأغسطس (آب) 2022 من خلال 247 صكاً تم صرفها من قبل 5 شركات، ثم سحبت نقداً من حسابات هذه الشركات، وفر معظم مالكيها خارج البلاد، وفقاً لتحقيقات عراقية بدأت عام 2022، ولا تزال مستمرة.

ومن المفترض أن تعقد جلسة محاكمة زهير في بغداد يوم 27 أغسطس (آب)، وكان قد وعد بحضورها حين ظهر أخيراً في حوار مع محطة عراقية، الأسبوع الماضي.

ووفقاً لوسائل إعلام لبنانية، فإن زهير تعرض، أمس الجمعة، إلى حادث «خطير» لينقل إلى مستشفى «سانت تيريز»، وقد تعرض إلى «إصابات بالغة في العمود الفقري والعنق والقفص الصدري إضافة إلى رضوض عدة في الجسم والرأس».

ومن المفترض أن تمنع إصابات بهذا الحجم من الضرر زهير من حضور محاكمته في بغداد.

وأثارت هذه الأنباء جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف صحافيون وناشطون إصابة زهير بـ«المزورة». وقالت النائب سروة عبد الواحد، في منشور على «إكس»، إن «الحادث مسرحية فاشلة».

ولاحقاً خلال صباح السبت، حذفت وسائل إعلام لبنانية ما نشرته عن الحادث المروري في «الحدث».

صورة متداولة لنور زهير قيل إنها بعد إصابته بحادث سير في بيروت (إكس)

زهير في «سانت تيريز»

وقالت مصادر لبنانية متقاطعة لـ«الشرق الأوسط» إن «عراقياً باسم نور زهير المظفر وصل بالفعل إلى مستشفى سانت تيريز على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية، وكان مصاباً برضوض طفيفة».

ويلزم القانون اللبناني المستشفيات بإبلاغ الجهات الأمنية عند وصول أي مصاب بحوادث السير، إلا أن مستشفى «سانت تيريز» لم يقم بذلك، لأن «حالة المريض (العراقي) لم تستوجب»، وفقاً للمصادر.

بدوره، أكد مسؤول بارز في قوى الأمن الداخلي اللبناني أن «المخافر في بيروت والضواحي القريبة لم تُبلغ بأي حادث سير لمواطن عراقي يحمل اسم نور زهير».

وأكد المسؤول اللبناني أن «قوى الأمن سألت مستشفى سانت تيريز عن سبب عدم التبليغ وأفاد بأن المذكور حضر بالفعل، لكن إصابته طفيفة جداً لم تكن تستوجب إبلاغ الأمن اللبناني، أو منحه تقريراً طبياً عن حادث مروري».

وطبقاً لمعلومات «الشرق الأوسط»، فإن الدفاع المدني والصليب الأحمر في لبنان لم يسجلا حادثاً مرورياً لشخص عراقي في منطقة الحدث، يومي الخميس والجمعة.

مع ذلك، قالت النائب سروة عبد الواحد إن تحقيقاً فُتح مع طبيب في المستشفى منح زهير تقريراً طبيباً مزوراً.

كيف دخل زهير بيروت؟

قبل الحادثة المزعومة، ظهر زهير في حوار تلفزيوني للحديث عن قضيته، وادعى أنه «بريء من سرقة أموال الأمانات الضريبة».

وخلال المقابلة، أكد زهير أنه «سيحضر جلسة محاكمته في العاصمة العراقية بغداد يوم 27 أغسطس (آب)»، وهدد «بفضح أسماء وتفاصيل بقضايا فساد».

ورغم أن البث التلفزيوني لم يبين مكان إجراء الحوار، لكن مزاعم متداولة بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي كانت تفيد بأنه يقيم خارج العراق.

ومع تداول صور زهير مصاباً في حادث مروري ببيروت، تساءل ناشطون عن «قدرته على التحرك بين عواصم مختلفة رغم أنه المتهم الرئيسي في قضية سرقة القرن».

وحسب مصادر في الأمن العام اللبناني، فإن زهير «وصل بيروت يوم 21 أغسطس (آب) الحالي (الأربعاء) عبر طائرة خاصة، وغادرها من مطار رفيق الحريري الدولي يوم الجمعة الماضي متوجهاً إلى تركيا».

لا إشارة قضائية في المطارات

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، «عدم وجود إشارة قضائية استدعت توقيفه في مطار رفيق الحريري»، وهو أمر فسره مسؤول قضائي عراقي بأنه «يتمتع بكفالة من القضاء العراقي».

وأفادت مصادر الأمن اللبناني بأن «زهير يحمل جواز سفر أردنياً وآخر دبلوماسياً عراقياً، وهو يزور لبنان باستمرار».

ولم يتسن لـ«الشرق الأوسط» الحصول على تعليقات من فريق الدفاع عن نور زهير في قضية «الأمانات الضريبية».

إلى ذلك، قال خبير قضائي عراقي لـ«الشرق الأوسط» إن «تأجيل محاكمة نور زهير المقررة يوم 27 من هذا الشهر وارد جداً في حال قدم وكيل دفاعه ما يثبت تعرضه لحادث خطير، لكن هذا الإثبات يجب أن يكون مصدقاً من السفارة في بيروت ووزارة الخارجية العراقية».

لكن الخبير استبعد إمكانية التأجيل بـ«النظر للغموض المرتبط بتعرض زهير للحادث، إلى جانب أن قضيته باتت تشغل الرأي العام وتعرض القضاء للحرج إن أظهر تهاوناً في حسمها».

ورجح الخبير «قيام القضاء بإلغاء كفالة زهير التي بموجبها أخلي سبيله، وقد يصدر قرار بإعادته إلى البلاد لمحاكمته، ومن الوارد جداً إصدار القضاء حكماً غياباً ضده».

لغز «سرقة القرن»

وتعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بجعل القضاء على الفساد على رأس أولوياته عند استلامه مهام منصبه في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، لكن كثيرين يعتقدون أن الحكومة تواجه أعقد ملف فساد، بسبب تشعب أطرافه، ومحاولات لاستغلاله سياسياً.

وأصدرت هيئة النزاهة مذكرات توقيف، وأجرت على مدار عامين تحقيقات مع عشرات الأشخاص والجهات المعنية بأموال الضريبة، غير أن مسار التحقيق، والتصريحات التي تصدر عن جهات رقابية، ترجّح مضاعفة مبلغ السرقة المعلَن عنه سابقاً، وربما وصوله إلى نحو 11 تريليون دينار (نحو 8 مليارات دولار).

وفي مؤشر على عدم معرفة هيئة النزاهة بإجمالي المبلغ المسروق، طالب رئيسها حيدر حنون، مطلع أغسطس (آب) الحالي، هيئة الضرائب، بـ«إعلان كمية الأموال المسروقة، خلال مدة 15 يوماً»، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.


مقالات ذات صلة

الجيش العراقي يدمّر مواقع لـ«داعش» شمال بغداد

المشرق العربي صورة نشرها الجيش العراقي لرتل خلال مطاردة سابقة لخلايا «داعش» في الأنبار

الجيش العراقي يدمّر مواقع لـ«داعش» شمال بغداد

نفّذت القوات العراقية عمليات قتالية ضد تنظيم «داعش» في مناطق مختلفة من البلاد، بمشاركة سلاح الجو، أسفرت عن تدمير «أوكار ومضافات».

حمزة مصطفى (بغداد)
أوروبا كبير مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق سابقاً هانس بليكس (96 عاماً) يتحدث خلال مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في منزله باستوكهولم (أ.ف.ب)

بليكس: «أخطاء وانحرافات» تسببت في غزو العراق والحرب الروسية الأوكرانية

قارن هانس بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل «خطأين» يفصل بينهما عقدان من الزمن: حرب الولايات المتحدة على العراق، وحرب روسيا على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
المشرق العربي عناصر من الجيش العراقي يظهرون في أثناء اشتباكات مع مسلحين إرهابيين (رويترز)

طائرات عراقية تقصف أوكاراً «إرهابية» شمال بغداد

كشف بيان عسكري عراقي عن أن طائرات عراقية نفذت فجر اليوم السبت، ضربة جوية ناجحة استهدفت ثلاثة أوكار للإرهابيين في قضاء طوز خرماتو.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
ثقافة وفنون رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

أصدر مخلص خليل عدداً من المجموعات الشعرية، وكان من الأصوات البارزة في فترة السبعينات.

المشرق العربي عناصر من «البيشمركة» يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)

حكومة كركوك الجديدة تواجه المقاطعة السياسية

أعلنت أحزاب تمثّل العرب والكرد والتركمان مقاطعتها مجلس محافظة كركوك، الذي سيعقد يوم غد (السبت) أول اجتماع بعد انتخاب محافظ جديد للمدينة.

حمزة مصطفى (بغداد)

عناصر «اليونيفيل» بين ناري إسرائيل و«حزب الله»

جندي أممي يراقب بمنظاره منطقة النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
جندي أممي يراقب بمنظاره منطقة النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

عناصر «اليونيفيل» بين ناري إسرائيل و«حزب الله»

جندي أممي يراقب بمنظاره منطقة النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
جندي أممي يراقب بمنظاره منطقة النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

يشكو جنود الكتيبة الإسبانية العاملة ضمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) من أنهم يجدون أنفسهم «عالقين بين ناري (حزب الله) والجيش الإسرائيلي» اللذين يخوضان حرباً حدودية منذ أكثر من 10 أشهر.

ويقول الجندي الإسباني ألفارو غونزاليس غافالدا، لوكالة الصحافة الفرنسية: «في بعض الأحيان نضطر إلى الاحتماء بسبب القصف... في مواقعنا وحتى في ملاجئ» تحت الأرض.

للوصول إلى القاعدة 964، عبر مصورو وكالة الصحافة الفرنسية برفقة جنود إسبان بلدات وقرى بدت شبه خالية من سكانها، بينما كان عدد ضئيل من المتاجر أو مرائب لتصليح السيارات قد أبقى على أبوابه مفتوحة. وعلى جانبي الطريق، بدت أراضٍ واسعة محروقة، وهو ما ترده السلطات اللبنانية إلى استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض في قصف جنوب البلاد، الأمر الذي تنفيه إسرائيل.

وتقع القاعدة الإسبانية المزنرة بأسلاك شائكة قرب بلدة الخيام الحدودية؛ حيث شاهد مصورو وكالة الصحافة الفرنسية عشرات المنازل المدمرة أو المتضررة جراء القصف الإسرائيلي. وفي الجانب الآخر من الحدود، يمكن بالعين المجردة رؤية المطلة الإسرائيلية، التي بدت كذلك فارغة من سكانها مع تكرار «حزب الله» استهداف مواقع فيها.

ويستطيع الجنود من برج المراقبة أن يشاهدوا بمناظيرهم منطقة حدودية واسعة تمتد إلى مرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل، وتتعرض بين الحين والآخر لقصف من جنوب لبنان. وتنقل الوكالة عن المقدم في الكتيبة الإسبانية خوسيه إيريساري أن «مهمتنا في لبنان، وفقاً لقرار الأمم المتحدة 1701» هي «مساعدة الحكومة اللبنانية والقوات المسلحة اللبنانية على السيطرة على المنطقة الواقعة جنوب الليطاني».

جندي إسباني في موقعه المحصن عند الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)

ويقول إيريساري: «بعض القرى فارغة تماماً. لا أحد يعيش هناك بسبب المخاطر والهجمات المستمرة». ويضيف: «يطلب منا السكان الذين ما زلنا نجدهم في القرى الحماية والسلامة».

وقوة «اليونيفيل» موجودة في لبنان منذ عام 1978، وتضم نحو 10 آلاف جندي وتنتشر في جنوب لبنان للفصل بين إسرائيل ولبنان.

وينتهي تفويض «اليونيفيل» نهاية الشهر الحالي. ويطالب لبنان مجلس الأمن بتمديد ولايتها من دون أي تعديل في مهامها، بعدما تمحورت النقاشات في العامين الأخيرين حول حرية تنقل الجنود الدوليين في جنوب لبنان، ما أثار غضب «حزب الله».

ولم تبقَ قواعد قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان بمنأى عن التصعيد بين الجانبين. وأصيب جنود عدة بجروح منذ بدء تبادل القصف. كما وصلت النيران مراراً إلى جوار مقار تابعة لها. وتضمّ الكتيبة الإسبانية نحو 650 جندياً يتوزعون على مواقع عدة في جنوب لبنان. وعلى غرار جنود من بعثات أخرى في القوة الدولية، لا تقتصر مهماتهم على الجانب العسكري فحسب، إذ يقدمون الدعم والمساعدة للمجتمعات المحلية، وفق ما يوضح إيريساري.

جنود إسبان يمارسون الرياضة في ملجأ محصن (أ.ف.ب)

ولدى الجنود الإسبان الذين تبنوا كلبين هامش تسلية ضئيل. ويقول غافالدا: «عندما نحظى بوقت فراغ، نرتاد صالة الألعاب الرياضية (..) وأحياناً نشاهد الأفلام». ويقرّ الجندي الذي وصل إلى جنوب لبنان في مايو (أيار) الفائت «نشتاق إلى عائلاتنا، لكن الإنترنت ما زال متوفراً ونتواصل معهم كل يوم تقريباً». ويضيف: «يراسلوننا أحياناً لسؤالنا عما إذا كنا نشعر بالتصعيد المتزايد بين البلدين (...) نطمئنهم بأننا بأمان هنا ونضطلع بواجباتنا على أكمل وجه».