هجوم دامٍ للمستوطنين على بلدات فلسطينية بالضفة يثير انتقادات دولية واسعة

«الشاباك» يحذر من انتقال الإرهاب اليهودي إلى إسرائيل حال استمرار إهماله

فلسطيني داخل منزله الذي أحرقه المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)
فلسطيني داخل منزله الذي أحرقه المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)
TT

هجوم دامٍ للمستوطنين على بلدات فلسطينية بالضفة يثير انتقادات دولية واسعة

فلسطيني داخل منزله الذي أحرقه المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)
فلسطيني داخل منزله الذي أحرقه المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)

أثار الهجوم الدامي للمستوطنين على بلدة جيت، قرب نابلس، في الضفة الغربية، انتقادات فلسطينية ودولية وحتى داخل إسرائيل، وذهب قادة المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) إلى التحذير من إرهاب يهودي منظم يدير هذه الاعتداءات بشكل مخطط ويستغل تساهل الحكومة معه. وفي الوقت ذاته، توجهت الحكومة الفلسطينية إلى المجتمع الدولي مطالبة بموقف جدي «يجبر دولة الاحتلال على تفكيك بؤر وميليشيات المستعمرين الإرهابية المنتشرة في الضفة المحتلة، وتجفيف مصادر تمويلها ورفع الحماية السياسية والقانونية عنها واعتقال عناصرها الإجرامية، وإجبارها على إنهاء منظومتها الاستعمارية الاحتلالية ونظامها التمييزي العنصري في فلسطين المحتلة».

وأكدت وزارة الخارجية والمغتربين في رام الله أن الهجوم الجماعي على قرية جيت دليل على أن عقوبات عدد من الدول على بعض عناصر المستعمرين الإرهابية غير كافية، ولن تشكل رادعاً لها لوقف جرائمها، وطالبت بفرض عقوبات رادعة على منظومة الاستعمار برمتها ومن يقف خلفها ويحرض على هذا العنف والإرهاب الوحشي من المسؤولين الإسرائيليين وقبل فوات الأوان.

لافتة نعي للشاب رشيد سدة (23 عاماً) الذي قتله المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (رويترز)

وكشفت مصادر فلسطينية أن عدد المشاركين في الهجوم المسلح، الذي شنته عصابات المستعمرين الإرهابية على قرية جيت، يبلغ أكثر من 100 شخص. وقد نفذوا هجومهم بشكل منظم، من خلال شبكة تنسيق وأدوات تبين أنه جاء بنية القتل وارتكاب مذابح. فقد أطلقوا الرصاص على الناس، وقتلوا الشاب رشيد سدة (23 عاماً) وأصابوا آخرين، وأشعلوا النار في 5 بيوت، على نمط إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما قبل عدة سنوات وأحرقوا 15 سيارة. وتساءلت الوزارة الفلسطينية: «كيف تقوم تلك العصابات الإرهابية بحشد 100 عنصر من عناصرها المسلحة بأسلحة بن غفير والهجوم على قرية فلسطينية؟ لولا شعورها بالحماية والدعم سياسياً وقانونياً وأمنياً، علماً بأن مثل هذه الهجمات ليست الأولى، إذ تذكرنا بالهجوم أكثر من مرة على بلدة حوارة، جنوب نابلس، وحرقها، وغيرها من الجرائم».

انتقادات إسرائيلية

في إسرائيل قُوبل هذا الهجوم بانتقادات وتصريحات تنصل واستنكار حتى من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين، أمثال إيتمار بن غفير وبتسليل سموترتش، المعروفين بدعم هذه الميليشيات وتشجيعها على العنف ضد الفلسطينيين. وقد عدَّ هذا الرد بمثابة محاولة تنصل حتى لا يتعرضوا لإجراءات عقابية في محكمة الجنايات الدولية والمجتمع الدولي، تضاف إلى الاتهامات لهم بجرائم الحرب في قطاع غزة.

فلسطيني يعاين سيارة أحرقها المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (أ.ب)

وخلال اجتماع الكابينيت السياسي - الأمني، أمس، قدم مسؤولون أمنيون تقارير حول الهجوم الإرهابي على جيت، وقال نتنياهو إن «هذه الاعتداءات تصعّب علينا مواجهة العقوبات الدولية ضد المستوطنين. ومن شأنها أن توسع العقوبات واستهداف الاستيطان كله، وبعدها لن تكون الطريق طويلة للمس بالدولة كلها. وينبغي وقف هذا السلوك. فهذا يضر بصورة إسرائيل وجهودها الإعلامية».

وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في تقرير، أن الشرطة الإسرائيلية لم تعتقل سوى مستوطن واحد من بين نحو 100 مستوطن الذين شاركوا في الهجوم الإرهابي على بلدة جيت، مساء الخميس، ووجهت إليه شبهة عرقلة عمل شرطي ثم أفرجت عنه.

وجاء في التقرير أن الإرهاب اليهودي، الذي كان يقتصر على بضع عشرات من المتطرفين، بدأ يكتسب زخماً خطيراً منذ بداية الحرب على غزة ويصبح أكثر عنفاً وتنظيماً، وأن المخابرات حذرت الحكومة عدة مرات منه، ومن تقاعس الشرطة عن مكافحته، لكن أحداً لم يحرك ساكناً. والشرطة التي باتت تعمل بروح قائدها، الوزير بن غفير، الذي كان بنفسه قد أدين في المحكمة بتهمة الإرهاب اليهودي، ما زال يشجع المعتدين ويوزع الأسلحة عليهم. ولم تكتفِ أجهزة الأمن بذلك، بل انتقدت الجهاز القضائي والنيابة أيضاً، حيث إن عدد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين تجاوز 300 حادثة، وحتى الآن لم يُقدّم أحدٌ للمحاكمة.

فلسطينيون يشيعون رشيد سدة (23 عاماً) الذي قتله المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (رويترز)

وذكر المسؤولون الأمنيون في تقاريرهم اعتداء مستوطنين على أربع نساء وطفلة من رهط عندما ضلوا طريقهم ومروا بالقرب من البؤرة الاستيطانية العشوائية «غفعات رونين»، حيث ألقى المستوطنون الحجارة باتجاه النساء وأصابوهن بجروح، واضطررن إلى العلاج في المستشفى، وأضرموا النار في السيارات. وقال المسؤولون الأمنيون إن الشرطة الإسرائيلية لم توجد في بلدة جيت كي تمنع هجوم المستوطنين. وذكر موقع «واينت» الإلكتروني أن المشاركين في اجتماع الكابينيت فهموا هذه الأقوال بأنها انتقاد لوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

بدوره، قال بن غفير لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، إنه «عندما لا تمنحون الدعم للجنود كي يطلقوا النار على مخرب يلقي حجارة فإن الأمور تصل إلى أحداث كهذه. وعلى الجيش الإسرائيلي أن يعالج أمر الإرهاب والردع، تجاه مخربين من قرية جيت أيضاً. وحان الوقت كي ينفذ وزير الأمن ذلك». إلا أن مسؤولاً أمنياً رد على بن غفير قائلاً إن الهجوم على جيت شارك فيه عشرات المستوطنين «بدون سبب وبدون أن تسبق ذلك عملية معادية»، مشيراً إلى «تصاعد الأنشطة المقلقة من هذا النوع في الأشهر الأخيرة، وكأنه لا يوجد قانون، وأمام أنظار الجميع».

وحذر قادة المخابرات من أن ترك هذه التنظيمات الإرهابية بلا علاج جذري سيؤدي إلى نتيجة حتمية، هي انتقال نشاطها إلى الداخل الإسرائيلي ضد المواطنين العرب ثم اليهود.

انتقادات دولية

أعرب السفير الأميركي لدى إسرائيل، جاك لو، اليوم الجمعة، عن انزعاجه من الهجوم العنيف، الذي شنه المستوطنون. وكتب على موقع «إكس»: «يجب وقف تلك الهجمات ومحاسبة المجرمين».

وكان البيت الأبيض قد ندد بالهجمات «غير المقبولة» في الضفة الغربية. الأمم المتحدة وصفت، الجمعة، الهجوم، بأنه «مروع»، وأضافت: «إلى حد كبير، نرى إفلاتاً من العقاب» في هجمات مماثلة.

وقالت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رافينا شامداساني: «كان مروّعاً. الأمر اللافت، الذي يتعيّن تذكره هو أن عملية القتل في جيت بالأمس لم تكن عبارة عن هجوم منعزل، وهي نتيجة مباشرة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية».

وأعلن مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الجمعة، أنه سيقترح فرض عقوبات على شخصيات في الحكومة الإسرائيلية «تمكّن» المستوطنين من ارتكاب أعمال عنف، بعد هجوم دموي استهدف قرية في الضفة الغربية المحتلة. وقال بوريل في منشور على «إكس» إن «على الحكومة الإسرائيلية وقف هذه الأعمال غير المقبولة فوراً»، متعهّداً «تقديم مقترح لعقوبات من الاتحاد الأوروبي ضد من يفسحون المجال أمام المستوطنين الذين يرتكبون أعمال عنف، بما في ذلك بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية».

سيارات أحرقها المستوطنون في بلدة جيت بالضفة الجمعة (رويترز)

وندد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بهجوم المستوطنين، وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في القدس «إننا ندين هذا الوضع». الوزير البريطاني ندد بـ«أشد العبارات» بهجوم «البغيض». وقال: «مشاهد إحراق الأبنية ليلاً وإلقاء القنابل الحارقة على السيارات... ومطاردة الناس من منازلهم بغيضة. وأدينها بأشد العبارات». ودانت وزارة الخارجية الألمانية، الجمعة، بالهجوم، وقالت على منصة «إكس»: «على إسرائيل التزام حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووضع حد لهذه الهجمات ومحاكمة مرتكبيها».


مقالات ذات صلة

إدانات إسرائيلية ودولية لهجوم مستوطنين على قرية في الضفة الغربية

المشرق العربي مشيعون يحملون جثمان الفلسطيني الذي قُتل خلال مواجهات مع مستوطنين إسرائيليين في قرية جيت بالضفة الغربية... الجمعة 16 أغسطس 2024 (أ.ب)

إدانات إسرائيلية ودولية لهجوم مستوطنين على قرية في الضفة الغربية

توالت ردود الفعل الدولية بعد إعلان وزارة الصحة الفلسطينية مقتل شخص واحد بعد هجوم نفذه عشرات المستوطنين الإسرائيليين على قرية فلسطينية في الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي منشآت نفطية في ميناء حيفا (أ.ف.ب)

قلق يسود حيفا الواقعة في مرمى نيران «حزب الله»

تصل رائحة الوقود من خزانات قريبة إلى شقة دوفي سوني، لكن قلقه ازداد منذ إعلان «حزب الله» اللبناني أن هذه المنشأة في حيفا تقع بمرمى نيرانه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس رفقة نظيريه الفرنسي ستيفان سيجورنيه والبريطاني ديفيد لامي في القدس في 16 أغسطس 2024 (رويترز)

إسرائيل تتوقع من حلفائها مساندتها ضد إيران في حال تعرضها لهجوم

تتوقع إسرائيل من فرنسا والمملكة المتحدة أن تقولا لإيران بشكل واضح وعلني إنه ممنوع مهاجمة إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال فعالية لمكافحة معاداة السامية في بيدمينستر بنيوجرسي - 15 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

ترمب يطلب من نتنياهو «الانتصار بسرعة» .. وينتقد دعوة وقف إطلاق النار

قال الرئيس الأميركي السابق المرشح الجمهوري دونالد ترمب إنه طلب من نتنياهو إنهاء حرب غزة، ولكن ترمب انتقد أيضاً دعوة وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية مستوطنون إسرائيليون في مستوطنة إيفياتار بالضفة الغربية (أرشيفية - أ.ب)

البيت الأبيض يندد بالهجمات «غير المقبولة» لمستوطنين إسرائيليين ضد الفلسطينيين

اعتبر البيت الأبيض، أن أعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون يهود ضد مدنيين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، هي أمر «غير مقبول».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«هدنة غزة»: اقتراح جديد لـ«سد فجوات» الاتفاق... وجولة مرتقبة في القاهرة

أقارب فلسطيني قُتل خلال هجوم إسرائيلي في خان يونس (رويترز)
أقارب فلسطيني قُتل خلال هجوم إسرائيلي في خان يونس (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: اقتراح جديد لـ«سد فجوات» الاتفاق... وجولة مرتقبة في القاهرة

أقارب فلسطيني قُتل خلال هجوم إسرائيلي في خان يونس (رويترز)
أقارب فلسطيني قُتل خلال هجوم إسرائيلي في خان يونس (رويترز)

بمقترح جديد قدمه الوسطاء لإبرام هدنة في قطاع غزة، وترتيبات فنية، انتهت مفاوضات الدوحة، الجمعة، عقب مناقشات على مدار يومين، منتظرة جولة مرتقبة بالقاهرة قبل نهاية الأسبوع، تعول مصر وقطر والولايات المتحدة ودول غربية عليها لإنجاز صفقة قريبة، وسط محاولات دولية لتفادي تصعيد إيراني بالمنطقة، وزيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الاثنين المقبل، لإسرائيل.

ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن نتائج مفاوضات الدوحة «قد تقود لاتفاق قريب»، في ضوء المقترح الجديد والترتيبات التي تستهدف تهدئة إقليمية. وأكدوا أن زيارة بلينكن، ضمن الضغوط الأميركية التي تريد خفض التصعيد وتحقيق الهدنة معاً.

وتحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاؤها منذ الأسبوع الماضي الضغط على «حماس» وإسرائيل لإحراز تقدم يؤدي إلى تجنب أو كبح أي عمل انتقامي من جانب إيران ووكلائها، رداً على اغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو (تموز) الماضي، والقيادي بـ«حزب الله» اللبناني فؤاد شكر، وسط تعويل على تقدم في مفاوضات الهدنة في الدوحة.

فلسطيني يقوم بإجلاء طفل جريح بعد غارة إسرائيلية على الزوايدة وسط قطاع غزة (أ.ب)

وعلى مدار يومين «شهدت الدوحة محادثات مكثفة وجادة وبنّاءة وأجواء إيجابية بهدف إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والمحتجزين»، قبل أن تقدم الولايات المتحدة، الجمعة، بدعم مصري - قطري مقترحاً إلى «حماس» وإسرائيل «يقلص الفجوات بين الطرفين»، وفق بيان مشترك صادر عن الوسطاء، الجمعة.

ويُبنى هذا الاقتراح، وفق البيان المشترك، على «نقاط الاتفاق التي تحققت خلال الأسبوع الماضي، ويسد الفجوات المتبقية بالطريقة التي تسمح بالتنفيذ السريع للاتفاق».

وستواصل الفرق الفنية العمل خلال الأيام المقبلة على تفاصيل التنفيذ، بما في ذلك الترتيبات لتنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة للاتفاق، بالإضافة إلى الجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين، وفق بيان الوسطاء، على أن يحدث اجتماع جديد في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل.

ويعول الوسطاء على «التوصل إلى اتفاق وفقاً للشروط المطروحة في المقترح». وأكدوا أنه «لم يعد هناك وقت نضيعه ولا أعذار يمكن أن تُقبل من أي طرف تبرر مزيداً من التأخير»، موضحين أنه «قد حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وبدء وقف إطلاق النار، وتنفيذ هذا الاتفاق».

وبحسب الوسطاء، فقد «أصبح الطريق الآن ممهداً لتحقيق هذه النتيجة، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوترات الإقليمية».

تلك التطورات الجديدة، استبق الإعلان عنها تأكيد وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي بلبنان، الجمعة، «تحرك الوسطاء بشكل جدي لسد الفجوات بطريقة لا تمس ثوابت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة»، ضمن مشاورات قالت «الخارجية المصرية» إنها تستهدف «تهدئة التصعيد بالمنطقة».

ووفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد حجازي، فإن المتغيرات الجديدة تكشف أن «جولة التفاوض في الدوحة أدرك فيها المفاوضون وطرفا الصراع أننا أمام تهديد إقليمي يستدعي النظر في منهج التفاوض»، مؤكداً أن «لغة البيان كاشفة عن إدراك حجم المخاطر، وكان السبيل لذلك التوجه لصيغة توافقية سيتم الاجتماع بشأنها في القاهرة الأسبوع المقبل للتوصل لاتفاق».

وهذا الاتفاق الذي يعتقد حجازي أنه بات «قريباً»، «يعكس فهماً للعناصر الرئيسية الثلاثة، والتي تشمل وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، والتهدئة الإقليمية التي يُقصد بها استيعاب تداعيات المخاطر الراهنة التي يمكن أن تنزلق فيها قوى إقليمية، وتحديداً إيران، في مواجهة مع إسرائيل وتستدعي تدخلاً دولياً»؛ ولذا فاستدعاء بيان الوسطاء بُعد التهدئة الإقليمية، وفق حجازي، «يعكس أيضاً فهماً عميقاً لأهمية التوصل لهذا الاتفاق ويؤشر إلى أننا أمام توافق جاد».

ومتفقاً معه، يعتقد الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن مفاوضات الدوحة «تكشف عن تقدم ملموس في المفاوضات ووجود فرصة قد تقودنا لاتفاق قريباً»، متوقعاً انتقال المحادثات في الأغلب من الشق الفني التنفيذي للمستوى السياسي للنظر في اعتمادها أو وضع إضافات، قبل اجتماع القاهرة.

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على رفح بقطاع غزة (أ.ب)

وتزامن مع الإعلان عن المقترح الجديد، حديث لوسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة، عن أن بلينكن سيلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاثنين المقبل، في تل أبيب، وسط تفاؤل غربي من قرب إبرام اتفاق.

وباعتقاد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، في تصريحات، الجمعة، فإن المنطقة «أمام أيام حاسمة بشأن التوصل لاتفاق يوقف النار في غزة»، وهو ما دعا إليه أيضاً وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، الجمعة، من تل أبيب، بالقول إنه «حان الوقت لتنفيذ صفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن المحتجزين».

ويرى محمد حجازي، زيارة بلينكن «مؤشراً مهماً في اتجاه إبرام اتفاق»، مؤكداً أن الولايات المتحدة مدركة لحجم المخاطر ولا تريد ترك المشهد على ما هو عليه، وأنها شاركت بوفد كبير بالمفاوضات، متوقعاً انفراجة قريبة بالأزمة.

وشارك في محادثات الدوحة التي تأتي وسط محاولات دولية وعربية لتفادي تصعيد بالمنطقة، كل من مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، ومبعوث الرئيس الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط بريت ماغورك، ومن الجانب الإسرائيلي رئيس الاستخبارات ديفيد برنياع، ورئيس جهاز الأمن الداخلي رونين بار، ورئيس قسم الرهائن في الجيش الإسرائيلي نتسان ألون، إضافة إلى الوسطاء من قطر ومصر، في حين لم تشارك «حماس» في المحادثات.

فلسطينيون يقودون سيارتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

وكان اليوم الأول من محادثات الدوحة لوقف إطلاق النار، قد «شهد نقاشات امتدت لأكثر من 7 ساعات حول جميع النقاط العالقة وآليات تنفيذ الاتفاق. وأبدى خلالها جميع الأطراف رغبة حقيقية في التوصل لاتفاق»، بحسب ما نقلته قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بأنه «رفيع المستوى»، الخميس، لافتة إلى أن محادثات اليوم الثاني كانت بشأن «استكمال المناقشات حول آليات تنفيذ الاتفاق»، والذي اختُتم بإعلان المقترح الجديد وجولة مرتقبة بالقاهرة.

وفي ضوء تلك المخرجات والزيارة المرتقبة لبلينكن، يتفاءل أحمد فؤاد أنور، بأن الأوضاع تسير لمشهد 2005 مع انسحاب إسرائيل وقتها من قطاع غزة، مرجحاً إمكانية إبرام اتفاق هدنة في ظل الضغوط الأميركية والغربية ودور الوسطاء المتميز لتفادي أي تصعيد بالمنطقة وتحقيق الاستقرار فيها.