بعد 10 أشهر على حرب غزة... لا فسحة للحداد و«الموت مثل الحياة»

طفل يمشي وسط الدمار الشامل بجوار أكوام من القمامة والأنقاض على طول شارع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
طفل يمشي وسط الدمار الشامل بجوار أكوام من القمامة والأنقاض على طول شارع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
TT

بعد 10 أشهر على حرب غزة... لا فسحة للحداد و«الموت مثل الحياة»

طفل يمشي وسط الدمار الشامل بجوار أكوام من القمامة والأنقاض على طول شارع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
طفل يمشي وسط الدمار الشامل بجوار أكوام من القمامة والأنقاض على طول شارع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)

يومياً ومنذ العاشر من أكتوبر (تشرين الأول)، تلحّ الطفلة إيلا على والدتها لكي تتصل بوالدها، غير مدركة أنه من بين أكثر من 40 ألف شخص قُتلوا في قطاع غزة في الحرب المتواصلة منذ عشرة أشهر، بحسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتقول أم عمر: «تُمسك طفلتي (4 سنوات) الجوال يومياً، تريد أن تتصلّ بوالدها وتحدّثه بما حصل معها خلال اليوم... أضطر إلى مسايرتها وتمثيل أنني أتصل به حتى لا تتعب نفسيتها».

وتخبر أم عمر أن زوجها إبراهيم الشنباري قُتل في غارة استهدفت منزل العائلة في بيت حانون في شمال قطاع غزة، وتضيف: «الخبر كان صدمة... لم أتقبلها أبداً، أقول إنه حلم وليس حقيقة».

وتوجد أم عمر اليوم مع أطفالها - بنتان وولد - في المواصي في جنوب قطاع غزة.

وتتابع: «لا أعرف كيف مضت الأشهر»، لكنها حزينة لعدم تمكنها من وداع زوجها الذي ارتبطت به بعد قصة حب، وفق قولها.

فلسطينيون يبكون طفلاً قُتل في قصف إسرائيلي بمستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتحكي: «لم يتسنّ لنا وداعه، لم نعش العزاء، لم يأخذ حقه شهيداً يتم تشييعه وتصوير فيديو للذكرى، لم يحظ بكل ذلك».

منذ السابع من أكتوبر، تجاوز عدد القتلى في قطاع غزة الأربعين ألفاً، وفق ما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» الخميس.

واندلعت الحرب بعد هجوم مباغت شنَّته «حماس». وبعد أشهر من قصف جوي ومدفعي وقتال بري، لا يجد سكان قطاع غزة وسط الأنقاض ورائحة الموت التي تحيط بهم وداخل خيم النزوح، فسحة للحداد والحزن.

وبينما تستذكر أم عمر «طيبة وحنان» زوجها، تواسي نفسها بأنها «أفضل حال من غيرنا ممن فقدوا كل عائلاتهم ولم يدفنوهم وآخرين يلملمون أشلاء أولادهم... مصائب كبيرة».

فلسطينيون معظمهم من الأطفال يمدون أطباقهم نحو رجل لتلقي حصتهم من فطائر الخضراوات التي أعدّها متطوعون في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«الموت مثل الحياة»

وقُتل خلال الحرب أكثر من 1.5 في المائة من سكان القطاع الساحلي البالغ عددهم 2.4 مليون. وتعدّدت طرق الموت، منهم من قُتل مباشرة ومنهم من نزف حتى الموت، والبعض قضى تحت ردم المنازل وتم انتشال جثثهم، والبعض الآخر لا تزال جثامينهم تحت الأنقاض.

بالنسبة لمصطفى الخطيب (56 عاماً) الذي فقد الكثير من أقاربه، فإن «الموت صار مثل الحياة».

ويشكو الخطيب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» نقص المقابر وصعوبة الوصول إليها، والاضطرار إلى دفن القتلى في «الأراضي والساحات والحارات».

ويقول: «نواجه صعوبات لعدم توافر أدوات الحفر ولا توجد حجارة ولا إسمنت ولا حديد... كلها أمور أساسية مفقودة».

في غزة... الموت مثل الحياة ولا مجال للحداد (أ.ف.ب)

ويتحدّث الخطيب بحزن عن تفاصيل مؤلمة عايشها، ويقول: «أشعر بالقهر والمرارة على فراق الأحبة... استُشهد خالي يحيى بقصف إسرائيلي على منطقة حي الدرج ونقلناه إلى (مستشفى) الشفاء ودفناه داخل ساحة المستشفى الغربية».

وتعجّ باحات المستشفى بالجثامين التي دُفنت على وجه السرعة في ظل حصار خانق على القطاع والقتال.

ويشرح الخطيب كيف دَفَن شقيقته آمنة في «مقبرة الشيخ شعبان المليئة والقديمة والتي يفترض ألا ندفن فيها، لكن كنت مضطراً».

بطانيات ملطخة بالدماء

في مدرسة تُستخدم ملجأً للنازحين في مخيم المغازي للاجئين في وسط غزة، تتحسّس سيدةٌ الأرضَ، حيث دفنت ابنتها التي قضت بين ذراعيها متأثرة بجروحها جراء انفجار أنبوب غاز أثناء قصف إسرائيلي.

وشرّدت الحرب جميع سكّان شمال قطاع غزة تقريباً، ومنهم من فقد أحباءه وهو بعيد عن منزله.

ودفعت رحلة النزوح وسط القتل والدمار كثيرين إلى دفن أقاربهم في أراضٍ خاصة أو في الشوارع، وحتى في ملاعب كرة القدم. قاموا بذلك من دون يقين بإمكانية التعرّف على تلك القبور لاحقاً أو العثور عليها.

على مدار الأشهر العشرة الماضية، رصد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية» مقابر جماعية كثيرة وجثامين لُفّت ببطانيات ملطخة بالدماء، في حين كانت جثث أخرى ملفوفة بأكياس بلاستيكية تم ترقيمها، بعضها لم يكن من الممكن التعرّف عليه أو لم يصل أحد للمطالبة بها.

وتجري عمليات الدفن وسط الحرب وأوامر الإخلاء أو في رحلة البحث عن طعام أو ماء أو رعاية طبية، على عجالة.

ويقول الخطيب: «نحزن بشكل مؤقت، سرعان ما نعود لحالنا الطبيعية أو شبه الطبيعية. لا نعرف ماذا نفعل، نريد فقط انتهاء الحرب وأن يعود الناس بسلام وأمن واستقرار».

«متى يأتي دوري؟»

قبل أكثر من ستة أشهر، عَلِمَ علي خليل (54 عاماً) بمقتل ابنه في قصف طال منزله في مخيم الشاطئ على أطراف مدينة غزة.

وصل الخبر إلى الأب الذي نزح إلى جنوب قطاع غزة مع أحفاده، عن طريق الجيران والأصدقاء.

ويقول خليل بحزن: «أكثر ما يوجع قلبي أنني لم أدفن ابني محمد ولم أحضنه وأودعه ولا أعلم عنه شيئاً».

ويتساءل عمّا إذا كانت «جثته (محمد 32 عاماً) كما هي أم تحلّلت، لا أعلم».

ويواجه سكان القطاع صعوبة في التعبير عن حزنهم، وبعضهم يلتزم الصمت عند سؤاله عمّا إذا فقد أحداً من أقاربه.

أما خليل فيقول إنه يشعر «بالوجع والحزن الشديدين».

ويُجمِع كثيرون على أن الحرب الحالية لا تشبه أياً من النزاعات السابقة التي خاضها قطاع غزة مع إسرائيل، وهي أشدّ وطأة وأكثر تدميراً.

اليوم، أصبح قطاع غزة وبعد 15 عاماً من الحصار الإسرائيلي، بقعة معزولة عن العالم.

ويفضّل بعض سكان غزة الموت على العيش من دون أحبائهم الذي قضوا في الحرب. بينما يتساءل آخرون «متى يأتي دوري؟».


مقالات ذات صلة

«الأونروا» تتعهد بمواصلة مساعدة الفلسطينيين رغم حظرها في إسرائيل

المشرق العربي المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط في أوسلو (أ.ف.ب)

«الأونروا» تتعهد بمواصلة مساعدة الفلسطينيين رغم حظرها في إسرائيل

أكد المفوض العام لوكالة «الأونروا»، فيليب لازاريني، أن المنظمة ستواصل تقديم المساعدة لسكان الأراضي الفلسطينية رغم الحظر الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
المشرق العربي تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)

هدنة غزة: المفاوضات باتت في «مراحلها النهائية»

يسعى المفاوضون المجتمِعون، اليوم الأربعاء، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بقطاع غزة، إذ باتت المباحثات بشأنه في «مراحلها النهائية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات الاحتلال الإسرائيلي تشتبك خلال عملية عسكرية في قرية قباطية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية يوم 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)

إصابة 3 جنود إسرائيليين في جنين بالضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) إن 3 من جنوده أصيبوا، خلال عملية في بلدة قباطية في جنين بالضفة الغربية، الليلة الماضية، منهم اثنان إصابتهما بالغة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

مقتل عشرات الفلسطينيين بقصف إسرائيلي على جنين ودير البلح

قُتل ستة فلسطينيين، اليوم الثلاثاء، في قصف جوي إسرائيلي استهدف مخيّم جنين في شمال الضفّة الغربية المحتلّة، وفق ما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي منازل مدمرة في جنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي للحدود (رويترز)

تفجيرات إسرائيلية «ممنهجة» لمنازل ومنشآت حيوية في بلدات جنوب لبنان

نفذ الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، «تفجيرات ممنهجة» لمنازل لبنانية في 3 قرى حدودية على الأقل، استكمالاً لعملية تدمير واسعة ينتهجها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الأونروا» تتعهد بمواصلة مساعدة الفلسطينيين رغم حظرها في إسرائيل

المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط في أوسلو (أ.ف.ب)
المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط في أوسلو (أ.ف.ب)
TT

«الأونروا» تتعهد بمواصلة مساعدة الفلسطينيين رغم حظرها في إسرائيل

المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط في أوسلو (أ.ف.ب)
المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط في أوسلو (أ.ف.ب)

أكدّ المفوض العام لوكالة «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، فيليب لازاريني، الأربعاء، في أوسلو أن المنظمة ستُواصل تقديم المساعدة لسكان الأراضي الفلسطينية، رغم الحظر الإسرائيلي لها، الذي يدخل حيّز التنفيذ في نهاية يناير (كانون الثاني) الحالي.

وقال لازاريني، خلال اجتماع دولي مخصص للشرق الأوسط: «سنبقى وسنضطلع بمهمتنا»، مؤكداً أن «موظفي (الأونروا) المحليين سيبقون وسيواصلون تقديم مساعدة عاجلة، وعند الإمكان تعليم ورعاية صحية أساسية»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه الأمم المتحدة، الثلاثاء، إنها تستعد لزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة في ضوء وقف إطلاق النار المحتمل، لكن الضبابية المحيطة بالمعابر الحدودية إلى القطاع والأمن فيه ما زالت تُشكل عقبة.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل 62 فلسطينياً خلال 24 ساعة في القطاع، وارتفاع حصيلة الحرب إلى 46707 قتلى.