اللبنانيون يعيشون على وقع انتظار الحرب

المغتربون غادروا والمقيمون يبحثون عن مكان آمن

ازدحام في مطار رفيق الحريري في بيروت بعد التهديدات بالحرب ودعوة السفارات لرعاياها بالمغادرة (أ.ف.ب)
ازدحام في مطار رفيق الحريري في بيروت بعد التهديدات بالحرب ودعوة السفارات لرعاياها بالمغادرة (أ.ف.ب)
TT

اللبنانيون يعيشون على وقع انتظار الحرب

ازدحام في مطار رفيق الحريري في بيروت بعد التهديدات بالحرب ودعوة السفارات لرعاياها بالمغادرة (أ.ف.ب)
ازدحام في مطار رفيق الحريري في بيروت بعد التهديدات بالحرب ودعوة السفارات لرعاياها بالمغادرة (أ.ف.ب)

يعيش لبنان واللبنانيون في حالة انتظار وترقب ردّ «حزب الله» المتوقع على اغتيال القيادي فؤاد شكر، والتهديدات بإمكان توسّعه إلى حرب شاملة، ما انعكس على حياة المواطنين والقطاعات على اختلافها.

منذ اللحظة الأولى للاغتيال، أواخر الشهر الماضي وما تلاه من مواقف متوعدة بالثأر، انقلب الوضع في لبنان رأساً على عقب، بعدما كان اللبنانيون قد بدأوا يتأقلمون مع الحرب المستمرة منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول)، واستعدوا لموسم اصطياف واعد، انعكس زحمة في المطاعم والمقاهي وفي برنامج الحفلات التي أُلغي عدد كبير منها كان يُفترض أن يحييها كبار الفنانين في شهر أغسطس (آب)، بحيث تقدر الخسائر حتى الآن بنحو 3 مليارات دولار.

وقاعات الوصول في مطار رفيق الحريري الدولي التي كانت تزدحم بالواصلين، لا سيما من المغتربين، في شهر يوليو (تموز)، باتت اليوم شبه فارغة. وانعكست الصورة لتتحول الزحمة إلى قاعات المغادرة، على وقع تحذيرات السفارات الأجنبية لرعاياها بمغادرة لبنان وتعليق شركات الطيران لرحلاتها. وهذه التحذيرات انعكست توتراً في أوساط المغتربين الذين قرر معظمهم قطع إجازاتهم والعودة، كما تراجع من كان ينوي المجيء إلى لبنان عن قراره، بحيث بات إيجاد مقعد في الطائرة مهمّة مستحيلة، وهو ما رفع أسعار بطاقات السفر بشكل غير مسبوق.

من هنا سجّل ارتفاع في حركة المغادرين من بيروت بنسبة 16.5 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب «الدولية للمعلومات» التي أشارت كذلك إلى تراجع حركة القدوم بنسبة 26 في المائة.

مسافرون ينتظرون في قاعات المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت (د.ب.أ)

أما اللبنانيون المقيمون الذين يفترض أنهم استقروا إلى حد ما في أعمالهم ومنازلهم بعد سنوات من التوتر التي عاشوها، فقد عادوا إلى المراحل السابقة من عدم الاستقرار، بحيث باتوا يعيشون على وقع الحرب التي يعيشها أهالي الجنوب ولا سيما في القرى الحدودية، منذ عشرة أشهر.

هذا التوتر الذي أعادهم بالذاكرة إلى سنوات الأزمة بين 2019 و2022، جعلهم يتسابقون على تخزين المواد الغذائية والأدوية وحليب الأطفال، وهي مواد بات بعضها يباع في السوق السوداء في ظل جشع التجار، رغم تأكيد المعنيين أن المواد الغذائية والأودية متوفرة لبضعة أشهر.

وهذه التهديدات المستمرة في موازاة الحرب القائمة على جبهة الجنوب، وضعت العائلات التي تسكن في الضاحية الجنوبية ومحيطها كما في مناطق جنوبية قريبة من القرى الحدودية، تحت الأمر الواقع الذي يتطلب البحث عن منازل في مناطق أخرى توضع في خانة الآمنة، لبُعدها عن تلك المحسوبة على «حزب الله» بشكل أساسي. وأدى هذا التهافت إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات التي تجاوزت الألف دولار في بعض الأحيان.

في موازاة ذلك، تعمل حكومة تصريف الأعمال على إعداد خطة لمواجهة الحرب المحتملة على لبنان، وتعقد لهذا الهدف اجتماعات دورية. وترتكز الخطة بالدرجة الأولى على تحويل مدارس ومعاهد رسمية إلى مراكز إيواء، وتجهيزها بالمعدات اللازمة لاستقبال النازحين فيها. كذلك عمدت وزارة الصحة إلى وضع خطة صحية في المستشفيات والقطاعات الطبية ورفع مستوى الجهوزية في القطاع الصحي، إضافة إلى متابعة احتياجات النازحين الذين يعانون من أمراض مزمنة لتأمين العلاجات اللازمة لهم. وأعلن وزير الصحة فراس الأبيض أن «القطاع الصحي حاضر لمواجهة الحرب على مدى 4 أشهر».

وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض (أ.ب)

لكن في المقابل، يبدو أن لبنان سيواجه مشكلة في تنفيذ الخطة التي تحتاج، بحسب وزير البيئة، ناصر ياسين، إلى مائة مليون دولار شهرياً. وقال ياسين: «إذا حصل نزوح كما في عام 2006؛ أي نزوح نحو مليون لبناني، فسنحتاج إلى مائة مليون دولار شهرياً، وهذا الرقم يجب أن يؤمن عبر فتح اعتمادات وسلف لتمويل الحالات الطارئة بالحد الأدنى، والطلب من المنظمات الدولية الدعم».

وفي مرحلة الانتظار الثقيلة التي يعيشها اللبنانيون لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، ترتفع الأصوات الرافضة للحرب ولزجّ لبنان بها، ولا سيما من قبل الأفرقاء المعارضين لـ«حزب الله»، كما انتشرت حملة إعلانية في شوارع بيروت كتب عليها عبارة «خلص تعبنا... لا نريد الحرب».

وهذا الموقف الرافض لإدخال لبنان في الحرب، أكده نواب من المعارضة، الأسبوع الماضي، خلال زيارة قاموا بها للمنسّقة الخاصة للأمم المتحدة لدى لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، مجددين موقفهم الرافض لإدخال لبنان في الحرب الدائرة. وأكد الوفد التمسك بتنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته على جانبَي الحدود، من خلال الضغط الدولي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ومنع استخدام الأراضي اللبنانية في الجنوب، عبر تفعيل التنسيق بين الـ«يونيفيل» والجيش اللبناني.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يبرر تأخر الرد بـ«الحرب النفسية»

المشرق العربي مظاهرة دعت إليها منظمات شبابية فلسطينية ولبنانية في صيدا بجنوب لبنان احتجاجاً على اغتيال زعيم «حماس» إسماعيل هنية والقائد العسكري لـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)

«حزب الله» يبرر تأخر الرد بـ«الحرب النفسية»

في موازاة تمسك «حزب الله» بالرد العسكري على اغتيال شكر؛ يعدّ أن جزءاً من هذا الرد نفّذ من خلال الحرب النفسية.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي ميقاتي مجتمعاً مع عضو كتلة الحزب «التقدمي الاشتراكي» وائل أبو فاعور (حساب رئاسة الحكومة)

هوكستين في بيروت ووزير الخارجية البريطاني يدعو لـ«التهدئة الفورية»

يصل المبعوث الأميركي الخاص أموس هوكستين إلى بيروت، الأربعاء، بعد جولة محادثات سريعة في إسرائيل تهدف إلى خفض التوتر في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تحذير من الاقتراب من مبنى مهدد بالسقوط في لبنان (أرشيفية)

الهزّة الأرضية ترعب اللبنانيين: كل المباني القديمة معرّضة للسقوط

حذرت «الهيئة اللبنانية للعقارات» من خطر انهيار ما لا يقلّ عن 16 ألف مبنى، من دون احتساب المباني التي تضررت جراء انفجار مرفأ بيروت.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي أفادت وسائل إعلام لبنانية باستهداف مسيّرةٍ سيارةً بين بلدتي برعشيت وبيت ياحون في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان (متداولة)

مسيّرة تستهدف سيارة بين برعشيت وبيت ياحون في جنوب لبنان

أفادت وسائل إعلام لبنانية باستهداف مسيّرةٍ سيارةً بين بلدتي برعشيت وبيت ياحون في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
مذاقات حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)

مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

تُكمل كلود قريطم طريق جدّها ووالدها مع شقيقتها، مُتجاوزةً تحدّيات لبنان الاقتصادية والأمنية، بالإصرار على الصمود والجودة وأمانة حَمْل الإرث.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«حماس» ستشارك في مباحثات الخميس... لكن شكل المشاركة لم يتقرر

غرافيك على جدار في أحد شوارع تل أبيب اليوم لإسرائيليين محتجزين لدى «حماس» في غزة (أ.ف.ب)
غرافيك على جدار في أحد شوارع تل أبيب اليوم لإسرائيليين محتجزين لدى «حماس» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«حماس» ستشارك في مباحثات الخميس... لكن شكل المشاركة لم يتقرر

غرافيك على جدار في أحد شوارع تل أبيب اليوم لإسرائيليين محتجزين لدى «حماس» في غزة (أ.ف.ب)
غرافيك على جدار في أحد شوارع تل أبيب اليوم لإسرائيليين محتجزين لدى «حماس» في غزة (أ.ف.ب)

قالت مصادر في حركة «حماس»: «إن التوجه لدى قيادة الحركة هو المشاركة في الاجتماع المرتقب يوم الخميس المقبل، لكن شكل هذه المشاركة لم يتحدد بعد».

وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتخذ قرار نهائي. لكن الحركة لن تغيب. هذا هو التوجه». لافتة إلى أن شكل المشاركة لم يتقرر إذا ما كان بحضور وفد سيشارك بشكل غير مباشر، أو بطريقة أخرى.

وبحسب المصادر، فإن الحركة لن تفوت أي فرصة من شأنها وقف الحرب في غزة، و«ستتعامل بإيجابية مع كل ما سيطرح من قبل الوفود ضمن ما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني بوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل من قطاع غزة».

ويلتقي وفود من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر، يوم الخميس، في القاهرة أو الدوحة، من أجل دفع اتفاق لوقف النار في غزة.

وكان قادة الولايات المتحدة ومصر وقطر دعوا الأسبوع الماضي، كلاً من إسرائيل وحماس إلى الاجتماع لإجراء مفاوضات في 15 أغسطس (آب) إما في القاهرة أو الدوحة لوضع اللمسات النهائية على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المختطفين.

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي في 13 أغسطس لقواته ومركبات مدرعة في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتكتسب الجولة الحالية أهمية استثنائية لكونها تحولت إلى فرصة من أجل وقف التصعيد في كل المنطقة، وتجنيبها رداً إيرانياً على إسرائيل.

وقال ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين إن السبيل الوحيد الذي قد يرجئ رد إيران مباشرة على إسرائيل بسبب اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» على أراضيها، هو التوصل في المحادثات المأمولة هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني كبير في إيران، إن بلاده وحلفاء لها مثل «حزب الله»، سيشنون هجوماً مباشراً إذا فشلت محادثات غزة أو إذا شعرت بأن إسرائيل تماطل في المفاوضات.

ولم تذكر المصادر المدة التي تعطيها إيران لإحراز تقدم في المحادثات قبل أن ترد. ويبدو أن «حماس» تراهن على أن ذلك قد يشكل عامل ضغط إضافياً.

أطفال يقفون لالتقاط صورة على منتصف الطريق في مخيم مؤقت للنازحين أقيم على طول طريق في دير البلح في وسط قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وكانت «حماس» طلبت من الوسطاء تقديم خطة تستند إلى المحادثات السابقة بدلاً من الدخول في مفاوضات جديدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وجاء في بيان لحماس: «نطالب الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة ووافقت عليه بتاريخ الثاني من يوليو (تموز) 2024 استناداً لرؤية بايدن وقرار مجلس الأمن، وإلزام إسرائيل بذلك».

ويدور الحديث عن خطة طرحها بايدن في خطاب ألقاه في 31 مايو (أيار)، وتقوم على 3 مراحل وتقود إلى وقف الحرب.

رئيس «الموساد» ديفيد برنياع يقود في الدوحة مفاوضات جديدة لتبادل المحتجزين مع «حماس» (رويترز)

وبينما يسود تفاؤل أكبر هذه المرة بإمكانية الوصول إلى حل، فإنه يتعين على الأطراف التعامل مع حلول مقبولة للشروط التي يصر عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مخالفاً قادة الأجهزة الأمنية لديه.

ويريد نتنياهو بقاء قواته في محور فيلادلفيا، فيما مصر و«حماس» والسلطة والبقية، يرفضون ويقترحون ترتيبات أمنية وضمانات. كما يصر نتنياهو على وجود قواته في محور نتساريم وسط القطاع لمنع آلاف المسلحين من العودة إلى شمال قطاع غزة، وترفض «حماس» ذلك.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن نتنياهو قدّم للوسطاء في يوليو الماضي شروطاً جديدة متشددة للغاية، الأمر الذي يجعل فرص التوصل إلى اتفاق خلال جولة المفاوضات التي ستبدأ الخميس بعيدة المنال.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن وثائق سرية أظهرت أن نتنياهو يواصل وضع شروط جديدة في المفاوضات مع «حماس»، وقدم في نهاية يوليو قائمة جديدة من المطالب إلى الوسطاء، من بينها، أن القوات الإسرائيلية ستستمر في السيطرة على محور فيلادلفيا، وهو مطلب لم تتضمنه وثيقة مايو.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أبدت إسرائيل في الوثيقة الجديدة «مرونة أقل» فيما يتعلق بالسماح للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم في شمال غزة بعد توقف القتال. وأعرب اثنان من كبار المسؤولين الإسرائيليين عن قلقهما من أن هذا قد يضر بالمفاوضات للتوصل إلى اتفاق.

نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي (د.ب.أ)

ومعروف أن موقف نتنياهو هذا لا يلقى ترحيباً لدى قادة المؤسسة الأمنية الذين هاجموه مراراً بعدّه يعرقل الصفقة.

ويعتقد المسؤولون الأمنيون في إسرائيل أن الانسحاب من قطاع غزة لـ6 أسابيع لن يضر الأمن الإسرائيلي، وأنه يمكن بعدها استئناف القتال.

لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفى مجدداً، الثلاثاء، أن يكون قد وضع شروطاً جديدة للتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المخطوفين، مؤكداً أن ما نشر بهذا الشأن «محض كذب». وأضاف أن «المسوّدة التي قدمت في السابع والعشرين من الشهر الماضي، لا تشمل شروطاً جديدة ولا تتنافى مع الآلية، بل تتضمن إيضاحات حيوية بهدف تطبيق ما ورد في المقترح الأصلي».

وألقى نتنياهو باللوم على «حماس» قائلاً إنها طالبت بإدخال تسعة وعشرين تغييراً على المقترح.