هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

تعرَّض لضغوط داخلية ولم ينوِ الترشح لدورة ثانية

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
TT

هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)

اكتسبت شخصية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، داخل حركته وخارجها، الكثير من الحضور الشعبي والسياسي الرسمي، الذي ميّزه عن الكثير من قيادات الحركة، خصوصاً بعد انتخابه رئيساً للوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة، ومن ثم لاحقاً رئيساً للمكتب السياسي، ليقود «حماس» في مرحلة صعبة محلياً وإقليمياً ودولياً.

ووصل هنية، الذي اغتيل في ظروف غامضة بالعاصمة الإيرانية (طهران)، فجر الأربعاء، إلى سدة الحكم في قيادة «حماس» بعد منافسة في فترتين انتخابيتين داخل الحركة، مع رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وكذلك مع صالح العاروري الذي كان في الدورة الأخيرة نائباً له، وكذلك مع القيادي محمد نزال، إلا أن كل النتائج كانت محسومة لصالحه بحكم نجاحه في تطوير الكثير من المواقف داخل «حماس»، كما تقول الكثير من المصادر لـ«الشرق الأوسط».

وتؤكد مصادر مقربة من هنية، أنه أبلغها قبل شهر واحد فقط أنه لا ينوي أبداً المنافسة في الانتخابات الداخلية المقبلة لقيادة حركة «حماس» مرة أخرى، وأنه لا بد من تجديد الدماء داخل الحركة بصفوف الشباب؛ وبسبب ثقل المهام والملفات الداخلية والخارجية والتحديات التي تواجه «حماس» على كل الصُّعد.

ويبدو أن تفكير هنية لم يأتِ من فراغ، لكنه نابع من ضغوط تعرّض لها كثيراً خلال فترة قيادته حركة «حماس»، ومنها تحديات تتعلق بالحكم داخل قطاع غزة، وكلفة ذلك على الحركة التي كانت تفضل عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل لأسباب عدة، وتحديات أخرى تتعلق بالعمل التنظيمي الذي كان يتعاظم في ظل تحديات إقليمية ومحاربة إسرائيلية وأميركية لمصادر أموال ودعم الحركة، وغيرها من القضايا المتعلقة أيضاً بإدارة الملفات داخل الحركة.

ويبدو أن الحرب الحالية ونتائجها المدمرة على قطاع غزة، هي ما عكس بشكل أساسي قرار هنية الذي كان يطمح للاستمرار في قيادة حكم «حماس».

صورة لقائد حركة «حماس» إسماعيل هنية مرفوعة في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانية (أ.ف.ب)

قال مصدر قيادي بارز من «حماس» في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: «اغتيال هنية له تأثير كبير على الحركة، وبالتأكيد سيترك فراغاً في حضوره، لكنه لن يكون له تأثير على عمل التنظيم وهيكلية من سيخلفه». وأوضح المصدر أن هنية بوصفه رئيساً للمكتب السياسي طوّر سياسات الحركة داخلياً وخارجياً. فقد كان له حضور مهم جداً على صعيد التعامل مع حلفاء الحركة، ومنهم من استعاد العلاقات مجدداً معه مثل إيران بعد قطيعة لسنوات عدة بسبب الأحداث في سوريا.

ولفت المصدر إلى أن هنية تميز بعلاقات أفضل من سابقيه مع الكثير من الشخصيات السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط داخل فلسطين، بل امتد ذلك إلى خارجها من خلال بناء شبكة علاقات كبيرة مع تلك الشخصيات سواء دبلوماسية أو غيرها؛ ما أتاح له توفير الكثير من الدعم للحركة.

وقالت مصادر داخل «حماس» من خارج قطاع غزة، إن هنية كان يحافظ على علاقات مع رجال أعمال وشيوخ قبائل في دول عدة، وكانوا يحبذون دائماً دعوته لزيارتهم.

وخلال الحرب الحالية على القطاع، بحسب مصادر من هناك، فإن هنية كان على تواصل مستمر مع أبنائه وأفراد عائلته وقيادات من الحركة، وحافظ على هذا التواصل باستمرار ودون انقطاع، وكان يسعى دائماً لتلبية احتياجاتهم في ظل الظروف الصعبة، كما كان يتواصل مع أقاربه وجيران سابقين له وشخصيات تربطه بهم علاقات اجتماعية؛ ما يشير إلى قدرته المميزة عن غيره من قيادات «حماس» على نسج علاقات عميقة.

ورغم الأوضاع الأمنية الصعبة، استمر هنية في الاتصال بقيادات «حماس» داخل القطاع، والتشاور معهم في بعض القضايا المصيرية، فإن تلك الاتصالات كانت تجري بطريقة أمنية، في حين كان لا يستطيع التواصل مع آخرين منهم سوى عبر نقل الرسائل التي تنقل إما شفهياً وإما كتابياً.

اختيار خليفة هنية

مع رحيل هنية، وغيابه عن المشهد في ظل الظروف المعقدة، تُثار الكثير من التساؤلات حول الشخصية التي ستخلفه، ومدى الفراغ الذي سيتركه داخل الحركة. وأشار المصدر إلى أن هناك نظاماً داخلياً معمولاً به، يتولى بموجبه مؤقتاً نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» دفة القيادة في حال الاغتيال. فبعد اغتيال العاروري تم فعلياً اختيار نائب لهنية وفق اللوائح المتبعة وليس انتخاباً، لكن لم يعلن عن ذلك لأسباب أمنية، وبسبب الحرب الدائرة.

ولفت المصدر إلى أن هناك سلاسة في الإجراءات المتبعة بهيكلية العمل التنظيمي التي تم تطويرها بشكل كبير في عهد هنية الذي وضع الكثير من نقاط النظام الداخلي واللوائح المعمول بها.

مؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين يتحدث مع مدير مكتبه إسماعيل هنية في صورة تعود لعام 2002 (رويترز)

وأشارت المصادر إلى أن خليفة هنية لن يكون منتخباً، بل يتم اختياره ضمن إجراءات محددة وفق اللوائح الداخلية، كذلك فإن الاغتيال لن يكون له تأثير على مسار المفاوضات المتعلقة بوقف الحرب على القطاع.

وتقول مصادر مطلعة من داخل «حماس»، إن طول أمد الحرب دفع قيادة الحركة لتكليف هنية بشكل أساسي قيادة ملف المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار، وقد أبدى مرونة عالية قد تفقدها إسرائيل في الفترة المقبلة؛ ما قد يشكل ضغطاً عسكرياً على الحركة بعد اغتياله.

وأشارت المصادر كذلك إلى أن هنية كان على تواصل دائم مع الوسطاء، وكان كثيراً ما يقنع قيادة الحركة بضرورة تقديم المرونة اللازمة في الكثير من المواقف، كما أنه كان يتعمد الحفاظ على تواصل مع قيادة الفصائل الأخرى، خصوصاً «الجهاد الإسلامي» والجبهة الشعبية، وحتى قيادة السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، وإطلاعهم على أي نتائج تتعلق بالمشاورات التي يجريها.

وتشير المصادر، إلى أن هنية كان معنياً بتحسين العلاقات بين «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية، خصوصاً «الجهاد الإسلامي» والفصائل التي تناهض طريقة حكم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بشكلها الحالي، وهو في الوقت نفسه يفضّل الوحدة على الانقسام، وكثيراً ما كان يدعم أي قرار يتعلق بالمصالحة داخل أروقة مؤسسات «حماس». ورغم أن هنية لم يكن يتمتع بالحضور نفسه الذي تمتعت به قيادات أخرى مثل محمود الزهار، وغيره من القيادات التاريخية، فإن دبلوماسيته وعلاقاته الواسعة سياسياً واجتماعياً هي التي أوصلته إلى ما كان عليه.


مقالات ذات صلة

طلقة أولى في خطة نتنياهو لإقالة هيرتسي هاليفي

شؤون إقليمية أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)

طلقة أولى في خطة نتنياهو لإقالة هيرتسي هاليفي

يريد بنيامين نتنياهو توجيه ضربة أخرى للأجهزة الأمنية، يحدّ فيها من استقلاليتها ويفتح الباب أمام توسيع نفوذه عليها.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي جندي إسرائيلي بجوار آلة حفر في شمال قطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعثر على مُعدات تابعة له في أنفاق بشمال قطاع غزة

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إنه دمَّر أنفاقاً لحركة «حماس» في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة، يبلغ طولها مجتمعة نحو 5 أميال (8 كيلومترات).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية أقارب أسرى لدى «حماس» يتظاهرون خارج مكتب السفارة الأميركية في القدس (أرشيفية - أ.ب)

هدنة غزة: تقدم كبير بالمفاوضات... لكن الخواتيم تتطلب أسابيع

هناك فجوات معينة لا يمكن تجاوزها عبر المباحثات الجارية في الدوحة، وتتطلب قرارات من القيادات السياسية لدى إسرائيل و«حماس».

نظير مجلي (تل أبيب )
العالم العربي آثار القصف الإسرائيلي على المنازل في جنوب غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: الوسطاء لـ«تقليص الفجوات» وسط «تفاؤل» أميركي

جهود مكثفة للوسطاء تسابق الزمن لإبرام هدنة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، وسط تسريبات إعلامية للمفاوضات التي تفرض عليها سرية كبيرة، تشير لوجود «فجوات».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)

جنود إسرائيليون يعترفون: قتلنا أطفالاً فلسطينيين ليسوا إرهابيين

تحقيق صحافي نشرته صحيفة «هآرتس»، الخميس، جاء فيه أن قوات الاحتلال المرابطة على محور «نتساريم»، رسموا خطاً واهياً، وقرروا حكم الموت على كل من يجتازه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الجيش الإسرائيلي يطلق النار على محتجّين سوريين في درعا

جندي إسرائيلي يقف فوق آلية عسكرية وأمامه مدفع رشاش قرب قرية مجدل شمس خارج المنطقة العازلة بالجولان (إ.ب.أ)
جندي إسرائيلي يقف فوق آلية عسكرية وأمامه مدفع رشاش قرب قرية مجدل شمس خارج المنطقة العازلة بالجولان (إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يطلق النار على محتجّين سوريين في درعا

جندي إسرائيلي يقف فوق آلية عسكرية وأمامه مدفع رشاش قرب قرية مجدل شمس خارج المنطقة العازلة بالجولان (إ.ب.أ)
جندي إسرائيلي يقف فوق آلية عسكرية وأمامه مدفع رشاش قرب قرية مجدل شمس خارج المنطقة العازلة بالجولان (إ.ب.أ)

أكد الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، أنه أطلق النار باتجاه «تهديد»، خلال احتجاج لسوريين ضد وجود الجيش في جنوب سوريا.

وأوضح الجيش الإسرائيلي، وفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل»، أنه خلال الاحتجاج في قرية معرية بدرعا، «أطلق الجنود، الذين كانوا ينادون المشتبَه بهم بالتراجع، النار لتحييد تهديد يتطلب اتخاذ إجراء لإزالته».

وقال الجيش إن جنوده «تصرفوا وفقاً لقواعد الاشتباك، وأطلقوا النار على أحد المحتجّين في ساقه». مضيفاً: «نؤكد أن قواتنا لا تتدخل في الأحداث في سوريا».

وشنَّت إسرائيل مئات الغارات الجوية التي تقول إنها تهدف إلى تدمير الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا، منذ أن أطاحت المعارضة بالرئيس بشار الأسد، في هجوم خاطف، هذا الشهر.

وحرّكت إسرائيل قواتها إلى داخل منطقة منزوعة السلاح بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة. وتحددت هذه المنطقة بعد حرب عام 1973، وتعمل قوات تابعة للأمم المتحدة على حفظ السلام فيها.

ووصف مسؤولون إسرائيليون هذه الخطوة بأنها إجراء محدود ومؤقت لضمان أمن حدود إسرائيل، لكنهم لم يشيروا إلى موعد سحب القوات.