لبنان: قلق دبلوماسي غربي وحركة كثيفة لتجنب تداعيات ضربة الضاحية

منسقة الأمم المتحدة: لا حل عسكرياً للوضع الراهن

سكان من الضاحية الجنوبية لبيروت يعبرون شارعاً في حارة حريك على مقربة من موقع استهداف القيادي بـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)
سكان من الضاحية الجنوبية لبيروت يعبرون شارعاً في حارة حريك على مقربة من موقع استهداف القيادي بـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)
TT

لبنان: قلق دبلوماسي غربي وحركة كثيفة لتجنب تداعيات ضربة الضاحية

سكان من الضاحية الجنوبية لبيروت يعبرون شارعاً في حارة حريك على مقربة من موقع استهداف القيادي بـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)
سكان من الضاحية الجنوبية لبيروت يعبرون شارعاً في حارة حريك على مقربة من موقع استهداف القيادي بـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)

كثف دبلوماسيو الأمم المتحدة ودول غربية مؤثرة بالوضع اللبناني حركتهم الدبلوماسية باتجاه القيادات اللبنانية؛ في مسعى لتجنيب الاستقرار اللبناني تدهوراً إضافياً على خلفية اغتيال القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر، وسط دفع باتجاه اللجوء إلى الحل السياسي والدبلوماسي، وتأكيد بأنه «لا يوجد حل عسكري للوضع الراهن».

وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة لقاءات ديبلوماسية في السراي في إطار مواكبة التطورات الأخيرة، لا سيما الغارة الإسرائيلية على منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت ليل الثلاثاء. واستقبل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا على رأس وفد ضمّ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت وقائد القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) الجنرال آرولدو لازارو.

ميقاتي مستقبلاً لاكروا ومسؤولين بالأمم المتحدة في بيروت (رئاسة الحكومة)

وأعربت هينيس - بلاسخارت عن قلقها البالغ إزاء القصف الذي تبنّته إسرائيل والذي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت المكتظة بالسكان مخلفاً الكثير من الضحايا المدنيين. وأكدت المنسقة الخاصة مجدداً أنه «لا يوجد حل عسكري للوضع الراهن»، ودعت كلاً من إسرائيل ولبنان إلى الاستفادة من السبل الدبلوماسية كافة للسعي إلى العودة إلى وقف الأعمال العدائية وإعادة الالتزام بتنفيذ القرار.

قلق فرنسي

في غضون ذلك، عقد ميقاتي اجتماعاً مع سفير فرنسا لدى لبنان هيرفي ماغرو الذي أعلن بعد اللقاء: «ناقشنا المستجدات وعبّرنا عن قلقنا من الأوضاع الحالية التي تتجه نحو التصعيد، ويجب التعاطي مع تداعيات ما حصل، وانتظار ما سيحصل في الساعات المقبلة».

وقال السفير الفرنسي: «نحن للأسف في وضع حذرنا منه دائماً، ولقد دعونا باستمرار الأطراف المعنية إلى عدم التصعيد؛ لأننا كنا ندرك بأن كل شيء قد يحصل في حال وجود توتر، وللأسف نحن الآن في الوضع الذي توقعناه؛ ولهذا بذلنا الكثير من الجهد في الأشهر الأخيرة لمحاولة تلافي التصعيد». وأعلن: «أننا سنستمر في جهودنا، ولا أسباب لدينا لعدم الاستمرار في مساعينا للتهدئة».

وفي سياق التحركات الدبلوماسية، استقبل رئيس الحكومة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون وعرض معها التطورات الراهنة، كما تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس «الذي عبّر عن تضامن بلاده مع لبنان في الأوقات الصعبة التي يمرّ بها»، حسبما أعلنت رئاسة الحكومة اللبنانية. وشدد وزير الخارجية الإسباني على «العمل في كل المحافل لإبعاد المخاطر عن لبنان»، معتبراً أن «الحل السلمي كفيل وحده بتأمين الاستقرار في المنطقة».

عناصر من الدفاع المدني يعاينون رفع الأنقاض من المبنى المستهدف بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

جولة لاكروا

وبعد زيارته مقر ميقاتي، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا والوفد المرافق، بحضور المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت وقائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) اللواء آرولدو لازارو، حيث جرى عرض للمستجدات والأوضاع العامة، لا سيما السياسية والميدانية منها، في لبنان والمنطقة، في ضوء مواصلة إسرائيل عدوانها على قطاع غزة ولبنان، حسبما جاء في بيان نشرته رئاسة البرلمان.

والتقى لاكروا لاحقاً وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب، وتخلل الاجتماع عرض عن أبرز الأحداث الأخيرة التي عصفت بلبنان والمنطقة وسبل احتواء التصعيد منعاً لتوسيع رقعة الحرب.

وأشار بوحبيب إلى أن الخيار العسكري الذي تتبعه الحكومة الإسرائيلية «هدفه زجّ المنطقة في دوامة الحرب الشاملة التي لن تجلب سوى الدمار والخراب للجميع». مؤكداً أن «الحل الدائم وضمان الأمن في جنوب لبنان لن يكون إلا من خلال السبل الدبلوماسية ووقف إطلاق النار والالتزام التام والناجز بجميع القرارات الأممية ذات الصلة، خصوصاً مندرجات القرار 1701 (2006) الذي يبقى السبيل الوحيد لمنع المزيد من العنف والموت والخراب».


مقالات ذات صلة

جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي الليلة بشأن اغتيال هنية

العالم جلسة سابقة لمجلس الأمن الدولي (أرشيفية - رويترز)

جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي الليلة بشأن اغتيال هنية

يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، اليوم (الأربعاء)، بناءً على طلب إيران بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الفلسطينية، إسماعيل هنية، في طهران.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقَلين وهم شِبه عراة (رويترز)

«الأمم المتحدة»: إسرائيل عذبت وأطلقت الكلاب على فلسطينيين اعتقلتهم من غزة

ندّد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك بالأفعال المروّعة ضد المعتقَلين الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد كروز السعودية (الشرق الأوسط)

«كروز السعودية» تنضم رسمياً إلى الميثاق العالمي للأمم المتحدة

أعلنت شركة «كروز السعودية»، إحدى الشركات المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، عن انضمامها إلى الميثاق العالمي للأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أميركا اللاتينية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ف.ب)

غوتيريش يدعو إلى «شفافية كاملة» بشأن نتائج الانتخابات في فنزويلا

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى «شفافية كاملة» في نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية بعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو فوزه بولاية ثالثة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)

هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
TT

هنية... دبلوماسي «حماس» ومهندس نظامها

صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لإسماعيل هنية متحدثاً مع صحافيين وأكاديميين في غزة عام 2007 (أ.ف.ب)

اكتسبت شخصية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، داخل حركته وخارجها، الكثير من الحضور الشعبي والسياسي الرسمي، الذي ميّزه عن الكثير من قيادات الحركة، خصوصاً بعد انتخابه رئيساً للوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة، ومن ثم لاحقاً رئيساً للمكتب السياسي، ليقود «حماس» في مرحلة صعبة محلياً وإقليمياً ودولياً.

ووصل هنية، الذي اغتيل في ظروف غامضة بالعاصمة الإيرانية (طهران)، فجر الأربعاء، إلى سدة الحكم في قيادة «حماس» بعد منافسة في فترتين انتخابيتين داخل الحركة، مع رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وكذلك مع صالح العاروري الذي كان في الدورة الأخيرة نائباً له، وكذلك مع القيادي محمد نزال، إلا أن كل النتائج كانت محسومة لصالحه بحكم نجاحه في تطوير الكثير من المواقف داخل «حماس»، كما تقول الكثير من المصادر لـ«الشرق الأوسط».

وتؤكد مصادر مقربة من هنية، أنه أبلغها قبل شهر واحد فقط أنه لا ينوي أبداً المنافسة في الانتخابات الداخلية المقبلة لقيادة حركة «حماس» مرة أخرى، وأنه لا بد من تجديد الدماء داخل الحركة بصفوف الشباب؛ وبسبب ثقل المهام والملفات الداخلية والخارجية والتحديات التي تواجه «حماس» على كل الصُّعد.

ويبدو أن تفكير هنية لم يأتِ من فراغ، لكنه نابع من ضغوط تعرّض لها كثيراً خلال فترة قيادته حركة «حماس»، ومنها تحديات تتعلق بالحكم داخل قطاع غزة، وكلفة ذلك على الحركة التي كانت تفضل عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل لأسباب عدة، وتحديات أخرى تتعلق بالعمل التنظيمي الذي كان يتعاظم في ظل تحديات إقليمية ومحاربة إسرائيلية وأميركية لمصادر أموال ودعم الحركة، وغيرها من القضايا المتعلقة أيضاً بإدارة الملفات داخل الحركة.

ويبدو أن الحرب الحالية ونتائجها المدمرة على قطاع غزة، هي ما عكس بشكل أساسي قرار هنية الذي كان يطمح للاستمرار في قيادة حكم «حماس».

صورة لقائد حركة «حماس» إسماعيل هنية مرفوعة في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانية (أ.ف.ب)

قال مصدر قيادي بارز من «حماس» في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: «اغتيال هنية له تأثير كبير على الحركة، وبالتأكيد سيترك فراغاً في حضوره، لكنه لن يكون له تأثير على عمل التنظيم وهيكلية من سيخلفه». وأوضح المصدر أن هنية بوصفه رئيساً للمكتب السياسي طوّر سياسات الحركة داخلياً وخارجياً. فقد كان له حضور مهم جداً على صعيد التعامل مع حلفاء الحركة، ومنهم من استعاد العلاقات مجدداً معه مثل إيران بعد قطيعة لسنوات عدة بسبب الأحداث في سوريا.

ولفت المصدر إلى أن هنية تميز بعلاقات أفضل من سابقيه مع الكثير من الشخصيات السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط داخل فلسطين، بل امتد ذلك إلى خارجها من خلال بناء شبكة علاقات كبيرة مع تلك الشخصيات سواء دبلوماسية أو غيرها؛ ما أتاح له توفير الكثير من الدعم للحركة.

وقالت مصادر داخل «حماس» من خارج قطاع غزة، إن هنية كان يحافظ على علاقات مع رجال أعمال وشيوخ قبائل في دول عدة، وكانوا يحبذون دائماً دعوته لزيارتهم.

وخلال الحرب الحالية على القطاع، بحسب مصادر من هناك، فإن هنية كان على تواصل مستمر مع أبنائه وأفراد عائلته وقيادات من الحركة، وحافظ على هذا التواصل باستمرار ودون انقطاع، وكان يسعى دائماً لتلبية احتياجاتهم في ظل الظروف الصعبة، كما كان يتواصل مع أقاربه وجيران سابقين له وشخصيات تربطه بهم علاقات اجتماعية؛ ما يشير إلى قدرته المميزة عن غيره من قيادات «حماس» على نسج علاقات عميقة.

ورغم الأوضاع الأمنية الصعبة، استمر هنية في الاتصال بقيادات «حماس» داخل القطاع، والتشاور معهم في بعض القضايا المصيرية، فإن تلك الاتصالات كانت تجري بطريقة أمنية، في حين كان لا يستطيع التواصل مع آخرين منهم سوى عبر نقل الرسائل التي تنقل إما شفهياً وإما كتابياً.

اختيار خليفة هنية

مع رحيل هنية، وغيابه عن المشهد في ظل الظروف المعقدة، تُثار الكثير من التساؤلات حول الشخصية التي ستخلفه، ومدى الفراغ الذي سيتركه داخل الحركة. وأشار المصدر إلى أن هناك نظاماً داخلياً معمولاً به، يتولى بموجبه مؤقتاً نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» دفة القيادة في حال الاغتيال. فبعد اغتيال العاروري تم فعلياً اختيار نائب لهنية وفق اللوائح المتبعة وليس انتخاباً، لكن لم يعلن عن ذلك لأسباب أمنية، وبسبب الحرب الدائرة.

ولفت المصدر إلى أن هناك سلاسة في الإجراءات المتبعة بهيكلية العمل التنظيمي التي تم تطويرها بشكل كبير في عهد هنية الذي وضع الكثير من نقاط النظام الداخلي واللوائح المعمول بها.

مؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين يتحدث مع مدير مكتبه إسماعيل هنية في صورة تعود لعام 2002 (رويترز)

وأشارت المصادر إلى أن خليفة هنية لن يكون منتخباً، بل يتم اختياره ضمن إجراءات محددة وفق اللوائح الداخلية، كذلك فإن الاغتيال لن يكون له تأثير على مسار المفاوضات المتعلقة بوقف الحرب على القطاع.

وتقول مصادر مطلعة من داخل «حماس»، إن طول أمد الحرب دفع قيادة الحركة لتكليف هنية بشكل أساسي قيادة ملف المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار، وقد أبدى مرونة عالية قد تفقدها إسرائيل في الفترة المقبلة؛ ما قد يشكل ضغطاً عسكرياً على الحركة بعد اغتياله.

وأشارت المصادر كذلك إلى أن هنية كان على تواصل دائم مع الوسطاء، وكان كثيراً ما يقنع قيادة الحركة بضرورة تقديم المرونة اللازمة في الكثير من المواقف، كما أنه كان يتعمد الحفاظ على تواصل مع قيادة الفصائل الأخرى، خصوصاً «الجهاد الإسلامي» والجبهة الشعبية، وحتى قيادة السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، وإطلاعهم على أي نتائج تتعلق بالمشاورات التي يجريها.

وتشير المصادر، إلى أن هنية كان معنياً بتحسين العلاقات بين «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية، خصوصاً «الجهاد الإسلامي» والفصائل التي تناهض طريقة حكم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بشكلها الحالي، وهو في الوقت نفسه يفضّل الوحدة على الانقسام، وكثيراً ما كان يدعم أي قرار يتعلق بالمصالحة داخل أروقة مؤسسات «حماس». ورغم أن هنية لم يكن يتمتع بالحضور نفسه الذي تمتعت به قيادات أخرى مثل محمود الزهار، وغيره من القيادات التاريخية، فإن دبلوماسيته وعلاقاته الواسعة سياسياً واجتماعياً هي التي أوصلته إلى ما كان عليه.