أنفاق الجبهة اللبنانية للدفاع والهجوم… وإطلاق الصواريخ

أعمق ما اكتشفه الإسرائيليون منها 55 متراً وطوله 800 متر

TT

أنفاق الجبهة اللبنانية للدفاع والهجوم… وإطلاق الصواريخ

جولة لصحافيين أقامها الجيش الإسرائيلي لنفق اكتشفه على حدود لبنان عام 2019 (غيتي)
جولة لصحافيين أقامها الجيش الإسرائيلي لنفق اكتشفه على حدود لبنان عام 2019 (غيتي)

يواجه «حزب الله» اللبناني التفوق الجوي الإسرائيلي والقدرات التكنولوجية الموجودة لديه بالنزول «تحت الأرض»، فبات يمتلك شبكة هائلة ومعقدة من الأنفاق في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع. ويعتقد أن الحزب طوّر شبكة أنفاقه التي ساعدته كثيراً في حرب عام 2006، فباتت أكثر تعدداً وتنوعاً وامتداداً.

وقد أعادت الحرب المستمرة منذ نحو 10 أشهر بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية الإضاءة على هذه الأنفاق، وهي أنفاق تبين أنها تنقسم إلى 3 أنواع، أولها أنفاق دفاعية تتيح لمقاتلي الحزب الاحتماء من غارات الطائرات، وثانيها أنفاق هجومية كان الجيش الإسرائيلي أعلن عن إغلاق آخرها عام 2019، وثالثها أنفاق صغيرة لتخبئة راجمات الصواريخ وظهرت في أحد المقاطع التصويرية التي بثّها الإعلام الحربي لـ«حزب الله» بالشهر الماضي.

وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن الحزب بدأ سياسة حفر الأنفاق في الثمانينات والتسعينات، لكنها أنفاق بقيت بعيداً عن الحدود مع إسرائيل، قبل أن يعرض الإعلام الإسرائيلي عام 2006 نفقاً للحزب اكتشفه الجيش الإسرائيلي خلال «حرب تموز» 2006، داخل الأراضي اللبنانية. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين قولهم إن أعمال البناء على أنفاق الحزب العابرة للحدود بدأت قبل بداية حرب لبنان الثانية عام 2006.

القوات الإسرائيلية تبحث عام 2019 عن أنفاق هجومية تم حفرها جنوب لبنان تمتد للداخل الإسرائيلي (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

أنفاق هجومية

وتتوجس إسرائيل من أنفاق هجومية تمتد إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وهو ما دفعها عام 2018 إلى إطلاق حملة لتدمير تلك الأنفاق. وفي عام 2019، أعلن الجيش الإسرائيلي عن انتهاء عمليته لإيجاد وتدمير أنفاق «حزب الله» الهجومية العابرة للحدود، وأكد الجيش اكتشاف 6 أنفاق على الأقل خلال العملية التي أطلق عليها «درع الشمال».

وبلغ النفق الأخير، الذي تم تدميره، نحو 800 متر، وقال الجيش الإسرائيلي إنه امتد لمسافة عشرات الأمتار إلى داخل إسرائيل، وتم حفره بعمق 55 متراً، ما يجعل منه أعمق نفق كشفه الجيش، وأهم أنفاق «حزب الله» على الأرجح. وكان النفق مزوداً بالكهرباء، وبه سكة حديدية لنقل المعدات والنفايات، وأدراج للخروج وعوامل أخرى تجعله متطوراً أكثر من الأنفاق الأخرى التي تم اكتشافها.

معدات استخدمها الجيش الإسرائيلي عام 2019 لكشف أنفاق «حزب الله» (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

ونظّمت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بمشاركة الجيش الإسرائيلي، عام 2020، جولة ميدانية لـ12 دبلوماسياً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، على الحدود الشمالية المحاذية للبنان إلى داخل النفق التابع لـ«حزب الله» الذي اكتشفه الجيش الإسرائيلي.

أنفاق دفاعية

لكن الأنفاق المتصلة بالحدود مع إسرائيل ليست الوحيدة التي يقدّر الجيش الإسرائيلي أن «حزب الله» أنشأها. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، عام 2019، أن الجيش الإسرائيلي أعرب عن اعتقاده أن هناك عدداً من الأنفاق التي لم تعبر الحدود، وطلب الجيش الإسرائيلي من الحكومة والجيش اللبنانيين تدميرها.

ومنذ بدأت الحرب الأخيرة في 8 أكتوبر (تشرين الأول)، أكدت مصادر لبنانية أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل ارتجاجية وخارقة للتحصينات، في مسعى لتدمير أنفاق مشتبه بأن الحزب أنشأها في المنطقة الحدودية، وكان الارتجاج الناتج عن استخدام تلك القنابل يصل إلى مسافة تقارب 25 كيلومتراً.

وتحدث تقرير صادر عن مركز «ألما - إسرائيل للأبحاث»، أن الحزب بعد حرب لبنان عام 2006 «أنشأ خطة دفاعية لمواجهة أي غزو إسرائيلي محتمل، مع عشرات مراكز العمليات المجهزة بشبكات محلية تحت الأرض وأنفاق». وتشكل تلك الأنفاق محميات تحت الأرض من القصف، تتيح إطلاق العمليات العسكرية ضد إسرائيل.

تجهيزات اتصال داخل نفق لـ«حزب الله» كشفه الجيش الإسرائيلي عام 2019 (أ.ف.ب)

أنفاق إطلاق الصواريخ

إلى جانب النوعين السابقين من الأنفاق، كشف إعلام «حزب الله» عن نوع ثالث، هو أنفاق إطلاق الصواريخ. ففي الشهر الماضي، عرض إعلام الحزب تقريراً عن سلاح المدفعية والصواريخ في الحزب، وظهرت في أحد المقاطع راجمة صواريخ ترتفع من باطن الأرض وتطلق الصواريخ، ما يشير إلى أن الحزب يخبئ تلك المنصات تحت الأرض، ويظهرها عندما يستعد لإطلاق المقذوفات.


مقالات ذات صلة

الأردن يحذر من «حرب إقليمية شاملة» بعد هجوم الجولان

المشرق العربي جانب من الدمار جراء الهجوم على مرتفعات الجولان الذي خلف 12 قتيلاً (أ.ب)

الأردن يحذر من «حرب إقليمية شاملة» بعد هجوم الجولان

حذر الأردن، اليوم (الأحد)، من خطر وقوع «حرب إقليمية شاملة» بعد الهجوم الدامي في مرتفعات الجولان، الذي خلف 12 قتيلاً ونسبته إسرائيل إلى «حزب الله» اللبناني.

«الشرق الأوسط» (عمان)
المشرق العربي مناصرون لـ«حزب الله» يشيّعون مقاتلاً قضى في الجنوب السبت (أ.ب)

إسرائيل تختبر توسيع الحرب باستهداف محيط صور في جنوب لبنان

مثّلت الغارات الإسرائيلية على القرى المحيطة بمدينة صور، للمرة الأولى، رسالة إسرائيلية لمساحة العمليات الجغرافية على الأراضي اللبنانية في حال توسع الحرب

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أ.ف.ب)

أميركا تحمّل «حزب الله» مسؤولية الهجوم على الجولان

قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تحمل «حزب الله» اللبناني مسؤولية الهجوم الصاروخي الذي أدى إلى مقتل 12 طفلاً وفتى بهضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل أمس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

بلينكن: لا نريد تصعيداً بعد الهجوم على الجولان

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، إنه لا يريد تصعيد الصراع بعد اتهام إسرائيل «حزب الله» اللبناني بقتل 12 طفلاً في الجولان السورية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص أرشيفية لنفق أغلقته إسرائيل في 2019 على الحدود مع لبنان (إعلام إسرائيلي) play-circle 07:33

خاص «حزب الله» يستفيد من طبيعة الصخور اللبنانية لتسهيل حفر الأنفاق

يستفيد «حزب الله» من طبيعة الصخور في لبنان لحفر الأنفاق داخل الجبال والوديان، وذلك للاحتماء من سلاح الجو الإسرائيلي، ولشن هجمات من بقعات يُفترض أنها آمنة.

حنان مرهج (بيروت)

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

TT

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

جدّدت إسرائيل مخاوفها من شبكة الأنفاق التي يمتلكها «حزب الله» في جنوب لبنان، واحتفاظه بها كواحدة من أهم أوراقه الرابحة، وذلك في ذروة التهديد بحرب واسعة على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية.

يمكن عطف هذه المخاوف على التقارير الأمنية، وآخرها ما نشرته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، في 21 فبراير (شباط) الماضي، وكشفت فيه أن «(حزب الله) اللبناني لديه شبكة أنفاق سرية أكثر تطوراً من تلك التي لدى (حماس) في غزة». وقالت إن الحزب «يمتلك أنفاقاً يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل، وربما أبعد من ذلك، وصولاً إلى سوريا»، في وقت وصفها خبراء بأنها ستتحول «إلى مستنقع للجيش الإسرائيلي إذا ما قرر اجتياح جنوب لبنان».

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد الدكتور حسن جوني، أن «شبكات الأنفاق الموجودة لدى (حزب الله) كما حركة (حماس)، تقع ضمن الاستراتيجية الخاصة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، كونها تؤمّن وسيلة انتقال محمي وآمن». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات الأنفاق ساهمت في إنشاء توازن بين باطن الأرض والسماء لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، ما جعل القتال عمودياً أكثر منه أفقياً».

ويقول جوني، الذي كان يشغل منصب قائد كليّة القيادة والأركان في الجيش اللبناني، إن «استراتيجية الأنفاق تعدّ من أهم أوراق القوة التي يحتفظ بها (حزب الله) وتضمن له حرية المناورة تحت الأرض»، معتبراً أن «شبكات الأنفاق الأخطبوطية تم حفرها بشكل يجعلها تتكامل مع العمليات العسكرية فوق الأرض، خصوصاً لجهة نقل المقاتلين والأسلحة والصواريخ إلى نقاط أخرى تشكل مفاجآت صادمة في الميدان».

شبكة أنفاق إقليمية

وأشار مركز «ألما» للأبحاث، الذي يركّز على التهديدات الشمالية، إلى أنه «بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، أنشأ (حزب الله)، بمساعدة الكوريين الشماليين والإيرانيين، مشروعاً لتشكيل شبكة من الأنفاق الإقليمية في لبنان، وهي شبكة أكبر من (مترو حماس)»، معتبراً أن «جنوب لبنان ليس غزّة، حيث لديه نوع مختلف من التضاريس، بما في ذلك التلال الصخرية والوديان، وبالتالي التقديرات الإسرائيلية لا تتقبل مجرد فكرة أن (حزب الله) نجح في حفر أنفاق حتى 10 كيلومترات في العمق الإسرائيلي، إذ إن مثل هذا الأمر يحتاج إلى جهود خارقة، فالحديث هنا عن أرض صخرية صلبة وجبال، والنجاح في حفرها سيكون (فضيحة عسكرية) وليس إخفاقاً عادياً».

من جولات القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان (رويترز)

عند كلّ مواجهة مع «حزب الله»، تحدد إسرائيل بنك أهدافها، وتزعم أنه مواقع عسكرية أو منصات صواريخ أو مخازن أسلحة، لكنها تبقى عاجزة عن امتلاك خريطة الأنفاق أو توفر معلومات كافية عنها. ويعبّر الخبير العسكري حسن جوني عن اعتقاده بأن الحزب «بنى أنفاقه بطريقة متطورة جداً، لتصبح جزءاً مهماً من منظومته الدفاعية، خصوصاً أنه بناها في ظروف مريحة، وضمن بيئة جغرافية ملائمة، بخلاف قطاع غزّة الذي لطالما كان محاصراً ومراقباً أمنياً وجوياً بشكل متواصل». ويعتقد أن الحزب «استفاد من خبرات واسعة في مجال حفر الأنفاق، ويتردد أنه استفاد من وسائل حفر متطورة، ربما تكون استقدمت من كوريا الشمالية، وهذا سيضاعف حتماً من قدرته على مقارعة إسرائيل، حيث تساهم الأنفاق بتطوير عمليات حرب العصابات». ولا يستبعد جوني «إمكانية استخدام هذه الأنفاق لتنفيذ عمليات هجومية، وليس دفاعية فقط، أي أن هناك احتمالاً أن يكون لها امتداد إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة».

شبكة نقل آمنة

بخلاف الإعلام العسكري لدى «حماس»، الذي أطلق حملة دعائية مصورة عن أهمية الأنفاق، لم يتبع «حزب الله» هذا الأسلوب، رغم ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية والتلويح باجتياح برّي لجنوب لبنان، وهو ما عزّز قناعة الخبراء والمتابعين بعدم امتلاك إسرائيل معلومات كافية عنها، وتخشى مفاجآت بشأنها. ويشير مدير مؤسسة «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري»، الدكتور رياض قهوجي، إلى أن «كل المعلومات والمعطيات تفيد بأن (حزب الله) لديه شبكة أنفاق كبيرة، تتيح له التنقّل بأمان تحت الأرض، في ظلّ امتلاك إسرائيل تفوقاً جوياً كبيراً يجعلها قادرة على رصد أي ترك فوق الأرض».

ويقول قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «كلما كبرت الأنفاق وسمحت بعبور الآليات والسيارات داخلها، كما ازدادت أهميتها، وكما شاهدنا في غزّة كيف أن الأنفاق تربط منطقة بأخرى، وأن هناك أنفاقاً تستخدم لتخزين الأسلحة، وبعضها لتصنيع الأسلحة، والبعض الآخر تحول إلى مراكز لإطلاق الصواريخ، فإن (حزب الله) لديه شبكة أكبر وأكثر تطوراً وتعقيداً».

سفراء يجولون في أحد الأنفاق الحدودية التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

أنفاق قتالية

لا يغفل قهوجي، وهو خبير في شؤون الأمن والتسلّح، الدور الذي تلعبه الأنفاق إذا ما قامت إسرائيل باجتياح برّي، متحدثاً عن «وجود أنفاق قتالية على الخطوط الأمامية للمواجهة، يستخدم أغلبها في العمليات التكتيكية ونصب الكمائن، وهذا سيفاقم من تكلفة الخسائر البشرية لدى الجيش الإسرائيلي». ويضيف قهوجي: «صحيح أن إسرائيل تملك قدرات عسكرية هائلة لتنفيذ هجوم برّي، لكنها بالتأكيد تحسب ألف حساب للتكلفة الكبيرة التي ستدفعها، وبالتأكيد ستكون الأنفاق مستنقعها الأكبر لأن (حزب الله) سيستخدمها بحرفية قتالية كبيرة».