قانون جديد لـ«الحشد الشعبي» يفجّر أسئلة عن الموازنة والانتخابات

شكوك حول استخدام نفوذ الهيئة ورواتب منتسبيها في الانتخابات

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
TT

قانون جديد لـ«الحشد الشعبي» يفجّر أسئلة عن الموازنة والانتخابات

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)

أظهر رئيس حزب «تقدم»، محمد الحلبوسي، معارضة شديدة لمشروع قانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي هيئة «الحشد الشعبي»، الذي يعتزم البرلمان مناقشته (الأربعاء).

وفي تدوينة عبر منصة «إكس»، اتهم الحلبوسي رئيس هيئة «الحشد» فالح الفياض، باستخدام منصبه لـ«أغراض حزبية».

وأثار إدراج القانون الجديد سجالاً حول النفوذ السياسي داخل هيئة «الحشد»، بوصفها مؤسسة عسكرية لديها قانون منذ عام 2016، فضلاً عن أسئلة كثيرة بشأن عدد منتسبي «الحشد» ورواتبهم وميزانيتهم.

ومنذ قيام المحكمة الاتحادية بإلغاء عضويته في البرلمان، وإقالته من منصب الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بتهمة «تزوير الوثائق»، لم تصدر عن الحلبوسي تصريحات بهذه الحدة؛ الأمر الذي يعزّز فكرة أنه ما زال يحظى بالنفوذ السياسي اللازم لاتخاذ هذا النوع من المواقف، إلى جانب استناده إلى أحد الأطراف الشيعية النافذة في موقفه الجديد، طبقاً لبعض المصادر.

«رئيس الحشد... رئيس الحزب»

وقال الحلبوسي: «لم أجد نصاً مُلزِماً في مشروع القانون الجديد، المتعلق بالخدمة والتقاعد لـ(الحشد الشعبي)، يضرب مبدأ استقلالية الأجهزة العسكرية والأمنية الذي نص عليه الدستور، ويجبرنا على أن يكون رئيس الهيئة رئيساً لحزب سياسي يسيِّر ويستخدم الهيئة وقواتها حسب رؤيته ومنهاجه السياسي».

وأضاف: «كما لم أجد نصاً واضحاً وصريحاً يسمح لرئيس حزب عطاء (فالح الفياض) باستخدام تلك المؤسسة لأغراضه الحزبية والخاصة، بعيداً عن الأهداف والواجبات الدستورية لحفظ الأمن والدفاع عن البلد والشعب».

وتابع الحلبوسي: «لم أجد أيضاً نصاً يُجيز لهم التلويح للمنتسبين بالحشد العشائري والشعبي بالفصل والطرد؛ لإجبارهم وعوائلهم على التصويت قسراً لمرشح محدّد ينتمي إلى كتلة أو مرشح، سوى نص بسيط فضفاض في المادة 32 من القانون يتيح لرئيس الهيئة إحالة المنتسب على التقاعد الإجباري إذا ثبت عدم كفاءته».

وبعد كل ذلك يتساءل الحلبوسي: «هل سيستخدمون هذا النص للكسب الانتخابي والسياسي غير المقبول؟».

ولا يجيز قانون الأحزاب العراقي استغلال المنصب العسكري لأغراض انتخابية، أو العمل في المجال السياسي قبل الاستقالة من المنصب، وتمنع المادة 25 منه «التنظيم والاستقطاب الحزبي أو التنظيمي في صفوف الجيش، وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى، والقضاء والهيئات المستقلة».

وغالباً ما يُتهم الفياض بتجاهل هذه المادة القانونية، من خلال عمله وقيادته لكتلة سياسية لها نفوذ في أكثر من محافظة، وهي اليوم تخوض صراعاً شديداً داخل مجلس محافظة نينوى على المناصب الحكومية، كما يُتهم بتسخير موارد هيئة «الحشد» لتمويل ومساعدة حزب «عطاء» الذي يرأسه.

قانون على مقاس انتخابي

وقال مصدر مقرّب من حزب «تقدم» الذي يقوده الحلبوسي، ولديه اطلاع على بنود القانون، إن الفياض «صمّم قانون الخدمة والتقاعد الجديد وفقاً لمقاساته الانتخابية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قانون الخدمة والتقاعد الخاص بـ(الحشد) لا يلزم رئيس الهيئة، بصفته شاغلاً لموقع عسكري، بالامتناع عن العمل السياسي، ولا يضع أي فاصل بين عمل الفياض بصفته السياسية وموقعه في (الحشد)».

وأوضح المصدر، أن «القانون يتضمن نصاً صريحاً يسمح للفياض بفصل أي منتسب تحت بند (التقاعد الإجباري)، وهذا يقود إلى استخدامه ضد طيف واسع من المنتسبين؛ لضمان أصواتهم في الانتخابات».

بدوره، قال قيادي شيعي في «الإطار التنسيقي»، إن «هجوم الحلبوسي الأخير على فالح الفياض ربما يحظى بتأييد قوى شيعية تريد إزاحة الفياض من منصبه».

وأضاف القيادي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(عصائب أهل الحق) من بين أبرز القوى الداعمة للحلبوسي في هذا الاتجاه، خصوصاً أنها تخطط منذ فترة طويلة لإزاحة الفياض؛ لذلك فإن تمرير القانون بصيغته الحالية أمر مستبعَد».

وكان النائب عن كتلة «صادقون» التابعة لـ«عصائب الحق»، طالب نهاية أبريل (نيسان) الماضي، وزير المالية طيف سامي بـ«إيضاح السند القانوني الذي جرى بموجبه صرف راتب رئيس هيئة (الحشد الشعبي) فالح الفياض (68 عاماً)».

وقبل ذلك، طالب أمين عام «العصائب» قيس الخزعلي، بإقالة الفياض من منصبه، وتعيين آخر بديلاً عنه؛ لتجاوزه السن القانوني المحدد لمنصبه، فضلاً عن كونه زعيماً لحزب سياسي.

«الحشد الشعبي» بالأرقام

وبحسب الأرقام والإحصاءات التي أوردتها موازنة البلاد الاتحادية لعام 2024، فإن «الحشد الشعبي» يضم 238 ألفاً و75 منتسباً، وقد تضخم العدد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ رغم تراجع أعمال العنف، وانحسار وجود عناصر تنظيم «داعش» في البلاد.

وكان إجمالي العدد لا يتجاوز 60 ألف عنصر في السنوات الأولى لتأسيسه بعد عام 2014. وتُتَّهم بعض قياداته بإضافة «أسماء وهمية»؛ بهدف الحصول على الأموال المتأتية من إضافة مرتبات إلى تلك الأسماء.

وفي عام 2019، اتهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بعض قيادات «الحشد» بقيامها بـ«جمع ثروات على حساب المال العام في ظروف غامضة».

وطالب النائب المستقل سجاد سالم، خلال مؤتمر عن ضحايا احتجاجات 2019، عُقد ببغداد أول من أمس، بـ«تجريم السلاح خارج إطار الدولة، ودمج مؤسسة (الحشد الشعبي) مع القوى الأمنية؛ لمنع إيران من ممارسة هيمنتها ونفوذها عبر بعض وكلائها من قادة الفصائل والميليشيات»، على حد قوله.

وارتفعت ميزانية «الحشد الشعبي»، بحسب قانون الموازنة، بمقدار 77 ملياراً و908 ملايين دينار مقارنةً بالعام الماضي (2023).

وارتفعت رواتب «الحشد الشعبي» في موازنة 2024 نحو 400 مليار دينار، في حين انخفضت المبالغ المخصصة لشراء السلاح أكثر من 317 مليار دينار، وبلغ إجمالي المبالغ المخصّصة للحشد في موازنة 4 تريليونات و556 ملياراً و611 مليون دينار (نحو 3 مليارات دولار).


مقالات ذات صلة

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

تسير حكومة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، منذ أشهر في خط متقاطع مع الفصائل المسلحة المنخرطة في «وحدة الساحات».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

رفض رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» انجرار العراق نحو الحرب، وحذر من مخاطر انسحاب القوات الأميركية خصوصاً في المناطق المتنازع عليها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
خاص جنود أميركيون يُسقطون تمثال صدام حسين في بغداد 7 أبريل 2003 (رويترز) play-circle 07:43

خاص جمال مصطفى: عجزت عن تأمين الرشوة للقاضي فأبقوني محتجزاً 10 سنوات إضافية

في الحلقة الأخيرة من الحوار معه، يتحدث جمال مصطفى السلطان عن اعتقال عمّه صدام حسين، وسقوط «أمل المقاومة» ضد الأميركيين.

غسان شربل
المشرق العربي جمال مصطفى السلطان

صدام: عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلّفنا محاولة اغتياله

نقل جمال مصطفى السلطان، صهر صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن الرئيس العراقي الراحل قوله في جلسة لمجلس الوزراء إن الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً.

غسان شربل (لندن)

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)
TT

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)

تسير الحكومة العراقية منذ أشهر في خط متقاطع مع الفصائل المسلحة المنخرطة في «محور المقاومة»، لجهة الموقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، فالموقف الرسمي الحكومي يرفض بشكل علني ومكرر تورط البلاد في الحرب، في حين يجري شعار «وحدة الساحات» على ألسن قادة الفصائل ليل نهار.

مع ذلك، لا يبدو التقاطع حاداً وحاسماً بين الجانبين، وفقاً لمراقبين، ذلك أن فصائل منخرطة في الحرب لها نفوذ واسع داخل حكومة السوداني وهي من أوصلته إلى السلطة، وقد وردت منظمتا؛ «بدر» التي يقودها هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» التي يقودها قيس الخزعلي، ضمن لائحة الجماعات المتهمة بمهاجمة إسرائيل بعد الشكوى التي وجهتها الأخيرة إلى مجلس الأمن قبل أيام.

عناصر من «كتائب حزب الله العراقي» خلال مشاركتهم في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

التباس بين الحكومة والفصائل

غير أن «الالتباس» في الصلة بين الحكومة والفصائل، سواء على مستوى الموقف من الحرب الدائرة، وعلى مستوى شراكتهم في إدارة السلطة، لم يمنع حكومة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، من تأكيد «حيادها» النسبي وتأكيدها الدائم على احتكار الدولة، وليس الفصائل، قرار الحرب والسلم.

ويميل مراقبون إلى أن حكومة السوداني تستند في مسعاها نحو النأي بالبلاد عن شرور الحرب، إلى حلفاء وشخصيات أساسية داخل «الإطار التنسيقي» ترفض توريط البلاد في الحرب، في مقابل قوى أخرى داخل «الإطار» تدفع باتجاه تكريس العراق جزءاً من معادلة الحرب، وحشره في «وحدة الساحات».

وقبل نحو أسبوعين، قدم رئيس «تيار الحكمة» القيادي في «الإطار التنسيقي»، عمار الحكيم، دعماً واضحاً لحكومة السوداني في إطار سعيها لتجنب الحرب ضمن شعار «وحدة الساحات»، حين قال إن «بلاده غير مهيّأة لخوض حربٍ إقليمية شاملة».

واكتفى بالإشارة إلى أن «العراق قادر على تقديم الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية واللبنانية عبر 3 اتجاهات: الدعم السياسي، والإدانة والاستنكار، والوساطات». وفي ذلك إشارة صريحة وواضحة إلى عدم القبول بانخراط «العراق الرسمي» ضمن شعار «وحدة الساحات».

وأول من أمس، شدد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، على عدم توريط العراق في الحرب، مما يمثل دعماً «إطارياً» آخر لموقف البلاد الرسمي، حين شدد، في تدوينه عبر منصة «إكس»، على عدم «السماح للمغامرين بقيادة السياسات والقرارات الوطنية».

وفهم بعض المراقبين أن المقصود بهذه الإشارة هي الفصائل المسلحة التي لطالما وجّه لها العبادي انتقادات لاذعة في مناسبات سابقة.

وحذر العبادي، أيضاً، من «الانحياز الجبهوي في السياسات والقرارات الوطنية لمصلحة أحد المحاور المتصارعة بالضد من المصلحة الوطنية العراقية».

الموقف الحكومي

تؤكد مصادر مقربة من الحكومة أن «لدى الحكومة موقفاً ثابتاً ضد شعار (وحدة الساحات) رغم الضغوط الكثيرة التي تعرضت لها من جانب بعض الفصائل والراعي الإيراني».

ويستبعد المصدر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بقاء شعار «وحدة الساحات» قائماً في حال توصلت إسرائيل و«حزب الله» إلى اتفاق لوقف الحرب.

وتوقع أن تلجأ «الفصائل العراقية إلى فك الارتباط بجبهة غزة في حال وافق (حزب الله) على الهدنة، لكن الأمر المثير للقلق هو أن إمكانية استهداف إسرائيل إيران قد تؤدي إلى استعادة الفصائل شعارها».

وفي الأسبوع الماضي، تحدث الأمين العام لـ«كتائب حزب الله» بصراحة عن أن «حزب الله» اللبناني بيده قرار الالتزام بشعار «وحدة الساحات».

وقال نزار الحيدر، وهو باحث وأكاديمي عراقي، إن «(وحدة الساحات) هو شعار طهران الحصري لحماية نفسها، لذا؛ فهي تتحكم فيه، فترجئه متى أرادت، وتعيد تنشيطه متى ما رغبت، وفق مصالح أمنها القومي».

وأوضح الحيدر أن «الفصائل المسلحة في العراق التي ترى نفسها جزءاً من هذه النظرية لا تشذ عن هذه القاعدة».

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في بغداد (أرشيفية - إعلام حكومي)

ضغوط أميركية

وإلى جانب ذلك، يعتقد مراقبون محليون أن الضغوط الأميركية، والتهديدات الإسرائيلية باستهداف العراق، بجانب إمكانية وقف الحرب في لبنان، عوامل مهمة «قد تساهم في تراجع الفصائل عن شعارها، وربما تمنحها بطاقة عبور لتمرير موقفها المهادن لاحقاً، أمام جمهورها».

وقالت السفيرة الأميركية لدى العراق، ألينا رومانوسكي، الاثنين، خلال طاولة مستديرة لعدد من وسائل الإعلام: «أود أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، في أن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، والتي تعتدي على إسرائيل».

وأضافت أن «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذروا حكومة العراق بأن يوقفوا هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل».

وتابعت أن «رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. وإسرائيل أمة لها سيادتها، وهم سيردون على أي اعتداء من أي مكان ضدهم».

وكانت مصادر تحدثت عن رسائل بعثت بها إسرائيل إلى بغداد عبر السفير الأذربيجاني، لكن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي نفى ذلك.