«هدنة غزة»: «تحركات جديدة» تعزز جهود «المرحلة الأولى»

اجتماع إسرائيلي ناقش «الانسحاب»... و«اتفاق مصالحة» فلسطيني في بكين

فلسطينيون يفرون من الجزء الشرقي من خان يونس بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشرقي من خان يونس بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: «تحركات جديدة» تعزز جهود «المرحلة الأولى»

فلسطينيون يفرون من الجزء الشرقي من خان يونس بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشرقي من خان يونس بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء (رويترز)

تتراجع نقاط «الخلاف العلني» في مسار مفاوضات «هدنة غزة»، مع «تحركات جديدة»، تتمثل في مناقشات إسرائيلية للانسحاب من كامل القطاع بأول مراحل تنفيذ مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، لوقف إطلاق النار، بالتوازي مع رعاية الصين لـ«اتفاق مصالحة» فلسطيني يتضمن مشاركة «حماس» بحكومة «وحدة وطنية» تدير القطاع في اليوم التالي للحرب.

تلك «التحركات»، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تعزز جهود الوسطاء نحو إبرام الصفقة التي خفت بريقها الأيام الماضية مع رفض إسرائيلي لمناقشة بندي الانسحاب من القطاع ووجود «حماس» في الحكم بعد الحرب، مؤكدين أن «الحضور الصيني» في الأزمة «يعطي زخماً لإنجاز اتفاق».

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتوسط موسى أبو مرزوق العضو البارز في حركة «حماس» ومحمود العالول نائب رئيس اللجنة المركزية للمنظمة الفلسطينية في بكين الثلاثاء (رويترز)

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، مساء الاثنين، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أجرى تقييماً للوضع مع كبار المسؤولين بمن فيهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز «الشاباك» رونين بار، ومدير «الموساد» ديفيد برنياع، والمدير العام للوزارة إيال زامير، واتفق رؤساء الأجهزة الأمنية على أنه إذا تم التوصل إلى هدنة واتفاق تبادل الأسرى مع «حماس»، فيمكن أن «ينسحب الجيش بالكامل من قطاع غزة» خلال الـ6 أسابيع الأولى من الصفقة.

بينما كشف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، أن رئيس الوزراء أبلغ عائلات المحتجزين على هامش زيارته لواشنطن، بـ«قرب التوصل إلى اتفاق»، مؤكداً أن «الظروف تتحسن، وهذا مؤشر جيد»، وفق «رويترز».

وينضم لتلك «المؤشرات الإيجابية»، إعلان بكين، الثلاثاء، نجاح التوصل لاتفاق بين حركتي «فتح» و«حماس» على «حكومة وحدة وطنية» تمارس سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، عقب استضافة 14 فصيلاً فلسطينياً في محادثات مصالحة بالعاصمة الصينية.

ووفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، علي الحفني، لـ«الشرق الأوسط»، فإن تلك «التحركات الجديدة» تعزز بلا شك بشكل غير مباشر «فرص التقدم» للوصول لاتفاق، خلال اجتماع الدوحة، الخميس.

فلسطيني يحمل أمتعته في أثناء فراره وآخرين من الجزء الشرقي من خان يونس (رويترز)

وباتت تلك المفاوضات، وفق الحفني، مهمة في إطار تلك التطورات، غير أنه دعا للتفاؤل بحذر بشأن مناقشات الانسحاب الإسرائيلي في ظل رفض نتنياهو، لأن الساعات الأخيرة التي شهدت عودة القصف الإسرائيلي في خان يونس تكشف أن تل أبيب تريد أن تعلم الجميع أنها تنسحب وتعود وقتما تريد دون التزام بأي اتفاق.

يتفق معه الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور، بأن «هناك مؤشرات إيجابية يمكن البناء عليها من قبل الوسطاء وإحداث حلحلة ودفعة للأمام تمهد أرضية محادثات اتفاق الهدنة».

ويشير الأكاديمي المصري إلى «انسحاب جزئي» من رفح يعزز من إمكانية أن تتحول النقاشات العسكرية والأمنية الإسرائيلية إلى واقع ومن ثم تقليل الفجوات السابقة التي كانت تشهد رفضاً من تل أبيب لأي انسحابات، ما يدعم جهود المفاوضين تجاه إنجاز أولى مراحل مقترح بايدن.

نتنياهو خلال زيارة سابقة لجنوده بمدينة رفح جنوب قطاع غزة (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - رويترز)

كما أن الضغوط الأميركية ستكون أقوى على نتنياهو بعد تنحي بايدن عن سباق الرئاسة، والذي تحلل من أزمة التصويت له وسعيه لمكاسب انتخابية من الاتفاق، وفق أنور، وبالتالي «قد نرى تقدماً بالفترة المقبلة».

كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في تصريحات الجمعة، قد كشف عن أن هناك «موافقة من إسرائيل و(حماس)» على مقترح بايدن، وقال إننا نتجه نحو «الهدف النهائي» فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق، والأمر يتعلق الآن بالانتهاء من التفاوض بشأن «بعض التفاصيل المهمة».

ووسط تلك المتغيرات، يترقب عقد جولة تفاوضية جديدة، الخميس، في الدوحة، بحضور فريق التفاوض الإسرائيلي، عقب سماح نتنياهو له بالمشاركة وفق بيان لمكتبه قبل يومين.

وقدر عضو المجلس الوزاري الأمني ووزير الطاقة إيلي كوهرين، المقرب من نتنياهو، لـ«القناة 12» الإسرائيلية أنه في «غضون أسبوعين سنتمكن من اتفاق بشأن الهدنة» ووضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الهدنة والبدء في وضع الخطوط العريضة، إلا أن اتفاق بكين بين الفصائل الفلسطينية، لم يلق قبولاً لدى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وفق تغريدة له على منصة «إكس»، أكد خلالها أن ذلك «لن يحدث»، متوعداً السلطة الفلسطينية بعدم الحكم، و«حماس» بـ«السحق».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

التباين في المواقف الإسرائيلية اعتبره «الحفني» ضمن خطط نتنياهو للتوضيح للرأي العام العالمي في خطابه أمام الكونغرس، الأربعاء، بأنه «لا يقف وحده وهناك كثيرون يعارضون الصفقة في مسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة أمام (حماس) التي ترى إسرائيل أنها باتت (ضعيفة) رغم صمودها خلال الأشهر العشرة الماضية من الحرب».

غير أنه «متفائل» بإمكانية إتمام أولى مراحل الاتفاق، خصوصاً في ضوء موقف الصين الذي استطاع «تحقيق اختراق مهم في الترتيبات التي تراوح مكانها» ودعم مسار التفاوض بشكل مؤثر.

وهو ما يؤيده أيضاً الأكاديمي المصري فؤاد أنور بأن «الاتفاق الفلسطيني سيفتح الباب أمام دور صيني في هذه المرحلة عبر إحداث توازنات بما لها من ثقل بالمنطقة أمام عدم قدرة واشنطن على حسم الترتيبات»، مؤكداً أن «الوجود الصيني المرحب به عربياً في دعم إنهاء الأزمة بغزة سيدفع مسار المفاوضات وضغوط واشنطن، ويعزز جهود الوسطاء».

كما أن حديث نتنياهو بقرب التوصل لاتفاق «يدفع فرص اجتماع الدوحة، الخميس»، وفق أنور، الذي يعتقد أن «نتنياهو مدرك حالياً أهمية غلق جبهة غزة، ولو مؤقتاً، مع فتح جبهة جديدة مع الحوثيين في اليمن إضافة للحدود الملتهبة مع (حزب الله)، وهذا «إنهاك للجيش الإسرائيلي لن تتحمله القوات كثيراً»؛ لذا فالأقرب إبرام صفقة، وأخذ استراحة بجبهة القطاع.

ونهاية مايو (أيار) الماضي، قدم بايدن مقترحاً لإنهاء الأزمة ينفذ على 3 مراحل، إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ رغم تأييده من قبل مجلس الأمن الدولي في 11 يونيو (حزيران) بقرار دعا إلى وقف إطلاق النار، والعودة للمفاوضات السياسية لإيجاد حلول مستدامة تنهي المعاناة الإنسانية في القطاع.

وشهد الأسبوع الثاني من يوليو (تموز) الحالي، جولات مكوكية في القاهرة والدوحة، الأسبوع الماضي، شملت مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بارزين لحلحلة مسار المفاوضات قبل أن تشن إسرائيل عملية عسكرية في منطقة «المواصي» بخان يونس أدانتها دول عربية ودولية تلتها اتهامات من الجانبين بـ«عرقلة» المفاوضات.


مقالات ذات صلة

غوتيريش يعدّ إعلان بكين «خطوة مهمة» لتحقيق الوحدة الفلسطينية

المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (د.ب.أ)

غوتيريش يعدّ إعلان بكين «خطوة مهمة» لتحقيق الوحدة الفلسطينية

رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، بإعلان بكين، الصادر عن «حماس» والفصائل الفلسطينية، بشأن تشكيل «حكومة وفاق وطني».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي ناشط يلصق لافتة على عمود إنارة احتجاجاً على الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخطابه أمام الكونغرس في واشنطن (رويترز)

نتنياهو يقول إن الاتفاق في غزة قريب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة إن التوصل إلى اتفاق مع حركة «حماس» أصبح قريباً.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتوسط موسى أبو مرزوق (يمين) القيادي في «حماس» ومحمود العالول القيادي في «فتح» (رويترز)

«اتفاق بكين»: عباس يريد ترسيخ الشرعية... و«حماس» تحتاج إلى مظلة

قبل توقيع فصائل فلسطينية اتفاقها الأخير في بكين، كانت هناك اتفاقات سابقة انتهت بشكل مشابه تقريباً؛ لكن ما صار جديداً هي حرب إسرائيلية قتلت أكثر من 39 ألف شخص.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتابع خلال التوقيع على «إعلان بكين» بدار ضيافة الدولة «دياويوتاي» في بكين (رويترز)

إسرائيل تنتقد «فتح» بسبب توقيعها «إعلان بكين» مع «حماس»

انتقدت إسرائيل حركة «فتح» الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس لتوقيعها اتفاقاً مع حركة «حماس» عن مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يعلن عن قرب التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في غزة

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم، إن رئيس الوزراء أبلغ عائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة بقرب التوصل إلى اتفاق سيضمن إطلاق سراح أقاربهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

لبنان يسأل عن الضمانات... فهل تأتيه من واشنطن؟ وماذا سيقول نتنياهو؟

وزير الخارجية عبد الله بوحبيب (الوكالة الوطنية)
وزير الخارجية عبد الله بوحبيب (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان يسأل عن الضمانات... فهل تأتيه من واشنطن؟ وماذا سيقول نتنياهو؟

وزير الخارجية عبد الله بوحبيب (الوكالة الوطنية)
وزير الخارجية عبد الله بوحبيب (الوكالة الوطنية)

تبقى أنظار اللبنانيين مشدودة إلى ما سيعلنه رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، ليكون في وسع القوى السياسية أن تبني على الشيء مقتضاه في مقاربتها المواجهة المشتعلة بين تل أبيب و«حزب الله» في الجنوب في ضوء تضارب المعلومات، ما لم يؤكدها شخصياً، عن استعداده لوقف العمليات العسكرية في رفح، مقابل استمراره في مطاردته «حماس» وأخواتها في قطاع غزة... فهل يفعلها، ويفاجئ المجتمع الدولي بتحوله في موقفه؟ لكن في مطلق الأحوال لا بد من ترقب رد فعل الرئيس الأميركي جو بايدن حيال ما سيعلنه، خصوصاً أن انسحابه من السباق الرئاسي يحرره من القيود والأعباء السياسية الملقاة عليه حين ترشحه، ولديه كامل الصلاحيات حتى انتهاء ولايته التي تسمح له بحرية التحرك في حال أنه باقٍ على قراره منع توسعة الحرب لتشمل الجبهة الجنوبية.

لذلك؛ من غير الجائز أن نستبق ما سيعلنه نتنياهو؛ لأنه ليس هناك من يضمن نياته والتكهن بما يضمره قبل ساعات من الموعد المحدد لإلقاء خطابه، كما يقول وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب لـ«الشرق الأوسط»، مع أن العالم أجمع يقف ضد توسعة الحرب ويدعو إلى تغليب الحل الدبلوماسي، الذي يعيد التهدئة إلى الجنوب، على الخيار العسكري شرط تطبيق القرار «1701» دون أي تعديل.

فالوزير بوحبيب، العائد من الولايات المتحدة الأميركية، كان أجرى مروحة واسعة من اللقاءات والاتصالات، لا تتعلق فقط بالتمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونيفيل»، دون أي تعديل، في مهامها بمؤازرة الجيش اللبناني لتطبيق القرار «1701»؛ وإنما تعدته إلى منع إسرائيل من توسعة الحرب.

وأكد بوحبيب أن جميع من التقاهم، دون استثناء، لا يحبذون تفلت الوضع في جنوب لبنان بحيث تصعب السيطرة عليه في حال تدحرجه نحو توسعة الحرب، وقال إنهم أجمعوا على ترجيح الحل الدبلوماسي على الخيار العسكري، وإن كانوا لا يوفرون الضمانات لما يمكن أن يقرره نتنياهو، وبالتالي؛ فإن تفاؤله بالتوصل إلى تهدئة في الجنوب يبقى تحت سقف الحذر المشروع إلى أن يصار إلى اختبار ما يخطط له نتنياهو؛ إنما في الميدان الذي تبقى له فيه الكلمة الأولى والأخيرة.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية متعددة مناوئة لتوسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان، أن إيران ليست مع توسعتها، وهي كانت أعلمت بذلك الولايات المتحدة الأميركية والدول المعنية بالحفاظ على استقرار لبنان وقطع الطريق على من يحاول تمددها لتشمل الإقليم.

وكشفت المصادر الدبلوماسية عن أن طهران استبقت ردها على إسرائيل في استهدافها قنصليتها بدمشق بالتواصل مع الأمم المتحدة وإحاطتها علماً بطبيعة الرد، وقالت إن الموقف نفسه أُبلغت به واشنطن عبر الجهات الدولية والعربية التي تواكب استمرار التواصل بينها وبين إيران. ولفتت إلى أن الرد الإيراني بقي محدوداً كحال الرد الإسرائيلي على طهران.

وتوقفت المصادر نفسها أمام قول وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري كني، إن المفاوضات مع واشنطن لم تنقطع، وقالت إن الاتصالات بينهما تدخل حالياً في مرحلة ربط النزاع بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية في ضوء تبدل المشهد الانتخابي بعزوف بايدن عن ترشحه، ورأت أن «حزب الله» مستمر في مساندته غزة، وأن دخول بعض أذرع إيران على خط المواجهة، وبالأخص جماعة الحوثي في اليمن، يهدف إلى الضغط على إسرائيل للتوصل إلى وقف النار في غزة، رغم أنه لا يوفر أحد للبنان الضمانات بأن وقفه سينسحب على الجنوب.

ومع أنها نأت بنفسها عن الإجابة عن سؤال يتعلق باحتمال تطور المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله» إلى حرب مفتوحة، فإنها أكدت في المقابل أن «الحزب» ضد توسعتها، وهذا ما أحاطت به قيادة القوات الدولية (يونيفيل) وعدد من الوسطاء الذين يتحركون بينه وبين إسرائيل.

وعليه؛ فإن المواجهة المشتعلة في الجنوب في ظل ارتفاع منسوب الانقسام السياسي بين «محور الممانعة» و«المعارضة» لم تؤدِّ حتى الساعة إلى إخراج الساحة الداخلية من الجمود القاتل المسيطر عليها في ظل انقطاع الحوار بينهما وتبادل الحملات الإعلامية والتراشق السياسي بدلاً منه، وكان آخرها طلب المعارضة من رئيس المجلس النيابي تحديد جلسة لمناقشة الحكومة التي تتخلى عن مسؤولياتها حيال وضع الحرب في جنوب لبنان، مقترحة مجموعة من الإجراءات يتعين على البرلمان مطالبتها بتنفيذها، ومن أبرزها وضع حد للأعمال العسكرية كافة خارج إطار الدولة والتي تنطلق من الأراضي اللبنانية، ومن أي جهة كانت، وتكليف الجيش التصدي لأي اعتداء، والتحرك لتطبيق القرار «1701»، من دون أن تسمي «حزب الله» في العريضة التي تقدمت بها طلباً لعقد جلسة لمناقشة الحكومة.

لكن يبدو أن طلب المعارضة سيبقى في إطار تسجيل موقف ليس أكثر، ولن يرى النور ما دام «محور الممانعة»، وعلى رأسه «حزب الله»، باقياً على موقفه بربط الجنوب بغزة، وبالتالي هناك استحالة، من وجهة نظر الثنائي الشيعي، في دعوة الحكومة إلى جلسة استجواب؛ ليس لأن مكتب المجلس على استعداد لتوفير الغطاء السياسي لانعقادها فحسب، وإنما لوجود استحالة سياسية لمحاسبة حكومة مستقيلة منزوعة الثقة وتتولى تصريف الأعمال، وبالتالي؛ فإن عدم استجابتها للإجراءات لن يقدم أو يؤخر، إضافة إلى أن مصادر نيابية بارزة ترى أنه لا مبرر لمثل هذه الدعوة سوى إغراق البلد في جولة جديدة من الاشتباك السياسي أين منه الحاصل اليوم خارج قبة البرلمان، والالتفاف على تفويض «الحزب» حليفه الرئيس نبيه بري التفاوض، وبتسليم من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مع الوسيط الأميركي أموس هوكستين، للتوصل إلى تسوية لتهدئة الوضع في الجنوب ونزع فتيل التفجير، كما أن الرئيس ميقاتي، وإن كان يترك القرار في طلب المعارضة عقد الجلسة للرئيس بري، فإنه لا يبدي حماسة لمثل هذه الخطوة؛ لأنها تؤدي حكماً إلى مزيد من تعميق الهوة بين اللبنانيين، وتدخله في صدام مع الثنائي الشيعي هو في غنى عنه، وهو يراهن على الجهود الدولية، ليس لمنع توسعة الحرب فحسب؛ وإنما لإبرام تسوية تعيد الاستقرار إلى الجنوب بتطبيق القرار «1701».

لذلك؛ فإن الرئيس ميقاتي لن يتردد في رد «كرة النار» إلى مرمى النواب، بتحميلهم مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية شرطاً لإعادة تكوين السلطة بتشكيل حكومة فاعلة، وكان سبق أن قال في مخاطبته النواب في جلسة سابقة: «انتخبوا الرئيس وحلّوا عنا».