«سيبني يا حبيبي»... قصة فلسطيني مصاب بـ«داون» نهشه كلب الجيش الإسرائيلي حتى الموت

رسم للشاب الفلسطيني محمد بهار يمثّل اللحظات الوحشية التي عاشها والكلب البوليسي ينهش لحمه (حساب جبريل بهار على «فيسبوك»)
رسم للشاب الفلسطيني محمد بهار يمثّل اللحظات الوحشية التي عاشها والكلب البوليسي ينهش لحمه (حساب جبريل بهار على «فيسبوك»)
TT

«سيبني يا حبيبي»... قصة فلسطيني مصاب بـ«داون» نهشه كلب الجيش الإسرائيلي حتى الموت

رسم للشاب الفلسطيني محمد بهار يمثّل اللحظات الوحشية التي عاشها والكلب البوليسي ينهش لحمه (حساب جبريل بهار على «فيسبوك»)
رسم للشاب الفلسطيني محمد بهار يمثّل اللحظات الوحشية التي عاشها والكلب البوليسي ينهش لحمه (حساب جبريل بهار على «فيسبوك»)

لم يكن الشاب الفلسطيني محمد بهار المصاب بمتلازمة داون والتوحد، يدرك وحشية ما ينتظره عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي وكلبه البوليسي منزل عائلته.

جملة محمد بهار «البريئة» لكلب ينهش لحمه ويرديه قتيلاً انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم ومعها تصاعدت مشاعر الألم والغضب: «سيبني يا حبيبي... خلص»، قالها بملائكيته وهو يتحسس رأس الكلب الشرس ويربت عليه.

فما قصة محمد بهار وكيف كانت لحظاته الأخيرة؟

قالت والدته نبيلة بحر، 70 عاماً، لشبكة «بي بي سي»: «لم يكن يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يغيّر ملابسه. أنا كنت أُطعمه. لم يكن يعرف كيف يفعل أي شيء بنفسه».

بالنسبة لمحمد، كانت الحرب تعني الأصوات العالية العنيفة، حيث يهتز الهواء بسبب ارتجاج القذائف التي تنفجر بالقرب منه. وقالت نبيلة: «كان يشعر بالذعر ويقول: أنا خائف، خائف».

محمد بهار لم يكن يستطيع فعل شيء بمفرده (فيسبوك)

وأضافت: «كنا نلتف حوله ونريحه. لم يفهم الكثير. إصابته بالتوحد جعلت الأمر صعباً للغاية».

وفي 3 يوليو (تموز)، وفقاً لما ذكرته العائلة، داهم الجيش الإسرائيلي منزلهم في شارع نزاز. ووفق نبيلة، كان هناك عشرات الجنود ومعهم كلب قتالي، يستخدم للعثور على مقاتلي «حماس»، والتحقق من وجود أفخاخ ومتفجرات.

وقالت: «في البداية سمعتهم يقتحمون ويحطمون كل شيء قبل وصول الجنود والكلب إلى الغرفة».

فأشارت إلى ابنها محمد وقالت لهم: «إنه معاق، معاق. ارحموه فهو معاق. أبعدوا عنه الكلب».

رأت نبيلة الكلب يهاجم محمد، وقالت: «هاجمه الكلب وعض صدره ثم يده. لم يتكلم محمد، بل تمتم فقط: لا، لا، لا».

وأضافت: «عض الكلب ذراعه وسال الدم. أردت الوصول إليه لكني لم أستطع. لم يتمكن أحد من الوصول إليه، وكان يربت على رأس الكلب قائلاً: سيبني يا حبيبي... خلص. وفي النهاية أرخى يده، وبدأ الكلب في تمزيقه وهو ينزف».

الكرسي الذي كان يجلس عليه محمد (بي بي سي)

في تلك اللحظة، أخذ الجنود محمد إلى غرفة أخرى، وبعيداً عن الكلب. وحاولوا معالجة جروحه، حسب نبيلة.

جبريل بهار، عم الشاب الفلسطيني محمد، روى تفاصيل اللحظات الأخيرة وما حدث لابن أخيه عبر صفحته الرسمية على«فيسبوك»، قائلاً: «في 4 يوليو الجاري كتب مناشدة للصليب الأحمر لإنقاذ ابن أخيه محمد صلاح بهار، من ذوي الاحتياجات الخاصة متلازمة داون والتوحد، لا يستطيع الأكل وحده أو الشرب ولا يستطيع الذهاب للحمام وحده يحتاج لرعاية خاصة، معتقل داخل الشجاعية في بيتنا اللي حوَّله الاحتلال لثكنة عسكرية بالغصب، وهو مصاب بعضات خطيرة بعد أن نهش جسده كلاب الجيش وكان آخر كلامه للكلب وهو يصرخ: سيبني يا حبيبي... خلص».

وأضاف جبريل بهار: «كنا على أمل يكون عندهم شوية رحمة يعالجوا عضات الكلب الإسرائيلي، تركه جيش الاحتلال ينزف حتى الموت داخل المنزل، ومنعنا من الدخول لاصطحابه معنا، فضل ينزف لحد الموت، إيده اللي نهشها الكلب كان عليها شاش مربّطة، حاولنا نعالجها».

ومن خلال عدة صور تُدمي القلب، نشر جبريل آخر ما تبقى من رائحة محمد، وقال: «الكنبة التي اعتاد أن يجلس عليها محمد وعليها نهش جسده وحوش الجيش قبل نقله إلى الغرفة وحبسه ينزف بها».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

في إحدى قرى محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق.

«الشرق الأوسط» (القنيطرة (سوريا))
المشرق العربي الرضيعة عائشة عدنان سفيان القصاص التي توفيت في غزة (المركز الفلسطيني للإعلام)

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

يضرب البرد القارس الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليونَي شخص، الذين نزحوا؛ بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين توفيت رضيعة من البرد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي رجل أمام جثمان إحدى ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)

قصف إسرائيلي على مستشفى كمال عدوان... ومقتل 28 فلسطينياً في غزة

أفاد الدفاع المدني في غزة، اليوم (الأحد)، بأن 28 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، قُتلوا في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي، ليل السبت الأحد، في قطاع غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)

وسط أنقاض مخيم اليرموك... فلسطينيون يستذكرون التعذيب في سجون الأسد

يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
TT

وسط أنقاض مخيم اليرموك... فلسطينيون يستذكرون التعذيب في سجون الأسد

يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)

توقّفت الدروس في مخيم اليرموك، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وفقاً للتاريخ الذي لا يزال مكتوباً على اللوح بعد مرور أكثر من عقد. واليوم، بدأ سكانه يعودون بعد إطاحة بشار الأسد.

على اللوح، كُتب باللغة الإنجليزية: «أنا ألعب كرة القدم»، و«إنها تأكل تفاحة»، و«الأولاد يطيّرون طائرة ورق».

أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

بين أنقاض المخيّم، يتعثر محمود خالد عجاج، وهو من ضحايا التعذيب في السجون أُطْلِق سراحه، هذا الشهر، عندما أطاحت فصائل مسلّحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» الأسد.

يقول الشاب (30 عاماً) في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «منذ خروجي (من السجن) حتى الآن، لا أنام سوى ساعة إلى ساعتين».

محمود خالد عجاج من ضحايا التعذيب في سجون الأسد وأُطْلِق سراحه هذا الشهر (أ.ف.ب)

وفرّ آلاف الفلسطينيين من مخيم اليرموك في عام 2012 مع وصول المعارك إليه إثر سيطرة فصائل معارضة عليه ثمّ حصاره من الجيش السوري.

ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كان هذا المخيم موطناً لـ160 ألف لاجئ مسجَّل في بداية الصراع في سوريا عام 2011.

وأدت عمليات التمرد والقصف الجوي والحصار الذي فرضه الجيش السوري إلى تدمير المنطقة، ولم يبق فيها حتى سبتمبر (أيلول) من هذا العام سوى 8160 شخصاً متمسكين بالحياة وسط الأنقاض.

قصص مروعة

مع سقوط الأسد، قد يعود مزيد من الناس لإعادة فتح المدارس والمساجد المتضررة، لكنّ كثراً مثل عجاج سيروون قصصاً مروعة عن الاضطهاد الذي تعرّضوا له خلال حكم الأسد.

أمضى هذا المقاتل السابق في الجيش السوري الحر 7 سنوات في عهدة الحكومة، معظمها في سجن صيدنايا، ولم يُفرج عنه إلا عندما انتهى حكم الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

عضو في منظمة إنسانية يوزّع الخبز في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

ما زال وجه عجاج أكثر شحوباً من وجوه جيرانه الذين يجلسون خارج المنازل المدمرة، ويمشي الشاب بصعوبة باستخدام دعامة ظهر بعد سنوات من الضرب.

في إحدى المرات، حقنه طبيب السجن في عموده الفقري فأصابه بالشلل الجزئي، وهو يعتقد أن ذلك كان متعمداً، لكن ما يطارده حقاً هو الشعور بالجوع في زنزانته المزدحمة.

ويوضح: «أضع الطعام بجانبي. الخبز والفاكهة. يعرف جيراننا وأقاربنا أني كنت محروماً فيحضرون لي الطعام».

وأضاف: «لا أنام إلا والأكل بجانبي، خصوصاً الخبز».

ويروي كيف طلب قبلها بيوم من والديه الإبقاء على بعض الخبز اليابس الذي يقدمانه للطيور من أجله.

رجل يجلس أمام مبانٍ مدمرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)

وبينما كان عجاج يتحدث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، توقفت امرأتان فلسطينيتان عابرتان لسؤاله عما إذا كانت لديه أي أخبار عن أقارب مفقودين منذ فرار الرئيس السوري المخلوع إلى روسيا.

ووثّقت اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» أكثر من 35 ألف حالة اختفاء خلال فترة حكم الأسد.

كانت محنة عجاج قاسية، لكن مجتمع اليرموك بكامله عانى على خط المواجهة في حرب الأسد من أجل البقاء، حيث انخرط الفلسطينيون في القتال على الجانبين.

وأدت الغارات الجوية إلى تدمير المقبرة، واليوم، تكافح عائلات للعثور على قبور أحبائها وسط الدمار.

في كل مكان، تحاول الجرافات إزالة الأنقاض، ويحاول البعض جمع الحطام القابل لإعادة الاستخدام.

«كلب منشق»

من جهته، يروي هيثم حسن الندا (28 عاماً) الذي التحق بالجيش أنه انشق عن الجيش لأنه، كفلسطيني، شعر بأنه لا دخل له في الخدمة في الجيش السوري.

لكن في أحد الأيام، قُبض عليه، وأطلق الجيش النار عليه مرات عدة، وتركوه ليموت على جانب الطريق.

الفلسطيني هيثم حسن الندا (28 عاماً) التحق بالجيش السوري ثم انشق عنه (أ.ف.ب)

ودعا هيثم صحافي الوكالة الفرنسية إلى لمس العلامات التي خلَّفتها الرصاصات على جمجمته ويديه.

ويروي قائلاً: «اتصلوا بوالدتي، وقالوا لها: هنا جثة هذا الكلب المنشق».

وبعدما أصيب بجروح خطرة، نقلته والدته إلى المستشفى. وعندما أُطْلِق سراحه أخيراً، عاد إلى اليرموك حيث يقوم والده، وهو تاجر محلي، بإعالة زوجته وطفليه.