دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

مصادر: القوى الرئيسية لا تتداول الفكرة حتى في كواليسها الخاصة

السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
TT

دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)

على الرغم من تواصل الحديث عن قضية «الإقليم السني» منذ سنوات طويلة نسبياً، فإن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تصاعداً غير مسبوق في المطالبة بإقامته وصل حتى تحديد الشخصية العشائرية رعد السليمان شهر سبتمبر (أيلول) المقبل موعداً لانعقاد المؤتمر العام في محافظة الأنبار لمناقشة قضية الإقليم بحضور عدد كبير من ممثلي المحافظات ذات الأغلبية السنية (الأنبار، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين).

ومع ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أن القوى السنية الرئيسية لا تتداول موضوع الإقليم حتى في «كواليسها الخاصة».

وحتى مع عدم تعويل معظم المصادر والاتجاهات السنية على الحملة «الترويجية» التي «يشنها» رعد السليمان حول موعد «مؤتمر الإقليم»، إلا إنهم يقرون ضمناً بترحيب معظم السكان السنّة بفكرة الإقليم، لكنهم يعترفون بأن فكرة الإقليم غير قابلة للتحقيق ما لم تتوفر فيها عناصر كثيرة؛ في مقدمتها موافقة الشريك الشيعي الذي يهيمن على معظم مفاصل القوة والنفوذ في البلاد، إلى جانب أهمية العوامل الإقليمية والدولية.

ويلاحظ سياسي سني تحدث لـ«الشرق الأوسط» أن «القادة السياسيين السنة يحجمون عن الحديث علناً حول قضية الإقليم، ولعلهم يبدون قدراً من الاستياء العلني من تحركات السليمان، لكنهم يضمرون سعادة خفية، و(يريدون) التعبير عن رغباتهم الدفينة ورغبات مواطنيهم شبه العلنية».

ويعزو السياسي ذلك إلى «معرفة القادة السنة الدقيقة بممانعة الفاعل الشيعي رغم إقرار الدستور بحق المحافظات في إقرار إقليمها. فضلاً عن الانقسامات الشديدة داخل البيت السني التي تعدّ من بين الأسباب التي تحول دون تحقيق مطلب الإقليم».

وتعطي «المادة 119» من دستور البلاد الدائم الحق لكل محافظة أو أكثر في إنشاء إقليمها الخاص من خلال استفتاء ينفذ بطريقتين: «أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم».

محمد الحلبوسي مع شيوخ العموم لعشائر محافظة الأنبار العام الماضي (البرلمان العراقي)

ورغم حماس القوى الشيعية لـ«المادة 119» والإصرار على تثبيتها في دستور البلاد الذي أُقر عام 2005، فإنها اليوم تعارض علناً إنشاء الأقاليم، ولا تسمح به حتى في المناطق ذات الأغلبية الشيعية مثل محافظة البصرة الجنوبية التي ما زالت تتردد فيها دعوات لإعلانها إقليماً.

وتقول مصادر سياسية متطابقة ومقربة من كواليس القوى السنية إن «قضية الإقليم باتت معقدة جداً، رغم معرفة جميع القوى السنية بأنه (إنشاء الإقليم) بات مطلباً جماهيرياً ولا بديل غيره، بالنظر إلى ملامح التغول التي تبديها القوى الشيعية في معظم مفاصل الدولة».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «موقف القوى السنية من الرغبة الشعبية يقع في منطقة الحيرة، وهذا ربما ما لا تعرفه القوى الشيعية، ذلك أن تحقيق مطلب الإقليم صعب إن لم يكن مستحيلاً خلال هذه السنوات».

وبشأن الدعوات المتكررة التي يطلقها رعد السليمان مؤخراً، ترى المصادر أن «السليمان لا يعد شخصية فاعلة أو مؤثرة في المشهد السني رغم امتداداته العشائرية، لكن القادة السنة يدركون صعوبة تحقيق ذلك راهناً».

ولا يستبعد أن تكون قضية الإقليم «(مورد صدام جديداً للقوى السنية) في حال سار البعض على هذه الطريق، بالنظر إلى الصراعات الحاصلة بين أطرافها. نعم الفكرة موجودة، لكن لا وجود لجهة سياسية معتبرة تدعمها وتخطط لتجسيدها على الأرض».

ويعتقد أحد المصادر أن «الدعوات الجديدة للإقليم تدفع باتجاهها أطراف تبحث عن مساحة سياسية ما ضمن الفضاء السني والعراقي بشكل عام، لكن الزعامات الرئيسية تستبعد فكرة الإقليم حالياً ولا تناقشها حتى في كواليسها السياسية».

ويعتقد أيضاً أن قضية الأقاليم بشكل عام «مرتبطة بالفاعل السياسي الشيعي، الذي يدفع بقية الأطراف إلى حافة الهاوية من خلال سلوكه السلطوي الذي يفتقر إلى النضوج والاستقامة».

من جانبه، حذّر محافظ نينوى الأسبق والقيادي في حزب «متحدون»، أثيل النجيفي، الثلاثاء، من إثارة موضوع الإقليم السُني في محافظة الأنبار.

وقال النجيفي في تدوينة عبر منصة «فيسبوك»: «هناك تحرك إعلامي متسرع في الأنبار لإثارة موضوع الإقليم السني، يتزعمه شيوخ عشائر».

وأضاف أن «إقامة الإقليم أكثر تعقيداً من مجرد الدعوة له، أو الاستماع لمشجعين من خارج الحدود، أو تقديم دعم إعلامي يفتقد الإجماع الوطني، ويفتقد القدرة الأمنية على حماية نفسه، والقدرة الاقتصادية على استمراره، فضلاً عن عدم قناعة مناطق وجماعات سنية كثيرة بالمشروع أو الاختلاف في بعض تفاصيله».

ويؤيد النجيفي «فكرة الأقاليم الإدارية وليست المذهبية، وحتى هذه الفكرة تحتاج إلى قناعة عراقية شاملة بأهميتها وليست الدعوة إليها من جانب واحد، ولا أجد الوقت مناسباً لإثارتها».


مقالات ذات صلة

السوداني: 63 مليار دولار حجم الاستثمارات العربية والأجنبية بالعراق خلال عامين

الاقتصاد السوداني ملتقياً ممثلي 24 شركة بريطانية كبرى خلال زيارته المملكة المتحدة (وكالة الأنباء العراقية)

السوداني: 63 مليار دولار حجم الاستثمارات العربية والأجنبية بالعراق خلال عامين

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأربعاء، أن العلاقة بين العراق وبريطانيا شهدت مشاريع حقيقية بقيمة 1.5 مليار دولار خلال عام 2024.

«الشرق الأوسط» (لندن - بغداد)
الاقتصاد أثناء توقيع مذكرة التفاهم بين الجانب العراقي و«بي بي» بحضور وزير النفط حيان عبد الغني (وكالة الأنباء العراقية)

العراق يوقِّع مذكرة تفاهم مع «بي بي» لتقييم إمكانية إعادة تطوير حقل كركوك والحقول المجاورة

وقَّع العراق مذكرة تفاهم مع شركة «بريتيش بتروليوم» (بي بي) البريطانية، لتقييم إمكانية إعادة التطوير المتكامل لحقل كركوك والحقول المجاورة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال استقباله السوداني في لندن يوم 14 يناير 2025 (أ.ب)

اتفاق بريطاني ــ عراقي على مكافحة تهريب البشر

اتفق العراق والمملكة المتحدة على معالجة الهجرة غير الشرعية، وإعادة الذين لا يملكون حق الوجود في الأراضي البريطانية ضمن اتفاقية شراكة وصفتها بغداد بـ«التاريخية».

«الشرق الأوسط» (لندن) حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مجلس محافظة ذي قار جنوب العراق (إكس)

صراع داخل «الإطار التنسيقي» يفضي إلى إقالة محافظ عراقي

صوّت مجلس محافظة ذي قار الجنوبية، الثلاثاء، بالأغلبية على إقالة المحافظ مرتضى الإبراهيمي، في تطور عدّه مراقبون مؤشراً على الانقسام داخل «الإطار التنسيقي».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء (رويترز) play-circle 01:44

رئيس وزراء العراق: سأوقِّع شراكة استراتيجية واتفاقاً أمنياً مع بريطانيا

قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إنه سيوقِّع اتفاق شراكة استراتيجية واتفاقاً أمنياً مع بريطانيا بعد توجُّهه إلى هناك في زيارة رسمية، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
TT

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)

ثلاث رسائل أساسية يحملها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته القصيرة للبنان الجمعة، وهي الزيارة الثالثة من نوعها بعد الزيارتين اللتين قام بهما بعد حادثة تفجير المرفأ صيف عام 2020؛ وتتناول «سيادته على أراضيه، وإصلاحه اقتصاده لتوفير التنمية والازدهار، والمحافظة على وحدته».

ويحط ماكرون في بيروت وبمعيته وفد رسمي ضيق، يضم وزيري الخارجية والدفاع جان نويل بارو وسيباستيان لو كورنو، ومبعوثه الخاص إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لو دريان، وعدداً قليلاً من النواب ومجموعة من الشخصيات التي لديها صلات «خاصة» بلبنان، وهم مدعوون شخصيون لماكرون.

ووفق البرنامج المتوافر، فإن ماكرون سيلتقي العماد عون في قصر بعبدا، بعدها سيتحدث الرئيسان إلى الصحافة. كذلك سيلتقي ماكرون الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام الذي سبق لفرنسا أن اقترحته رئيساً لحكومة إصلاحية مقابل انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وفي سياق اجتماعاته، سيلتقي ماكرون قادة الفينول في مقر السفير الفرنسي في بيروت ورئيسي مجموعة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار «الجنرالين الأميركي والفرنسي» لمراجعة كيفية تطبيق الاتفاق، والعمل على تسريع انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني.

تريد باريس أن تكون إلى جانب لبنان اليوم وغداً، كما كانت بالأمس، وهي تعتبر، وفق المصادر الرئاسية، أن لبنان «بلد أكبر من حجمه»، وأنه «يتحلى، في الشرق الأوسط اليوم، بقيم سياسية ورمزية واستراتيجية». وتعتبر هذه المصادر أن «انخراط فرنسا إلى جانب لبنان، اليوم، يمكن أن يتم في ظروف أفضل بعد انتخاب عون وتكليف سلام، وبسبب التطورات التي حصلت في الإقليم». وباختصار، تريد باريس أن «تساهم في بزوغ لبنان الجديد».

يحتل ملف «السيادة» الأولوية في المقاربة الفرنسية، التي تذكر مصادرها بما قامت وتقوم به باريس لمساعدة الجيش اللبناني، إن بالتجهيز أو بالتدريب، أو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإقامة لجنة المراقبة.

وتركز فرنسا على أهمية تمكين الدولة اللبنانية بفرض الرقابة على حدودها، والسيطرة على كامل أراضيها، معتبرة أن ذلك يعد «جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ القرار 1701». وتضيف المصادر، المشار إليها، أن ثمة «فرصة للبنانيين لإظهار أنهم قادرون على ترميم سيادتهم». أما بخصوص الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، فقد قالت المصادر الرئاسية إن باريس تريد أن يتم وفق البرنامج الموضوع له، داعية إسرائيل، و«حزب الله» أيضاً، إلى الالتزام به.

ثمة عنصر آخر أشار إليه قصر الإليزيه، في معرض العمل لسيادة لبنان، ويتمثل في تركيز وزير الخارجية الفرنسي، عند زيارته لدمشق ولقائه أحمد الشرع، على «ضرورة احترام السيادة اللبنانية، وفرض الرقابة على الحدود، ومنع التهريب، وألا تكون سوريا مصدر تهديد لجيرانها»؛ وهي المسائل نفسها التي تناولها ميقاتي في زيارته إلى سوريا مؤخراً.

تقيم باريس فاصلاً بين عودة السيادة وبين دعوة «حزب الله» للتحول إلى حزب سياسي مثل بقية الأحزاب العاملة في لبنان، وهي تدرج هذا التحول في إطار المحافظة على وحدة لبنان. وتقوم القراءة الفرنسية على اعتبار أن «حزب الله» فقد الكثير من قدراته العسكرية ومن قياداته، وخسر استراتيجياً بسبب سقوط نظام الأسد، ويصعب عليه اليوم التزود بالسلاح كما كان الحال في السابق.

وبالنظر لكل هذه التحولات، فقد ذكرت مصادر «الإليزيه» أن الرئيس ماكرون «شجع دوماً (حزب الله) على التحول إلى حزب سياسي، وأنه كان جزءاً من طاولة الحوار التي ترأسها ماكرون في عام 2020، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر التخلي عن سلاحه، والدخول بشكل كامل في اللعبة السياسية» اللبنانية. وترى باريس أنه «بدلاً من ميزان القوى الذي كان سائداً في السابق، فإن المطلوب أن يدخل (حزب الله) في عقد سياسي حكومي، ما يمكن من عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي، ويحافظ على وحدة جميع اللبنانيين».

أما الرسالة الثالثة التي يحملها ماكرون، فعنوانها «رغبة باريس في الاستمرار في مواكبة اللبنانيين ومساعدتهم على القيام بالإصلاحات البنيوية المطلوبة منهم»، التي تمر بداية بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يعد شرطاً لإعادة إنهاض الاقتصاد اللبناني.

وتعتبر فرنسا أن لا مساعدات للبنان «من غير ترميم الثقة الدولية به»؛ الأمر الذي يحتاج إلى توفير الشفافية و«تنظيف» الاقتصاد. والأهم من ذلك، أن باريس التي تريد العمل من أجل إنهاض الاقتصاد اللبناني، تصر على إجراء الإصلاحات من أجل أن تكون قادرة على تعبئة الأسرة الدولية من أجل مساعدة لبنان. ولدى سؤالها عما إذا كانت فرنسا تحضر لمؤتمر دولي، على غرار الذي دعت إليه الخريف الماضي لدعم الجيش واللبنانيين، لم توفر إجابة واضحة، بل فهم أن فرنسا لن تتردد في القيام بكل مع هو مفيد من أجل مساعدة لبنان.

وأشارت المصادر الفرنسية، أكثر من مرة، إلى العمل المشترك الذي تقوم به باريس بالتشاور والتنسيق مع السعودية، وأيضاً مع الولايات المتحدة، بما في ذلك فريق العمل الذي سيصل إلى البيت الأبيض في «حقائب» دونالد ترمب، مؤكدة أن التشاور «مستمر» مع واشنطن، وأن الطرفين «توصلا إلى رؤية مشتركة» بالنسبة للبنان.