انتخابات دمشقية في «مربع أمني» محاصر شمال شرقي سوريا

مسلم: لن نسمح بوضع صناديق اقتراع في مناطق الإدارة الذاتية

لافتة انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)
لافتة انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)
TT

انتخابات دمشقية في «مربع أمني» محاصر شمال شرقي سوريا

لافتة انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)
لافتة انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)

رُفعت صور عشرات المرشحين الطامحين بالوصول إلى مجلس الشعب السوري في مربع أمني «محاصر» بمركز مدينة القامشلي، الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، قبل انتخابات تشريعية حكومية، مقرر إجراؤها الاثنين المقبل، ولن تحمل نتائجها مفاجآت أو تغييراً سياسياً في بلد يتولى فيه حزب «البعث» الحاكم السلطة منذ عقود، بعد تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية جراء استمرار الحرب الدائرة منذ 13 عاماً.

وداخل ساحة السبع بحرات، وسط مدينة القامشلي، التي تضم عشرات المفارز الأمنية ودوائر حكومية تتبع حكومة دمشق، رفع أحد المرشحين لافتة موقعة باسمه وشعاراً كتب عليه: «نحن أقوى معاً». وعلى بعد أمتار، اتخذ مرشح آخر شعار «مرشحكم لصوت العمال»، بينما حملت لافتة تصدرت هذا الميدان الحيوي شعار «وحدة وطن»، على غرار كثير من الشعارات التي ركّزت على أن هذه المنطقة جزء من سوريا، فيما غابت شعارات تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية أو معالجة الأزمات، التي تلاحق غالبية السوريين بعدما صنفوا من قبل منظمات ومؤسسات دولية أنهم يعيشون تحت خط الفقر.

صورة الرئيس السوري بشار الأسد في باحة مديرية منطقة القامشلي (الشرق الأوسط)

وقال موظف حكومي يتحدر من مدينة القامشلي على رأس عمله، طالباً عدم الإفصاح عن اسمه ومكان عمله لدواعٍ أمنية، إن كل الذين سيشاركون في الانتخابات «يتفقون أن مجلس الشعب لا يمتلك من أمره شيئاً في دولة تحكمها الأجهزة الأمنية»، منوهاً بأن صناديق الاقتراع ستوضع بمقرات ومبانٍ حكومية «هي أصلاً محاصرة ضمن بضعة كيلومترات ليس إلا، لأن هذه المنطقة خارج سيطرة النظام»، وخضوعها لقوات «سوريا الديمقراطية».

وسيقتصر التصويت الاثنين المقبل على عشرات المراكز الانتخابية داخل الدوائر والمؤسسات الخاضعة لحكومة النظام السوري في منطقة محدودة، على أن يشارك آلاف الموظفين والعاملين، من بين نصف مليون نسمة يعيشون في مدينة القامشلي وريفها المترامي.

وأفاد رئيس لجنة الترشيح القضائية الفرعية بالحسكة، عبد الرزاق محمد الخليف، في تصريحات صحافية لجريدة «الوطن» الموالية، نهاية الشهر الماضي، بأن 400 مرشح هو العدد الكلي الذين تقدموا بطلبات ترشح للدور التشريعي الرابع لانتخابات مجلس الشعب، يتنافسون على 14 مقعداً مخصصاً لهذه المحافظة.

لافتة انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)

وقالت كليستان (36 سنة) الموظفة لدى سلطات «الإدارة الذاتية»، التي شكلت مؤسسات وهيئات موازية لحكومة النظام، إن الانتخابات «محاولة فاشلة من النظام للبحث عن شرعية، لأن هذا الاستحقاق لم يعد يهم معظم الشعب السوري، لا أهالي القامشلي ولا السويداء ولا إدلب ولا ريف حلب»، في إشارة إلى مناطق سورية لا تخضع لسلطة القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.

ووصف «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) انتخابات مجلس الشعب بـ«الشكلية التي لا تمثل السوريين»، وطالب في بيان نشر على موقعه الرسمي في 9 من هذا الشهر بحلّ سياسي، وفق القرار الأممي 2254. ويعدّ هذا المجلس المظلة السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

وشدد «مسد» على «أن الحكومة السورية تسعى من خلال الانتخابات الى إعادة الاعتبار لنظامها، ولن تحقق سوى مسائل شكلية، لإظهار هذا النظام أمام المجتمع الدولي مسيطراً على سوريا».

لافتات انتخابية وسط مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)

كما ستغيب صناديق الانتخاب عن مدينة الرقة وبلداتها، وريف محافظة دير الزور الشمالية، إلى جانب مدينتي منبج وعين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظة الحسكة، لخضوعها لسيطرة «الإدارة الذاتية» وجناحها العسكرية، قوات «قسد»، التي ترفض إجراء أي انتخابات تابعة للحكومة السورية ضمن مناطق نفوذها، وستقصر على مربعات النظام السوري في مركز مدينتي الحسكة والقامشلي، وهي عبارة عن مربعات محاصرة عسكرياً.

وتعليقاً على الانتخابات، قال صالح مسلم، رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي»، إحدى أبرز الجهات السياسية التي تدير «الإدارة الذاتية»، إن الأخيرة وأحزابها السياسية لن تشارك في الانتخابات البرلمانية.

وأضاف مسلم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لن تكون هناك مشاركة من الإدارة، ولا من شعوب المنطقة، لدينا عقد اجتماعي وأنظمتنا وقوانيننا المحلية، التي لا تنصّ على المشاركة في انتخابات مجلس الشعب». موضحاً أن سلطات الإدارة ستمنع وضع صناديق الاقتراع في مناطق نفوذها.


مقالات ذات صلة

مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا تدفعهم للبحث عن مآوٍ أخرى

المشرق العربي اللاجئون السوريون في تركيا يخشون الاتفاق مع دمشق على صفقة لترحيلهم رغم تطمينات أنقرة (أرشيفية)

مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا تدفعهم للبحث عن مآوٍ أخرى

تتصاعد مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا يوماً بعد يوم مع ما يبدو أنه إصرار من جانب أنقرة على المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع دمشق، فضلاً عن موجة العنف ضدهم.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي سوري يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع بدمشق رغم انقطاع التيار الكهربائي (رويترز)

السوريون يصوتون في الانتخابات البرلمانية... ولا مفاجآت متوقعة

يُقبل السوريون في مناطق سيطرة الحكومة على صناديق الاقتراع من أجل انتخاب أعضاء مجلس الشعب في استحقاق هو الرابع من نوعه منذ اندلاع النزاع عام 2011

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الرئيس التركي يتحدث خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة حلف «الناتو» في واشنطن (أ.ف.ب)

ماذا يريد إردوغان من التطبيع مع الأسد؟

كشفت تقارير عن خطة تركية من شقين لحل مشكلة اللاجئين السوريين بُنيت على التطبيع المحتمل للعلاقات مع سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي فراس الجهام

إيران تعزز أذرعها في سوريا عبر انتخابات مجلس الشعب

هل تستفيد إيران فعلاً من دعم مرشحين في انتخابات برلمانية لا يعدّها كثيرون جادة أو شفافة، أم إنها بحاجة إلى «وجوه سورية» واجهةً محليةً لها؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي العشرات تجمعوا في حديقة المشتل بإدلب للتنديد بالتعليقات التركية حول التقارب مع النظام (الشرق الأوسط)

التقارب التركي السوري المحتمل يثير مخاوف سكان مناطق «المعارضة»

بعد أسبوعين على بدء دعوات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتصالح مع نظيره السوري بشار الأسد، ما زال سكان مناطق شمال غربي سوريا يحتجون بمظاهرات ضد الخطوة.

«الشرق الأوسط» (إدلب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)
قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)
TT

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)
قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة بـ«تحريض» من عناصر جماعة «الإخوان المسلمين»، «المحظورة». فيما كان لافتاً انتشارُ حملة مضادة بالميادين وعلى شاشات واجهات المحال الكبرى، تبث فيديوهات تحت عنوان «حتى لا ننسى»، وتعرض «جرائم الإخوان».

ومساء الأحد، انتشر مقطع مصور في منطقة «فيصل» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، يظهر اختراق شاشة عرض كبيرة لمحل تجاري وبث عبارات وصور «مسيئة» عليها، وراجت اتهامات بمنصات التواصل طالت سودانيين بالوقوف وراء الواقعة.

إلا أن «الداخلية المصرية» ردت على الفور وقالت إنه «لا صحة لما تم تداوله على إحدى الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على سودانيين لقيامهم بأعمال مسيئة».

وبعد أقل من 24 ساعة من الواقعة، أعلنت وزارة الداخلية المصرية، في بيان جديد، أن أجهزتها بذلت جهوداً لكشف ملابسات «العبارات المسيئة» التي تم تداولها على إحدى شاشات الإعلانات بمنطقة فيصل بالجيزة.

وتمكنت الأجهزة الأمنية، وفق البيان، من «تحديد وضبط مرتكب الواقعة ويعمل فني شاشات إلكترونية»، مشيرة إلى «اعترافه بارتكابه الواقعة بتحريض من اللجان الإلكترونية التي تديرها عناصر جماعة (الإخوان) الإرهابية الهاربة بالخارج»، ولفتت الوزارة إلى أنه «تم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه الواقعة».

وتحظر السلطات المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، ويخضع قادة وأنصار الجماعة حالياً، على رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».

«فشل إخواني»

ماهر فرغلي، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، يرى أن «سرعة القبض على المتهم تظهر أن الدولة المصرية قوية وقادرة على مواجهة ذلك التنظيم، وأن كل محاولاته ستبوء بالفشل».

ويصف عمل المتهم بأنه «نتاج تحريض تنظيم إرهابي دأب على الأعمال الإعلامية العشوائية بهدف كسر حاجز الرهبة ضد الدولة مستغلاً أي أزمات، لا سيما الأوضاع الاقتصادية».

وتعطي سرعة ضبط المتهم انطباعاً بأن «أي خروج عن القانون سيكون بالمرصاد»، كما يؤكد الخبير الأمني اللواء أشرف أمين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «الحملات المضادة بالشاشات ضد الجماعة الإرهابية أكدت أن المواجهات ليست أمنية ولكن شعبية أيضاً».

وكان عضو مجلس النواب في مصر، مصطفى بكري، اتهم «الإخوان» بالوقوف وراء الفيديو المسيء قائلاً في تغريدة الاثنين: «أعرف تماماً أن لعبة (الإخوان) في شارع فيصل هي دليل يأس، بعد أن عجزوا عن تحريض المواطنين لتخريب بلادهم أكثر من مرة... (الهاكرز) الذي اخترق إحدى شاشات محل بشارع فيصل هي عملية إخوانية خسيسة... هدفها الحصول على لقطة تسيء إلى مصر وقيادتها».

واستنكر البرلماني مصطفى بكري إقحام أبناء الجالية السودانية في الواقعة، قائلاً إنه من الواضح أن هناك «عناصر تحرّض عن عمد» ضد الإخوة السودانيين «ضيوف مصر»، وتروّج لـ«وقائع غير صحيحة»، بقصد «التحريض وإثارة الرأي العام» ضدهم.

وتستضيف مصر أكثر من نصف مليون سوداني فرّوا من الحرب الداخلية بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، التي اندلعت في 15 أبريل (نيسان) العام الماضي، فضلاً عن الذين يعيشون في مصر منذ سنوات.

وحول مستقبل تلك «الجماعة المحظورة» في مصر، يرى اللواء أشرف أمين «أنهم لا مستقبل لهم وأعمالهم مهما تكررت ستبوء بالفشل».

فيما يعتقد فرغلي أن «ذلك العمل العشوائي الذي حرضت (الإخوان) عليه، لن يؤثر على الدولة نهائياً»، مستدركاً: «لكن يكشف عن دور جديد للتنظيم بات يتبعه مع الأزمات عبر أسلوب التحريض، الذي قد ينجح في استقطاب مواطنين متأثرين بالأزمات الاقتصادية».

ويؤكد أن مصر تتعامل مع تنظيم «لا يفكر إلا في إضعاف الدولة واستغلال الأزمات» من أجل مصالح الجماعة، والاستمرار في تهديد استقرار الدولة في ظل ظروف دولية صعبة للغاية.