بعد 21 عاماً في سجون إسرائيلية... فلسطيني يعود إلى غزة غير التي عرفها

يوسف مقداد في غزة (رويترز)
يوسف مقداد في غزة (رويترز)
TT

بعد 21 عاماً في سجون إسرائيلية... فلسطيني يعود إلى غزة غير التي عرفها

يوسف مقداد في غزة (رويترز)
يوسف مقداد في غزة (رويترز)

على مدى أكثر من عقدَين من الزمن قضاهما في سجون إسرائيلية، كان الفلسطيني يوسف مقداد يحلم بالعودة إلى قطاع غزة، حيث يمكنه تعويض ما فاته مع أطفاله.

وبعد أن نال مقداد حريته أخيراً، ووطأت قدماه غزة الأسبوع الماضي، وجد منزله مدمراً، ووطنه قد تحوّل إلى أنقاض وركام بسبب القصف الإسرائيلي.

وفي أثناء تجوّله في الأحياء التي دمّرتها الغارات الجوية والمدفعية، وصل إلى شاطئ غزة على البحر المتوسط، حيث يخيّم فلسطينيون نزحوا عدة مرات بسبب الهجوم الإسرائيلي.

وكحال غيره من الآباء في القطاع، يتعيّن على مقداد أن يبحث عن وسيلة لتوفير الطعام لأسرته، في منطقة تعاني من نقص الغذاء والوقود والطاقة والدواء، علاوةً على تدمير المدارس، حيث كان سيتعلم أحفاده، وتوقّف العديد من المستشفيات عن العمل.

يقول مقداد إن ابنته هايا، التي كانت تبلغ من العمر 4 سنوات فقط عند سجنه، لقيت حتفها في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة في مارس (آذار)، وهي واحدة ضمن أكثر من 38 ألف فلسطيني قُتلوا في القطاع منذ اندلاع الحرب.

وقال: «إلِي (لدَيّ) خمس ولاد (أطفال)، تلات ولاد وبنتين، هادي البنت كانت أصغر واحدة وأحسن واحدة».

وتلقّى الرجل خبر مقتل ابنته مع زوجها وأطفالها الأربعة خلال شهر رمضان، الذي قضاه خلف القضبان لسنوات.

وأضاف: «ماشفتهاش وهي عروس، أشوفها هي وولادها على الأقل... كل ما أشوف بنت وولاد صغار بقول إن هي هادي».

وألقت القوات الإسرائيلية القبض على مقداد (63 عاماً) من منزله في إحدى ضواحي مدينة غزة، خلال مداهمة في 2002، وحُكم عليه بعد إدانته بالانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلّح لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

وقضى مقداد فترة سجنه في عدة سجون إسرائيلية، ويتذكّر كيف سُمح للسجناء الفلسطينيين في مرحلة ما بإدارة شؤونهم الخاصة في السجن، ما سمح بظروف جيدة.

يوسف مقداد في غزة (رويترز)

إلا أن الحال تغيّر على نحو جذري، بعد أن هاجم مسلحون بقيادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، في هجوم أدّى إلى مقتل 1200 شخص، واحتجاز 250 رهينة.

وتابع مقداد حديثه قائلاً: «صِرنا نُعامَل معاملة الحيوانات، حتى الحيوانات إلها حقوق، والبني آدم لأ، مالوش حقوق عندهم صار، شفنا جميع أنواع التعذيب وأنواع الويل... حتى الجوع شفناه... ولا شرب ولا ورق ولا وسيلة اتصال ولا أي حاجة».

ولم يردّ الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق على ظروف السجن حتى الآن.

وزاد انتشار تقارير عن سوء معاملة المحتجزين في السجون الإسرائيلية من الضغوط الدولية على إسرائيل، بسبب سلوكها في حرب غزة التي دخلت حالياً شهرها العاشر.

وذكرت وزارة الخارجية الأميركية في مايو (أيار) أنها تتحرى تقارير عن انتهاكات إسرائيلية بحق معتقَلين فلسطينيين.

وتدعو حركة «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى، إلى إطلاق سراح ما يقرب من 6000 فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وذلك في إطار المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب.


مقالات ذات صلة

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
تحليل إخباري فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle 33:25

خاص في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

«إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى». هكذا كانت رسالة الضباط الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)

حياة مأساوية مريرة تعيشها عائلات سورية في دمشق، بعد أن اضطرت للهرب من جحيم الحرب في لبنان، وفي حين لم يحُدّ قطع طريق بيروت - دمشق، بسبب استهدافه من قبل إسرائيل، من تدفق الوافدين سيراً على الأقدام، وانتقل الضغط إلى معبر العريضة في محافظة طرطوس الساحلية، وارتفعت أجور النقل عبره بشكل خيالي.

في حديقة منطقة ساحة المرجة، وسط دمشق، تفترش عدة عائلات عائدة من لبنان، الأرض، مع أمتعتها المحيطة بها منذ أيام، وقد بدا التعب والبؤس واضحاً على وجوه أفرادها، رغم أن الحكومة السورية وضعت خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان.

يروي شاب في العقد الثاني من العمر، بعد شربه الماء براحتي كفيه من صنبور ماء في الحديقة، أن عائلته التي تضم 7 أفراد عانت الأمرين حتى استطاعت مغادرة جنوب لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة.

يحملون أمتعتهم أثناء عبورهم لسوريا عبر حفرة ناجمة عن غارات جوية إسرائيلية قطعت الطريق بين بيروت ودمشق عند معبر المصنع (إ.ب)

يوضح الشاب: «في كل لحظة كنا نعتقد أننا سنموت، حتى وصلنا إلى (منطقة) المصنع قبل يوم فقط من قصف إسرائيل له، وعبرنا إلى سوريا، وهنا، كما ترى، نعاني كثيراً، فمنذ وصولنا لم يكترث بنا أحد. نقيم وننام ونأكل ونشرب في هذه الحديقة».

ويؤكد الشاب أن عائلته التي تنحدر من ريف محافظة حماة وسط سوريا، لا تستطيع العودة إلى قريتها؛ لأن الحرب دمرت أغلب منازلها، كما لا يوجد لهم في دمشق أقارب كي تلجأ إليهم، مشدداً بألم: «استنفدنا معظم ما نملكه من مال في رحلة الهروب من جحيم الحرب في لبنان».

هل يصمدون طويلاً في ساحة المرجة بعد هروبهم من جحيم الحرب بلبنان (الشرق الأوسط)

عجوز يقول بغضب، وهو ممدد على أرض الحديقة، وأفراد أسرته يحيطون به: «الناس تقول إن الحكومة فتحت مراكز إيواء، لماذا لا يأتون ويأخذوننا إليها؟ هي فقط للمدللين (النازحين اللبنانيين) الذين لديهم دولارات». يضيف العجوز بمرارة وعيناه مغرورقتان بالدموع، وكذلك عينا فتاة تجلس إلى جانبه: «إلنا الله. ننتظر الفرج منه».

نازحون سوريون مع أمتعتهم في ساحة المرجة لعدم وجود مأوى آخر (الشرق الأوسط)

وفي مشهد يدل على شدة معاناة تلك العائلات، وحالة العوز والفقر التي وصلت إليها، لا يتردد أغلب أفرادها بالطلب من المارة السماح لهم بإجراء اتصالات من هواتفهم الجوالة مع معارف وأقارب لهم لمساعدتهم، في حين تبدو الحسرة واضحة في وجوه كثير منهم وهم ينظرون إلى بسطات بيع الشاي والقهوة والسجائر المنتشرة على أرصفة الحديقة، لكونهم لا يستطيعون شراء حتى كوب من الشاي.

ومع زيادة توافد اللبنانيين والعائدين السوريين منذ 24 سبتمبر (أيلول)، وضعت الحكومة السورية خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان، تضمنت رفع حالة الجاهزية في كل المنشآت الصحية والنقاط الطبية على المعابر الحدودية مع لبنان؛ لاستقبال جميع الحالات الوافدة، وتقديم الخدمات الصحية اللازمة لهم.

كما جهّزت كثيراً من مراكز الإيواء التي تتسع لعشرات آلاف الأشخاص في محافظات حمص ودمشق وريف دمشق وطرطوس وحماة.

سوريون نازحون من لبنان عند معبر جوسية الأربعاء (رويترز)

ويواصل وزراء في الحكومة القيام بزيارات لمراكز الإيواء للاطلاع على أحوال الوافدين، وكذلك المعابر الحدودية للحض على «تبسيط الإجراءات، وانسياب حركة القدوم والمغادرة، وإنجاز المعاملات بالسرعة المطلوبة».

ولم تحدّ الغارات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان منذ بدء الضربات الإسرائيلية لـ«حزب الله» في لبنان، من تدفق الوافدين اليومي من لبنان إلى سوريا، ليتجاوز العدد الإجمالي للوافدين اللبنانيين منذ 24 سبتمبر (أيلول) حتى السبت الماضي، أكثر 82 ألف وافد، وأكثر من 226 ألف عائد سوري، وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات السورية.

توافد الأسر اللبنانية والسورية النازحة عبر معبر العريضة بطرطوس (إكس)

ووفق سائق تاكسي كان يعمل على خط دمشق - بيروت قبل استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي للطريق الدولي قرب معبر المصنع، فجر الجمعة، وخروج الطريق عن الخدمة؛ فإن دخول الوافدين من لبنان عبر معبر جديدة يابوس المقابل لمعبر المصنع استمر سيراً على الأقدام، ولكن بأعداد أقل بكثير من السابق.

وكشف السائق لـ«الشرق الأوسط»، أن حركة العبور إلى الأراضي السورية بعد خروج طريق بيروت - دمشق عن الخدمة؛ تكثفت في معبر العريضة بمحافظة طرطوس على الساحل السوري والحدودي مع لبنان والمقابل لمعبر العريضة في الجانب اللبناني.

وذكر السائق أن أغلبية من كانوا يعملون على خط دمشق - بيروت انتقلوا للعمل على خط العريضة، وتحدّث السائق عن أجور خيالية لطلبات نقل الركاب من دمشق إلى طرطوس ومنها إلى لبنان عبر معبر العريضة، لافتاً إلى أن أجرة الطلب من دمشق تصل إلى ما بين 3 – 4 ملايين ليرة سورية، في حين كانت من معبر جديدة يابوس ما بين مليون ومليون ومائتي ألف.