«حزب الله» يتجنّب استدراج إسرائيل لتوسعة الحرب بتركيز ردوده على الجولان

يحاذر حيفا ومحيطها... ويستفيد من معادلة «بعلبك - الجولان»

أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)
أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)
TT

«حزب الله» يتجنّب استدراج إسرائيل لتوسعة الحرب بتركيز ردوده على الجولان

أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)
أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)

يسعى «حزب الله» لتجنّب توسعة الحرب مع إسرائيل، عبر تركيز ردوده على الغارات الإسرائيلية بالعمق اللبناني، باستهداف منشآت إسرائيلية في هضبة الجولان السورية المحتلة، بدلاً من قصف الساحل الإسرائيلي الذي يحاذر استهدافه، ويستفيد في تلك الردود من معادلة «بعلبك – الجولان» لاستهداف مراصد المعلومات الحيوية بمرتفعات جبل الشيخ.

وأعلن «حزب الله»، الأحد، استهداف مركز استطلاع في جبل حرمون في الجولان السوري المحتل «بأسراب متتالية من المسيرات الانقضاضية على مركز الاستطلاع الفني والإلكتروني بعيد المدى على الاتجاه الشرقي (مرصد التزلج الشرقي) في جبل حرمون في الجولان السوري المحتل»، مشيراً إلى أنها «أكبر عملية للقوات الجوية بالحزب» منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال، في بيان، إن المسيرات «أصابت قببه وتجهيزاته التجسسية والاستخبارية ومنظوماته الفنية، ما أدى إلى تدمير الأجهزة المستهدفة واندلاع النيران فيها»، لافتاً إلى أنه «أعلى هدف يتعرض للاستهداف منذ بداية معركة (طوفان الأقصى) في جبهة لبنان (2230 متراً)»، وذلك «رداً على الاعتداء والاغتيال اللذين نفذهما العدو الإسرائيلي السبت في منطقة البقاع» بشرق لبنان.

ومرصد جبل حرمون (معروف باسم مرصد جبل الشيخ)، الذي سيطر عليه الجيش السوري في «حرب تشرين» 1973 واستعادته إسرائيل في وقت لاحق، هو أعلى قمم جنوب سوريا. وذكرت وكالة «رويترز» أن إسرائيل «تمتلك منشآت مراقبة وتجسس ودفاع جوي رئيسية على جبل الشيخ».

معادلة «بعلبك - الجولان»

وغالباً ما كان الحزب يرد على أي غارة إسرائيلية في البقاع، بقصف الجولان، كما يرد الجيش الإسرائيلي على قصف الجولان بشن غارات جوية في منطقة البقاع، وذلك بدءاً من شهر فبراير (شباط) الماضي. وبات هذا التبادل جزءاً من قواعد الاشتباك غير المعلنة المعمول بها بين الطرفين، ويتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي، كما يقرّ بها محللون مقربون من الحزب في لبنان. ويقول الحزب إنه يستهدف مرابض مدفعية، وقواعد عسكرية ومنظومات دفاع جوي في هضبة الجولان السورية المحتلة المتصلة بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل أيضاً.

مقاتلة إسرائيلية تلقي بالونات حرارية خلال تحليقها قرب الحدود مع لبنان (إ.ب.أ)

لكن الهجوم الأخير على قمة حرمون يتخطى هذا الجانب، حسبما يقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، مشيراً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه المنطقة «شهدت انفجاراً ضخماً يدوّي للمرة الأولى بهذا الحجم في المنطقة»، مؤكداً أن القصف «جاء من لبنان وليس من سوريا».

ويؤكد إعلام الحزب أن الاستهدافات التي طالت الأحد قاعدة ‏ميرون على قمة جبل الجمق (أعلى القمم في الجليل) وقاعدة جبل حرمون «تثبت أن لا نقطة في الشمال بمنأى عن الاستهداف».

لكن مراقبين يرون أن قصف "حزب الله" على الجولان يشكل التفافاً على القرار السوري الهادف إلى تجنب استخدام الجبهة السورية في الاشتباكات الدائرة مع إسرائيل. وهذا ما يؤكده عبد الرحمن بقوله إن قصف الجولان من الأراضي اللبنانية «هو بمثابة تعويض عن القيود التي فرضها الأسد على (حزب الله) والميليشيات العراقية الموالية لإيران، وقضت بمنعها من إطلاق الهجمات من الأراضي السورية ضد أهداف إسرائيلية بالجولان»، مضيفاً أن الأسد «جمّد الجبهة بطلب إقليمي ودولي تتصدره روسيا التي تنشر 14 نقطة مراقبة في القنيطرة على حدود الجولان، بينما لاحظ نشطاء المرصد تواري نحو 700 مقاتل ضمن ميليشيات عراقية مؤيدة لإيران من المنطقة، منذ بدء الحرب»، إلى جانب تواري مقاتلي «حزب الله» عن سائر المنطقة الحدودية السورية المحاذية للبنان، وذلك منذ نحو شهر.

راعٍ لبناني يحمل شاة نافقة جراء غارة إسرائيلية على مزرعته بجنوب لبنان (أ.ب)

يقول عبد الرحمن: «تقييد الأسد للعمليات، أبقى المراصد الإسرائيلية الاستراتيجية نشطة، وهو ما دفع (حزب الله) لقصفها من الأراضي اللبنانية»، لافتاً إلى أن الاستهداف الأخير «يعتبر استراتيجياً بالنظر إلى أن المرصد على قمة حرمون، وهو المعروف باسم (مرصد جبل الشيخ)، ويضم نقاط استطلاع ورادارات كاشفة على لبنان وسوريا ومناطق أخرى»، في إشارة إلى قدرته على جمع المعلومات وتغذية سلاح الجو بها.

بديل عن الساحل

وإضافة إلى البُعد الاستراتيجي، يحمل التركيز على الجولان، مؤشرات سياسية أيضاً متصلة بالتعهد الذي التزم به «حزب الله» لناحية توسعة الضربات، في حال وسعت إسرائيل ضرباتها، وغالباً ما يختار الحزب أهدافاً في الجولان، بديلاً عن الأهداف في الساحل الإسرائيلي، حسبما يقول رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث» الدكتور هشام جابر، ويوضح أن «أهم الأهداف الإسرائيلية موجودة في الغرب بين حيفا وتل أبيب، وكذلك في جبل الشيخ، بينما لا أهداف دسمة في الجليل الذي خلت البلدات والمستوطنات فيه من السكان والقواعد العسكرية المهمة. قصف حيفا ومحيطها ينطوي على مخاطر توسع الحرب، ومن هنا يعد استهدافها خطاً أحمر، لذلك يتجنب الحزب قصفها»، مشيراً إلى أن «هواجس استدراج إسرائيل إلى توسعة الحرب تفرض قيوداً على الحزب بالأهداف»، وعليه «لم يبقَ له إلا الجولان لتنفيذ التزاماته».

ويشير جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إلى أن هضبة الجولان السورية «تتضمن بنك أهداف غنياً جداً، لم يستهدف الحزب منه إلا 20 في المائة، وذلك بعدما قصف معظم المستوطنات القريبة من لبنان، وتراجعت الأهداف الدسمة فيها مع إخلاء القواعد العسكرية، ويركز على قصف الجنود الذين يتحركون فيها». ويشرح أن «هضبة الجولان غنية جداً بمراكز المعلومات، لإطلالتها على سوريا ولبنان، وكونها تضم قواعد عسكرية من تجمع (اللواء 91) إلى مراكز التنصت والاستشعار والاعتراض الراديوي والتكشف على البحر المتوسط، فضلاً عن أنها منطقة سياحية تستضيف مئات آلاف السياح سنوياً، والآن باتت مشلولة».

الدخان يتصاعد من مرتفعات الجولان قرب بحيرة طبريا جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (رويترز)

ويمضي «حزب الله» منذ بدء الحرب، باستهداف المنشآت الإلكترونية والمراصد التجسسية الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان، وبلغت في الشهر الماضي أكثر من 420 تجهيزاً فنياً، إلى جانب عشرات النقاط والمواقع الحدودية والثكنات والقواعد والمواقع الخلفية، حسب إحصاء نشره الحزب في منتصف يونيو (حزيران) الفائت، بينما أحصى معهد «علما» الإسرائيلي، 2295 هجوماً ضد إسرائيل نفذه الحزب منذ بدء الحرب وحتى مطلع يوليو (تموز)، بمدى يتخطى الـ30 كيلومتراً، وقال إن «المنطقة العسكرية التي هوجمت بالنحو الأقوى، هي منطقة هار دوف (مزارع شبعا) ومواقعها؛ حيث ينفّذ (حزب الله) هناك هجمات على نحو يومي»، وهي السفح الغربي لجبل الشيخ.

طائرة إطفاء إسرائيلية تلقي مواد لإخماد النيران المشتعلة في الجليل الأعلى جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (أ.ف.ب)

ويقول محللون مقربون من الحزب إن التركيز على التجهيزات الفنية وقصف منصات الدفاع الجوي «يُراد منه تعمية إسرائيل، وإفقادها آلية مراقبة ورصد وتتبع». ويشير هؤلاء إلى أن قصف تلك المنظومات «ساعد في إطلاق المسيرات والتخفيف من قدرة الجيش الإسرائيلي على اعتراض الصواريخ من لبنان».


مقالات ذات صلة

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

يتحرّك لبنان سياسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لسيارات تصطفّ لدخول لبنان بعد الإطاحة ببشار الأسد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية (رويترز)

اعتقال 12 شخصاً بينهم ضباط مرتبط بنظام الأسد على الحدود السورية اللبنانية

ألقت وحدات حرس الحدود السورية، في وقى متأخر من يوم أمس (الجمعة)، القبض على 12 شخصاً بينهم عناصر وضباط لديهم ارتباط بالنظام السابق على الحدود السورية اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (رويترز)

الحكومة اللبنانية تقرّ مشروع قانون «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات

أقرت الحكومة اللبنانية، الجمعة، مشروع قانون استرداد الودائع المالية المجمدة في المصارف منذ عام 2019، وسط انقسام بالتصويت داخل مجلس الوزراء

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)

المؤسسة الدينية الشيعية تُهاجم الحكومة اللبنانية بسبب «حصرية السلاح»

استبقت المؤسسة الدينية الشيعية في لبنان، انطلاق المرحلة الثانية من خطة «حصرية السلاح» بيد القوى الرسمية اللبنانية، بهجوم عنيف على الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من «يونيفيل» يقدمون الرعاية الصحية لمواطنة في جنوب لبنان (يونيفيل)

العيادات النقالة... خيار سكان جنوب لبنان للحصول على رعاية طبية

يلجأ غالبية سكان قرى الحافة الأمامية والخلفية، لخيار العيادات الطبية النقالة للحصول على الرعاية الطبية، خياراً «أكثر أماناً وأقل تكلفة»

حنان حمدان (بيروت)

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

يعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وعودة الجدل الحاد حول تحويل محافظة البصرة الغنية بالنفط إلى إقليم، في مشهد يعكس عمق الاختلال السياسي والمالي في البلاد.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم للشهر الأخير، في سابقة تُثير قلقاً واسعاً لدى شريحة تعتمد غالبيتها على الدخل الحكومي، في بلد يشكل فيه القطاع العام العمود الفقري للاقتصاد.

وتؤكد وزارة المالية مراراً أن «الرواتب مؤمّنة»، وتنفي وجود أزمة سيولة، إلا أن هذه التصريحات لم تعد كافية لتهدئة مخاوف الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل شلل سياسي مستمر.

تتزامن الأزمة المالية مع انسداد سياسي حاد، نتيجة فشل القوى السياسية في التوافق على شاغلي الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.

ويقول محللون إن غياب حكومة كاملة الصلاحيات يُقيد قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مالية حساسة، بما في ذلك إدارة الإنفاق العام، وضمان انتظام الرواتب، في وقت تتراكم فيه الديون وتتراجع ثقة الشارع بالمؤسسات.

وينظر إلى هذا التعثر باعتباره امتداداً لأزمة بنيوية أعمق؛ حيث لم تنجح الطبقة السياسية، منذ سنوات، في بناء آليات مستقرة للحكم، رغم الموارد النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق.

«إقليم البصرة»

إلى جانب الرواتب والحكومة، برزت في أواخر 2025 أزمة جديدة تمثلت في إعلان مجلس محافظة البصرة عزمه التصويت على بدء إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

ورغم أن الدستور العراقي يتيح تشكيل الأقاليم، فإن التجربة بقيت محصورة عملياً في إقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع خاص تشكّل قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وعلى مدى العقدين الماضيين، قوبلت دعوات مماثلة في محافظات أخرى برفض سياسي واسع، بدعوى أنها تُمهّد لتقسيم البلاد. وكانت الدعوات لتحويل محافظات غربية، مثل الأنبار، إلى إقليم، قد واجهت حملات تخوين واتهامات بالسعي إلى إنشاء «دولة سنية» أو تنفيذ أجندات إقليمية.

لكن مسألة البصرة تختلف، وفق مراقبين، ليس من زاوية الهوية السياسية أو الطائفية، بل بسبب وزنها الاقتصادي، فالمحافظة الجنوبية تنتج أكثر من 80 في المائة من النفط العراقي، ما يجعل أي خطوة نحو إقليم مستقل نسبياً مصدر قلق لبغداد.

حقل «غرب القرنة 2» النفطي جنوب مدينة البصرة في العراق (رويترز)

النفط في قلب الصراع

وتخشى الحكومة الاتحادية من أن يؤدي تحويل البصرة لإقليم إلى تقليص سيطرتها على أهم مورد مالي للدولة، في وقت تعاني أصلاً نزاعات مزمنة مع إقليم كردستان حول عائدات النفط والمنافذ الحدودية.

ويرى خبراء أن فتح «جبهة مالية» جديدة مع إقليم نفطي بحجم البصرة قد يضع الدولة أمام اختبارات قاسية، خصوصاً إذا ترافقت مع استمرار الاضطراب السياسي.

في المقابل، يُحذر آخرون من أن منطق الأقاليم، إذا تمدد، قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية على الموارد، بما في ذلك المياه، في بلد يعاني أصلاً شحاً مائياً وتغيرات مناخية متسارعة.

وبين تأخر الرواتب، وانسداد الأفق السياسي، وتصاعد الجدل حول الأقاليم، يبدو العراق مقبلاً على عام جديد من دون حلول جذرية.

ويقول مراقبون إن ما يجري ليس سوى «تدوير للأزمات»؛ حيث ترحل المشكلات من عام إلى آخر من دون معالجات بنيوية، في ظل خلل مركب سياسي واقتصادي بات يُهدد الاستقرار الاجتماعي في بلد يعتمد ملايين من مواطنيه على الدولة مصدراً وحيداً للدخل.


لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
TT

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

يقف لبنان على مشارف انتهاء عام 2025 من دون أن يكون قد حسم موقعه بين منطق الحرب ومنطق الاستقرار. فالسنة التي توشك على طيّ صفحاتها لم تشهد توسّعاً شاملاً للمواجهة، لكنها لم تُنتج في المقابل أي معادلة ردع سياسية أو أمنية قابلة للصمود، في ظل رفض «حزب الله» البدء بالمرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، مقابل تهديدات إسرائيلية متواصلة.

ويتحرّك لبنان سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية، وتبرز مقاربة تعتبر أنّ ما يعمل عليه لبنان هو منع الانفجار الكبير، حسبما تقول مصادر نيابية، مشيرة إلى أن ما يجري يبدو كأنه «إدارة مؤقتة للمخاطر، في ظل غياب الضمانات الدولية، وتشابك المسارات الإقليمية، واستمرار العجز الداخلي عن إنتاج قرار سيادي جامع»، في وقت تعمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) أداة ضبط، في مقابل بقاء إسرائيل خارج أي التزام سياسي ملزم، ما جعل الالتزام اللبناني أحادي الاتجاه.

تجنّب الحرب سابق لأوانه

يرى عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» (الحزب التقدمي الاشتراكي)، النائب بلال عبد الله، أنّ «الحديث عن تجنيب لبنان الحرب بشكلٍ نهائي لا يزال سابقاً لأوانه»، وأنّ «توصيف المرحلة بترحيل التصعيد وحده لا يكفي لشرح تعقيد المشهد».

ويشير إلى أنّ لبنان «يقوم بما يتوجّب عليه ضمن أقصى طاقته السياسية والدبلوماسية»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ آلية المتابعة الدولية «تتطلّب تنفيذاً سياسياً في جزءٍ أساسي منها، وهو ما تعمل عليه الدولة اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة».

النائب بلال عبد الله (الوكالة الوطنية)

وتبرز إشكالية أساسية، تتمثّل بالتزام لبناني مقابل فراغ في الضمانات، ويشدّد عبد الله على أنّ «كل ما هو مطلوب رسمياً من لبنان يتم الالتزام به، في وقت يتكبّد فيه (حزب الله) خسائر يومية على الأرض»، معتبراً أنّ «الخطاب عالي النبرة مسألة منفصلة عن الوقائع الميدانية والسياسية».

ويرى أنّه «حتى اليوم، لم يأتِ أي موقف غربي أو عربي يحمل ضمانة جدية تمنع إسرائيل من توجيه ضربات إضافية، ما يعني عملياً أنّ الاستقرار المطروح ليس إلا هدنةً مفتوحةً على الاحتمالات». من هنا، يعتبر أنّ «الحديث عن استقرار طويل الأمد غير واقعي في المرحلة الحالية»، وأنّ سقف الممكن يقتصر على وقف الاعتداءات، لا أكثر».

تحولات إقليمية

لا يفصل عبد الله المسار اللبناني عن محيطه، فيؤكد أنّ «الواقعية السياسية تفرض على لبنان الاستمرار في القيام بواجباته كدولة، ضمن (الميكانيزم)، لكن من دون أوهام حيال نتائجه». ويستحضر نموذج غزّة بوصفه دليلاً على هشاشة التفاهمات، مشيراً إلى أنّ «أي قراءة سياسية نهائية تبقى رهينة التطورات الإقليمية والدولية»، معتبراً أنّ «غياب الضوابط الواضحة والضمانات الملزمة للجم إسرائيل، يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، وأنّ لبنان سيظل ساحة متأثرة بالحسابات الإسرائيلية أكثر مما هو محكوم بتفاهمات مستقرة».

فرصة لم تُستثمر

في المقابل، تنطلق مقاربة عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب فادي كرم، من خلفية سياسية مختلفة، ترى في 2025 فرصة إصلاحية لم يُحسن لبنان استثمارها. ويعتبر أنّ «عام 2025 شهد مساراً عاماً يميل إلى الإيجابية، مع نية واضحة لإخراج لبنان من الواقع الذي عاشه طوال الثلاثين سنة الماضية»، لكنه يربط تعثّر النتائج بـ«الإكثار من الحديث عن التريّث والتباطؤ، ما أضرّ بالمسار الإصلاحي، لا سيّما في ما يتصل ببناء الدولة وحصر السلاح».

النائب فادي كرم (الوكالة الوطنية)

ويرى كرم أنّ «الخطوات التي اتُّخذت خلال 2025 كانت بطيئة، وأنّ أي مقاربة تقوم على الاكتفاء بالكلام أو بتأجيل حسم ملف السلاح مع الواقع قد تدفع خطر الحرب إلى الخلف لفترة محدودة، لكنها لا تُلغي احتماليته». ومن هنا، يربط الضمانة الوحيدة للاستقرار بـ«حصر السلاح بشكل كامل وعلى كل الأراضي اللبنانية»، معتبراً أنّ أي تجزئة في هذا المسار تعني عملياً ترحيل أسباب الحرب لا معالجتها».

وإذ ينوّه كرم بعمل الجيش اللبناني، معتبراً أنّه «مؤسسة قادرة»، يشدّد على أنّ فاعليته تبقى مشروطة بـ«القرار السياسي». ويرى أنّ «استمرار وجود السلاح غير الشرعي، مع رفض تسليمه، يفرض على الدولة اتخاذ خطوات أمنية واضحة، تبدأ برفع الغطاء السياسي، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى صدام داخلي»، ويضيف: «عندما تحسم الدولة أمرها، يصبح الطرف غير الشرعي هو من يعيد حساباته، وليس العكس».

ويحذّر كرم من أنّ لبنان في نهاية 2025، لم يخرج بعد من دائرة خطر التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أنّ «الحديث المتزايد عن استهداف إيران، يضع (حزب الله) تلقائياً في قلب أي مواجهة مقبلة، ما يجعل لبنان ساحة محتملة لأي تصعيد إقليمي، بصرف النظر عن حساباته الداخلية».


إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.