قانون إسرائيلي يعاقب المحكمة الجنائية الدولية

رداً على قراراتها بخصوص جرائم الحرب

صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت (رويترز)
صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت (رويترز)
TT

قانون إسرائيلي يعاقب المحكمة الجنائية الدولية

صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت (رويترز)
صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت (رويترز)

يدفع حزب «الليكود» الحاكم في إسرائيل بمشروع قانون جديد يهدف إلى تقويض تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب إسرائيلية محتملة، ومعاقبتها ومعاقبة مؤسسات دولية أخرى، انتقاماً منها على قراراتها الصادرة حتى الآن. ويقيّد مشروع القانون أيضاً عملها في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحسب مصادر في الكنيست (البرلمان)، طرح عضو الكنيست عن «الليكود»، عميت هليفي، مسودة مشروع لهذا القانون، وذلك استباقاً لاحتمال أن تصدر المحكمة الجنايات الدولية في لاهاي قريباً مذكرتَي توقيف بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت. وكان مدعي عام المحكمة كريم خان قد طلب في 20 مايو (أيار) الماضي الموافقة على طلبه إصدار مذكرات التوقيف.

وينص مشروع القانون على «حظر أنشطة وإجراءات المحكمة الجنائية الدولية على الأراضي الإسرائيلية، ومنع دخول مسؤولي المحكمة إلى إسرائيل، وتجريم التعاون مع المحكمة إلا بموافقة جهة مختصة». كما ينص مشروع القانون على «فرض عقوبات على كل مَن يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن تغطية تكاليف الدفاع القانوني للأشخاص (مسؤولين إسرائيليين) الذين يتعرضون لملاحقة قضائية من قبل أي محاكم في العالم». كما ينص مشروع القانون كذلك على أن «الحكومة ملزمة بالعمل على تحرير كل شخص تم اعتقاله بموجب مذكرة اعتقال صدرت عن المحكمة»، أكان ذلك بوسائل سياسية أو عملية عسكرية.

وكشفت «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي عن أن نتنياهو أجرى مداولات حول إمكانية استجابة المحكمة لطلب خان وإصدار أوامر اعتقال ضده وضد غالانت قريباً، بمشاركة المستشارة القضائية للحكومة، ووزير القضاء، ياريف ليفين، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر. وقد أعرب نتنياهو عن مخاوف من أن تصدر المحكمة مزيداً من الأوامر ضد قادة الجيش الإسرائيلي بسبب ممارستهم في غزة.

كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (أ.ف.ب)

وفي وقت سابق الخميس، قضت المحكمة الجنائية الدولية بأن بريطانيا يمكنها تقديم حجج قانونية للقضاة الذين يدرسون طلب الادعاء بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وبذلك أوقفت مسار إصدار مذكرات التوقيف. وأظهرت وثائق المحكمة، أن بريطانيا طلبت من القضاة في وقت سابق من الشهر الحالي تقديم ملاحظات مكتوبة حول ما إذا كانت «المحكمة تستطيع ممارسة سلطتها القضائية على المواطنين الإسرائيليين في ظل الظروف التي لا تستطيع فيها فلسطين ممارسة سلطة جنائية على المواطنين الإسرائيليين (بموجب) اتفاقات أوسلو».

وقال القضاة إن المحكمة ستقبل أيضاً طلبات من أطراف أخرى مهتمة، وحددت يوم 12 يوليو (تموز) المقبل موعداً نهائياً لتقديمها. ومن شأن قبول طلب بريطانيا تأخير اتخاذ قرار حول إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على خلفية حرب إسرائيل في غزة بناء على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

وحكم قضاة الجنائية الدولية في عام 2021 بأن المحكمة لديها سلطة قضائية بعد أن أصبحت السلطة الفلسطينية عضواً فيها عام 2015، في أعقاب منحها صفة مراقب في الأمم المتحدة. ومع ذلك، أرجأ القضاة الحكم في تفسير اتفاقيات أوسلو لعام 1993 فيما يتعلق بالولاية القضائية الفلسطينية على المواطنين الإسرائيليين لمرحلة لاحقة من الإجراءات. وتعتمد بريطانيا في طلبها على الادعاء بأن السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تكون لها سلطة قضائية على المواطنين الإسرائيليين بموجب اتفاقات أوسلو، وبالتالي ليس لها الحق في منح المحكمة الجنائية الدولية الصلاحية القضائية نيابة عنها؛ في المقابل، يرى خبراء في القانون الدولي أن الصلاحية القانونية للمحكمة قائمة في هذه الحالة.


مقالات ذات صلة

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

بعد إصدار المحكمة الدولية مذكرة توقيف بحقه... هل يستطيع نتنياهو السفر إلى أوروبا؟

وفق موقع «واي نت»، أي رحلة يقوم بها رئيس الوزراء إلى إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقية قد تعرِّضه لخطر الاعتقال والتسليم لمحكمة العدل الدولية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا بوتين شولتس (أ.ف.ب)

بوتين المتقدم في أوكرانيا يتطلع لملامح اتفاق سلام برعاية ترمب

مصادر روسية مطلعة تنقل عن بوتين أنه يوافق أولاً على تجميد الصراع على الخطوط الأمامية لكنه يستبعد أي تنازلات تتعلق بالأراضي ويتمسك بتخلي كييف عن عضوية الناتو.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا مسلّحون من مجموعة معارضة مع عربة مدرّعة غنموها من الجيش في شمال بورما (أ.ب)

ميانمار في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من الألغام المضادة للأفراد

تصدرت ميانمار خلال عام 2023 قائمة الدول التي تسببت فيها الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في أكبر عدد من الوفيات والإصابات، وسط زيادة في عدد الضحايا.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق المايسترو لبنان بعلبكي حمل وطنه في فنّه ونغماته (فيسبوك)

المايسترو لبنان بعلبكي: تفخيخ منزل عائلتي في الجنوب قهرٌ ثقافي

يعيد لبنان بعلبكي سرد الحكاية لرفض طمسها كما فُعل بمنازل الجنوب المشتعل باللهب. وما يُدعِّم الرغبة في إخبار القصة أنه يرى بمنزل والده أبعد من جَمعةٍ عائلية.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.