هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
TT

هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)

يراود المتابعين لمستجدات الحدود والمعارك بين «حزب الله»، الذراع العسكرية لإيران في لبنان، وإسرائيل في جنوب لبنان، سؤالٌ مستمدٌ من كلام الموفد الأميركي آموس هوكستين، ومفاده: هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

فقبل أيام زار هوكستين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة. وظنّ المتابعون أن «خطورة» الوضع ستبقيه في المنطقة أياماً، لكنه أقفل عائداً إلى واشنطن، بعدما قال في بيروت: «لمصلحة الجميع حل الصراع بسرعة وسياسياً، وهذا ممكن وضروري وبمتناول اليد».

الحرب التي بدأها «حزب الله» في منطقة محددة جغرافياً، هي مزارع شبعا، تطوّرت على مدى 9 أشهر، لتشمل معظم مناطق الشريط الحدودي بين البلدين، مع عدم تردد الإسرائيلي عن اصطياد مسؤولين من «حزب الله» و«حماس» والتنظيمات الدائرة في فلكهما، في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية. لكن لو كانت هذه الحرب ذاهبة إلى ما هو أوسع في لبنان، هل كان للموفد الأميركي أن يغادر بهذه السرعة؟ أغلب الظن أنه تأكد أن الطرفين لا يريدان الإضرار بالصفقة الكبرى التي أنجزاها، بعد أكثر من 20 عاماً من المفاوضات، ألا وهي ترسيم حدود الغاز في البحر المتوسط.

وهنا تماماً تكمن إشارة هوكستين إلى «مصلحة الجميع». والجميع هم كل المستفيدين، دولاً وشركات وجماعات، من اتفاق الحدود الغازية الذي أبرمه البلدان في عام 2022، وبرعاية أميركية ممثلة بهوكستين نفسه.

وهوكستين يعرف تماماً أن إسرائيل تعد الرابح الأكبر من غاز المتوسط منذ اكتشف أول حقل للغاز في بحر غزة وسُمي «غزة مارين» في عام 2000، حينها تغيّرت معطيات إسرائيل وأهدافها، فانسحبت من جنوب لبنان بلا اتفاق، وتوجّهت إلى السلطة الفلسطينية فدّمرت «اتفاق أوسلو» وكل ما بُني بموجبه، وراحت تغرف من غاز البحر حتى اكتفت ذاتياً، ثم راودتها أطماع التصدير. وكانت اكتشافات متتالية بمليارات الدولارات واتفاقات وشراكات مع دول الجوار، وبقي عائقان أمامها: بحر لبنان المسيطر عليه «حزب الله»، وبحر غزة المسيطرة عليه «حماس».

وبعد مفاوضات طويلة استغرقت قريباً من 20 عاماً، برعاية الأميركي وتدخله، تم الاتفاق مع لبنان. وبقيت المشكلة الأخيرة المتعلقة ببحر غزة. وقبل هجوم 7 أكتوبر، تردد بأن اتفاقاً مماثلاً للاتفاق اللبناني سيوّقع مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ما يعني أن «حماس» لن يبقى لها سوى «خفي حنين»، وهي المسيطرة على القطاع منذ 2005، ويكاد يذهب هباءً كل ما فعلته تجاه الإسرائيلي، بما في ذلك عدم مشاركتها في المعركة التي خاضتها «الجهاد الإسلامي» ضد إسرائيل في 2022، وتحت عنوان «وحدة الساحات»، ولا ساحات ولا من يحزنون.

وفي 7 أكتوبر بدأ مخاض لأوضاع جديدة، سياسياً وأمنياً وغازياً، لكنه لم ينته بعد. تحضير «حماس» لعملية لم يكن مفاجئاً لإسرائيل، بل كانت تنتظر تنفيذها لتشن حربها الكبرى لتشطب كل من يقف في وجه مصالحها داخل غزة. لكن ما حصل فجر ذاك اليوم كان كبيراً جداً ومفاجئاً للطرفين: «حماس» التي لم تتوقع أن اختراق الجدار الفاصل سيمهد الطريق لعملية بهذا الحجم، وإسرائيل التي استيقظت على احتلال مساحات من أراضيها ووقوع نحو 240 من الأسرى من جيشها وشعبها في يد المهاجمين.

وجاء الرد بقرارين كبيرين: تفعيل إسرائيل قانون هنيبعل القاضي بقتل الخاطف والمخطوف لاستعادة الأرض، والقانون لا يزال معمولاً به حتى اللحظة. وإرسال الولايات المتحدة بعضاً من بوارجها وحاملات طائراتها لتقول لمن يتحمّس إن زوال إسرائيل ممنوع.

وظن الناس أن في مقدمة هؤلاء المتحمّسين «حزب الله»، خصوصاً أن بوتقته الإعلامية كانت تنشر ما مفاده أن لدى الحزب كتيبة اسمها «كتيبة الرضوان»، ومهمتها، في المعركة المقبلة مع إسرائيل، احتلال الجليل (شمال إسرائيل) وخوض الاشتباكات على أرضها. لكن ما فعله الحزب على الأرض وبعد 24 ساعة، ربما انتظر خلالها أمر العمليات من مرشده الإيراني، أن أطلق رشقات باتجاه مزارع شبعا، وفهم المعنيون الرسالة بأنه لن يفعل أكثر من ذلك.

وجاءت الأيام والأسابيع والأشهر ولم يبق حجرٌ على حجر في قطاع غزة وأكثر من 40 ألف ضحية وضعف هذا الرقم من الجرحى والمصابين، ولم يفعل الحزب مع إسرائيل أكثر من المناوشات وصراع الأدمغة الأمنية، ولم يقدّم، ولن، إلى إسرائيل السبب الوجيه لتوسعة الحرب لتشمل لبنان كله، فلا هو احتل متراً واحداً من أرضها، ولا أسر جندياً واحداً من جنودها، ولا استهدف مرفقاً واحداً من مرافقها الاقتصادية والسكنية. كل ما يفعله ضمن المسموح به، وهو استهداف مواقع عسكرية، ونشر فيديوهات من مسيرة نجحت في اختراق الحدود.

وما كاد هوكستين يقفل عائداً إلى واشنطن، حتى كان أول مستقبلي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أبلغه أن الانتقال إلى «المرحلة ج» (صراع منخفض الكثافة) في حرب غزة سيؤثر على جميع الجبهات.

وعلى الرغم من أن البيان مقتضب، فإنه يوحي بأن ثمة انتقالاً للمرحلة الثالثة في غزة، وبالتالي فإن هذا التأثير سيكون «إيجابياً» لتهدئة جبهة الجنوب اللبناني، وتبقى المصلحة الكبرى التي أبرمت في اتفاق الغاز قائمة في انتظار نهاية «مخاض غزة»... فعن أي توسعة للحرب تتحدثون؟


مقالات ذات صلة

إصابة 4 جنود إيطاليين بقصف على قاعدة لـ«اليونيفيل» في جنوب لبنان

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة في قاعدة الأمم المتحدة بجوار قرية مارون الراس اللبنانية... كما شوهد من أفيفيم على الجانب الإسرائيلي من الحدود 19 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

إصابة 4 جنود إيطاليين بقصف على قاعدة لـ«اليونيفيل» في جنوب لبنان

قال مصدران حكوميان، اليوم (الجمعة)، إن 4 جنود إيطاليين أصيبوا في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في بلدة شمع بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)
عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)
TT

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)
عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وذكرت المنظمة في تقرير أن عدد القتلى من العاملين بالقطاع الصحي والمرضى في لبنان، منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أكبر نسبياً مقارنةً مع مستواه في غزة وأوكرانيا خلال الفترة نفسها.

وأضاف التقرير: «النظام الصحي في البلاد يعاني من ضغوط شديدة؛ حيث توقف 15 مستشفى من أصل 153 مستشفى عن العمل، أو يعمل جزئياً. وعلى سبيل المثال، فقدت محافظة النبطية، وهي واحدة من 8 محافظات في لبنان، 40 في المائة من السعة السريرية للمستشفيات».

وحذرت المنظمة من أنه «كلما كانت الضربة الموجهة إلى القوى العاملة الصحية أكبر، كانت قدرة البلد على التعافي من الأزمة وتقديم الرعاية الصحية بعد النزاع أضعف على المدى الطويل».

ووسّعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان في الآونة الأخيرة، وقتلت العديد من قيادات جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر من العام الماضي.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية في نزوح مئات الآلاف من القرى والبلدات الواقعة على الحدود مع إسرائيل، وألحقت دماراً واسعاً في أنحاء مختلفة من لبنان.