خطة سموتريتش للسيطرة المدنية على الضفة تعزز مخاوف انهيار السلطة

الهدف منع إقامة الدولة الفلسطينية

سموتريتش يشارك في يوم القدس الذي تحتفل به إسرائيل سنوياً بذكرى احتلالها المدينة في 5 يونيو عام 1967 (رويترز)
سموتريتش يشارك في يوم القدس الذي تحتفل به إسرائيل سنوياً بذكرى احتلالها المدينة في 5 يونيو عام 1967 (رويترز)
TT

خطة سموتريتش للسيطرة المدنية على الضفة تعزز مخاوف انهيار السلطة

سموتريتش يشارك في يوم القدس الذي تحتفل به إسرائيل سنوياً بذكرى احتلالها المدينة في 5 يونيو عام 1967 (رويترز)
سموتريتش يشارك في يوم القدس الذي تحتفل به إسرائيل سنوياً بذكرى احتلالها المدينة في 5 يونيو عام 1967 (رويترز)

عزّز تسجيلٌ مسرّبٌ لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حول خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة المدنية على الضفة الغربية، اتهامات فلسطينية لإسرائيل بالعمل على تفكيك السلطة الفلسطينية، في ظل تحذيرات دولية وعربية وحتى إسرائيلية، من أن السلطة على وشك الانهيار بفعل الخطوات الإسرائيلية ضدها.

وقال سموتريتش، لأنصاره من المستوطنين، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها إسرائيل الضفة الغربية، بحسب تقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز» استشهد بتسجيل لزعيم «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف.

وقالت الصحيفة الأميركية إن التسجيل كان من حدث أُقيم في وقت سابق من الشهر، حيث قال سموتريتش، وهو أيضاً وزير إضافي في وزارة الدفاع، لمناصريه إن الهدف هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية.

وأضاف سموتريتش: «أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي ضخم. مثل هذه الأمور تغيّر الحمض النووي للنظام».

وأكد متحدث باسم سموتريتش صحة التسجيل الذي حصلت عليه الصحيفة من باحث في منظمة «سلام الآن» المناهضة للاستيطان، الذي كان حاضراً في الحدث الذي أُقيم في 9 يونيو (حزيران) الحالي.

سموتريتش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل التصويت على الميزانية في الكنيست في مايو العام الماضي (أ.ف.ب)

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة «أ» في الضفة الغربية، وتشارك الحكم في المنطقة «ب» مع إسرائيل التي تسيطر، من جهتها، على المنطقة «ج» وهي تشكل ثلثي مساحة الضفة.

وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية تسعينات القرن الماضي، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن الوضع تحوّل إلى دائم، قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات ممنهجة ضد السلطة أدت إلى إضعافها بشكل كبير.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» إن خطة سموتريتش ليست مفاجئة. وأضاف: «في الحقيقة، إن إسرائيل تعمل على تفكيك السلطة. إنهم يعملون بشكل واضح على جعل السلطة تنهار من تلقاء نفسها، وأي كلام آخر هو ذر للرماد في العيون».

وتابع المسؤول: «وصلنا إلى مرحلة يمكن القول فيها إنه إذا استمر الوضع نعم ستنهار (السلطة)».

بائع فاكهة في رام الله بالضفة الغربية يوم 9 يونيو الحالي (أ.ف.ب)

وتستعد الحكومة الإسرائيلية للتصويت على إجراءات عقابية جديدة تستهدف السلطة الفلسطينية، وتهدد بقاءها، في الوقت الذي ارتفع فيه مستوى التحذير، عالمياً ومحلياً، من إمكانية انهيار هذه السلطة.

ويقف سموتريتش خلف اتخاذ إجراءات عقابية أخرى ضد السلطة مثل إقامة مستوطنات، وشرعنة بؤر استيطانية، وإلغاء تصاريح الشخصيات المهمة للمسؤولين الفلسطينيين (VIP)، التي يمكنهم من خلالها التحرك بحرية نسبية، حتى خارج المناطق الفلسطينية، وإمكانية فرض عقوبات مالية إضافية ضد السلطة ومسؤوليها، وإبقاء منع دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، كما ينوي الاستمرار في منع تحويل الأموال إلى السلطة في رام الله.

وتعزز إجراءات سموتريتش نهجاً كان بدأه من فترة طويلة على طريق إضعاف وتفكيك السلطة الفلسطينية.

والشهر الماضي، قرر سموتريتش أنه لن يحوّل بعد الآن أموال المقاصة إلى السلطة، ولن يمدد التعويض للبنوك الإسرائيلية التي لديها معاملات مع بنوك فلسطينية، اعتباراً من نهاية الشهر المقبل، وذلك رداً على قرارات النرويج وإسبانيا وآيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين.

وقبل ذلك، احتجز سموتريتش بالكامل أموال المقاصة الفلسطينية وخصم من أموال الضرائب الخاصة بالسلطة لصالح عائلات إسرائيلية قُتل أفراد منها بهجمات فلسطينية.

وتقول السلطة الفلسطينية إن إجمالي الأموال المحتجزة من أموال المقاصة لدى إسرائيل وصل إلى 6 مليارات شيقل (الدولار 3.70 شيقل).

وتعاني السلطة الفلسطينية في الضفة من وضع مالي حرج دفعت معه نصف راتب فقط لموظفيها، قبل عيد الأضحى، على غرار الشهر الماضي.

ومنذ عامين تدفع السلطة رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري، بسبب اقتطاع إسرائيل نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية، تساوي الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل مقاتلين قضوا في مواجهات سابقة، وأسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى بدل أثمان كهرباء وخدمات طبية.

ويثير هذا الوضع مخاوف من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية في النهاية، وبالتالي إحباط إقامة دولة فلسطينية.

وقال سموتريتش في التسجيل الجديد: «هدفي وهدف الجميع هنا كما أظن، هو أولاً وقبل كل شيء منع إقامة دولة إرهاب في قلب أرض إسرائيل».

وفي التسجيل، وصف سموتريتش بشكل مطول كيفية تخطيطه لنقل السلطة من الجيش إلى المدنيين تحت سلطته في وزارة الدفاع، حيث حصل على صلاحيات واسعة بحسب ما طالب في الاتفاق الائتلافي.

وقال سموتريتش: «لقد أنشأنا نظاماً مدنياً»، مضيفاً أنه من أجل صرف الانتباه الدولي، سمحت الحكومة لوزارة الدفاع بالبقاء منخرطة في العملية.

وتابع: «سيكون من الأسهل تقبّل ذلك في السياقين الدولي والقانوني، حتى لا يقولوا إننا نقوم بالضم هنا».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب يوم 18 يونيو الحالي (أ.ف.ب)

وبحسب سموتريتش، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «معنا تماماً»، لكن مكتب نتنياهو ردّ، في بيان على تصريحات سموتريتش، قائلاً إن «الوضع النهائي لهذه المناطق سيتم تحديده من قبل الطرفين في مفاوضات مباشرة. هذه السياسة لم تتغير».

وجاء تقرير الجمعة عن التسجيل بعد أن كشفت الصحيفة الشهر الماضي عن وثيقة داخلية اتهم فيها رئيس القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته، اللواء يهودا فوكس، سموتريتش بتقويض جهود إنفاذ القانون الإسرائيلية لكبح جماح البناء الإسرائيلي غير القانوني في الضفة الغربية.

وكتب فوكس أن إنفاذ القانون على البناء غير القانوني قد تضاءل «إلى الحد الذي اختفى فيه»، مسلطاً الضوء على دور سموتريتش. وقال أيضاً إن سموتريتش وحلفاءه يعرقلون التدابير التي وعدت الحكومة المحاكم الإسرائيلية بتنفيذها، لكبح البناء غير القانوني في الضفة الغربية.

ويعيش في الضفة الغربية نحو 2.8 مليون فلسطيني ونحو 750 ألف مستوطن.


مقالات ذات صلة

الخارجية الفلسطينية: قرار إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب الجرائم

المشرق العربي قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)

الخارجية الفلسطينية: قرار إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب الجرائم

قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، اليوم الجمعة، إن قرار إسرائيل إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.

شؤون إقليمية  قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جرافات وآليات إسرائيلية تغلق شوارع مدينة جنين، خلال عملية عسكرية نفذتها القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي: مقتل 9 مسلحين في اشتباكات خلال مداهمة في جنين

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الخميس)، أن قواته نفذت «عمليات لمكافحة الإرهاب» في جنين، خلال اليومين الماضيين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية حول منشأة زراعية ومنزل بعد مداهمة قُتل خلالها 3 فلسطينيين في قباطية جنوب جنين بالضفة الغربية المحتلة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

التصعيد يعود إلى الضفة و«طنجرة الضغط» تقتل 3 فلسطينيين في جنين

قتل الجيش الإسرائيلي 3 فلسطينيين في جنين، شمال الضفة الغربية، في أحدث هجوم على المدينة، بعد هدوء نسبي أعقب سلسلة دامية من الهجمات.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على منظمة «أمانا» الإسرائيلية للاستيطان (أ.ب)

وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على منظمة استيطانية إسرائيلية

فرضت الولايات المتحدة اليوم الاثنين عقوبات على منظمة «أمانا» الاستيطانية الإسرائيلية متهمة إياها بالمساعدة في ارتكاب أعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.