كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن فحوى رسائل بعثها زعيم حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار، إلى الوسطاء خلال الأشهر الماضية، التي تفيد بأن «المزيد من القتال والوفيات بين المدنيين الفلسطينيين، يصبّان في مصلحته».
وقال السنوار في رسالة حديثة إلى مسؤولي «حماس»، الذين يسعون للتوسط في اتفاق مع المسؤولين القطريين والمصريين: «لدينا الإسرائيليون حيث نريدهم»؛ في إشارة إلى الضغط على إسرائيل.
وفي عشرات الرسائل - التي استعرضتها الصحيفة - التي نقلها السنوار إلى مفاوضي وقف إطلاق النار، أظهر السنوار استخفافاً بالحياة البشرية، وأوضح أنه يعتقد أن إسرائيل لديها الكثير لتخسره من الحرب.
وفي إحدى الرسائل الموجهة إلى قادة «حماس» في الدوحة، أشار السنوار إلى الخسائر المدنية في صراعات التحرير الوطني في دول مثل الجزائر، حيث مات مئات الآلاف من الأشخاص وهم يقاتلون من أجل الاستقلال عن فرنسا، قائلاً: «هذه تضحيات ضرورية».
وفي رسالة بتاريخ 11 أبريل (نيسان) إلى رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية بعد مقتل ثلاثة من أبناء هنية في غارة جوية إسرائيلية، كتب السنوار أن موتهم ومقتل الفلسطينيين الآخرين «سيبث الحياة في عروق هذه الأمة، ويدفعها إلى الارتقاء إلى مستوى أعلى من المجد والشرف».
وبحسب الصحيفة، فإنه رغم الجهود الشرسة التي بذلتها إسرائيل لقتله، فقد نجا السنوار وأدار جهود «حماس» الحربية بشكل دقيق، وقام بصياغة الرسائل إلى مفاوضي وقف إطلاق النار وتحديد متى تكثف الحركة هجماتها أو تتراجع عنها. ويبدو أن هدفه النهائي يتلخص في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يسمح لـ«حماس» بإعلان نصر تاريخي بالصمود أمام إسرائيل والمطالبة بقيادة القضية الوطنية الفلسطينية.
انضم السنوار إلى «حماس» في الثمانينات، وأصبح قريباً من مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، وأنشأ شرطة أمن داخلي قامت بمطاردة وقتل المخبرين المشتبه بهم، وفقاً لنص اعترافاته للمحققين الإسرائيليين في عام 1988.
تلقى السنوار عدة أحكام بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل وقضى 22 عاماً في السجن قبل إطلاق سراحه في صفقة مبادلة مع ألف فلسطيني آخرين في عام 2011 بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
ووفق الصحيفة، خلال المفاوضات بين إسرائيل و«حماس» بشأن تبادل شاليط، كان للسنوار تأثير في الضغط من أجل حرية الفلسطينيين الذين سجنوا بتهمة قتل إسرائيليين.
وأشارت الصحيفة إلى أن السنوار أراد إطلاق سراح حتى أولئك الذين شاركوا في التفجيرات التي أودت بحياة أعداد كبيرة من الإسرائيليين، وكان متطرفاً جداً في مطالبه، لدرجة أن إسرائيل وضعته في الحبس الانفرادي حتى لا يعرقل التقدم.
في وقت مبكر من الحرب، ركز السنوار على استخدام الرهائن كورقة مساومة لتأخير العملية البرية الإسرائيلية في غزة. وبعد يوم من دخول الجنود الإسرائيليين إلى القطاع، قال السنوار إن «حماس» مستعدة للتوصل إلى اتفاق فوري لتبادل الرهائن لديها مقابل إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل. لكن السنوار أخطأ في قراءة رد فعل إسرائيل على عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول).
وبحسب الصحيفة، يبدو أن السنوار أساء أيضاً تفسير الدعم الذي كانت إيران و«حزب الله» اللبناني على استعداد لتقديمه. وعندما سافر هنية ونائبه صالح العاروري إلى طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) لعقد اجتماع مع المرشد الإيراني علي خامنئي، قيل لهما إن طهران تدعم «حماس» لكنها لن تدخل في الصراع.
قال إيهود ياري، المعلق الإسرائيلي الذي يعرف السنوار منذ أيامه في السجن: «لقد ضللوه جزئياً، كما ضلل نفسه جزئياً... لقد كان محبطاً للغاية».
وقال مسؤولون عرب تحدثوا إلى «حماس» إنه بحلول نوفمبر، بدأت القيادة السياسية للحركة تنأى بنفسها عن السنوار سراً، قائلة إنه شن هجمات 7 أكتوبر دون إخبارهم.
وبينما قام الجيش الإسرائيلي بسرعة بتفكيك التنظيم العسكري للحركة، بدأت القيادة السياسية لـ«حماس» في الاجتماع مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في أوائل ديسمبر (كانون الأول) لمناقشة المصالحة وخطة ما بعد الحرب.
وانتقد السنوار في رسالة بعث بها إلى القادة السياسيين النهاية، ووصفها بأنها «مخزية وشائنة». وأضاف: «طالما أن المقاتلين ما زالوا صامدين ولم نخسر الحرب، فيجب إنهاء هذه الاتصالات على الفور... لدينا القدرة على مواصلة القتال لأشهر».
وفي الثاني من يناير (كانون الثاني)، قُتل العاروري بغارة إسرائيلية في بيروت، وبدأ السنوار في تغيير طريقة تواصله، حسبما قال مسؤولون عرب. وقالوا إنه استخدم أسماء مستعارة ونقل الملاحظات فقط من خلال عدد قليل من المساعدين الموثوقين وعبر الرموز، وقام بالتبديل بين الرسائل الصوتية إلى الوسطاء والرسائل المكتوبة.