أداء «مشجّع» لمؤشرات مالية لبنانية رغم ضغوط حرب الجنوب

أبرزها الصعود المفاجئ لأسعار سندات «اليوروبوندز»

من المؤشرات الإيجابية مواصلة مصرف لبنان جهوده لإعادة تكوين احتياطي العملات الأجنبية (رويترز)
من المؤشرات الإيجابية مواصلة مصرف لبنان جهوده لإعادة تكوين احتياطي العملات الأجنبية (رويترز)
TT

أداء «مشجّع» لمؤشرات مالية لبنانية رغم ضغوط حرب الجنوب

من المؤشرات الإيجابية مواصلة مصرف لبنان جهوده لإعادة تكوين احتياطي العملات الأجنبية (رويترز)
من المؤشرات الإيجابية مواصلة مصرف لبنان جهوده لإعادة تكوين احتياطي العملات الأجنبية (رويترز)

يشهد القطاع المالي في لبنان مزيداً من المؤشرات المشجعة نسبياً، قياساً للانكماش الاقتصادي الناجم عن ارتفاع منسوب المخاطر التي زادها احتدام المواجهات العسكرية المتواصلة في الجنوب.

وشملت المعطيات المستجدة الصعود المتتالي والمفاجئ بتوقيته، خلال الأيام الماضية، لأسعار سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) المصدرة من الحكومة، لتصل إلى نحو 7.3 سنت لكل دولار، بحيث اقتربت من استعادة التحسن النسبي الذي طرأ على تداولاتها السوقية وأوصلها إلى عتبة 8 سنتات للدولار، عشية اندلاع الحرب التي توشك على إكمال شهرها الثامن.

اهتمام متجدد بالأوراق المالية الحكومية

ووفقاً لمصادر مصرفية معنية تواصلت معها «الشرق الأوسط»، فإن كثيراً من البنوك العالمية والشركات الاستثمارية تعود تباعاً للاهتمام بالأوراق المالية الحكومية، ما يشي باحتمالات زيادة الطلب على حيازتها بأسعارها المتدنية التي لا تتعدى 8 في المائة من قيمتها الاسمية، مع ربط غير خفي للقرار الاستثماري بمنحى الحرب في الجنوب أساساً، ثم بترقب مبادرة الحكومة إلى فتح ملف المفاوضات المباشرة مع الدائنين.

وبالتوازي، تظهر الإحصاءات المحدثة استمرار الأداء الإيجابي في بيانات ميزان المدفوعات، مع تحقيق فائض ناهز 450 مليون دولار في نهاية الفصل الأول من العام الحالي، يضاف إلى الفائض البالغ نحو 2.24 مليار دولار بنهاية العام الماضي، ما يسهم جزئياً بردم الهوة السحيقة للعجز التراكمي في سنوات الانهيار، والتي ناهزت حصيلتها المجمعة نحو 20 مليار دولار، وتخلّلها إشهار الحكومة السابقة في ربيع عام 2020 تعثر الدولة عن إيفاء ديونها السيادية البالغة حينها نحو 31 مليار دولار.

ويتوقع ألا يشهد مشروع قانون موازنة العام المقبل أي عجز بين الإيرادات والنفقات الحكوميّة، من خلال تطبيق إصلاحات ماليّة طموحة، خصوصاً تلك المتعلّقة بتحسين الإيرادات لتلبية الاحتياجات الاجتماعيّة واحتياجات البنى التحتيّة، وفق ما أبلغت وزارة المال بعثة صندوق النقد الدولي، والتعهد بإنجازه مبكراً وإقراره في مجلس الوزراء، ورفعه في موعده الدستوري خلال الخريف المقبل إلى مجلس النواب.

إعادة تكوين احتياطي العملات الأجنبية

وإذ يعكس الاستقرار النقدي المشهود على مدار يقارب السنة الكاملة في سعر صرف ثابت للدولار الأميركي عند مستوى 89.5 ألف ليرة، تستكمل السلطة النقدية سياسة إعادة تكوين احتياطيات العملات الأجنبية بوتيرة يبلغ متوسطها نحو 120 مليون دولار شهرياً، وبحصيلة تراكمية قاربت 1.2 مليار دولار خلال 10 أشهر، بعد تسلم وسيم منصوري في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي مهام الحاكم بالإنابة للبنك المركزي.

وتشير مصادر معنيّة إلى أن تقلص التدفقات الدولارية الواردة، خصوصاً السياحية منها، بسبب المخاوف من توسع الحرب، حال عملياً دون استهداف مضاعفة الزيادات المحقّقة في الاحتياطيات، كأنه انعكاس تلقائي لاستعادة البنك المركزي حضوره المحوري والرئيسي في أسواق القطع، عبر الضبط المحكم للكتلة النقدية بحدود 60 تريليون ليرة في التداول، أي ما يقل عن 700 مليون دولار، ونجاحه بالتالي في لجم المضاربات على العملة الوطنية، وكذلك المساهمة في ضبط الإنفاق العام بحدود تقارب 260 مليون دولار شهرياً، بما يشمل تغطية كامل الرواتب والملحقات لموظفي القطاع العام بالدولار النقدي.

وبرز في نطاق تثمين هذه الإشارات، تنويه بعثة صندوق النقد الدولي بأنّ التدابير التي اتخذتها وزارة المال والبنك المركزي، مثل وقف تمويل الموازنة، وتعليق العمل بمنصّة «صيرفة»، والسياسة الماليّة المتشدّدة وتوحيد سعر الصرف، قد ساعدت في لجم تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، وفي استقرار الكتلة النقديّة بالليرة وتخفيف نسب التضخّم.

كما رصد تقرير مصرفي دوري تحقيق شبه توأمة بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي نتج عنه خفض للتضخم، في ظل تصفير العجز المالي، وتحقيق شبه توازن في الحسابات الخارجية، واستمرار نمو الاحتياطيات السائلة من النقد الأجنبي، إذ بلغت هذه الاحتياطيات زهاء 9.8 مليار دولار في منتصف الشهر الماضي، بنمو بلغت أرقامه 440 مليون دولار منذ بداية العام الحالي.

تقرير «غولدمان ساكس»

وتشير المصادر إلى الوقائع المشجعة التي أوردها أخيراً التقرير الخاص الصادر عن بنك الاستثمار الأميركي «غولدمان ساكس»، وفي مقدمها التنويه بأن المؤشرات الاقتصادية في لبنان تظهر بعض علامات الاستقرار، على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها البلاد حالياً. غير أنه لفت في الوقت عينه إلى أن التحديات الاقتصادية لا تزال كبيرة بصفة عامة، ولا سيما لناحية استمرار التأثير السلبي للحرب في قطاع غزة على تدفقات السياحة، التي انخفضت بمقدار الثلث تقريباً عن مستواها السابق لاندلاع المواجهات في الجنوب اللبناني.

ولاحظ تقرير البنك أيضاً أن استقرار العملة الوطنية، بعد خفض قيمتها وتوحيد سعر الصرف العام الماضي، أسهم في تخفيف الضغوط التضخمية الداخلية، إذ تراجع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 70 في المائة على أساس سنوي في مارس (آذار) الماضي (تدنت بنهاية شهر أبريل (نيسان) إلى 60 في المائة)، كما أسهم ذلك في تحفيز تدفقات تحويلات العاملين في الخارج، والحد من الواردات، وتحسين ميزان المدفوعات، وأدى إلى زيادة طفيفة في احتياطي النقد الأجنبي.


مقالات ذات صلة

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
TT

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي

على الرغم من خلو جدول أعمال جلسة البرلمان العراقي المقررة الاثنين من أي بند يتعلق بالضربة الإسرائيلية المحتملة على العراق، أفادت مصادر برلمانية بأن الجلسة ستشهد مناقشة هذا الموضوع في جلسة سرية.

وتسود الأوساط الرسمية والشعبية العراقية مخاوف متزايدة من احتمال وقوع الضربة في أي لحظة، وسط تداول واسع لعشرات الأهداف المحتملة للقصف، ويتبع معظمها فصائل مسلحة، بما في ذلك محطات فضائية مملوكة لهذه الفصائل.

وفي ظل غياب موقف رسمي حكومي واضح حيال التهديدات الإسرائيلية، خاصة بعد المذكرة التي وجهتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة والتي تضمنت شكوى ضد العراق، هي الأولى منذ قصف مفاعل «تموز» العراقي عام 1981 خلال الحرب العراقية - الإيرانية؛ صرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأن التهديدات الإسرائيلية أصبحت أكثر جدية من أي وقت مضى.

البرلمان العراقي الذي استأنف فصله التشريعي قبل أسبوعين عقب انتخاب رئيس جديد له، فشل في عقد جلسة بسبب الخلافات حول ما يُعرف بـ«القوانين الجدلية»، مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقضية عائدية العقارات إلى أصحابها الأصليين. إلا أن تصاعد مخاطر التهديدات الإسرائيلية ضد العراق دفع البرلمان إلى عقد جلسة يوم الاثنين، تضمنت بنوداً عادية دون التطرق إلى القوانين الخلافية.

وفي حين لم تتضح بعد طبيعة النقاشات التي سيجريها البرلمان، أو ما إذا كانت ستُتخذ قرارات محددة، أكدت رئاسة البرلمان أن أي قرارات تصدر ستكون داعمة لجهود الحكومة.

صمت على جبهة الفصائل

في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتخاذ قرارات صارمة لحفظ سيادة البلاد، التزمت الفصائل المسلحة الموالية لإيران الصمت منذ أيام. وكان السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قد أصدر أوامر صارمة بشأن التعامل مع أي ضربات صاروخية قد تنفذها الفصائل المسلحة التي دأبت على توجيه ضربات من الأراضي العراقية نحو إسرائيل.

ووفقاً لتعليمات السوداني، فإن مسؤولية إطلاق أي صاروخ تقع على عاتق القطعات العسكرية الماسكة للأرض، والتي ستتحمل تبعات ذلك.

وبينما يسود الصمت جبهة الفصائل المسلحة، تشير الأوساط السياسية العراقية إلى أن هذا الصمت يأتي بناء على أوامر إيرانية بالتزام الهدوء، خاصة بعدما وضعت إسرائيل إيران على قائمة أهدافها المحتملة في المستقبل القريب، رغم إشارات السلام التي بدأ كبار المسؤولين الإيرانيين بإصدارها.

وقال الباحث في الشأن السياسي الدكتور سيف السعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الحرب والسلم يجب أن يُتخذ ضمن المؤسسات الدستورية وفق المادة (61) من الدستور، عبر تقديم طلب من رئيس مجلس الوزراء وتصويت أغلبية أعضاء البرلمان ومصادقة رئيس الجمهورية، وبالتالي إعلان حالة الطوارئ».

وأضاف السعدي أن «الخطورة تكمن في أن الفصائل المسلحة غير مكترثة بتحذيرات رئيس الوزراء، وسيؤدي ذلك إلى تداعيات خطيرة على المدى المنظور، منها قد تكون اغتيالات لشخصيات ومعسكرات ومقرات تابعة لفصائل المقاومة».

وتوقع السعدي أن «يشهد العراق عمليات إسرائيلية قبل نهاية العام؛ مما قد يعقّد الوضع، خاصة أن العراق يقع في محيط إقليمي حساس وملتهب؛ مما سيؤدي إلى ارتدادات كبيرة داخل النظام السياسي العراقي».

وفيما يتعلق باتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بحماية النظام السياسي العراقي، أوضح السعدي أن «الاتفاقية تهدف إلى الحفاظ على النظام السياسي وحماية مؤسسات الدولة والديمقراطية في العراق. ومن منظور الولايات المتحدة، تُعتبر الفصائل المسلحة خارج المؤسسات الرسمية؛ مما قد يوفر لإسرائيل مبرراً لضرب العراق بزعم أنها تدافع عن نفسها».

والجدير بالذكر أن فصائل «المقاومة» قد استهدفت إسرائيل خلال شهرَي أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بأكثر من مائة هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة؛ مما دفع الولايات المتحدة للتدخل عدة مرات للوساطة مع الحكومة العراقية بهدف منع الفصائل من توجيه ضربات أخرى إلى إسرائيل.