كيف يستغل نتنياهو تهمة معاداة السامية لإسكات منتقدي إسرائيل؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
TT

كيف يستغل نتنياهو تهمة معاداة السامية لإسكات منتقدي إسرائيل؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

قالت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهم أكثر من مرة خلال الحرب على غزة منتقدي إسرائيل أو سياساته بمعاداة السامية، مستخدماً خطاباً نارياً لمقارنتهم بأسوأ مضطهدي الشعب اليهودي.

وفي المقابل قال منتقدو نتنياهو إنه يبالغ في استخدام هذا المصطلح لتعزيز أجندته السياسية ومحاولة خنق حتى النقد المشروع، وأضافوا أن القيام بذلك يخاطر بإضعاف معنى المصطلح.

وأشارت وكالة الأنباء إلى أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعدما سعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه وكبار مسؤولي «حماس»، اتهمه نتنياهو بأنه أحد «أعظم معادي السامية في العصر الحديث»، وبينما اجتاحت الاحتجاجات الجامعات في الولايات المتحدة بسبب حرب غزة، قال نتنياهو إنها مليئة بـ«الغوغاء المعادين للسامية».

وبحسب الوكالة، كان هناك ارتفاع في الحوادث المعادية للسامية منذ أن هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للباحثين.

وأعادت الحرب إشعال الجدل الطويل حول تعريف معاداة السامية وما إذا كان أي انتقاد لإسرائيل -بدءاً من قتل جيشها لآلاف الأطفال الفلسطينيين إلى التساؤلات حول حق إسرائيل في الوجود- يرقى إلى مستوى خطاب الكراهية المناهض لليهود.

ولطالما استخدم نتنياهو معاناة الشعب اليهودي لتلوين خطابه السياسي ومن المؤكد أنه ليس أول زعيم متهم باستخدام الصدمة الوطنية لتحقيق أهداف سياسية.

ويقول أنصار نتنياهو إنه قلق بصدق على سلامة اليهود في جميع أنحاء العالم لكن اتهاماته بمعاداة السامية تأتي في الوقت الذي تجنب فيه مراراً وتكراراً المساءلة لعدم منع هجوم «حماس» في 7 أكتوبر.

قوات إسرائيلية خلال حرب غزة (أ.ف.ب)

وقال المؤرخ الإسرائيلي توم سيجيف: «ليس كل انتقاد ضد إسرائيل معادياً للسامية وفي اللحظة التي تقول فيها إنها كراهية معادية للسامية فإنك تجرد الانتقاد من كل شرعية وتحاول سحق النقاش».

وفي ذروة الاحتجاجات الأميركيّة، أصدر نتنياهو بياناً مصوراً يدين معاداة السامية «غير المعقولة» ويقارن المعسكرات المتزايدة في ساحات الجامعات بألمانيا النازية في الثلاثينات. وأضاف: «ما يحدث في حرم الجامعات الأميركية أمر مروع».

ورداً على طلب خان لإصدار أوامر الاعتقال، قال إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية «يصب البنزين بقسوة على نيران معاداة السامية التي تستعر في جميع أنحاء العالم»، مقارناً إياه بالقضاة الألمان الذين وافقوا على قوانين النازية ضد اليهود.

وأثارت هذه التصريحات توبيخاً من منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. وقال: «لقد تعرض المدعي العام للمحكمة للترهيب الشديد واتُهم بمعاداة السامية – كما هو الحال دائماً عندما يفعل أي شخص شيئاً لا تحبه حكومة نتنياهو».

وقد قارن نتنياهو الاتهامات بأن الحرب الإسرائيلية تسبب المجاعة في غزة أو أن الحرب هي إبادة جماعية باتهام اليهود بأنهم ضحوا بأطفال مسيحيين واستخدموا دماءهم لصنع فطير لعيد الفصح وقال في حفل بمناسبة يوم ذكرى المحرقة في إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر: «هذه الاتهامات الباطلة لا توجه ضدنا بسبب الأشياء التي نقوم بها، ولكن بسبب الحقيقة البسيطة المتمثلة في أننا موجودون».

وقد سبق أن أشار نتنياهو مراراً وتكراراً إلى المحرقة أثناء محاولته حشد العالم ضد البرنامج النووي الإيراني كما أجرى القادة الإسرائيليون ووسائل الإعلام مثل هذه المقارنات في 7 أكتوبر، حيث وصفوا عناصر «حماس» بالنازيين، وقارنوا هجومهم بالعنف التاريخي الذي تعرض له يهود أوروبا الشرقية.

وبحسب الوكالة، أصيب الإسرائيليون بالصدمة جراء الارتفاع العالمي في معاداة السامية، ويرى الكثيرون أن تضخم الانتقادات ضد إسرائيل هو جزء من هذا الارتفاع. وهم يرون نفاقاً في تركيز العالم المكثف على الحرب التي تخوضها إسرائيل مع «حماس»، في حين تحظى الصراعات الأخرى بقدر أقل من الاهتمام.

وقال موشيه كلوجافت، المستشار السابق لنتنياهو، إنه يعتقد أنه يشعر بقلق حقيقي إزاء تصاعد معاداة السامية وأن «من واجبه إدانة معاداة السامية كرئيس لوزراء إسرائيل وكرئيس لدولة تعتبر نفسها مسؤولة عن يهود العالم».

وقال رؤوفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، إنه عندما يعتمد نتنياهو على اتهامات بمعاداة السامية، فإنه يفعل ذلك مع وضع الجمهور الإسرائيلي في الاعتبار.

وأضاف أن «نتنياهو استغل الاحتجاجات في الجامعات الأميركيّة، على سبيل المثال، لجعل الإسرائيليين يلتفون حوله في وقت انخفض فيه دعمه الشعبي ونفد صبر الإسرائيليين من الحرب واستخدم الاحتجاجات أيضاً ككبش فداء لفشله حتى الآن في تحقيق هدفي الحرب: تدمير (حماس) وتحرير الرهائن».

وقال: «إنه يصرف اللوم عن نفسه، ولا يعزو أي تقصير إلى سياساته الخارجية أو سياساته في الأراضي الفلسطينية، بل إلى معاداة السامية هذه الرواية تفيده كثيراً، وتعفيه من المسؤولية».


مقالات ذات صلة

أميركا تحمّل «حزب الله» مسؤولية الهجوم على الجولان

الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أ.ف.ب)

أميركا تحمّل «حزب الله» مسؤولية الهجوم على الجولان

قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تحمل «حزب الله» اللبناني مسؤولية الهجوم الصاروخي الذي أدى إلى مقتل 12 طفلاً وفتى بهضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل أمس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا امرأة فلسطينية تبكي عقب مقتل قريب لها في غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة (رويترز)

اجتماع «روما الرباعي» يواجه تمسك إسرائيل بـ«فيلادلفيا»

رأى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن نتنياهو يريد إطالة المفاوضات لجني «مكاسب شخصية»، و«جولة روما» لن تكون الأخيرة التي ترى تلك «العراقيل».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

القوات الإسرائيلية تتوغل في جنوب غزة... ومزيد من النزوح

توغلت دبابات إسرائيلية في مناطق أكثر عمقاً بجنوب قطاع غزة، الأحد، مع احتدام القتال ضد مقاتلي حركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي مجدل شمس تشيّع أطفالها الذين قضوا في قصف على ملعب كرة قدم في البلدة (متداولة)

إدانة لبنانية لاستهداف المدنيين... وواشنطن تسعى للجم التهديد الإسرائيلي

أجمعت الأطراف اللبنانية على إدانة استهداف مدنيين في بلدة مجدل شمس، كما نفى «حزب الله» علاقته بالحادث، بينما تكثفت الاتصالات الدولية لمنع الانزلاق إلى حرب موسعة.

محمد شقير (بيروت)
الولايات المتحدة​ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر (أ.ف.ب)

زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ الأميركي: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها

قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

TT

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

جدّدت إسرائيل مخاوفها من شبكة الأنفاق التي يمتلكها «حزب الله» في جنوب لبنان، واحتفاظه بها كواحدة من أهم أوراقه الرابحة، وذلك في ذروة التهديد بحرب واسعة على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية.

يمكن عطف هذه المخاوف على التقارير الأمنية، وآخرها ما نشرته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، في 21 فبراير (شباط) الماضي، وكشفت فيه أن «(حزب الله) اللبناني لديه شبكة أنفاق سرية أكثر تطوراً من تلك التي لدى (حماس) في غزة». وقالت إن الحزب «يمتلك أنفاقاً يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل، وربما أبعد من ذلك، وصولاً إلى سوريا»، في وقت وصفها خبراء بأنها ستتحول «إلى مستنقع للجيش الإسرائيلي إذا ما قرر اجتياح جنوب لبنان».

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد الدكتور حسن جوني، أن «شبكات الأنفاق الموجودة لدى (حزب الله) كما حركة (حماس)، تقع ضمن الاستراتيجية الخاصة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، كونها تؤمّن وسيلة انتقال محمي وآمن». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات الأنفاق ساهمت في إنشاء توازن بين باطن الأرض والسماء لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، ما جعل القتال عمودياً أكثر منه أفقياً».

ويقول جوني، الذي كان يشغل منصب قائد كليّة القيادة والأركان في الجيش اللبناني، إن «استراتيجية الأنفاق تعدّ من أهم أوراق القوة التي يحتفظ بها (حزب الله) وتضمن له حرية المناورة تحت الأرض»، معتبراً أن «شبكات الأنفاق الأخطبوطية تم حفرها بشكل يجعلها تتكامل مع العمليات العسكرية فوق الأرض، خصوصاً لجهة نقل المقاتلين والأسلحة والصواريخ إلى نقاط أخرى تشكل مفاجآت صادمة في الميدان».

شبكة أنفاق إقليمية

وأشار مركز «ألما» للأبحاث، الذي يركّز على التهديدات الشمالية، إلى أنه «بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، أنشأ (حزب الله)، بمساعدة الكوريين الشماليين والإيرانيين، مشروعاً لتشكيل شبكة من الأنفاق الإقليمية في لبنان، وهي شبكة أكبر من (مترو حماس)»، معتبراً أن «جنوب لبنان ليس غزّة، حيث لديه نوع مختلف من التضاريس، بما في ذلك التلال الصخرية والوديان، وبالتالي التقديرات الإسرائيلية لا تتقبل مجرد فكرة أن (حزب الله) نجح في حفر أنفاق حتى 10 كيلومترات في العمق الإسرائيلي، إذ إن مثل هذا الأمر يحتاج إلى جهود خارقة، فالحديث هنا عن أرض صخرية صلبة وجبال، والنجاح في حفرها سيكون (فضيحة عسكرية) وليس إخفاقاً عادياً».

من جولات القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان (رويترز)

عند كلّ مواجهة مع «حزب الله»، تحدد إسرائيل بنك أهدافها، وتزعم أنه مواقع عسكرية أو منصات صواريخ أو مخازن أسلحة، لكنها تبقى عاجزة عن امتلاك خريطة الأنفاق أو توفر معلومات كافية عنها. ويعبّر الخبير العسكري حسن جوني عن اعتقاده بأن الحزب «بنى أنفاقه بطريقة متطورة جداً، لتصبح جزءاً مهماً من منظومته الدفاعية، خصوصاً أنه بناها في ظروف مريحة، وضمن بيئة جغرافية ملائمة، بخلاف قطاع غزّة الذي لطالما كان محاصراً ومراقباً أمنياً وجوياً بشكل متواصل». ويعتقد أن الحزب «استفاد من خبرات واسعة في مجال حفر الأنفاق، ويتردد أنه استفاد من وسائل حفر متطورة، ربما تكون استقدمت من كوريا الشمالية، وهذا سيضاعف حتماً من قدرته على مقارعة إسرائيل، حيث تساهم الأنفاق بتطوير عمليات حرب العصابات». ولا يستبعد جوني «إمكانية استخدام هذه الأنفاق لتنفيذ عمليات هجومية، وليس دفاعية فقط، أي أن هناك احتمالاً أن يكون لها امتداد إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة».

شبكة نقل آمنة

بخلاف الإعلام العسكري لدى «حماس»، الذي أطلق حملة دعائية مصورة عن أهمية الأنفاق، لم يتبع «حزب الله» هذا الأسلوب، رغم ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية والتلويح باجتياح برّي لجنوب لبنان، وهو ما عزّز قناعة الخبراء والمتابعين بعدم امتلاك إسرائيل معلومات كافية عنها، وتخشى مفاجآت بشأنها. ويشير مدير مؤسسة «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري»، الدكتور رياض قهوجي، إلى أن «كل المعلومات والمعطيات تفيد بأن (حزب الله) لديه شبكة أنفاق كبيرة، تتيح له التنقّل بأمان تحت الأرض، في ظلّ امتلاك إسرائيل تفوقاً جوياً كبيراً يجعلها قادرة على رصد أي ترك فوق الأرض».

ويقول قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «كلما كبرت الأنفاق وسمحت بعبور الآليات والسيارات داخلها، كما ازدادت أهميتها، وكما شاهدنا في غزّة كيف أن الأنفاق تربط منطقة بأخرى، وأن هناك أنفاقاً تستخدم لتخزين الأسلحة، وبعضها لتصنيع الأسلحة، والبعض الآخر تحول إلى مراكز لإطلاق الصواريخ، فإن (حزب الله) لديه شبكة أكبر وأكثر تطوراً وتعقيداً».

سفراء يجولون في أحد الأنفاق الحدودية التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

أنفاق قتالية

لا يغفل قهوجي، وهو خبير في شؤون الأمن والتسلّح، الدور الذي تلعبه الأنفاق إذا ما قامت إسرائيل باجتياح برّي، متحدثاً عن «وجود أنفاق قتالية على الخطوط الأمامية للمواجهة، يستخدم أغلبها في العمليات التكتيكية ونصب الكمائن، وهذا سيفاقم من تكلفة الخسائر البشرية لدى الجيش الإسرائيلي». ويضيف قهوجي: «صحيح أن إسرائيل تملك قدرات عسكرية هائلة لتنفيذ هجوم برّي، لكنها بالتأكيد تحسب ألف حساب للتكلفة الكبيرة التي ستدفعها، وبالتأكيد ستكون الأنفاق مستنقعها الأكبر لأن (حزب الله) سيستخدمها بحرفية قتالية كبيرة».