«الشرق الأوسط» في قلب مخيم جباليا ترصد الدمار الهائل بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي

محو مربعات سكنية بأكملها ومراكز طبية وتموينية وتدمير آبار المياه

TT

«الشرق الأوسط» في قلب مخيم جباليا ترصد الدمار الهائل بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي

عائدون لتفقد مساكنهم في مخيم جباليا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (الشرق الأوسط)
عائدون لتفقد مساكنهم في مخيم جباليا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«ما ضل النا حياة هان، دمّروا كل حاجة»، تقول سعاد إسماعيل (أم فادي) من سكان مخيم جباليا، بعد عودتها لتفقد بيتها في قلب المخيم، الذي وجدته مجرد حجارة في كومة ركام كبيرة.

وكانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت، صباح الخميس، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بعد عملية عسكرية واسعة سيطرت فيه على جميع مناطق المخيم الذي اقتحمته في الثاني عشر من مايو (أيار) الحالي.

انسحب الجيش الإسرائيلي من مخيم جباليا فعاد سكانه لتفقد مساكنهم (الشرق الأوسط)

«الشرق الأوسط» رصدت مشاهد من التدمير الهائل الذي تسبب في محو مربعات سكنية بأكملها وطال آلاف المنازل والمباني في المخيم، بما في ذلك مراكز الإيواء، والمراكز الطبية والتموينية التابعة للأمم المتحدة، و«أونروا»، وآبار المياه التي كانت الأخيرة تشرف على تشغيلها لتزويد المواطنين بالماء.

وما أن تواردت أنباء انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المخيم، حتى هبّ الآلاف من سكانه عائدين لتفقد المكان الذي يضم بيوتهم وذكرياتهم وحاضرهم. ومن بينهم أم فادي التي فوجئت أن مربعاً سكنياً كاملاً تقطن فيه مع 3 من أبنائها وعائلاتهم، قد دُمّر عن بكرة أبيه ولم يبقَ منه شيء.

قالت أم فادي لـ«الشرق الأوسط»، «ابني وحفيدي استشهدا خلال الاقتحام الأول للمخيم، والآن في الاقتحام الجديد بيتنا دمّروه، ودمروا كل بيوت جيراننا، حتى المدارس تم إحراقها وتدمرت أجزاء كبيرة منها. اللي صار إنهم دمروا كل اشي. محو المخيم تماماً».

ويعد مخيم جباليا أحد أكثر المناطق اكتظاظاً وحيوية في شمال القطاع، وكان قبل اقتحامه الأخير، ملجأً للنازحين الفارين من قصف إسرائيلي طال مناطق أخرى، باعتباره منطقة تجارية كذلك لم تتضرر إلى حد كبير.

مخيم جباليا... دمار خلّفه اجتياح إسرائيلي (الشرق الأوسط)

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في بداية العملية العسكرية، أن الهدف من اقتحامه المخيم هو منع «حماس» من توطئة نفسها وحكمها بعد أن حاولت ترتيب صفوفها في المخيم مجدداً، لكن على الأرض يمكن ملاحظة أنهم دمروا كل شيء إلا «حماس».

من سكان المخيم العائدين لتفقد المكان، منير المصري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «العملية واضحة. هدفها ونتائجها واضحة. دمّروا بيوتنا وآبار المياه والعيادات الصحية والمدارس، مش (حماس) ومقدراتها، حتى مقرات (أونروا) أحرقها ودمرها الاحتلال، ولم يتبق منها شيء».

أضاف المصري «إنهم ينتقمون من المخيم. ينتقمون من جباليا التي فشلوا أمامها منذ زمن طويل، قبل الانتفاضة الأولى وبعد أن أطلق شرارة الانتفاضة وفي الحروب اللاحقة واليوم، بعدما فشل في مواجهة المقاتلين، الاحتلال أراد الانتقام من جباليا».

وواجهت إسرائيل في جباليا مقاومة شرسة للغاية، وصفت بأنها الأعنف منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، باعتراف الجيش الإسرائيلي الذي قُتل وأُصيب الكثير من جنوده في سلسلة عمليات، منها تفجير أنفاق، كذلك تدمرت له دبابات بصواريخ مضادة للدروع وغيرها من الأسلحة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل المئات من المسلحين التابعين لـ«حماس»، والفصائل الأخرى، وعثر على 7 جثث لأسرى إسرائيليين خلال عمليتين منفصلتين داخل أنفاق جباليا.

وخلال العملية العسكرية، جرفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مقبرة الفالوجا المركزية بالمخيم، كما جرفت وأحرقت السوق المركزية والشعبية وسط مخيم جباليا.

وأعلنت «القسام» قتل جنود وتفجير دبابات وأسر أحد الجنود في القتال في جباليا.

وتعمدت إسرائيل إلى جانب تدمير المخيم، ضرب مقومات الحياة فيه.

قال محمود المقيد، أحد كبار التجار في المخيم، لـ«الشرق الأوسط»: «جميع المحال دُمرت أو أُحرقت، في تعمد واضح من جيش الاحتلال لإخفاء معالم الحياة هنا». أضاف: «خسائر التجار وأصحاب المحلات والبسطات الصغيرة في المخيم وفي الأسواق، كبيرة جداً».

وشوهدت الخميس طواقم الدفاع المدني والكوادر الطبية تحاول تطويق الدمار الكبير، وانتشال عدد كبير من الضحايا داخل أزقة وشوارع المخيم، بينما لا يزال العشرات تحت أنقاض منازل مدمرة.

وبحسب الدفاع المدني في قطاع غزة، فإن طواقمه بدأت «بإخلاء عشرات الشهداء، وتحاول بمعدات بسيطة البحث عن شهداء تحت الأنقاض».

آثار حياة كانت هنا في مخيم جباليا شمال غزة (الشرق الأوسط)

وقالت نيرمين المبحوح التي فقدت 3 من أشقائها، «لقد قتلوهم عن عمد». أضافت متحدثة لـ«الشرق الأوسط»: «قتلوا كل شخص بقي في المخيم».

وعثرت المبحوح مع أفراد من عائلتها على جثامين أشقائها أمام باب منزلهم، حيث كانوا جثثاً شبه متحللة. تقول: «واضح أنهم أعدموهم فيما كانوا يحاولون الخروج. وحتى مقبرة الفالوجا اللي كنا ندفن فيها أحبتنا جرفوها، والآن مش عارفين وين راح ندفنهم».

وفي حين كان آلاف العائدين يعاينون الدمار الكبير وخسارة الأحبة، تعمدت قوات الاحتلال استهدافهم بطائرات مسيرة، وبالمدفعية، فقتلت المزيد من المدنيين.


مقالات ذات صلة

سموتريتش يدعو النائب العام الإسرائيلي لمنع الإضراب العام غداً

شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)

سموتريتش يدعو النائب العام الإسرائيلي لمنع الإضراب العام غداً

طلب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من النائب العام تقديم طلب عاجل للمحاكم لمنع الإضراب المقرر غداً الاثنين، الذي يهدف إلى الضغط على حكومة نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

الديمقراطيون في أميركا يحثّون على التوصل لهدنة في غزة

جدّد عدد من المشرّعين من الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة، الأحد، دعواتهم لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» بعد مقتل 6 رهائن في نفق بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أحد أفراد قوات الأمن الإسرائيلية يحاول إخراج مشارك في مظاهرة خارج مكتب رئيس الوزراء في القدس طالبت بالعودة الفورية للرهائن في غزة (رويترز)

هل تغيرت تعليمات احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة؟

سلّطت الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل و«حماس» حول التسبب في قتل المختطفين الإسرائيليين الستة الضوء على ظروف احتجازهم وطبيعة التعليمات المعطاة للمكلفين بحراستهم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون منازلهم شرق دير البلح وسط قطاع غزة بحثاً عن أشياء يمكن انتشالها من بين الأنقاض (أ.ف.ب)

«مقتل رهائن» و«ضغوط الداخل» الإسرائيلي... هل يعجّلان «هدنة غزة»؟

فجَّر إعلان إسرائيل العثور على جثث رهائن بقطاع غزة موجة احتجاجات واسعة؛ رفضاً لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية جانب من جنازة ألموغ ساروسي في مدينة رعنانا الإسرائيلية اليوم (أ.ف.ب)

إسرائيل: الرهائن قتلوا من مسافة قريبة جداً بين الخميس وصباح الجمعة

أفادت وزارة الصحة الإسرائيلية بأن التشريح الذي أجري صباح اليوم (الأحد) لجثث الرهائن الـ6 أظهر أنهم قتلوا «من مسافة قريبة جداً بين الخميس وصباح الجمعة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

وفاة سجين في «رومية» تحيي قضية «الموقوفين الإسلاميين»

نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)
نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

وفاة سجين في «رومية» تحيي قضية «الموقوفين الإسلاميين»

نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)
نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)

عادت قضية «الموقوفين الإسلاميين» في لبنان إلى الواجهة مجدداً، مع وفاة السجين عمر حميّد، مساء السبت، جرّاء أزمة قلبية والتأخر في تقديم الإسعافات الطبيّة له، ما دفع برفاقه إلى «تحرّك عفوي» في باحة المبنى «ب» داخل سجن رومية المركزي (شرق بيروت).

وأحيت هذه الحادثة المطالبة بـ«إقرار قانون العفو العام الشامل». وفيما أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن النيابة العامة التمييزية «أمرت بفتح تحقيق سريع، والتثبّت مما إذا خضع المتوفى لمعاينة طبية، أم أن هناك تقصيراً أدى إلى الوفاة»، أفاد مصدر أمني بأن السجين «قضى داخل المستشفى خلال تقديم الإسعافات الطبية له».

وكان السجين المتوفى عمر حسن حميّد، البالغ من العمر 37 عاماً، المحكوم عليه بعقوبة الإعدام بالتورّط في جريمة قتل الرائد بالجيش اللبناني، بيار بشعلاني، والمعاون أول إبراهيم زهرمان، في أطراف بلدة عرسال (البقاع) مطلع شهر فبراير (شباط) 2013، قد أصيب بأزمة قلبية حادّة داخل زنزانته في سجن رومية المركزي، وما لبث أن فارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى.

وهذا ما أدى إلى تحرك اعتراضي في الباحة الداخلية للسجن اعتراضاً على الإهمال والتأخر في نقله إلى المستشفى. وأوضح مصدر أمني بارز أن السجين المتوفى «أصيب بذبحة قلبية نحو الساعة الخامسة من عصر يوم السبت، فجرى استدعاء طبيب السجن الذي حضر وعاينه وأمر بنقله إلى المستشفى».

وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد دقائق قليلة، حضرت سيارة الإسعاف ونقل السجين إلى مستشفى ضهر الباشق الحكومي، الذي يبعد عن السجن مسافة لا تزيد على 3 دقائق، وخلال تقديم الإسعافات له في قسم الطوارئ فارق الحياة».

وشدد المصدر على أن «الفترة الفاصلة ما بين وصول الطبيب وحضور سيارة الإسعاف ونقل المريض لم تتعدَّ بضع دقائق، ولم يحصل أي إهمال أو تأخير تسبب بالوفاة».

وعلى أثر تداول معلومات تتحدث عن حالة تمرّد داخل سجن رومية، وخطف عناصر مع قوى الأمن الداخلي المولجين حماية السجن، إثر الإعلان عن وفاة السجين حميّد، أصدر سجناء المبنى «ب» بياناً، دحضوا فيه هذه الشائعات، وعدّوا أن «فبركة هذه الأخبار تهدف للتغطية على تقصير المسؤولين عن الطبابة في السجن والتغطية على الجريمة التي حصلت».

وأكد السجناء أنه «لم يحصل أي عملية تمرّد أو عصيان في السجن، بل اعتصام سلمي عفوي في باحة المبنى (ب) نتيجة الصدمة التي تلقيناها بوفاة المغفور له عمر حميّد». واتهم هؤلاء ما سمّوها «الغرف السوداء التي تُفبرك الشائعات، وتريد تضليل الرأي العام، والتغطية على فشل الإدارة الذريع في الملف الطبي». ودعا السجناء إلى «تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن وفاة السجين، وإيجاد حل سريع لأزمة الطبابة المستفحلة في سجون لبنان».

وأحيت الحادثة قلق أهالي «الموقوفين الإسلاميين»، الذين يعانون منذ سنوات طويلة من التأخير في محاكمتهم، وقال مصدر بلجنة متابعة قضية «الموقوفين الإسلاميين» لـ«الشرق الأوسط»: إن «قانون العفو العام بات حاجة ملحّة». وحمّل قوى سياسية مسؤولية عرقلة إقرار هذا القانون، وسأل: «كيف يتبجّح البعض بأن العفو العام يؤدي إلى إطلاق سراح مجرمين، في حين أن الذين فجّروا مرفأ بيروت وقتلوا مئات الأبرياء ما زالوا بلا محاسبة؟ ولماذا السكوت عن الذين اغتالوا الرئيس رفيق الحريري، وسائر الاغتيالات، وحمايتهم من العقاب؟».

من جهته، أعرب رئيس لجنة حقوق الإنسان، النائب ميشال موسى، عن أسفه لوفاة سجين في رومية، وما رافق وفاته من أعمال عنف وشغب، داعياً الحكومة إلى «الالتفات إلى أوضاع السجون، رغم تعدد اهتماماتها في هذه الظروف بالغة الصعوبة». وطالب في تصريح بـ«إجراء تحقيق شفّاف لتحديد أسباب الوفاة وتبيان الحقيقة، بما يحسم التساؤلات والجدل القائم».

وأضاف موسى: «لطالما حذّرنا من هذه القنبلة الموقوتة المتمثلة في اكتظاظ السجون، ودعونا الجهات المسؤولة إلى إنشاء سجون جديدة أو إيجاد أماكن موقتة لحل هذه الأزمة المستعصية، إضافة إلى تسريع المحاكمات، واقتراح حلول تسهم في معالجتها».

وختم رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية: «إن استمرار غض الطرف عن مشكلة بهذا الحجم، من شأنه أن يدفعها إلى التفاقم، وتالياً أن يطيح بكل الإيجابيات الصحية والتموينية التي أمكن تحقيقها للسجناء في المرحلة السابقة».