«عشنا الجحيم»... ناجون من حريق «خيام رفح» يروون لحظات الرعب والموت

المُسنّ الفلسطيني سمير أبو السبح وسط الدمار في الخيام (وكالة أنباء العالم العربي)
المُسنّ الفلسطيني سمير أبو السبح وسط الدمار في الخيام (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

«عشنا الجحيم»... ناجون من حريق «خيام رفح» يروون لحظات الرعب والموت

المُسنّ الفلسطيني سمير أبو السبح وسط الدمار في الخيام (وكالة أنباء العالم العربي)
المُسنّ الفلسطيني سمير أبو السبح وسط الدمار في الخيام (وكالة أنباء العالم العربي)

كانت يدا المُسنّ الفلسطيني سمير أبو السبح (65 عاماً) ورجلاه ترتعش وهو يتلمّس الخُطى ليشير إلى مكان الحريق الذي التهم أجساد عشرات النازحين جراء قصف جوي إسرائيلي لمخيمهم بمدينة رفح الفلسطينية، مساء الأحد.

في المشهد، كانت هناك بقايا أشلاء لضحايا يجمعها شاب في كيس صغير لينقلها إلى مستشفى قريب حتّى تُدفن إلى جوار جثامين أصحابها، بينما كان الستيني يتحدّث عن لحظات «الرعب والموت» التي عاشها مع أبنائه وأحفاده عندما تهاوت الصواريخ على المكان، وتجاوز ارتفاع النيران مترين، وفقاً لما ذكرته «وكالة أنباء العالم العربي».

خلّف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة رداً على «حماس» ما لا يقل عن 36 ألف قتيل معظمهم مدنيون (وكالة أنباء العالم العربي)

في ذلك الوقت، اضطر الرجل إلى كسر ألواح الصفيح التي كانت تحيط بمكان نزوحه، كون الباب في الجهة الأخرى كان يؤدي إلى مكان الحريق. ظلّ الستيني يصرخ بأعلى صوته طلباً للمساعدة، حتى سمعه نازح من أقاربه وساعده على رفع الصفيح وبعض الحجارة.

نجا الجدّ الستينيّ، الذي كان قد نزح مع أولاده وأحفاده من النصيرات وسط قطاع غزة قبل 6 أشهر؛ لكنه ما لبث أن سقط على الأرض من هول المشهد؛ فقد نظر حوله ووجد النيران تزداد اشتعالاً وتحيل عتمة الليل إلى لهيب نار لا يتوقف.

كانت نداءات المحاصَرين بالنيران وقتها وصرخات مَن اشتعلت أجسادهم لا تتوقّف قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

دخل الرجل في موجة بكاء جعلته يواري وجهه وهو يتحدّث عن اللحظات الفارقة بين الحياة والموت، والمشاهد التّي وصفها بـ«المروّعة والصادمة» لأناس أبرياء احترقت أجساد غالبيتهم وتفحّمت أجساد آخرين، بينما تحوّل بعضها إلى أشلاء، حتّى ظنّ الرجل أنه يعيش «أهوال القيامة وجحيمها».

كان مصنّفاً «مكاناً آمناً»

أخرج أبو السبح منشوراً كان الجيش الإسرائيليّ قد وزّعه لحظة إبلاغهم بالنزوح القسريّ من منازلهم، وأوضح فيه الأماكن التي صنّفها بـ«المناطق الإنسانية الآمنة»، وضمنها مكان المخيم المحترق.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 45 شخصاً قُتلوا وأُصيب العشرات، معظمهم من النساء والأطفال، في الغارات الإسرائيلية، على مخيم النازحين في رفح.

نزحت عشرات العائلات بسبب قصف القوات الإسرائيلية مدارس الإيواء وعيادة تل السلطان والمستشفى الإندونيسي (وكالة أنباء العالم العربي)

يشير الرجل إلى ألواح الصفيح الممزّقة، والأخشاب المتفحّمة، والأمتعة وبقايا المكان الذي تحوّل إلى رماد... ويتساءل: «إذا تحوّل المكان إلى مجرّد رماد للنار، فكيف حال البشر الذين كانوا يعيشون فيه؟... إنّها المحرقة التي تُذاب فيها أجساد البشر دون ذنب سوى أنّهم يعيشون في هذه البقعة من العالم».

وأوضح أنّه شاهد جثامين النازحين الذين قُتلوا جرّاء القصف الإسرائيليّ يسحبها بعض الشبان من داخل المكان المُحترق والنيران تشتعل فيها، بينما كان البعض الآخر يفرّ من الداخل، قبل أن يتهاوى ساقطاً على الأرض ليحمله المسعفون الذين حضروا لاحقاً.

أبو السِبَح، الذّي كان يعمل مدرّساً قبل تقاعده، قال: «كأنّنا (كنّا) نشاهد فيلم رعب، لكنه حقيقي وليس تمثيلياً، وأبطاله يدفعون الثمن من أرواحهم التي تُزهق بعد حرق أجسادهم... كنّا نقرأ ما شاهدته في الكتب، أو نتابعه عبر الأفلام ووسائل الإعلام، حتى عايشناه واقعاً».

لا ضمان للنجاة مجدداً

في المكان ذاته، كان الشاب الفلسطيني حسيب يوسف (33 عاماً) يُفتّش بين بقايا الأمتعة المحترقة عن مقتنيات بعض أقاربه، علّه يجد بعض الوثائق والمستلزمات غير المحترقة؛ لكنّ الرماد المنتشر في المكان كان يصعّب عليه تلك المهمّة.

يروي الشاب مشاهد يصفها بأنّها كانت صادمة، ولن تغادر مخيّلته طوال حياته، من بينها إخراجه جثثاً متفحّمة بالكامل وقد أصبحت هياكل عظميّة، قائلاً إنّ شدّة القصف وقوة الحريق جعلتاه وغيره من النازحين في حالة رعب ما زالت تسيطر عليهم حتى الآن.

الشاب الفلسطيني حسيب يوسف يُفتّش بين بقايا الأمتعة المحترقة (وكالة أنباء العالم العربي)

الشاب، الذي نزح من شمال القطاع إلى الوسط ثم الجنوب مرّات عدة، أشار إلى أن بُعد مكان الحريق عن جهات الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني صعّب مهام الإطفاء والإنقاذ.

وكان يوسف قد نزح إلى هذه المنطقة بناء على تصنيف الجيش الإسرائيلي لها «منطقةً آمنةً»، على الرغم من بُعدها عن مركز مدينة رفح وافتقارها إلى الاحتياجات الإنسانيّة، كونها عبارة عن كثبان رملية وأشبه ما تكون بصحراء قاحلة.

وقال: «آثرنا تحمّل مشاق المكان وعذاباته، علّنا نكون في مأمن، لكنّ الواقع جاء مغايراً تماماً؛ فالقصف توالى، والموت لم يتوقّف، والرعب سيطر علينا؛ ولا نعرف إلى أين يُمكننا الفرار بعدما نجونا هذه المرة... لا ضمان لنجاتنا من جديد، نريد فقط الحفاظ على عائلتنا».

لا بصيص أمل

وسط البقايا المُحترقة، كانت أم محمد (62 عاماً) تجلس وقد سيطر على ملامحها الوجوم بعدما أتت النيران على غالبيّة مكان نزوحها، الذي كانت قد بنته من الصفيح والأخشاب، وعادت إليه لتوّها لحمل بقايا الطعام والأمتعة التي لم تصلها النيران كي تنقلها إلى خيمة نزوح جديدة.

أمّ محمّد، النازحة من وسط القطاع إلى رفح، قالت إنها كانت تجلس مع قريبات لها ينتظرن حلول وقت صلاة العشاء قبل أن يُفَاجَأْنَ بدويّ انفجارات متتالية اشتعلت على أثرها النيران في المكان بسرعة وانتشر لهيبها في جميع الاتجاهات لتتعالى أصوات صراخ النازحين في الداخل.

آثار الدمار والحريق في خيام النازحين في رفح (وكالة أنباء العالم العربي)

انهمرت دموع السيّدة وهي تصف ما حدث بأنه كان «مشهداً يفوق الخيال ورعباً غير مسبوق. اعتقد الجميع لحظتها بأنّها ستكون النهاية، خصوصاً أنّ المنطقة نائية إلى حدّ ما ولم يصلها رجال الإسعاف على عجل».

وقالت: «النار ولعت (اشتعلت) في الأطفال والنساء والرجال؛ الكلّ كان يصرخ بأعلى صوته، ولكن لا أحد كان يستطيع الاستجابة إلا بعض مَن نجحوا في سحب المحترقين خارج المكان قليلاً، ولكن بعد فوات الأوان».

وأضافت: «نعيش زمن المحرقة الحقيقية بكل معنى الكلمة، حيث لا بصيص أمل في النجاة بعد كل هذا الموت الذي يلاحقنا منذ 8 أشهر».


مقالات ذات صلة

«الأونروا» تحذر من تدهور الأوضاع بغزة مع حلول الشتاء

المشرق العربي نازحون فلسطينيون يتلقون الطعام في مركز توزيع بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«الأونروا» تحذر من تدهور الأوضاع بغزة مع حلول الشتاء

«الأونروا» تقول أن الأوضاع في غزة تتدهور بسرعة مع اقتراب الشتاء والنجاة مستحيلة دون مساعدات فورية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي «المعمداني» بغزة (أ.ف.ب)

«حماس» جاهزة لاتفاق في غزة بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

أكد مصدر قيادي بـ«حماس»، الأربعاء، أن الحركة الفلسطينية «جاهزة» لإبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن هدنة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الثلاثاء) على أن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان «نبأ سار وبداية جديدة للبنان».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في اشتباكات بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنوده، اليوم (الثلاثاء)، في اشتباكات بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعقد مؤتمراً صحافياً في ختام اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في فيوجي بوسط إيطاليا في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب) play-circle 01:03

بلينكن: محادثات اتفاق إطلاق النار في لبنان «في مراحلها الأخيرة»

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، أنّ الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان «في مراحلها النهائية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الجيش الإسرائيلي يحذّر النازحين من جنوب لبنان من العودة مع بدء سريان الهدنة

منظر عام لبيروت بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)
منظر عام لبيروت بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يحذّر النازحين من جنوب لبنان من العودة مع بدء سريان الهدنة

منظر عام لبيروت بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)
منظر عام لبيروت بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)

وجّه الجيش الإسرائيلي فجر اليوم (الأربعاء)، إثر بدء سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بينه وبين «حزب الله»، تحذيرا إلى النازحين من جنوب لبنان من العودة إلى منازلهم أو الاقتراب من مواقعه في هذه المنطقة.

وقال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي عبر حسابه في منصة إكس «إنذار عاجل إلى سكان جنوب لبنان: مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وبناء على بنوده يبقى جيش الدفاع (الإسرائيلي) منتشراً في مواقعه داخل جنوب لبنان. يحظر عليكم التوجه نحو القرى التي طالب جيش الدفاع بإخلائها أو باتجاه قوات جيش الدفاع في المنطقة».

وأضاف: «من أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلتكم، امتنعوا عن الانتقال إلى المنطقة».

وتابع: «سنقوم بإبلاغكم عن الموعد الآمن للعودة إلى منازلكم».

وفي تمام الساعة الرابعة من صباح الأربعاء (الثانية بتوقيت غرينيتش) دخل حيّز التنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» بعد سنة ونيّف من المواجهات العسكرية عبر الحدود وشهرين من حرب مفتوحة.

سيارات تتجه جنوباً من مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان بعد سريان وقف إطلاق النار (رويترز)

وبدأ سريان الاتفاق الرامي لإنهاء نزاع أجبر عشرات آلاف الإسرائيليين ومئات آلاف اللبنانيين على النزوح من منازلهم.

وما أن دخل الاتفاق حيّز التنفيذ حتى نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لسيارات قالت إنها تقلّ نازحين يريدون العودة إلى منازلهم في جنوب لبنان.