بعد تنافس شديد بين مرشحين بارزين وانقسام حاد بين القوى السياسية المتنفذة، أخفق البرلمان العراقي في اختيار رئيسه الجديد.
وعقد البرلمان، اليوم (السبت)، جلسة وصفت بـ«السلسة»، لانتخاب رئيس جديد، تنافس فيها 3 مرشحين.
وقبل بدء عملية الانتخاب، صوت البرلمان بالموافقة على تمديد فصله التشريعي لمدة 30 يوماً أخرى تأكيداً لقرار اتخذته رئاسة المجلس، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.
جولة ثانية غير حاسمة
وكما الجولة الأولى في يناير (كانون الثاني) الماضي، انتهت جولة التصويت الثانية إلى نتيجة غير حاسمة، إذ حصل سالم العيساوي على 158 صوتاً، ومحمود المشهداني 137 صوتاً، وعامر عبد الجبار على 3 أصوات، بينما بلغت عدد الأصوات الباطلة 13، وفقاً لبيان الدائرة الإعلامية.
وأدلى 311 نائباً (من إجمالي 329) بأصواتهم في الجولة الأولى التي انطلقت في الساعة الرابعة عصراً بالتوقيت المحلي في بغداد.
وكانت الدائرة الإعلامية للبرلمان قالت إن إجراءات انتخاب رئيس البرلمان بدأت بمشاركة 258 نائباً.
ويفترض بالفائز أن يحصل على 167 صوتاً (النصف + واحد) ليضمن منصب الرئيس.
وبعد الجولة الثانية، قال رئيس البرلمان بالوكالة، محسن المندلاوي، إنه «يأذن للنواب بأخذ استراحة، وبعدها يتخذ القرار بالذهاب إلى جولة ثالثة أو رفع الجلسة إلى إشعار آخر»، وتابع: «ربما نرفع الجلسة».
واتهم حزب «تقدم»، الحكومة، «بالتدخل في انتخاب رئيس البرلمان، خلافاً للدستور العراقي»، على حد تعبير النائب يحيى المحمدي.
وقالت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن اتصالات مكثفة أجريت بين قادة الكتل السياسية لبحث الخيار المناسب، وطالب عدد منهم بتأجيل جلسة الانتخاب إلى موعد آخر، خصوصاً مع المنافسة الشديدة بين العيساوي والمشهداني.
وفسر مراقبون النتائج المتقاربة بين المتنافسين بأن عشرات النواب تمردوا على اتفاقات قادة الأحزاب، لا سيما النواب الشيعة الذين صوتوا للعيساوي على حساب المشهداني.
وقبل يوم من الجلسة، رجح النائب السابق، مشعان، فوز المرشح سالم العيساوي على حساب محمود المشهداني، وقال إن فوز الأخير يفتح الباب أمام عودة نوري المالكي إلى منصب رئيس الوزراء من جديد.
ماذا حدث قبل جلسة الانتخاب؟
عقدت القوى السياسية مداولات قبل ساعات من عقد الجلسة (مساء السبت) للتوافق على مرشح نهائي، لكن الأمور ذهبت إلى تقديم ترشيح 4 نواب وترك الأمر لأصوات الكتل السياسية.
ونقلت «وكالة أنباء العالم العربي» عن مصادر أن الآراء كانت متأرجحة بين محمود المشهداني (مرشح «تحالف تقدم - الصدارة»)، وسالم العيساوي (مرشح «تحالف السيادة» بقيادة خميس الخنجر)».
وزعمت المصادر أن الانقسام يعود بسبب «مخاوف لدى حركة (عصائب أهل الحق) و(تيار الحكمة) و(منظمة بدر) من تولي المشهداني، ويرون أحقية العيساوي بالمنصب».
وكان من المفترض أن تصوت لصالح المشهداني كتل «تقدم» و«الصادقون» و«بدر» و«دولة القانون» و«الاتحاد الوطني»، ونواب محافظة كركوك، ونواب «بابليون» التي يتزعمها ريان الكلداني، وفقاً لمصادر برلمانية.
وقالت كتلة «الإطار التركماني» في البرلمان إنها منحت صوتها لمرشح «ينصف المكون التركماني ويسعى لنيل حقوقه المشروعة أسوة بباقي المكونات».
وقال عزام الحمداني، المتحدث باسم «تحالف عزم» السُني بقيادة النائب مثنى السامرائي، لوسائل إعلام محلية، إن «القوى السياسية خاضت اجتماعات واتصالات مكثفة قبل عقد الجلسة، وهذا أمر طبيعي، فكل جهة تريد كسب الأصوات لمرشحيها لهذا المنصب... بعد أن اقتصرت المنافسة على العيساوي والمشهداني».
وتأجلت عدة مرات جلسات لاختيار رئيس جديد للبرلمان منذ نوفمبر (تشرين الثاني).
وأعلن حزب «تقدم»، الذي يتزعمه الحلبوسي، الأسبوع الماضي، تأييده ترشيح المشهداني لمنصب رئيس البرلمان.
وعشية انعقاد جلسة اختيار رئيس البرلمان، قال المرشح سالم العيساوي: «ينبغي على أي رئيس للسلطة النيابية... الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وعدم السماح أو القبول أو التساهل مع أي مشاريع تهدد كيان البلاد»، في إشارة إلى رفضه مشروع الإقليم السُني الذي يواجه الحلبوسي اتهامات بدعمه.
من جانبه، قال محمود المشهداني إنه «حريص على مصلحة الشعب العراقي، وتعهد «بالعمل على تفعيل وتنشيط الدور الرقابي لمجلس النواب وتسريع عجلة تشريع القوانين».
وفي جلسة صاخبة استمرت أكثر من 10 ساعات في يناير (كانون الثاني) لاختيار رئيس للبرلمان، حصل مرشح «تقدم» في ذلك الوقت شعلان الكريم على 152 صوتاً مقابل 97 صوتاً للعيساوي، و48 صوتاً للمشهداني، و6 أصوات للنائب المستقل عامر عبد الجبار، وصوت واحد لطلال الزوبعي.
ووفقاً للدستور، يحتاج الفوز بالمنصب إلى نسبة 50 بالمائة زائد واحد، وتأجلت الجلسة لعدم حصول أي من المرشحين على العدد الكافي من الأصوات للفوز من الجولة الأولى.
ما أهمية منصب رئيس البرلمان؟
بموجب عرف سياسي اتبع بعد أول انتخابات تشريعية وفق دستور دائم في العراق عام 2006، يسند منصب رئاسة البرلمان العراقي إلى السُنة، بينما يتولى الكرد منصب رئيس الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء.
وعلى مدار عقدين، تنظر الأحزاب السنية إلى هذا المنصب على أنه مرجعيتهم السياسية، وموقع رمزي يضمن حضورهم في العملية السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين.
ومن المفترض أن يكون رئيس البرلمان مسؤولاً عن مسار تشريع القوانين في البلاد، لكن اقتراحها والتصويت عليها دائماً يخضعان لنفوذ القوى الشيعية التي تمتلك أغلبية في مجلس النواب.
ومع مجيء محمد الحلبوسي إلى المنصب، في سبتمبر (أيلول) 2018، بات ينظر إلى رئيس البرلمان كزعامة موازية للزعامات الشيعية في البلاد، وذلك بعدما طرح الحلبوسي نفسه لاعباً قوياً في الساحة المحلية.
وانتخب الحلبوسي نائباً في البرلمان خلال الدورة البرلمانية 2014 إلى 2018، وشغل عضوية لجنة حقوق الإنسان في 2014-2015 واللجنة المالية في 2015-2016 ثم رئيس اللجنة المالية في 2016 -2017.
وبينما كان الحلبوسي (أصغر رئيس برلمان في تاريخ البلاد) يُوصف بالسياسي المناور والمفاوض البراغماتي، اكتسب منصب رئيس البرلمان في حالته بعداً سياسياً أكثر أهمية، قبل أن يتعرض الرجل إلى قرار قضائي أخرجه من قبة البرلمان.
وقضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بإنهاء عضوية الحلبوسي بعد النظر في دعوى قضائية اتهمته بتزوير تأريخ استقالة النائب ليث الدليمي.
ورفض الحلبوسي القرار، وقال إنه لا يحق للمحكمة النظر بصحة عضوية نائب إلا بعد قرار من مجلس النواب.
وحينها، قال مقربون من الحلبوسي إن «الإطار التنسيقي» لا يرغب في صعود بزعامة سنية منافسة، فيما كان المراقبون يميلون إلى الاعتقاد بأن إيران تشاطرهم هذا المسار في العراق.