«حرب غزة»: تصاعد الحديث عن «التهجير» بموازاة جمود مفاوضات «الهدنة»

شكري جدد رفض مصر «النزوح القسري»... وأوروبا تدعم القاهرة بمليار يورو

أشخاص ينقلون المياه في مخيم مؤقت للفلسطينيين النازحين برفح قرب الحدود مع مصر جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
أشخاص ينقلون المياه في مخيم مؤقت للفلسطينيين النازحين برفح قرب الحدود مع مصر جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«حرب غزة»: تصاعد الحديث عن «التهجير» بموازاة جمود مفاوضات «الهدنة»

أشخاص ينقلون المياه في مخيم مؤقت للفلسطينيين النازحين برفح قرب الحدود مع مصر جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
أشخاص ينقلون المياه في مخيم مؤقت للفلسطينيين النازحين برفح قرب الحدود مع مصر جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

بينما يُطوّق «الجمود» مسار المفاوضات الرامية لتحقيق «هدنة» في غزة يتم خلالها تنفيذ صفقة لـ«تبادل الأسرى والمحبوسين» بين إسرائيل و«حماس». تصاعد الحديث مجدداً عن ملف «التهجير»، متزامناً مع تحذيرات أممية من أن «تدفع عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية سكان غزة للنزوح إلى مصر»، ومع إعلان أوروبا دعم القاهرة بمليار يورو؛ لمساندتها في مواجهة تداعيات الحرب.

وجدّد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الجمعة)، «تأكيد رفض القاهرة القاطع لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم، لما ينطوي عليه هذا الإجراء من هدف تصفية القضية الفلسطينية، في انتهاك جسيم لأحكام القانون الدولي»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث الرسمي للخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد.

شكري أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

وقال أبو زيد إن «شكري وبلينكن أكدا رفض إقدام إسرائيل على أية عملية عسكرية برية في رفح الفلسطينية، لاسيما في ظل العواقب الإنسانية الجسيمة لمثل هذا الإجراء، وتداعياته الخطرة على أمن واستقرار المنطقة».

وتطرّقت المحادثات الهاتفية إلى «التوترات المتزايدة في المنطقة، وأهمية العمل على احتواء التصعيد الجاري؛ لخطورته وآثاره السلبية في استقرار المنطقة وشعوبها»، بحسب الإفادة الرسمية.

وسبق للقاهرة ودول عربية وغربية عدة أن أكدت أكثر من مرة «رفضها تهجير الفلسطينيين داخل أو خارج أراضيهم». وعدّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «التهجير» بمثابة «تصفية للقضية».

وازدادت مخاوف «التهجير» مع تهديدات إسرائيلية متكررة بتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية التي تعدّ الملاذ الأخير لنحو 1.5 مليون نازح فلسطيني. والأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه «تم تحديد موعد الهجوم على رفح»، لكنه لم يقدّم تفاصيل.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، (الجمعة)، إن «الهجوم على رفح قد يجعل نزوح سكان غزة إلى مصر الخيار الوحيد المتاح لسلامتهم». وأضاف، في تصريحات لوكالة «رويترز» للأنباء في مقر المفوضية بجنيف: «هذه المعضلة غير مقبولة، وتقع مسؤولية تجنبها بشكل مباشر على عاتق إسرائيل، قوة الاحتلال في غزة».

وأكد أن «أزمة لاجئين أخرى من غزة إلى مصر... ستجعل من المستحيل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الناجمة عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني»، مشدداً: «يتعين علينا فعل كل ما في وسعنا لتجنب مثل هذا النزوح لسكان غزة».

ويعيش نحو 5.6 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، وغزة التي تحتلها إسرائيل، معظمهم من نسل الذين أُرغموا على الخروج من ديارهم أو فرّوا منها في أعقاب حرب عام 1948. ويعدّ مصير اللاجئين إحدى القضايا المطروحة على مائدة مفاوضات السلام، حيث تشترط الدول العربية أن ينص أي اتفاق مستقبلي على عودتهم، بينما ترفض إسرائيل ذلك.

ويربط أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، تصاعد الحديث عن «التهجير» بتصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن تحديد موعد لاجتياح رفح. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه مخاوف مبالغ فيها، ومحاولة لإعطاء أهمية زائدة لتصريحات نتنياهو».

وأوضح أن «وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال إنه لم يتم تحديد موعد تنفيذ العملية العسكرية في رفح، كما أن الولايات المتحدة نفسها قالت لا توجد دلائل على قرب تنفيذ مثل تلك العملية». وأضاف: «من غير المرجح إتمام اجتياح رفح في وقت قريب، كون عمل عسكري بهذا الحجم يتطلب ترتيبات واستعدادات كبيرة، بينما تتركز الجهود الآن على مراقبة التطورات مع إيران».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تصاعد الحديث عن التهجير الآن هو من قبيل الحرب النفسية»، مؤكداً أن «مصر لن تسمح بالتهجير، ولا أعتقد بأن هناك دولة في العالم ستقبل بمثل هذا السيناريو»، مشيراً إلى التحذيرات الدولية من تنفيذ عملية عسكرية في رفح.

وحذّرت دول عربية وغربية عدة، بينها الولايات المتحدة، من تداعيات تنفيذ عملية عسكرية في رفح المكتظة بالسكان. لكن غراندي قال، (الجمعة)، إن «المفوضية تخزّن الخيام والإمدادات، وتعمل مع دول المنطقة على وضع خطط الطوارئ الخاصة بها لمواجهة احتمال وصول سكان غزة». وأضاف: «ننظر إلى المنطقة، وليس فقط إلى احتمالات النزوح، وإنما أيضاً إلى احتمال اتساع رقعة الصراع».

يأتي هذا بينما لا تزال «تعقيدات» تعترض جهود الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة لإقرار «هدنة» في غزة، حيث لم تعلن حركة «حماس» وإسرائيل حتى الآن موقفيهما من مقترح أميركي للاتفاق عُرض خلال مباحثات جرت في القاهرة، الأحد الماضي.

وفي سياق متصل، ولمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب في غزة، أعلن الاتحاد الأوروبي، (الجمعة)، أنه «سيقدم لمصر مليار يورو (1.07 مليار دولار) في صورة مساعدات مالية عاجلة قصيرة الأجل للمساعدة في استقرار اقتصادها». وأشار إلى أن «هذه الأموال سيتم تقديمها إلى مصر في صورة قرض، وسيتم صرفها دفعة واحدة».

وقال الاتحاد، في بيان صحافي، إن «المساعدة تستهدف معالجة الوضع المالي المتدهور، والاحتياجات التمويلية للبلاد خلال الأشهر الحالية، خصوصاً في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وآثار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية».

ومع تداول أخبار المساعدات الأوروبية، ربط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين حزمة المساعدات الأوروبية ومخطط «تهجير الفلسطينيين إلى سيناء»، لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكد أن «المساعدات الأوروبية لمصر تم التفاوض بشأنها وإقرارها قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل الحرب في غزة، كما أن هذه المساعدات مرتبطة بمشروعات تنفذها مصر».

وقال السيد إن «حزمة المساعدات الأوروبية هدفها الحد من تدهور الوضع الاقتصادي في مصر، والحد من الهجرة غير النظامية لأوروبا، لا سيما أن سوء الأوضاع الاقتصادية قد يدفع مصريين للتفكير في الهجرة إلى أوروبا».

وهنا أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي شارك من قبل في مفاوضات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أن «المساعدات الأوروبية لمصر مرتبطة بمشروعات اقتصادية، وتأتي في إطار اتفاق شراكة بين الجانبين، وهي غير مرتبطة بأي حال من الأحوال بملف التهجير أو النزوح الفلسطيني».

والمليار يورو «جزء من حزمة أكبر مقدارها 5 مليارات يورو ستقدّم في صورة قروض»، بحسب بيان الاتحاد الأوروبي، ومن المقرر تخصيص 4 مليارات يورو أخرى قيمة مساعدات طويلة الأجل خلال الفترة بين عامي 2024 و2027، بعد اعتمادها من أعضاء التكتل الـ27.

وأشار البيان إلى أنه «بوصفه شرطاً مسبقاً، يجب على مصر أن تواصل اتخاذ خطوات ملموسة وذات مصداقية تجاه احترام الآليات الديمقراطية الفعالة، ومن بينها نظام برلماني متعدد الأحزاب، وسيادة القانون، وضمان احترام حقوق الإنسان».


مقالات ذات صلة

غزة... احتجاجات ضد «حماس» تدعو لوقف الحرب

المشرق العربي سكان بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة  يتظاهرون أمس مطالبين بإنهاء الحرب (أ.ف.ب)

غزة... احتجاجات ضد «حماس» تدعو لوقف الحرب

عرض «حماس» المُلّح بعد 7 أكتوبر هدنة 10 سنوات... وترك حكم غزة في تطورٍ لافتٍ، شارك المئات من سكان بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، أمس، في مسيرات احتجاجية هاجمت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي دخان يتصاعد من موقع لدى شمال غزة عقب قصف إسرائيلي (رويترز)

8 قتلى في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في شمال قطاع غزة

أفادت وسائل إعلام فلسطينية في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء بمقتل ثمانية أشخاص في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون فارّون من القصف يقودون سيارات تحمل أمتعتهم على محور رئيسي في بيت لاهيا شمال قطاع غزة 25 مارس 2025 (أ.ف.ب)

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية يحذّر من تدهور الأوضاع في قطاع غزة

حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن الإمدادات الأساسية في قطاع غزة لن تكفي إلا لبضعة أيام ما لم يُستأنف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي نائب رئيس الدولة ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ منصور بن زايد آل نهيان يستقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مطار أبوظبي (رويترز)

الملك الأردني يبحث مع الرئيس الإماراتي جهود وقف حرب غزة

أعلن الديوان الملكي الأردني أن الملك عبد الله الثاني بحث مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في أبوظبي، اليوم (الثلاثاء)، جهود وقف الحرب على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لحاكم ولاية آركنسو السابق مايك هاكابي خلال فعالية في بنسلفانيا (أ.ب)

هل يفتح تعيين مايك هاكابي سفيراً لإسرائيل فصلاً جديداً في الدبلوماسية الأميركية؟

شهدت جلسة تثبيت تعيين مايك هاكابي، مرشح الرئيس الأميركي لمنصب سفير لدى إسرائيل، الثلاثاء، كثيراً من الجدل والأسئلة حول الدور الذي سيؤديه حال تعيينه.

هبة القدسي (واشنطن)

غزة... احتجاجات ضد «حماس» تدعو لوقف الحرب

سكان بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة  يتظاهرون أمس مطالبين بإنهاء الحرب (أ.ف.ب)
سكان بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة يتظاهرون أمس مطالبين بإنهاء الحرب (أ.ف.ب)
TT

غزة... احتجاجات ضد «حماس» تدعو لوقف الحرب

سكان بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة  يتظاهرون أمس مطالبين بإنهاء الحرب (أ.ف.ب)
سكان بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة يتظاهرون أمس مطالبين بإنهاء الحرب (أ.ف.ب)

عرض «حماس» المُلّح بعد 7 أكتوبر:

هدنة 10 سنوات... وترك حكم غزة في تطورٍ لافتٍ، شارك المئات من سكان بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، أمس، في مسيرات احتجاجية هاجمت حركة «حماس»، داعية لوقف الحرب، وسط هتافات بينها «الشعب يريد إبعاد حماس»، و«حماس برا برا».

وجاءت المسيرات بعد ساعات من أوامر إخلاء إسرائيلية لأهالي بيت لاهيا، وحمَّل مشاركون في المظاهرات «حماس» مسؤولية عن أوامر الإخلاء، على خلفية إطلاق عناصرها صواريخ من مناطق قرب بيت لاهيا باتجاه المستوطنات الإسرائيلية. ورفع المشاركون في المسيرة لافتات كُتب عليها: «دماء أطفالنا ليست رخيصة... بدنا نعيش بسلام وأمان... أوقفوا شلال الدماء»، وغيرها من الشعارات التي تطالب بشكل أساسي بوقف الحرب على القطاع واستهداف المدنيين، في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية.

ميدانياً، تواصلت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، أمس، وخلّفت جولتها التصعيدية الحالية، التي بدأت قبل أسبوع تقريباً، أكثر من 792 قتيلاً وأكثر من 1663 جريحاً بحالات متفاوتة، فيما لا تزال هناك ضحايا تحت أنقاض منازل دُمرت على رؤوس ساكنيها.

وأفادت إحصائية لـ«هيئة إنقاذ الطفولة» نشرتها أمس بأن «أكثر من 270 طفلاً في غزة قتلوا خلال أسبوع واحد منذ استئناف الغارات الإسرائيلية على القطاع».