حكومة نتنياهو تستغل حرب غزة لمضاعفة الاستيطان في الضفة

حركة «سلام الآن»: الخط الأخضر يُمحى

مستوطن يسير بالقرب من مواقع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (رويترز)
مستوطن يسير بالقرب من مواقع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (رويترز)
TT

حكومة نتنياهو تستغل حرب غزة لمضاعفة الاستيطان في الضفة

مستوطن يسير بالقرب من مواقع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (رويترز)
مستوطن يسير بالقرب من مواقع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (رويترز)

كشفت حركة «سلام الآن» الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو، تتجاهل الموقف الدولي من موضوع الاستيطان والعقوبات التي فرضتها دول عدة في العالم الغربي على غلاة المستوطنين، وهي تستغل الانشغال العام بالحرب على غزة، لمضاعفة كميات الاستيطان اليهودي.

وقالت الحركة إن الأموال التي ترصدها الحكومة الإسرائيلية لتشجيع الاستيطان، والقوانين الجديدة التي تسنها وكذلك التعديلات على القوانين القديمة، تؤدي إلى محو الخط الأخضر.

وأكدت الحركة، المعروفة برصد مشروعات الاستيطان ومعارضتها، وتزويد معارضيها بالمعلومات عنها، أن وزير المال بتسلئيل سموتريتش يعمل، منذ توليه وزارة ثانية في وزارة الدفاع مخصصة لكي يتولى مسؤولية الاستيطان وكل نشاطات السلطة الحكومية على المنطقة «ج» في الضفة الغربية، بشكل حثيث على تغيير الواقع الجيو-سياسي والديموغرافي فيها، حتى يعرقل إمكانية التوصل إلى سلام وإقامة دولة فلسطينية. فقد سن عدة مشروعات قوانين خطيرة ومثيرة للحفيظة دخلت منذ الآن سجل القوانين. اثنان منها يقرران، للمرة الأولى، أن تحوّل أموال «الارنونا» (الضريبة البلدية) التي تجبيها بلدات إسرائيل الغنية إلى المستوطنات أيضاً، كأنها بلدات شرعية. وتعمل الحكومة بلا كلل على تطبيع المستوطنات في ظل تشبيه ظروف المستوطنين بظروف عموم سكان إسرائيل كأنه لا يجري الحديث عن مناطق محتلة.

الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خلال مؤتمر صحافي في 22 فبراير أكد فيه أنه سيقدم خططاً لمستوطنات جديدة بالضفة (د.ب.أ)

فعلى سبيل المثال، طلب الوزير شلومو كرعي (من حزب الليكود) وحصل مؤخراً على أوامر من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي تقضي بأن تفرض عقوبات على شركات خلوية لا تحرص على تغطية 95 في المائة في المناطق خلف الخط الأخضر، وقد رصد مبلغ 50 مليون شيقل (15 مليون دولار) لتوسيع التغطية الخلوية. ورصدت وزيرة المواصلات، ميري ريغف (وهي أيضاً من الليكود)، مبلغاً يضاهي 20 في المائة من ميزانية خطة البنى التحتية في وزارة المواصلات للمستوطنات بالضفة الغربية، بما يعادل 3 مليارات شيقل (890 مليون دولار). كما أن خطة توسيع البناء بلغت في 2023 أعلى مستوى لها منذ اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي.

وقالت الحركة: «تشكيل حكومة نتنياهو في ديسمبر (كانون الأول) 2022، أدى إلى نشوء ظروف غير مسبوقة لتوسيع المستوطنات بأرقام قياسية. وتمثل ذلك في طرح عدد قياسي من خطط البناء، والحد الأدنى من إنفاذ القانون ضد النشاط الاستيطاني غير القانوني، ورصد ميزانيات كبيرة، والأهم من ذلك، الدعم السياسي غير المشروط تقريباً للمستوطنين، حتى في الحالات التي تنطوي على أعمال عنف ضد الفلسطينيين».

وأوضحت: «في عام 2023، أنشأ المستوطنون ما لا يقل عن 26 بؤرة استيطانية جديدة غير قانونية، منها ما لا يقل عن 10 أقيمت خلال الحرب منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، و18 منها على الأقل عبارة عن بؤر استيطانية زراعية. وفي ارتباط مباشر بهذه البؤر، اضطر نحو 1345 فلسطينياً إلى الهروب من منازلهم، بسبب الهجمات العنيفة التي نفذها المستوطنون. وتم تهجير واقتلاع 21 تجمعاً فلسطينياً، 16 منها خلال الحرب منذ 7 أكتوبر، و5 تجمعات قبل ذلك. وتم في العام ذاته الترويج لعدد قياسي بلغ 12349 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية بما لا يشمل المستوطنات في القدس الشرقية».

إحدى المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

وقال يوني مزراحي، رئيس فريق مراقبة المستوطنات في «سلام الآن»، إن «منصب سموتريتش بوزارة الدفاع، يسمح له بالعمل في المنطقة (ج) في الضفة الغربية، التي تخضع للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، في ظروف مشابهة لضم فعلي. فقد تمكن من السيطرة على أنشطة الجيش كما يشاء، وأقام مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية. وكلما طالت مدة بقائه في المنصب، ازدادت إشكالية الواقع على الأرض. ومع اقتراب المستوطنات من البلدات والقرى الفلسطينية، خصوصاً البؤر الاستيطانية غير القانونية، سنشهد مزيداً من الاحتكاك بين الشعبين، ومعه العنف الذي يمارسه المستوطنون، والذي يحظى دائماً بدعم أجزاء من اليمين والحكومة».

وبحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، وصلت حوادث عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم إلى أعلى متوسط يومي لها، منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتسجيل هذه البيانات عام 2006. ففي حين بلغ المعدل حادثي عنف اثنين يومياً عام 2022، وواحداً في اليوم سنة 2021، ارتفع إلى 3 اعتداءات في سنة 2023، و5 اعتداءات خلال الحرب الحالية في غزة.

وفي أعقاب هذه التقارير، نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً افتتاحياً بعنوان «وداعاً للخط الأخضر»، قالت فيه إن «حكومة الخراب تضحي بإسرائيل السيادية على مذبح مشروع الاستيطان. فأسياد البلاد منشغلون هذه السنة بقوة أعظم بشطب مكثف، اقتصادياً ومادياً، للخط الأخضر حتى وقت الحرب». وقالت: «الحكومة الحالية ليست الأولى التي تساعد (الاستيطان الفتي)، لكن السنة الأخيرة أثبتت أن هذه الحكومة فقدت الكوابح تماماً. إذا لم يتوقف المستوطنون فإنهم سيواصلون تعميق السيطرة على الفلسطينيين، تخريب إمكانية الوصول إلى حل إقليمي وتسريع مسيرة التدهور في مكانة إسرائيل في العالم لدرجة أن يجعلوها دولة منبوذة بلا حلفاء».

يُذكر أنه وفقاً لمعطيات «سلام الآن»، فإن نحو نصف مليون مستوطن يهودي يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة، و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية بما لا يشمل القدس الشرقية المحتلة. ويجمع المجتمع الدولي على أن المستوطنات غير شرعية وتشكل عقبة أمام تطبيق حل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. ويتوقع تقرير جديد نشرته مجموعة داعمة للاستيطان استند إلى إحصاءات السكان من الحكومة الإسرائيلية، ازدياداً متسارعاً خلال السنوات المقبلة لعدد المستوطنين بالضفة، قد يتجاوز 600 ألف بحلول عام 2030. ويشير التقرير إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة زاد بنسبة 3 في المائة تقريباً خلال عام 2023.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

العالم العربي صورة نشرتها جماعة الحوثي تُظهر اشتعال النيران في ناقلة نفط بعد إصابتها بصاروخ في البحر الأحمر (رويترز)

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

أعلن زعيم المتمردين الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي، اليوم (الأحد)، استهداف 193 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا «إسناداً لغزة» منذ عام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة خليل الحية (أرشيفية - رويترز)

«حماس»: إسرائيل تعرقل مساعي التوصل لوقف إطلاق النار

قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة، خليل الحية، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

بعد عام من 7 أكتوبر... تضارب روايتي أسر القتلى الإسرائيليين والحكومة «حول ما حدث»

تقيم عائلات إسرائيلية، الاثنين، مراسم تأبين مباشرة لذويها الذين سقطوا في هجوم «حماس» على إسرائيل في أكتوبر الماضي، بينما ستبث الحكومة مراسم مسجلة إحياء للذكرى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

شولتس يدعو لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، مجدّداً، الأحد، إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، عشية الذكرى الأولى لهجوم حركة «حماس» على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تحليل إخباري نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

أزمة حادة بين ماكرون ونتنياهو، والإليزيه يسعى لتطويقها... ورسالة فرنسية ضمنية إلى بايدن تدعوه «للانسجام» في المواقف.

ميشال أبونجم (باريس)

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)

حياة مأساوية مريرة تعيشها عائلات سورية في دمشق، بعد أن اضطرت للهرب من جحيم الحرب في لبنان، وفي حين لم يحُدّ قطع طريق بيروت - دمشق، بسبب استهدافه من قبل إسرائيل، من تدفق الوافدين سيراً على الأقدام، وانتقل الضغط إلى معبر العريضة في محافظة طرطوس الساحلية، وارتفعت أجور النقل عبره بشكل خيالي.

في حديقة منطقة ساحة المرجة، وسط دمشق، تفترش عدة عائلات عائدة من لبنان، الأرض، مع أمتعتها المحيطة بها منذ أيام، وقد بدا التعب والبؤس واضحاً على وجوه أفرادها، رغم أن الحكومة السورية وضعت خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان.

يروي شاب في العقد الثاني من العمر، بعد شربه الماء براحتي كفيه من صنبور ماء في الحديقة، أن عائلته التي تضم 7 أفراد عانت الأمرين حتى استطاعت مغادرة جنوب لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة.

يحملون أمتعتهم أثناء عبورهم لسوريا عبر حفرة ناجمة عن غارات جوية إسرائيلية قطعت الطريق بين بيروت ودمشق عند معبر المصنع (إ.ب)

يوضح الشاب: «في كل لحظة كنا نعتقد أننا سنموت، حتى وصلنا إلى (منطقة) المصنع قبل يوم فقط من قصف إسرائيل له، وعبرنا إلى سوريا، وهنا، كما ترى، نعاني كثيراً، فمنذ وصولنا لم يكترث بنا أحد. نقيم وننام ونأكل ونشرب في هذه الحديقة».

ويؤكد الشاب أن عائلته التي تنحدر من ريف محافظة حماة وسط سوريا، لا تستطيع العودة إلى قريتها؛ لأن الحرب دمرت أغلب منازلها، كما لا يوجد لهم في دمشق أقارب كي تلجأ إليهم، مشدداً بألم: «استنفدنا معظم ما نملكه من مال في رحلة الهروب من جحيم الحرب في لبنان».

هل يصمدون طويلاً في ساحة المرجة بعد هروبهم من جحيم الحرب بلبنان (الشرق الأوسط)

عجوز يقول بغضب، وهو ممدد على أرض الحديقة، وأفراد أسرته يحيطون به: «الناس تقول إن الحكومة فتحت مراكز إيواء، لماذا لا يأتون ويأخذوننا إليها؟ هي فقط للمدللين (النازحين اللبنانيين) الذين لديهم دولارات». يضيف العجوز بمرارة وعيناه مغرورقتان بالدموع، وكذلك عينا فتاة تجلس إلى جانبه: «إلنا الله. ننتظر الفرج منه».

نازحون سوريون مع أمتعتهم في ساحة المرجة لعدم وجود مأوى آخر (الشرق الأوسط)

وفي مشهد يدل على شدة معاناة تلك العائلات، وحالة العوز والفقر التي وصلت إليها، لا يتردد أغلب أفرادها بالطلب من المارة السماح لهم بإجراء اتصالات من هواتفهم الجوالة مع معارف وأقارب لهم لمساعدتهم، في حين تبدو الحسرة واضحة في وجوه كثير منهم وهم ينظرون إلى بسطات بيع الشاي والقهوة والسجائر المنتشرة على أرصفة الحديقة، لكونهم لا يستطيعون شراء حتى كوب من الشاي.

ومع زيادة توافد اللبنانيين والعائدين السوريين منذ 24 سبتمبر (أيلول)، وضعت الحكومة السورية خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان، تضمنت رفع حالة الجاهزية في كل المنشآت الصحية والنقاط الطبية على المعابر الحدودية مع لبنان؛ لاستقبال جميع الحالات الوافدة، وتقديم الخدمات الصحية اللازمة لهم.

كما جهّزت كثيراً من مراكز الإيواء التي تتسع لعشرات آلاف الأشخاص في محافظات حمص ودمشق وريف دمشق وطرطوس وحماة.

سوريون نازحون من لبنان عند معبر جوسية الأربعاء (رويترز)

ويواصل وزراء في الحكومة القيام بزيارات لمراكز الإيواء للاطلاع على أحوال الوافدين، وكذلك المعابر الحدودية للحض على «تبسيط الإجراءات، وانسياب حركة القدوم والمغادرة، وإنجاز المعاملات بالسرعة المطلوبة».

ولم تحدّ الغارات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان منذ بدء الضربات الإسرائيلية لـ«حزب الله» في لبنان، من تدفق الوافدين اليومي من لبنان إلى سوريا، ليتجاوز العدد الإجمالي للوافدين اللبنانيين منذ 24 سبتمبر (أيلول) حتى السبت الماضي، أكثر 82 ألف وافد، وأكثر من 226 ألف عائد سوري، وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات السورية.

توافد الأسر اللبنانية والسورية النازحة عبر معبر العريضة بطرطوس (إكس)

ووفق سائق تاكسي كان يعمل على خط دمشق - بيروت قبل استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي للطريق الدولي قرب معبر المصنع، فجر الجمعة، وخروج الطريق عن الخدمة؛ فإن دخول الوافدين من لبنان عبر معبر جديدة يابوس المقابل لمعبر المصنع استمر سيراً على الأقدام، ولكن بأعداد أقل بكثير من السابق.

وكشف السائق لـ«الشرق الأوسط»، أن حركة العبور إلى الأراضي السورية بعد خروج طريق بيروت - دمشق عن الخدمة؛ تكثفت في معبر العريضة بمحافظة طرطوس على الساحل السوري والحدودي مع لبنان والمقابل لمعبر العريضة في الجانب اللبناني.

وذكر السائق أن أغلبية من كانوا يعملون على خط دمشق - بيروت انتقلوا للعمل على خط العريضة، وتحدّث السائق عن أجور خيالية لطلبات نقل الركاب من دمشق إلى طرطوس ومنها إلى لبنان عبر معبر العريضة، لافتاً إلى أن أجرة الطلب من دمشق تصل إلى ما بين 3 – 4 ملايين ليرة سورية، في حين كانت من معبر جديدة يابوس ما بين مليون ومليون ومائتي ألف.