الجيش اللبناني: باسكال سليمان قتله خاطفوه ونقلوا جثته إلى سوريا

«القوات» اعتبراه اغتيالاً سياسياً وميقاتي دعا إلى ضبط النفس

مناصرون لـ«القوات» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف سليمان (إعلام القوات)
مناصرون لـ«القوات» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف سليمان (إعلام القوات)
TT

الجيش اللبناني: باسكال سليمان قتله خاطفوه ونقلوا جثته إلى سوريا

مناصرون لـ«القوات» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف سليمان (إعلام القوات)
مناصرون لـ«القوات» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف سليمان (إعلام القوات)

أعلن الجيش اللبناني، ليل الاثنين، أن منسق حزب «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل (شمال لبنان) باسكال سليمان، المخطوف منذ الأحد، قُتِل من قبل الخاطفين أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل (شمال لبنان)، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا. وقالت قيادة الجيش في بيان: «تمكنت مديرية المخابرات في الجيش من توقيف معظم أعضاء العصابة السوريين المشاركين في عملية الخطف، وتبين خلال التحقيق معهم أن المخطوف قتل من قبل خاطفيه». وأشارت إلى أن قيادة الجيش «تنسق مع السلطات السورية لتسليم الجثة، وتستكمل التحقيقات بإشراف النيابة العامة التمييزي».

وكان التحرك السريع للجيش اللبناني، بحثاً عن قيادي المخطوف سليمان، طوق توتراً سياسياً وشعبياً تصاعد في منطقة جبيل في شمال محافظة جبل لبنان وانتهى بإقفال المدينة وأوتوستراد بيروت - الشمال، احتجاجاً على اختطافه.

المخطوف باسكال سليمان (الوكالة الوطنية)

وخطف مسلحون مجهولون يستقلون سيارتين في منطقة جبيل، منسق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان خلال عودته إلى منزله بمفرده بعد ظهر الأحد. وانتشرت مقاطع صوتية لرجل قال إنه كان يتحدث في تلك اللحظة مع سليمان حينما سمع صوته يخاطب مسلحاً اعترضه، ويطلب منه عدم قتله وأنه أب لأطفال. وأشار المتحدث في المقطع الصوتي إلى أن سليمان اختًطف ويجب بدء البحث عنه.

عُثر على هاتف المخطوف مرمياً في بلدة ميفوق، حيث أظهرت الكاميرات سيارة باسكال سليمان في بلدة ترتج – جبيل متجهة نحو جرد البترون.

وتحدثت معلومات عن أن الخاطفين بدّلوا السيارة في شمال لبنان، وانطلقوا باتجاه الحدود السورية، حيث يُعتقد أن الخاطفين فروا إليها.

وأثارت الحادثة غضباً واسعاً، حيث تجمع مناصرو «القوات اللبنانية» في مركز للحزب في منطقة جبيل، وهدّدوا بالتصعيد وإغلاق الطرقات في حال عدم الإفراج عنه. وشارك رئيس الحزب سمير جعجع المناصرين في وقفتهم، وأعطى تعليماته لتهدئة الأمور، في وقت انضم ممثلون لـ«حزب الكتائب اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» إلى المحتجين؛ تضامناً مع عائلته وحزبه.

وتحركت الأجهزة الأمنية بسرعة، وطالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأجهزة المعنية «بتكثيف التحقيقات والتنسيق في ما بين الأجهزة الأمنية لكشف ملابسات القضية في أسرع وقت وإعادة المواطن سالماً إلى عائلته». وبالفعل، كانت استخبارات الجيش فجر الاثنين قد ألقت القبض على مجموعة من المشتبه بهم، وقالت قيادة الجيش في بيان إن مديرية المخابرات «تمكّنت بعد متابعة أمنية من توقيف عدد من السوريين المشاركين في عملية الخطف»، لافتة إلى أن «المتابعة متواصلة لتحديد مكان المخطوف ودوافع العملية».

ومساء، دعا ميقاتي لضبط النفس. وقال في بيان إنه تبلغ من الأجهزة الأمنية المعنية نبأ مقتل سليمان، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية كانت باشرت منذ انتشار نبأ اختطافه تحرياتها واستقصاءاتها لكشف الفاعلين والضالعين في الجريمة وإعادة المخطوف إلى عائلته سالماً، "لكن يبدو أن الجهات الخاطفة التي تستمر التحقيقات لكشف كامل هويتها، عمدت إلى تصفيته".

وتابع ميقاتي: "في هذه الظروف العصيبة، ندعو الجميع إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة وعدم الانجرار وراء الشائعات والانفعالات".

«القوات اللبنانية»: جريمة سياسية

من جانبه، قال حزب «القوات اللبنانية»، في بيان: «بعد أن تبلغنا بأسف شديد ووجع كبير وغضب لامتناهٍ، نبأ استشهاد رفيقنا العزيز والغالي باسكال سليمان، نطلب من الأجهزة الأمنية والقضائيّة التحقيق الجدّي والعميق مع الموقوفين في هذه القضية، لتبيان خلفيتها الحقيقيّة». وأضاف: «إنّ ما سرِّب من معلومات حتى الآن عن دوافع الجريمة لا يبدو منسجمًا مع حقيقة الأمر، إنما نعتبر استشهاد الرفيق باسكال سليمان عملية قتل تمّت عن عمد وعن قصد وعن سابق تصور وتصميم، ونعتبرها حتى إشعار آخر عملية اغتيال سياسية حتى إثبات العكس».

وتابع «القوات»: «إننا في هذه المناسبة الحزينة والأليمة نشكر أهالي جبيل عمومًا وبلديّاتها واتّحاد بلديّاتها خصوصًا، كما نشكر كل الأحزاب السياسيّة الحلفاء وفي طليعتها حزبا (الكتائب) و(الوطنيين الأحرار)، والمستقلين الذين هبّوا منذ اللحظة الأولى لاستنكار الحادثة معنا أشدّ استنكار، ونشكر أيضًا جميع اللبنانيين الذين اعتبروا هذا المصاب مصابهم ويعبر عن وجعهم بغياب الدولة الفعلية. وبالمناسبة، نطلب من كافة المواطنين والرفاق والأصدقاء الذين تجمعوا في الساحات وفي الطرقات في محاولة للضغط على الجهات الخاطفة لعدم إكمال جريمتهم، نطلب منهم جميعًا ترك الساحات وفتح الطرقات وبخاصّة أنّ يوم الأربعاء هو أول أيّام عيد الفطر المبارك، والتهيئة لاستقبال حاشد لجثمان الشهيد بما يليق به، كما التهيئة لوداعه بحشود كبيرة تشكّل رسالة رفض لسياسة الأمر الواقع والخطف والاغتيال والقتل وإبقاء لبنان ساحة فوضى وفلتان، كما التهيئة للخطوات اللاحقة التي سنتّخذها».وتوجه «القوات» بالعزاء من عائلة الشهيد باسكال سليمان، أهله وزوجته وأولاده وأقربائه وبلدته ورفاقه، و«نعدهم بأنّ دماء الشهيد باسكال لن تذهب هدرًا كما دماء كلّ شهدائنا الأبرار الذين باستشهادهم بقيت في لبنان مساحة حرية وكرامة وعنفوان»، مؤكداً أن «المسيرة مستمرة دفاعًا عن القضية التي آمن بها الشهيد باسكال سليمان، ومخطئ مَن يظن أنّه بالاغتيال يستطيع تخويفنا وترهيبنا وردعنا عن استكمال مسيرتنا بقيام الدولة الفعلية التي يشعر فيها المواطن بالأمن والآمان. فقتل باسكال سليمان هو قتل لكل مواطن ينشد الحرية ويريد العيش بسلام مع عائلته ويخطِّط لمستقبله، ولن نسمح بتيئيس اللبنانيين وإحباطهم ودفعهم إلى الهجرة، وكما واجهنا في ظروف أصعب، سنواصل النضال دفاعا عن القيم التي نؤمن بها، والنصر دائمًا لأبناء الحياة وأصحاب الحقّ».

9 موقوفين

وبلغ عدد الموقوفين تسعة حتى قبل ظهر الاثنين، تبين أن أحدهم ضالع في عملية الخطف، حسبما أكدت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أنه في فترة بعد الظهر، «بلغ عدد الموقوفين المتورطين في العملية أربعة، مع إلقاء القبض على آخرين ضالعين بالخطف». وقالت المصادر إن الملاحقة متواصلة، وتجري تحقيقات حثيثة ومتواصلة لمعرفة مكان وجود المخطوف لتحريره، ولمعرفة الدوافع والجهات المخططة أيضاً، وليس المنفذين فقط. وقالت إنه حتى مساء الاثنين: «لم تتمكن السلطات اللبنانية بعد من تحديد موقع احتجازه».

جعجع يعطي توجيهاته لمناصريه بحضور نواب في مركز «القوات» ليل الأحد

وتولّت «مديرية المخابرات» مهام التحقيق والمتابعة والملاحقة والتوقيف، كما تولت مهمة تفريع كاميرات المراقبة، وتقوم بالمهمة بالتنسيق مع القضاء المختص. وقال مصدر قضائي إن الأجهزة الأمنية ما زالت تجري تحرياتها لتحديد مكان باسكال سليمان وتحريره، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «أربعة موقوفين من التابعية السورية، أحدهم اعترف بأنه شارك في عملية الخطف، وأنه هو من دلّ على مكان سيارة المخطوف التي جرى ركنها في منطقة الميناء في طرابلس، قبل نقله إلى سيارة أخرى».

فرضية نقله إلى سوريا

وأشار المصدر إلى أن هناك «معلومات لدى عدد من الأجهزة تجري مقاطعتها»، لافتاً إلى أن أحد الأجهزة «تحدث عن إمكانية وجوده في المنطقة الحدودية بين بلدة القصر اللبنانية وريف القصير السورية، وهناك تنسيق مع المخابرات السورية من أجل تحريره». وأوضح أن المعلومات الأولية «ترجّح أن الخاطفين يعملون لصالح عصابة حرّضت على خطف سليمان وأعطت المعلومات التي سهلت عملية اختطافه التي قد تكون دوافعها مالية».

إقفال طرق

وساهم التحرك السريع والمعطيات التي قدمتها قيادة الجيش عن الجهود والتوقيفات، في تهدئة الغصب، وتجنيب البلاد الانزلاق إلى توتر سياسي ومذهبي في منطقة مختلطة سكانياً، ويسكنها المسيحيون والشيعة في فضاء جبيل.

مناصرون لـ«القوات» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف سليمان (إعلام القوات)

وأقفل مناصرو «القوات» أوتوستراد جبيل الذي يصل بيروت بطرابلس، منذ ليل الأحد، واقتصرت حركة المرور على الطريق البحرية التي شهدت حركة سير كثيفة. وتجمع شبان من «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» وحزب «الوطنيين الأحرار» و«التيار الوطني الحر»، مع عدد من نواب تكتل «الجمهورية القوية»، رافضين فتح الأوتوستراد قبل معرفة مصير منسق «القوات» في القضاء باسكال سليمان. والتزمت المؤسسات التجارية والسياحية والتربوية بدعوة حزب «القوات» للإقفال التام؛ احتجاجاً على اختطافه.

وأكد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب زياد الحواط أن «لا شيء مؤكداً حتى الساعة عن مصير سليمان، وأن القوى الأمنية ومخابرات الجيش اللبناني يبذلون منذ الأحد، الجهود لمعرفة مصيره»؛ آملاً أن «تحمل الساعات المقبلة خبراً ساراً».

وزار راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، عائلة المخطوف سليمان؛ وذلك لإبداء التضامن مع العائلة والصلاة لعودته سالماً لمحبيه ولعائلته.

تضامن وتنديد سياسي

وأعربت قوى سياسية عن تضامنها مع عائلة سليمان، ونددت باختطافه وحذرت من تداعيات تلك العمليات الأمنية. وثمّن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب في بيان، موقف «القوات اللبنانية» الذي «تحلى بروح المسؤولية العالية في أصعب ظروف تمر بها البلاد»، محذراً من «أن الفلتان الأمني الحاصل يجب أن يوضع له حد في أسرع وقت؛ كونه قد يؤدي إلى فتنة لا تحمد عقباها».

ووصف رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل عملية الخطف بأنها «تطور خطير جداً»، وطالب الأجهزة الأمنية كافة «بالتنسيق في ما بينها والعمل لكشف ملابسات ما حصل».

وأدان «الحزب التقدمي الاشتراكي» الحادثة، وطالب الأجهزة الأمنية ببذل كل الجهود لكشف ملابسات هذه الحادثة وخلفياتها، وتأمين عودته سالماً، وأن تتم محاسبة المرتكبين والمتورطين، وإحقاق القانون درءاً لمزيد من الاحتقان والتوترات.

وقال النائب أشرف ريفي في بيان، إن العملية تأتي «في ظروف مشبوهة، لتضع لبنان أمام مخاطر أمنية تهدد استقراره أو ما تبقى من الاستقرار». وأعرب عن استنكاره وإدانته لعملية الخطف المشبوهة هذه، وطالب الأجهزة الأمنية «بالعمل سريعاً على كشف مرتكبي هذه الجريمة النكراء وعودته سالماً لأهله وذويه، منعاً لأي التباس أو انجرار لبنان إلى حالةٍ من الفوضى لا تُحمد عقباها».

وكشف النائب رازي الحاج لقناة «إم تي في» أن «الساعات الماضية كانت عصيبة جداً وأن ما حصل الأحد وضعنا أمام خيار صعب»، مشدداً على «أننا متمسكون وما زلنا بخيار الدولة ولا يمكن أن نستمر في شريعة الغاب وفي دولة يتم فيها التعدي على المواطنين». ولفت إلى «أننا لم نعد نحتمل غياب القانون والمسؤولية ونسعى لبناء الدولة المرجوّة».


مقالات ذات صلة

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.