6 أشهر على حرب جنوب لبنان: قرى فارغة و«تدمير إسرائيلي ممنهج» للشريط الحدودي

عدد القتلى تخطى 300... و«نكبة» زراعية وتربوية

مسعفون يبحثون عن نازحين بين أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في مرجعيون الجمعة (أ.ف.ب)
مسعفون يبحثون عن نازحين بين أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في مرجعيون الجمعة (أ.ف.ب)
TT

6 أشهر على حرب جنوب لبنان: قرى فارغة و«تدمير إسرائيلي ممنهج» للشريط الحدودي

مسعفون يبحثون عن نازحين بين أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في مرجعيون الجمعة (أ.ف.ب)
مسعفون يبحثون عن نازحين بين أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في مرجعيون الجمعة (أ.ف.ب)

وجد اللبناني محمد (37 عاماً) في الإعلان عن موعد تشييع أحد أبناء بلدته الخيام قبل أسبوعين فرصة لزيارة البلدة التي غادرها قبل 5 أشهر. كان يرى أن السير مع موكب الجنازة الذي انطلق من النبطية طريقة «أكثر أماناً»، في ظل تحليق متواصل للمسيّرات الإسرائيلية، وذلك لتفقد البلدة وأحوال مَن بقي من أهلها، وإخراج بعض مدخراته من منزله. وتفاجأ إثر الزيارة التي لم تطل أكثر من ساعتين بحجم الدمار جراء قصف إسرائيلي «دفعني للبكاء حين وجدت منزل جاري مدمراً بالكامل».

ويتقاسم زوار المنطقة الحدودية في جنوب لبنان الانطباع نفسه لدى إجراء زيارات خاطفة إلى بلداتهم ومنازلهم التي «تعرضت لتدمير ممنهج»، وما نجا منها من السقوط، «تعرض لأضرار، أقلها تحطم الزجاج»، كما يقول محمد. لكنه في الوقت نفسه، يعدُّ نفسه ناجياً بإخلائه لمنزله؛ ذلك أن «الخروج من المنطقة بحد ذاته إنجاز، لنحمي أنفسنا من اعتداءات متواصلة لا تفرّق بين مدني وغير مدني».

والتدمير في الخيام على قساوة مشهده، حسب وصف الزائرين، لا يزال أقل بكثير مما اختبرته قرى وبلدات حدودية أخرى، بينها عيتا الشعب التي تتصدر حجم التدمير، تليها كفركلا وميس الجبل وعيترون وبليدا. يقول متطوع في منظمة إغاثية دولية عَبَر في كفركلا أخيراً، إن حجم الدمار «رهيب»، وطال أكثر من 400 منزل، مشيراً إلى أن هذا الانطباع «ينسحب على عيتا الشعب التي لم يخلُ أحد أحيائها من دمار طال مربعات سكنية بأكملها»، جراء غارات جوية إسرائيلية عنيفة تدك البلدات الحدودية منذ 6 أشهر.

نصف عام من الحرب... الضحايا بالأرقام (الشرق الأوسط)

تدمير وحدات سكنية

وكثف الجيش الإسرائيلي، منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضرباته على القرى والبلدات الحدودية التي تصاعدت وتيرتها من قصف مدفعي إلى غارات بالمسيرات، وصولاً إلى القصف الجوي بقنابل ضخمة تحملها المقاتلات.

وتقول مصادر رسمية في الجنوب إن «أكثر من 4 آلاف اعتداء طالت 23 بلدة تقع مباشرة على الشريط الحدودي مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر»، بينما تعرضت بلدات ملاصقة تقع إلى العمق اللبناني لقصف جوي ومدفعي أيضاً، «لكن بوتيرة أقل»، وتجاوز عدد القرى المستهدفة 90 قرية، وفق تقرير صادر عن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» بلبنان، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، واستهدف بعضها منازل ومنشآت ومواقع غير مأهولة.

وتغيب الإحصاءات الدقيقة لأعداد الوحدات السكنية التي تعرضت لتدمير كامل أو جزئي أو أضرار، بسبب وتيرة المعارك التي حالت دون وصول الجهات الرسمية إلى سائر المناطق لإجراء إحصاءاتها، لكن التقديرات الأولية تتحدث عن أكثر من 1200 وحدة سكنية تعرضت لتدمير كامل، بينما تشير التقديرات إلى نحو 5 آلاف وحدة سكنية تعرضت لتدمير جزئي أو أضرار، مجددة التأكيد على أن الأضرار لا يمكن إحصاؤها بدقة قبل أن يتمكن الموظفون الرسميون من إجراء معاينة ميدانية.

100 ألف نازح

ودفع القصف الإسرائيلي نحو 100 ألف لبناني من المقيمين الدائمين في الجنوب للنزوح من منازلهم، حسب أرقام الحكومة اللبنانية، وتتصدرها القرى التي تسكنها أغلبية شيعية من السكان، تليها قرى تسكنها أغلبية سنية مثل الضهيرة ويارين والبستان ومروحين، وتتراوح نسبة الإخلاء في القرى الملاصقة للحدود بين 80 و90 في المائة. أما القرى والبلدات التي تسكنها أغلبية مسيحية أو درزية، فلا يزال 70 في المائة من المقيمين الدائمين فيها، في منازلهم، حسبما تقول مصادر ميدانية.

وإضافة إلى النزوح، حرم القصف عشرات آلاف آخرين من اللبنانيين المتحدرين من القرى الواقعة مباشرة على الحدود، من ارتياد قراهم التي يزورونها موسمياً أو في المناسبات. ويبدو أثر ذلك واقعاً في أحياء مدينة بيروت والضاحية الجنوبية لبيروت التي باتت تشهد اكتظاظاً غير عادي منذ بدء الحرب في 8 أكتوبر الماضي.

وتقل نسبة الإخلاء في القرى الواقعة على الخط الثاني من الحدود، أي تلك التي تبعد بين 5 و10 كيلومترات عن الشريط الحدودي، واستقبل بعضها نازحين من قرى الشريط الحدودي. وتقول مصادر أممية معنية بالإغاثة إن «هناك تقديرات بوجود 58500 لبناني لا يزالون مقيمين في تلك القرى، واستضافوا بضع مئات من النازحين».

أطفال يلهون في مركز إيواء للنازحين ببلدة المروانية جنوب لبنان (أ.ب)

خسائر بشرية

ويتبادل «حزب الله» وفصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان مع الجيش الإسرائيلي قصفاً يومياً أسفر عن سقوط قتلى وجرحى على جانبي «الخط الأزرق» الفاصل، معظمهم في لبنان.

ووثقت «الدولية للمعلومات» مقتل 68 مدنياً منذ بدء الحرب، هم 23 امرأة، و15 رجلاً، و8 أطفال، و3 صحافيين، و19 مسعفاً.

ويتوزع المسعفون على 3 جهات أساسية، حيث نعت «الهيئة الصحية الإسلامية» التابعة لـ«حزب الله» 9 من المتطوعين فيها، كما نعت «جمعية كشافة الرسالة الإسلامية» التابعة لـ«حركة أمل» 3 من المتطوعين فيها، كما نعت «الجمعية الطبية الإسلامية» 7 مسعفين قُتِلوا بضربة واحدة استهدفت بلدة الهبارية في الأسبوع الماضي.

وإلى جانب المدنيين، نعى «حزب الله» 262 مقاتلاً من صفوفه، كما نعت «حركة أمل» 17 مقاتلاً، ونعى الجيش اللبناني جندياً واحداً، كما نعت «الجماعة الإسلامية» 3 مقاتلين، ونعى «الحزب السوري القومي الاجتماعي» مقاتلاً واحداً. ووثقت الحكومة اللبنانية أكثر من ألف جريح أصيبوا جراء القصف الإسرائيلي.

ويتصدر المقاتلون الذين يتحدون من البلدات الحدودية لائحة العناصر الذين نعاهم «حزب الله» و«أمل»، ونعى في كل من عيتا الشعب وكفركلا 9 مقاتلين، و7 مقاتلين في كل من عيترون ومركبا، و6 في كل من خربة سلم والطيبة، و5 من ميس الجبل، حسب إحصاء أجرته «الدولة للمعلومات» في الشهر الماضي.

من تشييع «حزب الله» عباس رعد نجل رئيس كتلة الحزب النيابية في نوفمبر الماضي (أ.ب)

الجنوب منكوب زراعياً

وكشف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يوم الخميس الماضي، أنه عقد اجتماعاً مع منظمات الأمم المتحدة وسفراء الدول المانحة والمعنية، بشأن «ما يحصل في الجنوب، وطلبنا المساعدة السريعة»، وذلك على ضوء الحرب المتواصلة، مطالباً بوقف الحرب. وأشار إلى أن «الكارثة الكبرى هي في الإضرار بالقطاع الزراعي، فهناك 800 هكتار (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع) تضررت بشكل كامل»، ولفت إلى أن «340 ألف رأس ماشية فُقِدت (قتلت في قصف على مزارع)، ونحو 75 في المائة من المزارعين فقدوا مصدر دخلهم النهائي». ورأى ميقاتي «وجوب أن تعلن الحكومة منطقة الجنوب منكوبة زراعياً، خصوصاً أن المشكلة ستنسحب على السنوات المقبلة». كما قال إن الأزمة «تنسحب على القطاع التربوي، فهناك نحو 75 مدرسة مغلقة نهائياً، ناهيك بملف إعادة إعمار ما تهدم، وأولوية البحث عن مصادر التمويل».


مقالات ذات صلة

تأكيد لبناني لـ«جدية» التفاوض لوقف النار

المشرق العربي نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب مجتمعاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (صورة أرشيفية)

تأكيد لبناني لـ«جدية» التفاوض لوقف النار

عبَّر نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب عن تفاؤل حذر في إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، واصفاً التفاوض بـ«الجدي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي خلفهها صاروخ ل"حزب الله" في "بتاح تكفا" قرب تل أبيب أمس (أ.ف.ب)

بيروت ـــ تل أبيب... يوم الصواريخ والغارات

عاش لبنان وإسرائيل، أمس، يوماً عنيفاً من الغارات والصواريخ؛ إذ شنّت إسرائيل عشرات الغارات، بعضها على ضاحية بيروت الجنوبية وفي الجنوب حيث مسحت حياً بأكمله، في…

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب) play-circle 00:42

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

أعاد «حزب الله» تفعيل معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» التي كثيراً ما رفعها، عبر استهداف قلب إسرائيل.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

تجددت الغارات الإسرائيلية (الأحد) على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 12 موقعاً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة، والاستعاضة عنه بالتعليم من بعد.

وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، الأحد، أن قرار الوزير «يشمل بيروت الإدارية وساحل المتن الشمالي وساحل الشوف وساحل بعبدا، وذلك غداً الاثنين».

أشارت الوكالة إلى أن الوزير الحلبي مدد «مفاعيل التعميم الذي ألزم بموجبه المؤسسات التربوية الخاصة التي تعتمد التعليم الحضوري، بأن يتلازم ذلك مع التعليم من بعد، حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024».

وأكد أن «هذه التدابير، هدفها المحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية والأهالي، في ظل الأوضاع الخطرة الراهنة».

يأتي القرار وسط تصعيد القصف الإسرائيلي، حيث أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام بأن إسرائيل تشن سلسلة غارات مكثفة على حارة حريك وبئر العبد والغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أفادت، في وقت سابق الأحد، بأن نحو 200 صاروخ أطلقت من لبنان على وسط وشمال إسرائيل.