لبنان يربح «الوقت الإضافي» لاستكمال التزاماته مع صندوق النقد

التواصل مستمر بعد انقضاء سنتين على الاتفاق الأولي… وشكوك في جدية المسؤولين

خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين (موقع رئاسة الحكومة)
خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين (موقع رئاسة الحكومة)
TT

لبنان يربح «الوقت الإضافي» لاستكمال التزاماته مع صندوق النقد

خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين (موقع رئاسة الحكومة)
خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين (موقع رئاسة الحكومة)

اقتصر الاحتفاء بمرور سنتين على توقيع الاتفاق الأولي بين لبنان وصندوق النقد الدولي على النفي الرسمي من قبل الطرفين لوضعه «قيد الإلغاء»، فيما تترسخ القناعة المشتركة بتعذر الاستجابة اللبنانية، على المستويات التشريعية والتنفيذية والإجرائية، لكامل شروط الصندوق بشأن الإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية الشاملة، التي تفضي إلى اتفاق يتيح الاستحصال على «تسهيل الصندوق الممدّد»، وبتمويل يقارب 3 مليارات دولار.

وبدت لافتة في المناسبة، جولة المدير التنفيذي للصندوق، محمود محيي الدين، في بيروت، والحرص على دحض «ما يشاع عن إبطال للاتفاق الأولي»، مؤكداً «ثباته واستمراريته وتطويره تماشياً مع الضرورات المحلية».

وشمل جدول اجتماعاته خلال اليومين الماضيين، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير المال يوسف الخليل، فضلاً عن مسؤولين كبار في القطاعين المالي والنقدي.

شكوك في قبول منظومة الحكم الشروط الدولية

ورغم هذه الإيجابيات الشكلية، لاحظ مسؤول مالي معني، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن الاتفاق عالق بالفعل في محطته الأولى، وما من إشارات جديّة تشي بتجديد انطلاقته في وقت قريب، لا سيما بعد توسع الفراغات في الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى مراكز قيادية في مؤسسات حيوية، وتكريس اقتصار مهام الحكومة على «تصريف الأعمال»، والشلل المستحكم في أنشطة الإدارات العامة، ثم دخول تعقيدات مضافة جراء اندلاع حرب غزّة وتمدّد المواجهات العسكرية إلى الحدود الجنوبية.

ويسود اعتقاد عام يقارب اليقين، حسب المسؤول المالي، بأن السلطات المحلية، أو ما اصطلح على تسميته «منظومة الحكم»، ليست أساسا في وارد القبول بأغلب الشروط الدولية المدرجة في الاتفاق الأولي. وبالتالي، فإن الانتظار سيطول إلى أمد غير محدّد لالتزام استراتيجية الإصلاح المستهدفة لاستعادة النمو والاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على إعادة الإعمار، والمشروطة مسبقا بإعادة هيكلة الدين العام الخارجي، التي ستؤدي إلى مشاركة كافية من الدائنين لإعادة الدين إلى حدود مستدامة وسد فجوات التمويل.

تقدم في المجال النقدي

ومع ذلك، رصد المسؤول المالي تقدماً واضحاً في الميدان النقدي، ونجاعة السياسات الجديدة التي تعتمدها القيادة الجديدة للبنك المركزي برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، وخصوصاً لجهة إرساء استقرار في سعر الصرف، والسعي الصريح لتعميمه في الموازنة العامة وفي مجمل موازنات القطاع المالي، وإعادة تعزيز الاحتياطات النقدية السائلة عبر آليات متاحة في قانون النقد والتسليف، ما يمهد فعلياً لإقامة نظام للنقد والصرف يتسم بالموثوقية والشفافية، ويستجيب لشرط قيام مصرف لبنان بتوحيد أسعار الصرف لمعاملات الحساب الجاري المصرح بها، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة المصداقية وسلامة الوضع الخارجي.

وإلى جانب إطلاق عملية إصلاح إداري داخلي، يتماهى التقدم النقدي المحقق مع التوصية الدولية بضرورة استرشاد البنك المركزي بالأهداف الكلية المؤدية إلى خلق ظروف تسمح بتراجع التضخم، بما في ذلك عن طريق اعتماد نظام نقدي جديد، وكذلك التركيز على إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي والحفاظ على سعر صرف موحد يحدده السوق، ما سيساعد القطاع المالي على العمل، ويسهم في تحسين توزيع الموارد في الاقتصاد، ويسمح باستيعاب الصدمات الخارجية.

تحسن في إدارة المالية العامة

وبرز تقدم مماثل، وإن كان غير كاف، في إدارة المالية العامة، أفضى شكلياً إلى التوازن النسبي بين موارد الخزينة والإنفاق العام، بعد امتناع البنك المركزي عن ضخ أي تمويل جديد للقطاع العام، والاستمرار بالعزل غير الإيجابي لموجبات الدين العام في قوانين الموازنة النافذة للسنوات الأخيرة، ما يؤخر موجبات إعادة هيكلة الدين العام الخارجي، ويحجب تلقائياً مشاركة كافية من الدائنين لإعادة الدين إلى حدود مستدامة وسد فجوات التمويل.

وجرى إعلام الموفد الدولي بملامح مشروع موازنة العام المقبل، والإجراءات المقترحة التي تستهدف تعزيز الاستقرار المالي وتنشيط العجلة الاقتصادية، بعدما نوّه بالتطور الإيجابي الملحوظ على الصعيد التمويلي للخزينة، والذي أفضى إلى استقرار مالي ونقدي رغم الظروف القاهرة التي تمرّ بها البلاد على الصعد المؤسساتية والإقليمية، ليلاحظ، وفق البيان الرسمي لوزارة المال، أن التعافي المالي أصبح على المسار المرجو إلى حدّ ما.

هيكلة المصارف ومشكلة الودائع

لكنه أكد في المقابل أن لا نهوض بالاقتصاد ما دامت التشريعات في ما خصّ إعادة هيكلة المصارف وحلّ موضوع الودائع بطريقة مستدامة لم تتم، مشيراً إلى أن عدم التوافق والبتّ في هذه الأمور سيُلحق كلفة باهظة بالنسبة للمودع وللاقتصاد، ومبدياً بالتالي «استعداد الصندوق لدعم الجهود التي تبذلها وزارة المالية في هذا السياق، واستعداده لتأمين كافة المساعدات التقنية المطلوبة لدعم لبنان في هذه المرحلة الحساسة».

ويظل في سجل أبرز الالتزامات اللبنانية غير المنفذّة، الشروع جدياً بإعادة هيكلة القطاع المالي، لكي تستعيد البنوك مقومات الاستمرار وقدرتها على تخصيص الموارد بكفاءة لدعم التعافي، حيث يتعثر التوافق الداخلي على توحيد المقاربات الخاصة بتوزيع أثقال الفجوة المالية المقدرة بنحو 73 مليار دولار، كما تتباين الطروحات إلى حد التناقض بين الشطب والاقتطاع والإيفاء في طروحات معالجة حقوق المودعين في البنوك التي تتعدى حالياً 90 مليار دولار.

ويتعيّن، حسب الموجبات التي التزمها الجانب اللبناني، استعادة صحة القطاع المالي والمقومات اللازمة لاستمراره، حتى يتمكن لبنان من تبديد عدم اليقين الحالي وتهيئة الظروف المواتية لتحقيق نمو اقتصادي قوي، حيث تبرز عقبة الاحتياجات الضخمة لإعادة الرسملة الكلية في الجهاز المصرفي، والتي تتطلب الاعتراف بالخسائر في البداية والعمل على توزيعها.

تأخر في إصلاح القطاع العام

كما تتأخر، وبشكل ملحوظ، كل حزمات الإصلاحات الهيكلية في القطاع العام المترهل، واستطراداً إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، لا سيما قطاع الطاقة، لتقديم خدمات ذات جودة دون استنزاف الموارد العامة. كذلك، لم يتم تسجيل أي جهود آيلة إلى تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد بغية تدعيم الشفافية والمساءلة، باستثناء العمل لتطوير الاستجابة في حصر مكامن الخلل القانوني والإجرائي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ورغم موافقة البرلمان على تعديل قانون السرية المصرفية لمواءمته مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد، والإزالة الفعالة للعقبات أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي والرقابة عليه، فإن التأخير مستمر في إقرار تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي.

كذلك، لم يلتزم الجانب اللبناني حتى الساعة، بالشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كل على حدة، بمساعدة خارجية، من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.


مقالات ذات صلة

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة.

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.