غارات إسرائيلية توقع 44 قتيلاً بينهم 7 من «حزب الله» في حلب

تصعيد غير مسبوق ضد إيران في سوريا... وطهران تندد بقوة

طائرة تلقي قنابل فوق سوريا قرب الحدود الإسرائيلية - السورية (أرشيفية - رويترز)
طائرة تلقي قنابل فوق سوريا قرب الحدود الإسرائيلية - السورية (أرشيفية - رويترز)
TT

غارات إسرائيلية توقع 44 قتيلاً بينهم 7 من «حزب الله» في حلب

طائرة تلقي قنابل فوق سوريا قرب الحدود الإسرائيلية - السورية (أرشيفية - رويترز)
طائرة تلقي قنابل فوق سوريا قرب الحدود الإسرائيلية - السورية (أرشيفية - رويترز)

في تصعيد هو الأعنف، شهدت الساحة السورية في أقل من أسبوع عدداً كبيراً من الغارات على مواقع كثيرة تتبع طهران وحلفاءها في محافظات دير الزور وحلب وريف دمشق، وذلك بالترافق مع تطورات ميدانية تنذر بأيام ساخنة آتية، بعدما أوقعت غارات جوية دموية قرب مطار حلب الدولي، فجر الجمعة، 44 قتيلاً عسكرياً بينهم 7 من «حزب الله»، ما أثار تنديداً قوياً من طهران التي اتهمت إسرائيل بالسعي إلى توسيع نطاق الأزمة في المنطقة.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» (معارض مركزه لندن) إن غارات إسرائيلية طالت مستودعاً للصواريخ لـ«حزب الله»، ويقع بالقرب منه مركز للتدريب في منطقة جبرين، قرب مطار حلب الدولي، مواقع في بلدة السفيرة.

أضاف المرصد أن عدد القتلى (44) مرشح للارتفاع نظراً لوجود كثير من المصابين بحالة حرجة.

وأشار إلى أن الدفاعات الجوية السورية فشلت في التصدي للصواريخ الإسرائيلية.

نيران عقب الغارات على حلب فجر الجمعة (موقع شبكة أخبار سوريا)

وأشار المرصد إلى أنّ القصف الجوي الإسرائيلي استهدف كذلك في مدينة السفيرة الواقعة جنوب شرقي مدينة حلب، «معامل الدفاع التي كانت تابعة لوزارة الدفاع السورية قبل أن تسيطر عليها مجموعات إيرانية». ووفق المرصد «تعد هذه الحصيلة من القتلى من قوات النظام الأعلى خلال الضربات الإسرائيلية التي طالت مناطق سورية» منذ كثّفت الدولة العبرية استهدافها مواقع في سوريا إثر اندلاع الحرب ضدّ حركة «حماس» في قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ورأى المرصد أن هذا الهجوم يعد «الأعنف في الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ 3 سنوات».

وكالة «رويتز» نقلت عن 3 مصادر أمنية قولها إن 5 من مقاتلي «حزب الله» بين القتلى. وذكر أحد المصادر أن أحدهم قائد ميداني قتل شقيقه في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان في نوفمبر (تشرين الثاني).

الدمار الذي أحدثته الغارات على حلب فجر الجمعة (موقع «حلب الآن»)

وقالت «رويترز» إن هذا الهجوم هو «الأسوأ حتى الآن من حيث عدد القتلى خلال الحملة الإسرائيلية المكثفة على حلفاء إيران في سوريا». مشيرة إلى أن إسرائيل كثفت غاراتها الجوية على كل من «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني بالترافق مع ترسيخ «طهران ووكلائها وجودهم في أرجاء سوريا بما يشمل المناطق المحيطة بحلب والعاصمة دمشق.

ولفتت «رويترز» إلى أن إسرائيل قصفت المطارات الدولية في دمشق وحلب مراراً على مدى سنوات «لعرقلة تدفق الأسلحة إلى حلفاء إيران في المنطقة، لكن الغارات منذ السابع من أكتوبر تسقط أعداداً أكبر من القتلى، ودفعت إيران إلى سحب بعض من كبار ضباطها من سوريا». ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر عسكري قوله إنّ ضربات جوية إسرائيلية، الجمعة، تسبّبت بسقوط قتلى وجرحى من «مدنيين وعسكريين». وأضاف المصدر أن القصف الإسرائيلي استهدف «عدداً من النقاط في ريف حلب». وبينما أحجمت إسرائيل عن التعليق أدانت إيران تلك الضربات، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في تصريحات صحافية، الجمعة، إن الهجوم الإسرائيلي على حلب يشكل «تهديداً جاداً للسلام الإقليمي والدولي». كما عَدَّ الهجوم المذكور «محاولة بائسة من قبل إسرائيل لتوسيع الأزمة في المنطقة للتعويض عن فشلها في غزة»، مطالباً بتحرك دولي لوقف ما سمّاها «المغامرة الخطيرة».

صورة للرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الإيراني علي خامنئي عند مدخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق خلال توزيع مساعدات رمضانية في 26 مارس 2024 (أ.ف.ب)

أضاف كنعاني: «هذه الهجمات جاءت متسقة ومتزامنة مع هجمات المجموعات الإرهابية المنتشرة في سوريا ضد مناطق من هذا البلد، وهي دليل بيّن على دعم الكيان الإسرائيلي الإرهابي لهذه المجموعات والتيارات الإرهابية الموجودة في سوريا والتي استهدفت على مدى سنوات، الأمن القومي السوري والأمن في المنطقة والتي راح ألوف المواطنين الأبرياء ضحية أهدافها المقيتة وحماتها». وزارة الدفاع السورية قالت في بيان لها الجمعة إن «وحدات من قواتنا المسلحة العاملة في ريف حلب الغربي تصدت، صباح الجمعة، لهجوم مجموعات إرهابية مسلحة تابعة لما يسمى تنظيم (جبهة النصرة)، وأوقعت جميع عناصرها بين قتيل وجريح، وتمكنت من سحب عدد من جثث الإرهابيين القتلى منهم يتبعون ما يسمى (كتيبة الغرباء التركـستان)».

ولفتت وزارة الدفاع إلى تزامن الهجوم مع «العدوان الجوي الإسرائيلي على ريف حلب، ومحاولة الاعتداء بالطيران المسيَّر من قبل الإرهابيين على المدنيين في مدينة حلب وهجوم مجموعات تابعة لتنظيم (داعـش) الإرهابي على بعض مواقعنا في محيط تدمر».

وكان مصدر عسكري سوري قد صرح، فجر الجمعة، أن إسرائيل شنت «عدواناً جوياً» بعد منتصف ليل الخميس من اتجاه أثريا جنوب شرقي حلب، وجرى استهداف عدد من النقاط في ريف حلب. ولفت المصدر العسكري في تصريحه لوكالة الأنباء السورية (سانا) إلى أن ذلك تزامن مع «اعتداء بالطيران المسيَّر نفذته التنظيمات الإرهابية من إدلب وريف حلب الغربي في محاولة منها لاستهداف المدنيين في مدينة حلب ومحيطها»، ووفق المصدر أسفر «العدوان الإسرائيلي عن استشهاد وجرح عدد من المدنيين والعسكريين، ووقوع خسائر مادية بالممتلكات العامة والخاصة». وفي السياق نفسه قالت «سانا» إن مدنيين قُتلا، ووقعت أضرار مادية جراء «عدوان إسرائيلي، الخميس، استهدف مبنى سكنياً بريف دمشق».

وسبق تلك التطورات بساعات قليلة هجوم آخر شنته إسرائيل على موقع في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق. ووفق مصدر وقع «عدوان جوي من اتجاه الجــولان السوري المحتل استهدف أحد المباني السكنية في ريف دمشق»، مساء الخميس، وأسفر عن مقتل مدنيين وبعض الخسائر المادية.

مبنى استهدفته غارة جوية بدير الزور في 26 مارس 2024 (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «صوت العاصمة» المعارض بأن المبنى الذي استُهدف يقع على أطراف مدينة السيدة زينب، ويتبع «الحرس الثوري». ونقل عن مصادر خاصة قولها إن الغارة الإسرائيلية استهدفت مبنى «تستخدمه الميليشيات الإيرانية لعقد اجتماعات على أطراف السيدة زينب من جهة مطار دمشق الدولي». ووفق المصادر، وقع الهجوم بعد ساعتين من عقد اجتماع ضم قياديين من «الحرس الثوري» و«حزب الله» وضباط سوريين وآخرين عراقيين في «الحشد الشعبي».

ووفق معلومات «المرصد السوري» فإن الضربة استهدفت مزرعة لـ«حزب الله» وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة 5 من حراس المزرعة.

وأظهرت صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي انهيار المبنى المستهدف بشكلٍ كامل مع وقوع أضرار في بعض السيارات المركونة جانب المبنى.

يشار إلى أن يوم الخميس شهد سلسلة هجمات على مواقع عدة في ريف حلب وريف دمشق، وأعلن خلاله عن اغتيال ضابط سوري برتبة عميد ركن مقرب من «حزب الله»، وذلك بتفجير عبوة ناسفة بسيارته صباح الخميس، في منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق.

وأفاد «المرصد السوري» بأن العميد هو «مهندس ألغام ومتفجرات، ومسؤول التنسيق مع «حزب الله» والميليشيات الموالية للحزب في جنوب غربي دمشق عند الحدود السورية اللبنانية والحدود مع الجولان السوري المحتل بريف القنيطرة».

ووضع المرصد عملية اغتيال العميد الركن في سياق ازدياد «حوادث اغتيال ضباط وصف ضباط المقربين من (حزب الله) والميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري».

وفي غضون ذلك، فرّ 12 سجيناً من عناصر وقيادات تنظيم «داعش» من سجن تشرف عليه الشرطة العسكرية التابعة للقوات التركية في ناحية بلبل في ريف عفرين ضمن منطقة «غصن الزيتون».

وقال المرصد السوري الحقوق الإنسان إن ذلك جرى «بتواطؤ وتعاون مباشر من عناصر وقيادات الشرطة العسكرية».

وأشار المرصد إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية في مناطق «درع الفرات»، و«غصن الزيتون» و«نبع السلام» تضم قيادات من تنظيم «داعش».


مقالات ذات صلة

مقتل شخص وإصابة 2 في السويداء بانفجار قنبلة يدوية

المشرق العربي تصاعد الدخان جرّاء اشتباكات السويداء في يوليو الماضي (أرشيفية-د.ب.أ)

مقتل شخص وإصابة 2 في السويداء بانفجار قنبلة يدوية

أفادت قناة «الإخبارية السورية»، اليوم الأربعاء، بمقتل شخص وإصابة 2 في السويداء بانفجار قنبلة يدوية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال يدخنون الشيشة خارج محل لبيع تبغ في ريف اللاذقية 25 سبتمبر (رويترز)

قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين

الناطق باسم «اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي»: القيادة السورية ترى الأمور من منظور أوسع، وهذا لا يعني قبول الجرائم الكبرى بل محاسبة من ارتكب جرائم خطيرة.

«الشرق الأوسط» (القرداحة (سوريا))
أوروبا جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

كشف ممثلو ادعاء، اليوم الثلاثاء، أن الشرطة ​الهولندية ألقت القبض على رجل سوري عمره 29 عاماً يشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
المشرق العربي عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

أوقفت السلطات السورية 21 شخصاً متهمين بالارتباط بحكم بشار الأسد في غرب البلاد وفقاً للتلفزيون الرسمي بُعيد فرض حظر تجوّل بمدينة اللاذقية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لبنانيون يعودون إلى الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 نوفمبر 2024 إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (أرشيفية - إ.ب.أ)

تجمّع سكني لـ«حزب الله» في شرق لبنان يطرح تساؤلات أمنية وسياسية

تقدمت النائبة غادة أيوب بسؤال إلى الحكومة «حول قيام (حزب الله) بإنشاء هذا المجمع خارج أي إجراء رسمي واضح» في وقت لا تزال فيه المعلومات بشأنه ساكنيه غير واضحة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كيف أخفى نظام الأسد آثار جرائمه؟

عنصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في غرفة تحت الأرض بمكاتب ماهر الأسد على مشارف دمشق (أ.ف.ب)
عنصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في غرفة تحت الأرض بمكاتب ماهر الأسد على مشارف دمشق (أ.ف.ب)
TT

كيف أخفى نظام الأسد آثار جرائمه؟

عنصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في غرفة تحت الأرض بمكاتب ماهر الأسد على مشارف دمشق (أ.ف.ب)
عنصر من قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة في غرفة تحت الأرض بمكاتب ماهر الأسد على مشارف دمشق (أ.ف.ب)

تكشف آلاف الوثائق السرية، إلى جانب شهادات مسؤولين سابقين وشهود مباشرين، عن منظومة متكاملة أنشأها النظام السوري خلال حكم بشار الأسد لإخفاء أدلة الجرائم الواسعة التي ارتُكبت إبان الحرب الأهلية، في مسعى منهجي للتهرب من المساءلة الدولية.

ففي خريف عام 2018، ومع تصاعد التسريبات حول المقابر الجماعية ومراكز التعذيب السرية، وصل رؤساء الأجهزة الأمنية السورية في مواكب من سيارات الدفع الرباعي السوداء إلى القصر الرئاسي المطلّ على دمشق، لعقد اجتماع وُصف بأنه من الأكثر حساسية منذ اندلاع النزاع.

وبحسب شخصين اطّلعا على مجريات اللقاء، ناقش المجتمعون سبل «تحسين إخفاء الآثار»، في ظل مخاوف متزايدة من أن تتحول الوثائق الرسمية إلى أدلة إدانة في محاكم دولية. وخلال الاجتماع، اقترح مسؤول أمني حذف هويات المعتقلين الذين قضوا في السجون السرية من السجلات الرسمية، بما يضمن «عدم ترك أي أثر ورقي». وقد وافق رئيس مكتب الأمن القومي آنذاك، علي مملوك، على دراسة المقترح.

تزوير الأدلة ومسح السجلات

بعد أشهر، بدأت الأجهزة الأمنية بالفعل العبث الممنهج بالأدلة. وأظهر تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» أن مسؤولين زوّروا وثائق رسمية لإخفاء أماكن احتجاز المعتقلين الذين توفوا تحت التعذيب، كما حُذفت أرقام الفروع الأمنية وأرقام التعريف الخاصة بالمعتقلين.

وفي بعض الحالات، صدرت أوامر بتلفيق اعترافات مكتوبة لمعتقلين قُتلوا أثناء الاحتجاز، في محاولة لمنح عمليات القتل غطاءً قانونياً شكلياً. وتم لاحقاً إتلاف الأصول بعد نسخها بطرق بدائية.

صورة ضخمة لبشار الأسد ملقاة على الأرض بعد هروبه على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

وثائق «سري للغاية»

راجع التحقيق آلاف الصفحات من الوثائق الداخلية السورية، بينها مذكرات مصنفة «سري للغاية»، جرى تصوير العديد منها داخل فروع أمنية سيئة السمعة، تضم سجوناً داخل منشآتها. كما أُجريت مقابلات مع أكثر من 50 شخصاً، بينهم مسؤولون أمنيون سابقون، ومحققون، وحراس سجون، وأطباء شرعيون، وعمال شاركوا في دفن الجثث، وقد أكد كثير منهم صحة الوثائق.

وتقدم هذه المواد، مجتمعة، الصورة الأكثر اكتمالاً حتى الآن عن كيفية تعامل النظام السوري، لحظة بلحظة، مع تصاعد الضغوط الدولية والعزلة السياسية، وسعيه إلى طمس آثار منظومة القمع التي أنشأها.

وبحسب الأمم المتحدة، اختفى أكثر من 100 ألف شخص خلال حكم الأسد، وهو رقم لم تسجله أي دولة منذ الحقبة النازية. وتُظهر الوثائق أن إخفاء هذا الرقم تطلب جهداً إدارياً وأمنياً معقداً، شمل اجتماعات حول الخطاب الإعلامي، وآليات التعامل مع عائلات المعتقلين، وتنسيقاً بين الأجهزة المختلفة.

من التوثيق إلى الخطر

في السنوات الأولى للحرب، وثّقت الأجهزة الأمنية أنشطتها بدقة: استجوابات مكتوبة، ووفيات مسجلة، وجثث مصورة. لكن هذا التوثيق تحوّل لاحقاً إلى عبء ثقيل.

وفي يناير (كانون الثاني) 2014، هُرّبت صور أكثر من 6 آلاف جثة من السجون السرية، على يد مصور عسكري عُرف بالاسم الرمزي «قيصر». وأظهرت الصور آثار تعذيب وإعدامات، لتشكل أول دليل بصري واسع النطاق على الجرائم.

وبعد تقديم الصور إلى مجلس الأمن من قبل فرنسا، تحرك النظام سريعاً. ففي أغسطس (آب) 2014، عقد مسؤولون عسكريون وأمنيون اجتماعاً مع خبراء قانونيين لوضع استراتيجية مضادة، ركزت على التشكيك في مصداقية الصور، وتجنب الخوض في تفاصيلها، والسعي لتقويض صورة «قيصر» نفسه.

المقابر الجماعية

على الأرض، أشرف ضباط، من بينهم العقيد مازن إسمندر، على دفن آلاف الجثث في مقابر جماعية حول دمشق. وبعد تسريب مواقع بعض هذه المقابر، أُمرت الفرق بنبش الجثث ونقلها إلى مناطق صحراوية نائية.

ووصف شهود عمليات نقل مروعة لجثث مدنيين، بينهم مسنون ومجردون من الملابس. وقال أحدهم: «كانوا مدنيين وعسكريين وعجائز بلحى بيضاء... كنت أبحث عن أثر لابن عمي، لكنني لم أجد شيئاً».

الانهيار والملاحقة

رغم العقوبات الدولية وقانون «قيصر»، استمر التعذيب، بل تصاعد، وفق محققين سابقين، وسط مخاوف من أن يشكل المعتقلون المفرج عنهم لاحقاً شهوداً محتملين.

وبحلول عام 2023، بدأت الملاحقات القضائية تطول شخصيات بارزة، مع صدور مذكرات توقيف فرنسية بحق علي مملوك، وبشار الأسد، وشقيقه ماهر. وأظهرت نقاشات داخلية تخلياً تدريجياً عن سياسة الإنكار المطلق.

العميد الطيار حمزة محمد الياسين متهم بارتكاب جرائم حرب (الداخلية السورية)

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، انهار النظام سريعاً، ودخلت قوات المعارضة دمشق، بينما فرّ الأسد وكبار مساعديه إلى روسيا. كما فرّ العقيد إسمندر حاملاً صندوقاً خشبياً يضم بطاقات هوية لضحايا، وزّعها على بعض مساعديه ظناً أنها قد تنقذهم.

ولا يزال إسمندر طليقاً حتى اليوم.


أسير محرر كان مقرباً من السنوار يقود ثورة داخل «حماس» بغزة ويُغضب بعض قادتها

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية- رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية- رويترز)
TT

أسير محرر كان مقرباً من السنوار يقود ثورة داخل «حماس» بغزة ويُغضب بعض قادتها

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية- رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية- رويترز)

تشهد حركة «حماس» في قطاع غزة، سلسلة تغييرات قيادية، بعد الاغتيالات التي طالت قياداتها خلال الحرب الإسرائيلية التي استمرت عامين، ما أفرز حضوراً أكبر لمقربين من قائد الحركة السابق، الراحل يحيى السنوار، الذي قتل بشكل مفاجئ في اشتباكات مع قوة إسرائيلية برفح في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

وحسب مصادر من «حماس» تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الأسير المحرر علي العامودي -وهو عضو مكتب سياسي، وكان مسؤولاً عن الدائرة الإعلامية للحركة قبل الحرب- أصبح مُسيِّراً لأعمال مكتبها السياسي في قطاع غزة، بعدما تم تكليفه وعدد من المقربين من السنوار، بإدارة الحركة في القطاع، وغالبيتهم ممن يقطنون في خان يونس جنوب القطاع.

صورة أرشيفية لزعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار وإلى جواره إسماعيل هنية في عام 2017 (رويترز)

والعامودي -وهو محرَّر أُفرج عنه خلال صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011- أصبح الشخصية المركزية والمحورية في إدارة القطاع، وكان من الأشخاص المقربين جداً من السنوار، خلال فترة اعتقالهما في السجون الإسرائيلية، وعند تحررهما، ورافقه كثيراً في كثير من الاجتماعات والمناسبات، وغيرها.

وتقول بعض المصادر إنه لم تجرِ انتخابات فعلية داخل قطاع غزة للمكتب السياسي، وإنما جرت العملية بطريقة التكليف والتزكية والتشاور.

وبينما قالت مصادر أخرى إن العملية جرت «بطريقة الالتفاف على القوانين الداخلية»، أوضحت أخرى أن الهدف مما جرى «هو سد أي خلل داخلي»، وأن «جميع من تم اختيارهم هم مقربون من السنوار، مثل توفيق أبو نعيم، وصلاح أبو شرخ، وغيرهما».

وتقول المصادر إن العامودي يقود حالياً ما يمكن وصفه بـ«الثورة» داخل حركة «حماس» بغزة، وأقدم على إعفاء بعض القيادات المحلية؛ خصوصاً من مسؤولي الهيئات الإدارية للمناطق، ممن أصيبوا في هجمات إسرائيلية، من مناصبهم، وعين بدلاء لهم، وكذلك فعل مع آخرين تخلوا عن بعض مسؤولياتهم في فترة الحرب، بينما لا يزال يبحث عن تعيين آخرين بدلاً من قادة سابقين اغتيلوا، أو تمت إقالتهم لظروف أخرى من مناصبهم، أو نقلهم لمناصب أخرى.

ووفقاً لبعض المصادر، فإن هذه التحركات أدت إلى حالة من الغضب في أوساط قيادات محلية من «حماس» داخل القطاع، وكذلك قيادات من الخارج، وإن هناك أعضاء مكتب سياسي في خارج القطاع، أبلغوا القيادات المحلية بأن «ما جرى غير مقبول، ومخالف للقوانين الداخلية، ويجب انتظار انتخاب رئيس للحركة خلال الأيام المقبلة، حتى يتم التوافق على سد الشواغر داخل قيادة بعض الأقاليم بشكل مؤقت، لحين إجراء الانتخابات العامة بعد عام».

عز الدين الحداد (صورة نشرتها «القسام»)

وتقول المصادر إن «حالة الفوضى» التي تعم المستوى السياسي داخل «حماس» في قطاع غزة، تقابلها حالة من الاستقرار لدى الجناح العسكري الذي يواصل ترتيب هيكليته بطريقة سلسة ومنتظمة، مبينة أن عز الدين الحداد، الرئيس الجديد لهيئة أركان «كتائب القسام»، يعقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات، ويتخذ قرارات مختلفة لتعيين قيادات بديلة لتلك التي اغتيلت أو قُتلت خلال فترة الحرب. كما أنه يحاول المساعدة في تجاوز أي تباينات أو خلافات على المستوى السياسي، من خلال التواصل المستمر مع جميع الأطراف، بما يضمن حالة من الاستقرار على مختلف المستويات.

وحسب المصادر، فإن الحداد يعمل على سد الشواغر في المناصب القيادية المختلفة، ومنها قادة ألوية بعض المناطق، بينما أبقى على آخرين كانوا قد اختيروا لتسيير أعمال تلك الألوية بعد اغتيال قادتها الأساسيين.

واغتالت إسرائيل، خلال الحرب، غالبية قادة ألوية قطاع غزة (الشمالي– الأوسط– خان يونس– رفح) عدا «لواء مدينة غزة» الذي كان يقوده عز الدين الحداد، وتم تعيين بديل له هو مهند رجب.

صورة أرشيفية لمقاتلين من حركة «حماس» في غزة (رويترز)

وتعاني «حماس» بمختلف أجنحتها ومستوياتها من أزمات مالية عدة، نتيجة استهداف إسرائيل مواردها المختلفة، إلا أنها لم تتوقف بشكل كلي خلال الحرب أو بعدها عن صرف الرواتب والمخصصات، بنسب وأوقات متفاوتة ومختلفة.

وفعلياً تواجه «حماس» مرحلة شديدة التعقيد لم تمر بها منذ تأسيسها عام 1987، عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي بدأته بمهاجمة المواقع والبلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، والذي دفع إسرائيل لشن حرب طويلة، كما يقول مراقبون لشؤون الحركة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، إن الحركة «دخلت مرحلة تختلط فيها الخسارة العسكرية مع الإنهاك التنظيمي، والارتباك السياسي، إضافة إلى قلق وجودي على مستقبلها ودورها».

وبين إبراهيم أن الحرب الإسرائيلية ضربت منظومة القيادة واتخاذ القرار، بعد أن فقدت «حماس» غالبية أعضاء مكتبها السياسي، ومسؤولي اللجان الإدارية التي أدارت القطاع لسنوات، الأمر الذي أحدث فراغاً قيادياً عميقاً لم يكن من السهل احتواؤه، الأمر الذي أظهر خلافات داخل الحركة بشأن مستقبلها والمرحلة المقبلة، وهل ستكون مرحلة حكم، أم نجاة تنظيمية، أم مجرد إدارة أزمة طويلة الأمد؟

وتقول مصادر عدة من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن القول إن الأمور جيدة وتسير بسلاسة. هناك تحديات كثيرة، وما يجري طبيعي في ظل حرب مدمرة لم تبقِ شيئاً، وتسببت في اغتيال غالبية قيادات الحركة. والفراغ القيادي طبيعي في حركة ذات قاعدة قيادية وجماهيرية واسعة داخل وخارج فلسطين، والتباينات الحالية أيضاً تعد طبيعية، لحين إجراء انتخابات متكاملة بعد عام».


عباس: لا دولة فلسطينية دون غزة

مبانٍ مدمرة في قطاع غزة (رويترز)
مبانٍ مدمرة في قطاع غزة (رويترز)
TT

عباس: لا دولة فلسطينية دون غزة

مبانٍ مدمرة في قطاع غزة (رويترز)
مبانٍ مدمرة في قطاع غزة (رويترز)

أكّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة مثّلت تحولاً تاريخياً ونوعياً في مسار القضية الوطنية الفلسطينية، وأعادت صياغة الهوية الوطنية لشعبنا الفلسطيني الذي انبعث من غياهب النكبة عام 1948، مشيراً إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإمساكه بقراره الوطني المستقل.

ونقلت «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» (وفا)، الأربعاء، عن عباس قوله، في بيان صادر بمناسبة الذكرى الـ61 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، انطلاقة حركة «التحرير الوطني الفلسطيني» (فتح)، إن «تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على التراب الوطني الفلسطيني بعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية حقيقة حتمية جسّدها صمود شعبنا الفلسطيني على أرض وطنه، لن يستطيع أحد أو قوة أياً كان منع حدوثها».

ودعا «الشعب الفلسطيني إلى التكاتف في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ القضية الوطنية الفلسطينية؛ عبر الحفاظ على المنجزات الوطنية التي تحققت بالكفاح وبالآلاف المؤلفة من الشهداء والجرحى والأسرى»، مطالباً بـ«إيلاء المصالح الوطنية العليا لشعبنا الأولوية، تحت مظلة (منظمة التحرير الفلسطينية) الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا وبرنامجها السياسي والتزاماتها الدولية».

وأوضح عباس أن «مجريات التاريخ أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن أي مشروعات تستهدف وحدانية الشرعية الفلسطينية الممثلة بـ(منظمة التحرير الفلسطينية) لم ولن يكتب لها النجاح»، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني «سيحبط بوعيه كل المشروعات التي تتربص بوحدته الكيانية والسياسية والجغرافية، وأنه لا دولة فلسطينية في غزة، ولا دولة فلسطينية دون غزة».