ما حدود «التوظيف السياسي» للماضي في الدراما التاريخية؟

من «قيامة أرطغرل» و«ممالك النار» إلى «الحشاشين»

كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
TT

ما حدود «التوظيف السياسي» للماضي في الدراما التاريخية؟

كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)

مع كل عمل للدراما التاريخية تثور تساؤلات لا تزال مفتوحة، لا تتعلق فقط بمدى مصداقية تلك الأعمال وتحقيقها التوافق بين حرية الإبداع والخيال، وبين احترام الحقيقة التاريخية، بل بات الأمر يتعلق بطبيعة المغزى السياسي من وراء استدعاء التاريخ عبر تلك الأعمال التي لا تخلو - بحسب كثير من المتابعين والمتخصصين - من «ترميز متعمد للواقع».

ورغم أن هذا الجدل ليس بجديد، بل صار مصاحباً لمعظم الأعمال الدرامية العربية التي تستلهم التاريخ، فإن السنوات الأخيرة أضافت بعداً لافتاً للجدل المصاحب للدراما التاريخية، يرتبط بالتوظيف السياسي والآيديولوجي لتلك الأعمال، وإذا ما كان استدعاء التاريخ في تلك المواد الدرامية يحمل في طياته أهدافاً أبعد من مجرد تناول سير لشخصيات مركبة ومثيرة لجدل سياسي وفكري في كثير من الأحيان، إضافة إلى ما يحمله تسليط الضوء على فترات تاريخية وأحداث منتقاة بعناية من إسقاطات ذات مغزى على الواقع الراهن.

ولعل الجدل الكبير الذي أثاره مسلسل «الحشاشين» الذي يُعرض حالياً خلال شهر رمضان على عدد من الشاشات المصرية والعربية، يعيد طرح العديد من تلك التساؤلات عن حدود التوظيف السياسي والآيديولوجي للتاريخ، التي لا تزال بلا إجابة حاسمة.

خالد النبوي في مشهد من «ممالك النار»

فبحسب نقاد فنيين وأكاديميين في التاريخ تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن جُل الأعمال الدرامية التاريخية غالباً ما تحمل «وجهة نظر سياسية أو آيديولوجية تعبر عن منتجي أو صناع العمل»، إلا أن ثمة ضوابط ينبغي مراعاتها في تقديم هذه الأعمال، وفي مقدمتها احترام الحقائق الكبرى للتاريخ دون تزييف، فضلاً عن ضرورة الاستعانة بمتخصصين لسد الفجوات وتحقيق التناسق بين ما هو خيالي وبين ما هو تاريخي لدرء كثير من الثغرات التي قد تقلل من مصداقية بعض الأعمال الدرامية التي تستلهم التاريخ.

اختيارات عمدية

وربما كانت الدراما التاريخية العربية واحدة من أقدم أشكال الدراما التي تم توظيفها سياسياً أو آيديولوجياً، وربما وجدت تلك الأعمال طريقاً سلكتها قبلها الأعمال الأدبية لكُتاب مثل جورجي زيدان، وأمين معلوف، ونجيب محفوظ، وعلي أحمد باكثير، وتوفيق الحكيم، ومحمد فريد أبو حديد، وغيرهم كثيرون.

إلا أن تقديم الأعمال الدرامية التاريخية على شاشتي السينما والتلفزيون وتوظيفها سياسياً، تعود إلى حقبة الستينات من القرن الماضي، وهنا يستدعي الناقد الفني طارق الشناوي واحداً من أشهر الأعمال السينمائية العربية وهو فيلم «الناصر صلاح الدين»، والذي أُنتج عام 1963 للمخرج يوسف شاهين، وتشاركت كتابته مجموعة من أشهر الأسماء الأدبية المصرية آنذاك مثل يوسف السباعي ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي، وساهمت المؤسسة العامة للسينما في مصر، وهي جهة مملوكة للدولة في تمويل إنتاجه.

ويشير الشناوي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الهدف من إنتاج ذلك العمل الضخم في ذلك الحين، كما قيل وقتها هو إسقاط سياسي عبر استلهام بطولة السلطان صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس على عصر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو ما تكشفه بشكل واضح دلالة اختيار اسم الفيلم.

ويعتقد الشناوي أن اختيار كاتب الدراما التاريخية أي حقبة زمنية أو شخصية يريد تقديمها مهما كانت طبيعتها «يجب أن تنطوي على وجهة نظر سواء كانت سياسية أو فكرية أو اجتماعية يريد أن يطرحها من خلال تقديم تلك الشخصية»، عادّاً أنه «لا توجد دراما تاريخية من أجل سرد التاريخ، بل من الطبيعي أن يكون لها هدف واضح وسبب يبرر ذلك الاختيار».

ولا يخلو الأمر، وفق رأيه من «تعمد في ذلك الاختيار لهدف محدد يراه صناع العمل»، وهو ما لا يراه عيباً، بل هو «جزء من طبيعة صناعة الدراما».

ترميز الواقع

وبالفعل، اكتسبت الكثير من الأعمال الدرامية التاريخية العربية التي جرى تقديمها خلال السنوات الأخيرة، سواء لشخصيات دينية أو لحقب تاريخية كانت حافلة بصراعات لا تزال تحمل دلالات ترتبط بالواقع، فلا يمكن إغفال الرمزية التي تطرحها المسلسلات التاريخية؛ لأن كثيراً ما يربط المشاهد تلقائياً بين الأحداث التاريخية وبين الواقع، وأحياناً يتم استدعاء لحظة تاريخية قديمة للترميز للواقع الحالي لترسيخ اعتقاد بأن الواقع لا يختلف عن الماضي.

لكن ذلك لا يعني أن تجنح الدراما التاريخية إلى «التزييف والتحريف»، بل على كاتبها «أن يتصرف مع المادة التاريخية المدونة وفقاً لمقتضيات الفن الدرامي من جهة، ووفقاً لرؤيته الفكرية وأسئلته الإنسانية دون أن يخل بالحقائق التاريخية أو يتعسف في استقراء المادة التاريخية على نحو فج خدمة لمنظور آيديولوجي مسبق»، كما يحذر الأديب والكاتب الفلسطيني وليد سيف، والذي يُعد واحداً من أبرز صناع الدراما التاريخية العربية، في سيرته الذاتية «الشاهد والمشهود».

والحقيقة أن الدراما التاريخية العربية قدمت خلال عقود العديد من الأعمال التي لم تكن تثير كل هذا القدر من الجدل حول التوظيف السياسي؛ إذ ركزت على تقديم سير لشخصيات أقل إثارة للجدل وليست محل خلاف سياسي أو آيديولوجي كبير مثل «خالد بن الوليد» و«عمر بن عبد العزيز» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الإمام الترمذي» و«الإمام الشافعي».

وحتى عندما قدمت الدراما المصرية سيرة شخصيات جدلية مثل عمرو بن العاص أو الخليفة العباسي هارون الرشيد ركزت تلك الأعمال على البعد الإنساني دون السياسي في إطار الدفاع عن تلك الشخصيات.

لقطة من مسلسل «قيامة أرطغرل»

إلا أن السنوات الأخيرة حملت بموازاة تفجر الكثير من الصراعات السياسية والآيديولوجية والمذهبية في المنطقة، صعوداً للاستدعاء الدرامي الذي لا يخلو من توظيف للتاريخ، فنجد على سبيل المثال محاولة لمواكبة صعود فكرة «العثمانية الجديدة»، والتمهيد لأدوار تركية أكثر تأثيراً في المنطقة بعد أحداث ما بات يُعرف بـ«الربيع العربي» عبر استخدام أدوات درامية تركية حققت شعبية على الشاشات العربية.

وبرز من تلك الأعمال التركية مسلسلات «حريم السلطان» الذي سلط الضوء على واحد من أبرز سلاطين العثمانيين وهو السلطان سليمان القانوني، ومسلسل «قيامة أرطغرل» وهو العمل الذي يعرض مقدمات ودوافع تأسيس الدولة العثمانية من خلال عرض سيرة حياة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه، قائد قبيلة قايي من أتراك الأوغوز المسلمين ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، وبدأ عرضه في ثلاثة أجزاء متوالية ابتداءً من نهاية عام 2014.

في المقابل، مثّل مسلسل «ممالك النار» رداً درامياً عربياً على الأعمال التاريخية التركية، وهو العمل الذي أنتجته شركة «جينوميديا» الإماراتية سنة 2019، من تأليف محمد سليمان عبد المالك وإخراج المخرج البريطاني بيتر ويبر، ويوثق المسلسل الحقبة الأخيرة من دولة المماليك وسقوطها على يد العثمانيين في بدايات القرن السادس عشر، عبر سلسلة من الخيانات التي استطاع من خلالها العثمانيون أن يجدوا لحكمهم موطئ قدم في المنطقة العربية ولقرون تالية عدة.

التأويل المذهبي للدراما

ولم يقتصر الأمر على تلك المبارزة التاريخية بشأن حقيقة الوجود العثماني في المنطقة، بل وصل إلى إثارة منافسة مذهبية، فأثار الإعلان قبل عامين عن إنتاج مسلسل «معاوية بن أبي سفيان»، والذي يجسد سيرة مؤسس الدولة الأموية وأحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي عبر دوره فيما عرف بـ«الفتنة الكبرى» حالة كبيرة من الجدل عن الهدف من إنتاج العمل.

وفي إطار «التأويل المذهبي» للأعمال الدرامية، أعلنت حينها إحدى القنوات العراقية عن رصدها ميزانية ضخمة لإنتاج مسلسل تاريخي بعنوان «شجاعة أبي لؤلؤة»، رداً فيما يبدو على الاتجاه لإنتاج مسلسل «معاوية بن أبي سفيان»، وأبو لؤلؤة فيروز الذي يشتهر بأبي لؤلؤة المجوسي، هو الرجل الذي اغتال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

وحتى عند تقديم سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، والذي شاركت في إنتاجه مؤسسة قطر للإعلام، لم يخلُ الأمر من إثارة للجدل، ليس فقط حول مدى مشروعية تجسيد واحد من أبرز الشخصيات المركزية في التاريخ الإسلامي على الشاشة، وهو ما يخالف فتاوى عديدة سابقة في هذا الصدد، بل دار الجدل أيضاً بشأن الإسقاطات الآيديولوجية للمسلسل الذي تم تصويره بين عامي 2011 و2012، وهي الفترة التي واكبت صعود جماعات «الإسلام السياسي» في العديد من الدول العربية، وزاد من حدة ذلك الجدل مشاركة شخصيات معروفة بدعمها تنظيم «الإخوان» في مراجعة السياق التاريخي للمسلسل.

الأمية التاريخية

وهنا يرى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، الدكتور محمد عفيفي، أن جهة إنتاج الأعمال الدرامية التاريخية «من الطبيعي أن يكون لها هدف من وراء إنتاج العمل، خاصة في ظل التكلفة الإنتاجية الكبيرة التي تتطلبها هذه العينة من الأعمال»، عادّاً أن الدراما التاريخية «تستدعي التاريخ لخدمة الحاضر، أكثر منها لخدمة الوعي التاريخي أو التعريف بالماضي».

ويوضح عفيفي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة ضوابط ينبغي توافرها عند استلهام التاريخ في الأعمال الدرامية، ومن أبرز تلك الضوابط عدم تغيير الوقائع الثابتة تاريخياً، مثل سنوات وقوع الأحداث، أو الشخصيات المحورية الصانعة للحدث، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى ضرورة عدم الانزلاق إلى عدّ الدراما التاريخية مرجعاً أو مصدراً تاريخياً، فهي في النهاية «عمل إبداعي يحمل رؤية صنّاعه من مؤلفين ومخرجين، ويحتمل وجود مساحة من الخيال».

ويُرجع أستاذ التاريخ، والذي كانت له العديد من الدراسات المتقدمة بشأن الاعتماد على مصادر غير رسمية في التأريخ لبعض الأحداث الكبرى في التاريخ المصري، حالة الجدل التي تثيرها الدراما التاريخية إلى ما يصفه بـ«الأمية التاريخية لدى معظم المتلقين للمحتوى الدرامي»، ويشرح ذلك بقوله إن غياب الوعي التاريخي نتيجة المقررات المدرسية التي تفتقر إلى تقديم القراءة التاريخية بأسلوب نقدي ومتعدد الرؤى، تجعل كثيراً من المتلقين ينظرون إلى الأعمال الدرامية كمرجع تاريخي وليس كعمل إبداعي يحتمل التأويل، ومن هنا تظهر العديد من المشكلات والأزمات.

لكن الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر لا يخفي سعادته بذلك الجدل الذي تثيره الدراما العربية التي تستلهم التاريخ، مشيراً إلى أنها «حالة صحية» وتدفع صناع تلك الأعمال إلى توخي الدقة مستقبلا، عادّاً أنه «لا داعي للمبالغة في جلد الذات».

ويعرب عفيفي عن اعتقاده بأن استمرار إنتاج أعمال درامية عربية تاريخية حتى في ظل وجود أخطاء أو إثارة حالة من الجدل «أفضل كثيراً من غياب هذا النوع من الإنتاج الدرامي»، مبرراً رأيه بأن غياب تلك الأعمال يفسح المجال أمام «غزو» أعمال تاريخية من دول مثل تركيا وإيران، وغالباً ما تحمل تلك الأعمال الوافدة رؤية سياسية وآيديولوجية لا تعبر بالضرورة عن حقائق التاريخ أو الرؤية العربية، بل تحمل أهدافاً أعمق كثيراً من كونها مجرد أعمال درامية أو ترفيهية.


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
TT

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية، إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني، كريم خان، بسبب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وذكرت الصحيفة أن مايك والتز، الذي سيشغل منصب مستشار الأمن القومي لترمب، قال إن المحكمة الجنائية الدولية «ليست لديها مصداقية»، ووعد «برد قوي على التحيز المعادي للسامية للمحكمة» عندما تتولى إدارة ترمب منصبها في 20 يناير (كانون الثاني).

وأضافت الصحيفة أن كريم خان قد يكون من بين المسؤولين المستهدفين بعقوبات من قبل ترمب.

ومثل إسرائيل، لا تعترف الولايات المتحدة بسلطة المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، ودعا كبار الجمهوريين إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرات الاعتقال.

ويجري التحقيق مع خان بشأن مزاعم سوء السلوك الجنسي وهو ينفي هذه الاتهامات.

وخلال فترة ولايته الأولى في منصبه، فرض ترمب عقوبات على المدعي العام السابق للمحكمة بسبب تحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.

وفي ذلك الوقت، وصف مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، المحكمة بأنها «مؤسسة فاسدة تماماً».

في النهاية، ألغى الرئيس الأميركي جو بايدن العقوبات المفروضة على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، التي تضمنت حظراً للسفر، عندما تولى منصبه في عام 2021، لكن هناك توقع بأن ترمب قد يعيد تنفيذ الاستراتيجية نفسها رداً على معاملة المحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل.

دونالد ترمب (رويترز)

ويمكنه أيضاً سحب مشاركة الولايات المتحدة ومواردها من التحقيقات التي تقودها المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأي عقوبات تُفرض على خان وموظفيه قد تهدد العلاقة بين بريطانيا وترمب إذا اختار رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، الامتثال لأوامر الاعتقال.

وتقود الولايات المتحدة ردود فعل دولية عنيفة ضد المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، حتى مع تردد المملكة المتحدة بشأن ما إذا كانت ستحتجز رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقالت بريطانيا إنها تحترم المحكمة ورفضت الإفصاح عما إذا كان سيتم اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى المملكة المتحدة.

ودعت سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة، تسيبي هوتوفلي، جميع الدول إلى رفض الأمر «الهزلي» للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.

وفي مقال لها في صحيفة «تليغراف»، اتهمت هوتوفلي المحكمة بـ«إيجاد أرضية مشتركة مع حماس»، وقالت: «نشكر الولايات المتحدة والدول الحليفة الأخرى التي رفضت القرار الهزلي للمحكمة وندعو الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها في رفض هذا الظلم. لقد أظهرت المحكمة الجنائية الدولية أن كل زعيم ديمقراطي يسعى إلى الدفاع عن شعبه قد يصبح هدفاً للمحكمة».

وأشارت ألمانيا إلى أنها لن تحتجز نتنياهو بسبب ماضيها النازي وعلاقتها الخاصة بالدولة اليهودية، على الرغم من كونها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

وتعهد فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر العضو في الاتحاد الأوروبي، بتحدي اعتقال نتنياهو، وبدلاً من ذلك دعاه لزيارة بلاده.

وتمثل مذكرة الاعتقال المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية الممتد 22 عاماً التي يسعى فيها قضاتها إلى اعتقال زعيم دولة مدعومة من الغرب.

والدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة، بما في ذلك بريطانيا، مسؤولة عن تنفيذ مذكرات الاعتقال التي تصدرها.

وفي إشارة إلى الانقسامات بين الدول الأوروبية، وعدت آيرلندا وإيطاليا وهولندا باعتقال نتنياهو، إذا وصل إلى أراضيها، وأكدت فرنسا موقف المحكمة لكنها لم تقل ما إذا كان نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا عبر حدودها.

وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، بما في ذلك ألمانيا والمجر، ستكون ملزمة بتنفيذ مذكرات الاعتقال.