ما حدود «التوظيف السياسي» للماضي في الدراما التاريخية؟

من «قيامة أرطغرل» و«ممالك النار» إلى «الحشاشين»

كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
TT

ما حدود «التوظيف السياسي» للماضي في الدراما التاريخية؟

كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)

مع كل عمل للدراما التاريخية تثور تساؤلات لا تزال مفتوحة، لا تتعلق فقط بمدى مصداقية تلك الأعمال وتحقيقها التوافق بين حرية الإبداع والخيال، وبين احترام الحقيقة التاريخية، بل بات الأمر يتعلق بطبيعة المغزى السياسي من وراء استدعاء التاريخ عبر تلك الأعمال التي لا تخلو - بحسب كثير من المتابعين والمتخصصين - من «ترميز متعمد للواقع».

ورغم أن هذا الجدل ليس بجديد، بل صار مصاحباً لمعظم الأعمال الدرامية العربية التي تستلهم التاريخ، فإن السنوات الأخيرة أضافت بعداً لافتاً للجدل المصاحب للدراما التاريخية، يرتبط بالتوظيف السياسي والآيديولوجي لتلك الأعمال، وإذا ما كان استدعاء التاريخ في تلك المواد الدرامية يحمل في طياته أهدافاً أبعد من مجرد تناول سير لشخصيات مركبة ومثيرة لجدل سياسي وفكري في كثير من الأحيان، إضافة إلى ما يحمله تسليط الضوء على فترات تاريخية وأحداث منتقاة بعناية من إسقاطات ذات مغزى على الواقع الراهن.

ولعل الجدل الكبير الذي أثاره مسلسل «الحشاشين» الذي يُعرض حالياً خلال شهر رمضان على عدد من الشاشات المصرية والعربية، يعيد طرح العديد من تلك التساؤلات عن حدود التوظيف السياسي والآيديولوجي للتاريخ، التي لا تزال بلا إجابة حاسمة.

خالد النبوي في مشهد من «ممالك النار»

فبحسب نقاد فنيين وأكاديميين في التاريخ تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن جُل الأعمال الدرامية التاريخية غالباً ما تحمل «وجهة نظر سياسية أو آيديولوجية تعبر عن منتجي أو صناع العمل»، إلا أن ثمة ضوابط ينبغي مراعاتها في تقديم هذه الأعمال، وفي مقدمتها احترام الحقائق الكبرى للتاريخ دون تزييف، فضلاً عن ضرورة الاستعانة بمتخصصين لسد الفجوات وتحقيق التناسق بين ما هو خيالي وبين ما هو تاريخي لدرء كثير من الثغرات التي قد تقلل من مصداقية بعض الأعمال الدرامية التي تستلهم التاريخ.

اختيارات عمدية

وربما كانت الدراما التاريخية العربية واحدة من أقدم أشكال الدراما التي تم توظيفها سياسياً أو آيديولوجياً، وربما وجدت تلك الأعمال طريقاً سلكتها قبلها الأعمال الأدبية لكُتاب مثل جورجي زيدان، وأمين معلوف، ونجيب محفوظ، وعلي أحمد باكثير، وتوفيق الحكيم، ومحمد فريد أبو حديد، وغيرهم كثيرون.

إلا أن تقديم الأعمال الدرامية التاريخية على شاشتي السينما والتلفزيون وتوظيفها سياسياً، تعود إلى حقبة الستينات من القرن الماضي، وهنا يستدعي الناقد الفني طارق الشناوي واحداً من أشهر الأعمال السينمائية العربية وهو فيلم «الناصر صلاح الدين»، والذي أُنتج عام 1963 للمخرج يوسف شاهين، وتشاركت كتابته مجموعة من أشهر الأسماء الأدبية المصرية آنذاك مثل يوسف السباعي ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي، وساهمت المؤسسة العامة للسينما في مصر، وهي جهة مملوكة للدولة في تمويل إنتاجه.

ويشير الشناوي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الهدف من إنتاج ذلك العمل الضخم في ذلك الحين، كما قيل وقتها هو إسقاط سياسي عبر استلهام بطولة السلطان صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس على عصر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو ما تكشفه بشكل واضح دلالة اختيار اسم الفيلم.

ويعتقد الشناوي أن اختيار كاتب الدراما التاريخية أي حقبة زمنية أو شخصية يريد تقديمها مهما كانت طبيعتها «يجب أن تنطوي على وجهة نظر سواء كانت سياسية أو فكرية أو اجتماعية يريد أن يطرحها من خلال تقديم تلك الشخصية»، عادّاً أنه «لا توجد دراما تاريخية من أجل سرد التاريخ، بل من الطبيعي أن يكون لها هدف واضح وسبب يبرر ذلك الاختيار».

ولا يخلو الأمر، وفق رأيه من «تعمد في ذلك الاختيار لهدف محدد يراه صناع العمل»، وهو ما لا يراه عيباً، بل هو «جزء من طبيعة صناعة الدراما».

ترميز الواقع

وبالفعل، اكتسبت الكثير من الأعمال الدرامية التاريخية العربية التي جرى تقديمها خلال السنوات الأخيرة، سواء لشخصيات دينية أو لحقب تاريخية كانت حافلة بصراعات لا تزال تحمل دلالات ترتبط بالواقع، فلا يمكن إغفال الرمزية التي تطرحها المسلسلات التاريخية؛ لأن كثيراً ما يربط المشاهد تلقائياً بين الأحداث التاريخية وبين الواقع، وأحياناً يتم استدعاء لحظة تاريخية قديمة للترميز للواقع الحالي لترسيخ اعتقاد بأن الواقع لا يختلف عن الماضي.

لكن ذلك لا يعني أن تجنح الدراما التاريخية إلى «التزييف والتحريف»، بل على كاتبها «أن يتصرف مع المادة التاريخية المدونة وفقاً لمقتضيات الفن الدرامي من جهة، ووفقاً لرؤيته الفكرية وأسئلته الإنسانية دون أن يخل بالحقائق التاريخية أو يتعسف في استقراء المادة التاريخية على نحو فج خدمة لمنظور آيديولوجي مسبق»، كما يحذر الأديب والكاتب الفلسطيني وليد سيف، والذي يُعد واحداً من أبرز صناع الدراما التاريخية العربية، في سيرته الذاتية «الشاهد والمشهود».

والحقيقة أن الدراما التاريخية العربية قدمت خلال عقود العديد من الأعمال التي لم تكن تثير كل هذا القدر من الجدل حول التوظيف السياسي؛ إذ ركزت على تقديم سير لشخصيات أقل إثارة للجدل وليست محل خلاف سياسي أو آيديولوجي كبير مثل «خالد بن الوليد» و«عمر بن عبد العزيز» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الإمام الترمذي» و«الإمام الشافعي».

وحتى عندما قدمت الدراما المصرية سيرة شخصيات جدلية مثل عمرو بن العاص أو الخليفة العباسي هارون الرشيد ركزت تلك الأعمال على البعد الإنساني دون السياسي في إطار الدفاع عن تلك الشخصيات.

لقطة من مسلسل «قيامة أرطغرل»

إلا أن السنوات الأخيرة حملت بموازاة تفجر الكثير من الصراعات السياسية والآيديولوجية والمذهبية في المنطقة، صعوداً للاستدعاء الدرامي الذي لا يخلو من توظيف للتاريخ، فنجد على سبيل المثال محاولة لمواكبة صعود فكرة «العثمانية الجديدة»، والتمهيد لأدوار تركية أكثر تأثيراً في المنطقة بعد أحداث ما بات يُعرف بـ«الربيع العربي» عبر استخدام أدوات درامية تركية حققت شعبية على الشاشات العربية.

وبرز من تلك الأعمال التركية مسلسلات «حريم السلطان» الذي سلط الضوء على واحد من أبرز سلاطين العثمانيين وهو السلطان سليمان القانوني، ومسلسل «قيامة أرطغرل» وهو العمل الذي يعرض مقدمات ودوافع تأسيس الدولة العثمانية من خلال عرض سيرة حياة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه، قائد قبيلة قايي من أتراك الأوغوز المسلمين ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، وبدأ عرضه في ثلاثة أجزاء متوالية ابتداءً من نهاية عام 2014.

في المقابل، مثّل مسلسل «ممالك النار» رداً درامياً عربياً على الأعمال التاريخية التركية، وهو العمل الذي أنتجته شركة «جينوميديا» الإماراتية سنة 2019، من تأليف محمد سليمان عبد المالك وإخراج المخرج البريطاني بيتر ويبر، ويوثق المسلسل الحقبة الأخيرة من دولة المماليك وسقوطها على يد العثمانيين في بدايات القرن السادس عشر، عبر سلسلة من الخيانات التي استطاع من خلالها العثمانيون أن يجدوا لحكمهم موطئ قدم في المنطقة العربية ولقرون تالية عدة.

التأويل المذهبي للدراما

ولم يقتصر الأمر على تلك المبارزة التاريخية بشأن حقيقة الوجود العثماني في المنطقة، بل وصل إلى إثارة منافسة مذهبية، فأثار الإعلان قبل عامين عن إنتاج مسلسل «معاوية بن أبي سفيان»، والذي يجسد سيرة مؤسس الدولة الأموية وأحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي عبر دوره فيما عرف بـ«الفتنة الكبرى» حالة كبيرة من الجدل عن الهدف من إنتاج العمل.

وفي إطار «التأويل المذهبي» للأعمال الدرامية، أعلنت حينها إحدى القنوات العراقية عن رصدها ميزانية ضخمة لإنتاج مسلسل تاريخي بعنوان «شجاعة أبي لؤلؤة»، رداً فيما يبدو على الاتجاه لإنتاج مسلسل «معاوية بن أبي سفيان»، وأبو لؤلؤة فيروز الذي يشتهر بأبي لؤلؤة المجوسي، هو الرجل الذي اغتال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

وحتى عند تقديم سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، والذي شاركت في إنتاجه مؤسسة قطر للإعلام، لم يخلُ الأمر من إثارة للجدل، ليس فقط حول مدى مشروعية تجسيد واحد من أبرز الشخصيات المركزية في التاريخ الإسلامي على الشاشة، وهو ما يخالف فتاوى عديدة سابقة في هذا الصدد، بل دار الجدل أيضاً بشأن الإسقاطات الآيديولوجية للمسلسل الذي تم تصويره بين عامي 2011 و2012، وهي الفترة التي واكبت صعود جماعات «الإسلام السياسي» في العديد من الدول العربية، وزاد من حدة ذلك الجدل مشاركة شخصيات معروفة بدعمها تنظيم «الإخوان» في مراجعة السياق التاريخي للمسلسل.

الأمية التاريخية

وهنا يرى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، الدكتور محمد عفيفي، أن جهة إنتاج الأعمال الدرامية التاريخية «من الطبيعي أن يكون لها هدف من وراء إنتاج العمل، خاصة في ظل التكلفة الإنتاجية الكبيرة التي تتطلبها هذه العينة من الأعمال»، عادّاً أن الدراما التاريخية «تستدعي التاريخ لخدمة الحاضر، أكثر منها لخدمة الوعي التاريخي أو التعريف بالماضي».

ويوضح عفيفي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة ضوابط ينبغي توافرها عند استلهام التاريخ في الأعمال الدرامية، ومن أبرز تلك الضوابط عدم تغيير الوقائع الثابتة تاريخياً، مثل سنوات وقوع الأحداث، أو الشخصيات المحورية الصانعة للحدث، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى ضرورة عدم الانزلاق إلى عدّ الدراما التاريخية مرجعاً أو مصدراً تاريخياً، فهي في النهاية «عمل إبداعي يحمل رؤية صنّاعه من مؤلفين ومخرجين، ويحتمل وجود مساحة من الخيال».

ويُرجع أستاذ التاريخ، والذي كانت له العديد من الدراسات المتقدمة بشأن الاعتماد على مصادر غير رسمية في التأريخ لبعض الأحداث الكبرى في التاريخ المصري، حالة الجدل التي تثيرها الدراما التاريخية إلى ما يصفه بـ«الأمية التاريخية لدى معظم المتلقين للمحتوى الدرامي»، ويشرح ذلك بقوله إن غياب الوعي التاريخي نتيجة المقررات المدرسية التي تفتقر إلى تقديم القراءة التاريخية بأسلوب نقدي ومتعدد الرؤى، تجعل كثيراً من المتلقين ينظرون إلى الأعمال الدرامية كمرجع تاريخي وليس كعمل إبداعي يحتمل التأويل، ومن هنا تظهر العديد من المشكلات والأزمات.

لكن الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر لا يخفي سعادته بذلك الجدل الذي تثيره الدراما العربية التي تستلهم التاريخ، مشيراً إلى أنها «حالة صحية» وتدفع صناع تلك الأعمال إلى توخي الدقة مستقبلا، عادّاً أنه «لا داعي للمبالغة في جلد الذات».

ويعرب عفيفي عن اعتقاده بأن استمرار إنتاج أعمال درامية عربية تاريخية حتى في ظل وجود أخطاء أو إثارة حالة من الجدل «أفضل كثيراً من غياب هذا النوع من الإنتاج الدرامي»، مبرراً رأيه بأن غياب تلك الأعمال يفسح المجال أمام «غزو» أعمال تاريخية من دول مثل تركيا وإيران، وغالباً ما تحمل تلك الأعمال الوافدة رؤية سياسية وآيديولوجية لا تعبر بالضرورة عن حقائق التاريخ أو الرؤية العربية، بل تحمل أهدافاً أعمق كثيراً من كونها مجرد أعمال درامية أو ترفيهية.


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

إسرائيل تطبق الحصار على مدينة الخيام تمهيداً لاقتحامها

عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز)
TT

إسرائيل تطبق الحصار على مدينة الخيام تمهيداً لاقتحامها

عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطا في بيروت (رويترز)

قطعت القوات الإسرائيلية خطوط الإمداد إلى مدينة الخيام الحدودية في جنوب لبنان، وأحكمت طوقاً نارياً على المقاتلين الموجودين فيها بالقصف المدفعي والجوي، بعد تقدمها إلى بلدة ديرميماس المشرفة على مجرى نهر الليطاني، في محاولة للتوغل إلى وسط المدينة التي لا يزال مقاتلو «حزب الله» يوجدون فيها، ويحاولون التصدي للقوات الإسرائيلية، وذلك بعد 25 يوماً من محاولات السيطرة على المدينة الاستراتيجية.

وتزامنت تلك المحاولات البرية مع مجازر متنقلة، تركزت في بيروت، حيث قُتل 20 شخصاً على الأقل في غارة فجراً، كما انتقلت مساء إلى شرق لبنان، حيث قُتل 13 شخصاً في حصيلة أولية في بوداي وشمسطار... كما تزامنت مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية، أن الوزير لويد أوستن أكد لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أهمية ضمان سلامة وأمن قوات الجيش اللبناني وأفراد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).

وجاء في بيان للوزارة أن أوستن شدد، خلال اتصال مع نظيره الإسرائيلي، على التزام الولايات المتحدة بالتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في لبنان، بما يسمح «بعودة المدنيين الإسرائيليين واللبنانيين إلى منازلهم في المناطق الحدودية». وحث أوستن حكومة إسرائيل على اتخاذ خطوات بغية تخفيف الأوضاع الإنسانية السيئة في غزة، وأكد التزام أميركا بضمان الإفراج عن جميع المحتجزين.

عمال إنقاذ يبحثون عن ناجين جراء غارة إسرائيلية استهدفت شمسطار في شرق لبنان (أ.ف.ب)

معركة الخيام

وقالت مصادر مواكبة للتطورات الميدانية في جنوب لبنان، إن القوات الإسرائيلية تقدمت بالفعل إلى أحياء داخل مدينة الخيام، انطلاقاً من أطرافها الجنوبية والشرقية، ووسعت دائرة التوغل إلى الأطراف الشمالية الشرقية، بغرض إحكام الطوق على المدينة، لكنها شككت في روايات السيطرة على وسط المدينة ومركزها الحيوي، قائلة إن القتال في الأحياء الداخلية «لا يزال مستمراً، بدليل أن القصف المدفعي وقصف المسيرات والغارات الجوية لا تزال تستهدف المدينة».

وقطعت القوات الإسرائيلية خطوط الإمداد الناري المتوقع من الحقول المواجهة للأطراف الغربية، عبر السيطرة على أطراف برج الملوك وتل النحاس وبساتين الزيتون في القليعة المشفرة على سهل مرجعيون، كما توسعت غرباً باتجاه مجرى الليطاني في محاولة لمنع الإسناد المدفعي والصاروخي للقوات المدافعة عن المدينة.

وقالت المصادر إن القوات الإسرائيلية نفذت شعاعاً نارياً لمسافة سبعة كيلومترات على الأقل حول الخيام، لمنع رمايات الصواريخ المضادة للدروع، وذلك بقصف مدفعي مكثف وغارات جوية وغارات المسيرات، لافتة إلى أن القصف الجوي والمدفعي «يستهدف أيضاً أحياء المدينة». وقالت إن هذا الضغط الناري الهائل، «دفع (حزب الله) للاعتماد على المسيرات الانتحارية لضرب تجمعات الجيش الإسرائيلي في محاور التوغل وداخل الأحياء، إلى جانب القصف الصاروخي الذي يستهدف محيط المدينة ومداخلها الشرقية والجنوبية والشمال الشرقي».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت وتبدو خلفهم صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله (أ.ب)

وأفادت قناة «المنار» الناطقة باسم «حزب الله» بـ«محاولة التفاف جديدة» نفذتها القوات الإسرائيلية من جهة نبع ابل السقي التي تؤدي إلى الأحياء الشمالية لمدينة الخيام، عبر تحرك لعدد من الجرافات والدبابات، انطلاقاً من وطى الخيام شرقاً في ظل سماع أصوات انفجارات ورشقات رشاشة في المحيط. وأفادت أيضاً بأن عدداً من آليات الجيش الإسرائيلي «غادرت من شرقي الخيام باتجاه الوطى ومنها نحو منطقة الوزاني» الواقعة في الجنوب الشرقي.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية بأن الجيش الإسرائيلي «يستعمل منذ ليل الجمعة، شتى أنواع الأسلحة في عملية توغله ومحاولة سيطرته على البلدة، التي تعدّها إسرائيل بوابة استراتيجية تمكنها من التوغل البري السريع، خلافاً لما حدث في بعض البلدات الجنوبية الأخرى»، لافتة إلى أن «هذه المحاولات تترافق مع تصعيد واضح في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي في اليومين الماضيين».

وقالت الوكالة إن الجيش الإسرائيلي «يحاول في خطته للتقدم البري في البلدة، تطويقها من جميع الجوانب والمحاور، مع غطاء جوي وبري واسع»، مضيفة: «ولا تقتصر خطة الجيش الإسرائيلي في الخيام على التوغل البري فقط، بل شملت تنفيذ عمليات تفخيخ بعض المنازل والمباني ونسفها، كما حدث في بعض البلدات الجنوبية الأخرى مثل العديسة ويارون وعيترون وميس الجبل».

وتعدّ بلدة الخيام ذات رمزية خاصة بالنسبة للبنانيين؛ إذ كانت أول منشأة يحررها أهالي الجنوب بعد تطبيق إسرائيل القرار الدولي 425 في 25 مايو (أيار) 2000، وهو اليوم الذي يُطلق عليه «حزب الله»: «يوم التحرير».

طرق الإمداد

ومهد الجيش الإسرائيلي لهذا التقدم بقطع طريق النبطية - مرجعيون بالكامل، عبر استهداف الطريق عند نقطة الخردلي بغارة جوية، على وقع قصف مدفعي كثيف للمنطقة. وتحدثت الوكالة الوطنية عن قصف عنيف بالمدفعية الثقيلة للخيام، وسهل مرجعيون وأطراف جديدة مرجعيون وأطراف القليعة.

الدخان يتصاعد نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

أما «حزب الله» فأعلن عن استهداف مقاتليه لتجمعات إسرائيلية عند مثلّث دير ميماس - كفركلا وشرقي الخيام، وتحدث عن تراجع نسبي للتحركات الإسرائيلية في دير ميماس بعد انسحاب جرافة ودبابة والإبقاء على عدد من الدبابات بين كروم الزيتون وبعض الآليات قرب الدير غرب البلدة.

وأعلن الحزب أن مقاتليه اشتبكوا، صباح السبت، مع قوة من الجيش الإسرائيلي حاولت التسلل باتجاه الأطراف الغربية لبلدة دير ميماس في جنوب لبنان. وقال الحزب في بيان صدر عنه إن الاشتباكات التي وقعت صباحاً، شملت استخدام الأسلحة الرشاشة والصاروخية، وأسفرت عن وقوع إصابات بين جنود القوة الإسرائيلية بين قتيل وجريح. وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بسحب المصابين من منطقة الاشتباك تحت غطاء ناري ودخاني كثيف.

وأعلن رئيس بلدية ديرميماس جورج نكد أن «جيش العدو الإسرائيلي دخل إلى بلدة ديرميماس يوم الجمعة، وتمركز عند أطراف البلدة في محيط دير مار ميما وتلة لوبية وبين بساتين الزيتون المحيطة بالبلدة، وأن هناك نحو العشرين شخصاً ما زالوا في البلدة فقط، ومن بينهم سيدة حامل، وتقوم البلدية بالتواصل مع الصليب الأحمر الدولي لإجلاء الأهالي».

القطاع الغربي

وعلى المحور الجنوبي، تقدمت القوات الإسرائيلية على أطراف بلدة البياضة، انطلاقاً من محيط شمع ومنطقة تلة أرميس، فيما تجددت الاشتباكات في بلدة الجبين الواقعة شرق طيرحرفا، كما تعرضت القوات الإسرائيلية لاستهدافات صاروخية في بلدة يارين.

وأعلن «حزب الله» أن مقاتليه، وبعد رصد تحركات لقوة إسرائيلية تحاول التقدم باتجاه بلدة البياضة، اشتبكوا معها عند الأطراف الشرقية للبلدة، وامتدت الاشتباكات لساعات. كما أعلن عن استهداف دبابة غربي بلدة شمع بصاروخ موجه.

وشهدت منطقتا البياضة ووادي حامول في القطاع الغربي اشتباكات عنيفة بين مقاتلي «حزب الله» وقوة إسرائيلية حاولت التوغل إلى المنطقة للالتفاف على بلدة الناقورة والتمركز في منطقة البياضة؛ كونها موقعاً استراتيجياً كاشفاً للساحل الممتد بين الناقورة وصور، حيث دارت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة والصاروخية، وسُمِعَ صداها في مدينة صور، فيما قامت المدفعية الإسرائيلية بقصف البياضة ومنطقتي حامول والتلال بين شمع والبياضة.