كيف ستتعامل مصر مع اجتياح إسرائيلي مرتقب لـ«رفح»؟

عقب تصديق نتنياهو على خطط العملية العسكرية

مخيم للنازحين برفح جنوب غزة وفي الخلفية يتصاعد الدخان بمدينة خان يونس (رويترز)
مخيم للنازحين برفح جنوب غزة وفي الخلفية يتصاعد الدخان بمدينة خان يونس (رويترز)
TT

كيف ستتعامل مصر مع اجتياح إسرائيلي مرتقب لـ«رفح»؟

مخيم للنازحين برفح جنوب غزة وفي الخلفية يتصاعد الدخان بمدينة خان يونس (رويترز)
مخيم للنازحين برفح جنوب غزة وفي الخلفية يتصاعد الدخان بمدينة خان يونس (رويترز)

عززت موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على خطة لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح، من مخاوف تصاعد حدة التوتر بين تل أبيب والقاهرة، في وقت صعّدت فيه الأخيرة من تحذيراتها من خطورة الموقف في رفح المحاذية للحدود المصرية، والتي باتت الملاذ الأخير لنحو 1.5 مليون فلسطيني نزحوا من مناطق متفرقة في قطاع غزة.

ورأى خبراء ومراقبون أن القاهرة تتخوف من فرض إسرائيل واقعاً أمنياً واستراتيجياً أحادي الجانب، ما «يؤدي إلى مساحات غير آمنة من الخيارات»، وأشاروا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن العلاقات المصرية - الإسرائيلية «تمر بأسوأ حالاتها منذ عقود»، مؤكدين أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذي بات يسابق الزمن، وتنخرط القاهرة مع وسطاء آخرين من أجل التوصل إليه، من شأنه أن يبطئ من المخاطر التي تقود إليها أي عملية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أفادت، يوم الجمعة، بأن بنيامين نتنياهو وافق على «خطط العمل» التي وضعها الجيش لشن هجوم على رفح في جنوب قطاع غزة، بما في ذلك خطة تشمل إجلاء المدنيين، دون إفصاح عن التفاصيل.

دمار في ضاحية الرمال قرب مدينة غزة السبت 16 مارس (أ.ف.ب)

تحذيرات متصاعدة

ودأبت مصر في الآونة الأخيرة على إطلاق تحذيرات متصاعدة من خطورة إقدام إسرائيل على تنفيذ اجتياح لمدينة رفح، التي باتت آخر نقطة يلجأ إليها النازحون من مناطق شتى بقطاع غزة جراء الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لمناطق سكنهم، وبات ما يقرب من 1.5 فلسطيني يقطنون المدينة الصغيرة الملاصقة للحدود المصرية.

وحذرت مصر أكثر من مرة، من تداعيات تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية في مدينة رفح بقطاع غزة، مؤكدة أن عواقب ذلك «ستكون وخيمة»، وطالبت بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمة ألقاها بمقر أكاديمية الشرطة، يوم الجمعة، إن «مصر تسعى إلى عودة النازحين في وسط وجنوب قطاع غزة إلى أماكنهم مع التحذير الشديد جداً من خطورة اجتياح رفح».

وسبق أن أعلنت القاهرة موقفاً حاسماً بشأن رفض أي مساعي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيها، وعدّ مسؤولون مصريون أي إجراءات إسرائيلية في هذا الاتجاه، «تعرض اتفاقية السلام بين البلدين إلى تهديد جدي وخطير»، حسبما أشار رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، في مناسبات عدة خلال الأشهر الماضية.

منظر عام للخيام التي يلجأ إليها النازحون الفلسطينيون بجوار الحدود المصرية مع مدينة رفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

خطورة الموقف

ويشير رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، إلى أن مصر وكثيراً من دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة أطلقت تحذيرات واضحة بشأن خطورة تنفيذ أي عملية في مدينة رفح الفلسطينية.

وأعرب العرابي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده بأن إسرائيل «لن تقوم بتنفيذ عملية شاملة في رفح، بل ربما تلجأ إلى عملية محدودة في إطار جراحي أكثر من كونه اجتياحاً شاملاً»، لافتاً إلى أن إسرائيل تعي خطورة الموقف وتضع في حساباتها القلق المصري وجدية التحذيرات الصادرة من القاهرة، إذا تم تنفيذ اجتياح شامل، خصوصاً مع صعوبة التفرقة بين المدنيين والمسلحين، الأمر الذي سيكون بمثابة «كارثة إنسانية محققة».

وأضاف وزير الخارجية المصري الأسبق إلى أن العلاقات المصرية - الإسرائيلية «تمر بأسوأ حالاتها منذ عقود» جراء الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أن هناك «سباق زمن» يجري حالياً بين جهود التهدئة والتوصل إلى هدنة والتي تنخرط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، خصوصاً في ظل قرب إجراء جولة تفاوض في العاصمة القطرية، واتجاه قوات الاحتلال لتنفيذ عملية في رفح، وخلص إلى أن الأيام المقبلة ستكون «حاسمة ودقيقة» في تحديد أي من العمليتين ستكون أسبق للحدوث على الأرض.

وكان الوسطاء المنخرطون في عملية التفاوض من أجل التوصل إلى تهدئة بقطاع غزة يأملون في التوصل إلى هدنة جديدة قبل شهر رمضان، ومع دخول الحرب في غزة شهرها السادس، وهو ما لم يتحقق إلى الآن، رغم إجراء كثير من جولات التفاوض في باريس والقاهرة، بينما تستضيف الدوحة اجتماعات مرتقبة في هذا الصدد.

يبحثون عن أحبائهم بين أنقاض أبنية مدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

مساحات غير آمنة

بدوره، رأى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بمصر وجامعة القاهرة، والمتخصص في الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، أن العلاقات المصرية - الإسرائيلية تمضي في حدود متعارف عليها بين الجانبين من دون الاصطدام النهائي، مع التوقع بدخول العلاقات مرحلة التجاذب، ليس فقط المتعلقة بالمواجهات الدبلوماسية والأمنية في قطاع غزة وخارجه، أو من خلال الاتصالات التي لا تزال تجري في نطاقات دبلوماسية عبر اللقاءات الثنائية، أو متعددة الأطراف التي تضم الولايات المتحدة وقطر وفرنسا من خلال محاولات وقف إطلاق النار، وبناء مقاربة للتهدئة والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين.

وأشار فهمي في تحليل منشور له إلى وجود رسائل مباشرة من مصر بتجميد العمل بمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين في 1979، أو وقف العمل بالبروتوكول الأمني الحاكم والناظم للعلاقات بين البلدين، وبخاصة مع استمرار إطلاق التصريحات غير المسؤولة من الجانب الإسرائيلي، سواء من بعض الوزراء المتطرفين، أو من خلال شخصيات غير مسؤولة سابقة في الحكومة الإسرائيلية، أو في المؤسسة العسكرية التي تتهم مصر بالمساهمة في تهريب السلاح عبر الأنفاق، أو من خلال دعم غير مباشر للمقاومة الفلسطينية.

جنود إسرائيليون خلال العملية البرية في قطاع غزة (رويترز)

ترتيبات من جانب واحد

ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن هناك مساحات كبيرة وممتدة للخلاف بين مصر وإسرائيل، لعل أهمها السعي الإسرائيلي إلى فرض الترتيبات الأمنية والاستراتيجية من جانب واحد في قطاع غزة، وفي اتجاه الحدود المصرية - الإسرائيلية، وفي منطقة معبر فيلادلفيا، والتصميم على الانتشار فيه، واحتلاله لتأمين المساحة الجيواستراتيجية بالكامل، عادّاً إقدام إسرائيل على اجتياح واسع لمدينة رفح الفلسطينية سيكون «بالغ الخطورة»، وسيزيد من مساحة الخلاف مع القاهرة.

وأضاف فهمي أن مصر اتجهت إلى إقامة منطقة لوجيستية، لاستيعاب أي إجراءات مفاجئة يمكن أن تقدم عليها إسرائيل في المدى المنظور، في إشارة إلى أن القاهرة «لا تضمن أي مقترحات أو إجراءات من الجانب الإسرائيلي»، وهو ما يؤكد أن مصر تعمل من خلال مقاربة انفرادية، وإن أحاطت الجانب الأميركي بما يجري، لكن ذلك لا يقلل من تخوف القاهرة من أي إجراءات انفرادية بما يعكر صفو العلاقات، وسيصل بها إلى «مساحات غير آمنة من الخيارات».


مقالات ذات صلة

«لانسيت»: حصيلة قتلى غزة أعلى بنحو 40 بالمئة من أرقام وزارة الصحة

المشرق العربي غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

«لانسيت»: حصيلة قتلى غزة أعلى بنحو 40 بالمئة من أرقام وزارة الصحة

أفادت دراسة بحثية نشرتها مجلة «لانسيت» الطبية الجمعة بأنّ حصيلة القتلى في غزة خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب بين إسرائيل وحماس هي أعلى بنحو 40 بالمئة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 18 أكتوبر 2024 للرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)

بايدن: نحرز بعض التقدم الحقيقي فيما يتعلق باتفاق لغزة

قال بايدن للصحافيين في البيت الأبيض «إننا نحرز بعض التقدم الحقيقي، لقد التقيت المفاوضين اليوم».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)

حديث عن تقدم في مفاوضات «هدنة غزة»

أفادت مصادر فلسطينية قريبة من محادثات وقف إطلاق النار في غزة، أمس، بأن الوسطاء الأميركيين والعرب أحرزوا بعض التقدم في جهودهم الرامية للتوصل إلى اتفاق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)

«النواب الأميركي» يصوّت بمعاقبة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل

صوت مجلس النواب الأميركي، الخميس، على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية احتجاجاً على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

حديث عن تقدم في مفاوضات «هدنة غزة»

فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)
فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)
TT

حديث عن تقدم في مفاوضات «هدنة غزة»

فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)
فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)

أفادت مصادر فلسطينية قريبة من محادثات وقف إطلاق النار في غزة، أمس، بأن الوسطاء الأميركيين والعرب أحرزوا بعض التقدم في جهودهم الرامية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة «حماس» لكن ليس بما يكفي لإبرام اتفاق.

وقال مسؤول فلسطيني قريب من جهود الوساطة، إن عدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن لا يعني أن المحادثات لا تمضي قدماً، مضيفاً أن هذه هي أكثر المحاولات جدية حتى الآن للتوصل إلى اتفاق. وأضاف لوكالة «رويترز»: «هناك مفاوضات مكثفة؛ إذ يتحدث الوسطاء والمفاوضون عن كل كلمة وكل التفاصيل. هناك تقدم عندما يتعلق الأمر بتضييق الفجوات القديمة القائمة لكن لا يوجد اتفاق بعد»، من دون خوض في مزيد من التفاصيل.

في غضون ذلك، صعّد بابا الفاتيكان فرنسيس، أمس، انتقاداته للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، واصفاً الوضع الإنساني في القطاع الفلسطيني بأنه «خطير ومخزٍ للغاية».