توقعات بـ«حرب استنزاف» إسرائيلية طويلة ضد لبنان

سكان المستوطنات الشمالية يضغطون على حكومة نتنياهو لـ«إزالة التهديد»

آثار غارة جوية إسرائيلية استهدفت دورا في بعلبك الثلاثاء الماضي (رويترز)
آثار غارة جوية إسرائيلية استهدفت دورا في بعلبك الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

توقعات بـ«حرب استنزاف» إسرائيلية طويلة ضد لبنان

آثار غارة جوية إسرائيلية استهدفت دورا في بعلبك الثلاثاء الماضي (رويترز)
آثار غارة جوية إسرائيلية استهدفت دورا في بعلبك الثلاثاء الماضي (رويترز)

كثّف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية على القرى والمناطق الحدودية في جنوب لبنان، معلناً أنه هاجم «بنى تحتية» لـ«حزب الله»، على وقع تبادل متواصل لإطلاق النار، وتوقعات لبنانية بأن تطول حرب الاستنزاف الإسرائيلية ضد لبنان.

وبعد أكثر من 5 أشهر على بدء الحرب في جنوب لبنان، استبعد وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال اللبناني عبد الله بو حبيب أن «تشنّ إسرائيل حرباً بريّة على لبنان لأنّها تعرف أنّ حربا كهذه لن تكون نزهة بالنسبة لها»، لكنه توقع «أن تطول حرب الاستنزاف التي تشنّها إسرائيل عبر مسيّراتها»، في إشارة إلى النشاط الحربي الإسرائيلي عبر سلاح الجو والمسيرات.

وتمسّك بو حبيب، في مقابلة مع تلفزيون لبنان الرسمي، برفضه السابق «أنصاف الحلول من خلال تجاهل أو إغفال موضوع انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لأنها بمثابة هديّة مجانيّة لإسرائيل، وتؤدي إلى تجدد الصراع لاحقاً». وقال بو حبيب إنه «مع موقف الرئيس ميشال عون من وحدة الساحات، ولكنّي أتعامل مع الأمر الواقع»، مؤكدا أهمية «زيادة عديد الجيش ومده بالعتاد من خلال مساعدة الدول المعنية كي يتمكن من تعزيز انتشاره أكثر جنوب الليطاني».

مسعفات في وسط بيروت يتضامن مع مسعفين في غزة وجنوب لبنان تعرضوا لانتهاكات على يد الجيش الإسرائيلي (أ.ب)

ويأتي ذلك في ظل ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ عمل عسكري ضد لبنان، بهدف إزالة «تهديد حزب الله». ونقلت وسائل إعلام عبرية عن رئيس مستوطنة «مرغليوت» إيتان ديفيدي، قوله في تصريح إذاعي: «نحن المواطنون سنعطي الوقت لدولة (إسرائيل) بغية العمل في الشمال لأنّه يجب علينا أن نزيل هذا التهديد، الذي يسمّى حزب الله، عن مستوطنات السياج». وأضاف: «نعلم أن هذا الأمر لن يكون سهلاً، لكن ليس لدينا خيار آخر سوى إزالة هذا التهديد، وإلاّ لن نتمكّن من إعادة هذه المنطقة إلى هذه الأرض».

وفشلت كل المساعي الدبلوماسية لإنهاء الحرب المتواصلة في الجنوب منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتشهد الجبهة وتيرة متصاعدة من القتال. وأعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة «بنى تحتية» لحزب الله، وقال إن طائراته «هاجمت بنى تحتية إرهابية لمنظمة حزب الله الإرهابية في منطقة كونين». وعثر على صاروخ إسرائيلي سقط ليلاً في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان، ولم ينفجر وتم إغلاق المكان في انتظار وصول فريق الهندسة من الجيش اللبناني.

وكان الطيران الحربي شنّ غارة على برعشيت في القطاع الغربي. وشن 3 غارات متتالية على هدف واحد في بلدة كونين. كما أغار على بلدة الناقورة مستهدفاً أحد منازلها فتوجهت إلى المكان سيارات الإسعاف.

ودوت صافرات الإنذار في بلدات حدودية إسرائيلية جنوبي لبنان، عقب استهداف حزب الله مواقع إسرائيلية قرب الحدود، حسبما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، فيما أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنه تمّ تفعيل منظومة «القبة الحديدية» في أجواء إصبع الجليل، «بعد رصد هدف جوي مشبوه» من لبنان، لتفيد لاحقا بسقوط قذيفة صاروخيّة في منطقة مفتوحة بـ«كفار بلوم».

وقال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض «هدفاً جوياً مشبوهاً اجتاز الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي الإسرائيلية في منطقة (كفار بلوم)».

وأعلن حزب الله عن قصف موقع رويسات العلم، كما استهداف بالأسلحة الصاروخية موقع السماقة في منطقة تلال كفرشوبا التي يعتبرها لبنان محتلة من قبل إسرائيل.

وحلّق الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط، وصولا إلى مشارف مدينة صور، بعد إطلاق الجانب الإسرائيلي القنابل المضيئة ليلا فوق قرى قضاءي صور وبنت جبيل. وخرق الطيران الإسرائيلي جدار الصوت فوق صيدا والزهراني وإقليم التفاح، مما تسبب برعب كبير في منطقة إقليم الخروب وصيدا جراء الدوي الهائل الذي أحدثه، وتسبب بتكسر الزجاج في منازل بقضاء جزين.

وكان الطيران الحربي الإسرائيلي نفذ مساء أمس، سلسلة غارات على أطراف بلدة الناقورة وجبل اللبونة وعلما الشعب وطيرحرفا.


مقالات ذات صلة

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز) play-circle 00:52

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)

«حزب الله» أمام ضغوط غير مسبوقة بعد الضربات الإسرائيلية المدمّرة

نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» أمام ضغوط غير مسبوقة بعد الضربات الإسرائيلية المدمّرة

نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد الضربات الدامية والمدمرة التي تعرض لها من إسرائيل، يبدو «حزب الله» اليوم تحت ضغط غير مسبوق بعد موافقته على اتفاق وقف لإطلاق النار ينص على انسحابه مع أسلحته من مناطق واسعة في جنوب لبنان، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويبقى الحزب المدعوم من إيران، رغم ذلك، لاعباً أساسياً على الساحة السياسية اللبنانية، رغم الأصوات المتزايدة التي باتت تطالب بنزع ترسانته الضخمة من السلاح.

تظهر هذه الصورة الجوية الملتقطة بعد يوم من سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حركة مرورية تمر بجوار مبانٍ مدمرة في مدينة النبطية جنوب لبنان في 28 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وكان «حزب الله» القوة اللبنانية المسلحة الوحيدة التي احتفظت بأسلحتها بعد الحرب الأهلية (1975 - 1990) بحجة «مقاومة إسرائيل»، ما يطرح أسئلة حول ضرورة احتفاظه بسلاحه إن كان سينسحب من الحدود. ويتهم خصوم «حزب الله» في الداخل الحزب الذي يعتبر أيضاً أكثر القوى السياسية نفوذاً في البلد الصغير، باستخدام سلاحه للتحكّم بالحياة السياسية.

وتقول الباحثة في معهد «تشاتام هاوس» لينا الخطيب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يتعرّض (حزب الله) لضغوط غير مسبوقة»، موضحة أن «بنود اتفاق وقف إطلاق النار تمهّد لتفكيك قدراته العسكرية».

ودفع «حزب الله» ثمناً باهظاً لفتحه «جبهة إسناد» لقطاع غزة من جنوب لبنان، غداة اندلاع الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل إثر هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

فبعد قرابة سنة من تبادل القصف بين الجيش الإسرائيلي والحزب، بدأت إسرائيل في 23 سبتمبر (أيلول) حملة قصف مدمّر ضد مناطق تعتبر معاقل للحزب اللبناني في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأطلقت في نهاية الشهر ذاته عمليات توغل بري في مناطق حدودية. وشنّت غارات دامية قتلت فيها قيادات عدّة من الصفّ الأول في الحزب على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والعديد من القادة العسكريين.

وفجّرت إسرائيل قبل ذلك الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها عناصر في «حزب الله»، مخلّفة قتلى وجرحى.

ويقول مصدر مقرّب من الحزب، من دون الكشف عن اسمه إن «حزب الله» خسر المئات من مقاتليه منذ نهاية سبتمبر.

ويرى رئيس قسم العلاقات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة أن «الحرب من دون شك أضعفت (حزب الله) عسكرياً، بعدما مُني بخسائر كبرى على مستوى القيادة وتمّ تقليص قدراته التشغيلية»، لكنه «لم يُهزم».

نازحون لبنانيون مؤيدون لجماعة «حزب الله» يعودون إلى بلدهم عبر معبر جديدة يابوس (المصنع) بين لبنان وسوريا في 28 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«انتصار»

وتصدّى «حزب الله» بشراسة للقوات الإسرائيلية خلال تقدّمها إلى بلدات حدودية على محاور عدة في جنوب لبنان.

ويقول الحزب إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكّن من «تثبيت وجوده» في أي من هذه البلدات. ومنذ فجر الأربعاء، مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، يحتفل أنصار الحزب بـ«النصر» رغم الدمار واسع النطاق الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية.

ونظّم «حزب الله» جولات للصحافيين الأربعاء في جنوب لبنان، في مسعى لتأكيد حضوره ونفوذه في المنطقة.

وردّاً على سؤال عمّا إذا كان الحزب يعتزم تفكيك بنيته العسكرية، قال النائب من «حزب الله» حسن فضل الله لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من مدينة بنت جبيل القريبة من الحدود مع إسرائيل، إنه ليس «للمقاومة» أي «سلاح ظاهر أو قواعد منتشرة».

وأكد في الوقت ذاته أنه لا يستطيع أحد أن يبعد مقاتلي «حزب الله» من القرى والبلدات التي يتحدّرون منها في جنوب البلاد.

ويمتلك «حزب الله» ترسانة ضخمة من السلاح، تفوق بحسب الخبراء، ترسانة الجيش اللبناني.

صورة ملتقطة في 28 نوفمبر 2024 في مدينة النبطية بجنوب لبنان تظهر مباني مدمرة جراء غارات إسرائيلية بعد يوم واحد من الاتفاق على وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل (د.ب.أ)

وينصّ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمّ التوصل إليه برعاية فرنسية-أميركية ولم تُنشر بنوده رسمياً، على أن ينسحب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني (30 كلم عن الحدود مع إسرائيل)، وأن يتسلّم الجيش اللبناني المواقع التي يسيطر عليها حالياً الجيش الإسرائيلي والحزب. ويستند الاتفاق إلى القرار الدولي 1701 الذي أنهى الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل في العام 2006.

بعد حرب العام 2006، احتفظ «حزب الله» بوجود غير ظاهر في جنوب لبنان وعزّز ترسانته العسكرية وبنى شبكة من الأنفاق، وفق خبراء عسكريين. ونصّ القرار 1701 على حصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل).

وقال مسؤول لبناني مفضّلاً عدم كشف اسمه إن انضواء فرنسا والولايات المتحدة في آلية مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار قد يساعد على ردع «حزب الله» هذه المرة.

انتخابات رئاسية

وينصّ الاتفاق أيضاً على مراقبة الحدود بين لبنان وسوريا لمنع عبور شحنات السلاح لجماعة «حزب الله» عبر سوريا، بحسب خبراء عسكريين.

ويرى عماد سلامة أن «حزب الله» «لا يمكن أن يتحوّل إلى حزب سياسي بحت، لأنه يستمدّ شرعيته ونفوذه من دوره أنه حركة مقاومة مسلحة».

على المستوى الداخلي، يضيف سلامة أن «الحزب سيواصل استخدام نفوذه» للتحرك على الساحة السياسية اللبنانية، مستنداً إلى قاعدة شعبية واسعة في الطائفة الشيعية، وشبكة مؤسسات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

ويرى أن «حزب الله» قد يظهر «مرونة أكثر» في بعض الملفات لا سيما الانتخابات الرئاسية التي حدّد موعدها اليوم في التاسع من يناير (كانون الثاني). ومنذ اندلاع الحرب، تتزايد الأصوات الناقدة لجماعة «حزب الله» في الداخل والتي تحمّله مسؤولية جرّ لبنان إلى الحرب.

وتعتبر لينا الخطيب أن «لبنان أمام فرصة لإعادة تركيب المشهد السياسي الداخلي للتخلص من هيمنة (حزب الله) للمرة الأولى منذ أن طغى الحزب على الحياة السياسية في البلاد قبل نحو عقدين». وتضيف «أن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا من خلال حوار وطني حقيقي يضمّ الجميع، ويدعمه المجتمع الدولي».