حرب غزة وضائقة اقتصادية... رمضان يأتي حزيناً هذا العام

أطفال يلعبون بالفوانيس داخل إحدى الخيم في رفح (أ.ف.ب)
أطفال يلعبون بالفوانيس داخل إحدى الخيم في رفح (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة وضائقة اقتصادية... رمضان يأتي حزيناً هذا العام

أطفال يلعبون بالفوانيس داخل إحدى الخيم في رفح (أ.ف.ب)
أطفال يلعبون بالفوانيس داخل إحدى الخيم في رفح (أ.ف.ب)

رمضان «حزين (...) لكننا نحاول أن نصنع الفرح لأطفالنا»، كما تقول نيفين السكسك، النازحة من جباليا إلى رفح بجنوب قطاع غزة، والتي لا تملك أي شيء لإعداد أول إفطار في شهر يحييه المسلمون عادة بالعبادة والزينة وموائد الأطعمة الشهية في أجواء من البهجة.

فهذا العام، تلقي الحرب في غزة بظلالها على جزء كبير من المسلمين اقتصادياً ومعنوياً، وخصوصاً في الدول المجاورة لإسرائيل، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأمام خيمة ضيقة من القماش مكسوة بالنايلون بالقرب من سور مدرسة تابعة للأمم المتحدة لإيواء النازحين في مخيم رفح، تداعب نيفين طفلتها التي حملت فانوس رمضان ملوناً اشتراه زوجها من بسطة قريبة يكاد يقترب منها بضعة مشترين.

وقالت نيفين (26 عاماً)، وهي أم لطفلتين أنجبت إحداهما في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) داخل خيمة في رفح: «نحاول أن نصنع الفرح لأطفالنا بالفوانيس؛ لأنه لا ذنب لهم على الرغم من أنه لا يوجد لدينا طعام للإفطار أو السحور ولا أعلم إذا كنا سنعثر على شيء».

وأضافت السيدة التي نزحت مع عائلتها إلى رفح قبل ثلاثة أشهر بعدما قصف بيتها أنه «ليس بوسعنا أن نفرح بقدوم رمضان. لدينا شهداء وجرحى قلوبنا تحرق عليهم وأهلنا بعيدون». وعبرت عن أملها في أن يأتي رمضان «ونحن بخير وسلامة».

طفل يحمل فانوس رمضان في وقت تستعر فيه الحرب على غزة (أ.ف.ب)

وتابعت: «نطهو الطعام على نار موقد حطب، ولا يوجد أدوات للطبخ، كل شيء ثمنه غالٍ، ولا يوجد لدينا مزاج لنستقبل رمضان مثل السابق».

ويوافقها زوجها ياسر ريحان (26 عاماً) الرأي قائلاً: «سيأتي رمضان ونحن في حرب وقهر ومجاعة، ولا يوجد طعام أو شراب (...) ونعاني اليوم من كل شيء».

«أدنى مقومات الحياة»

وأمام تدهور الوضع الإنساني الكارثي حذّرت الأمم المتحدة من مجاعة «شبه حتمية» تهدّد 2.2 مليون من أصل 2.4 مليون شخص عدد سكان القطاع الذي تصله مساعدات شحيحة جداً، مقارنة بالاحتياجات الهائلة، ما دفع بعض الدول إلى إلقاء مساعدات إنسانية من الجو.

لا شيء يضاهي الدمار والحرمان في غزة، حيث الأحياء مدمرة والأطفال يتضورون جوعاً والمقابر الجماعية محفورة في الرمال. لكن القطاع المحاصر ليس المكان الوحيد في العالم الإسلامي الذي تضرر بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

ففي الأردن تشهد الأسواق عادة ازدحاماً قبيل رمضان، لكنها تبدو هذا العام هادئة بشكل عام بينما لم تظهر في شوارع عمان حتى الآن أي استعدادات لاستقبال رمضان مثل الخيام الرمضانية وزينة المنازل وغيرها.

قال سيف الهنداوي (44 عاماً)، الموظف في شركة صرافة والأب لخمسة أطفال، خلال تسوقه في أحد المحال التجارية في عمان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عادة نشعر بفرح بقدوم الشهر الفضيل، لكننا الآن نشتري بعض الأشياء ونشعر بالحزن لما يجري في غزة».

وأضاف: «هناك ارتفاع أسعار في الأردن... كل شيء متوفر في الأسواق. أما في غزة فهناك ارتفاع أسعار، والطعام غير متوافر».

وأشار إلى أن سكان القطاع «طحنوا علف الحيوانات ليأكلوا الخبز». وتابع: «نفكر فيهم ففي هذا الشهر الفضيل... لا يملكون أدنى مقومات الحياة».

وأكد أن «رمضان هذا العام سيقتصر على أداء الفرائض والجانب الديني والدعاء لأهلنا في غزة بالنصر».

حِرفي فلسطيني يصنع فوانيس رمضان بينما يستعد المصلون المسلمون لبدء شهر رمضان المبارك في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

اتساع رقعة الحرب

وبدأ النزاع بعد هجوم شنته حركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وخطفت «حماس» في أثناء الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 130 منهم ما زالوا محتجزين في قطاع غزّة، ويُعتقد أنّ 31 منهم لقوا حتفهم.

وتوعدت إسرائيل بـ«القضاء» على «حماس». وهي تشنّ عمليات قصف مكثفة وهجوماً برياً وبحرياً وجوياً على القطاع أدى إلى مقتل 30878 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، حسب وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

ومنذ اندلاع الحرب، يخشى قادة في المنطقة من أن يمتد النزاع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

فقد أدت الضربات شبه اليومية التي يسقط فيها قتلى، بين إسرائيل ومقاتلي «حزب الله»، إلى نزوح عشرات الآلاف من المواطنين في جنوب لبنان.

بين هؤلاء المعلمة اللبنانية المتقاعدة مريم عواضة (68 عاماً) التي تحدثت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عن «المعاناة التي نتكبدها جراء النزوح القسري»، بسبب تعرض بلدتها لغارات وقصف يومي.

وأضافت من مدرسة تحولت إلى ملجأ في مدينة صور: «أرى أنني غير قادرة على الصوم في رمضان». وتابعت: «أحوالي النفسية والجسدية والصعوبات التي نواجهها من الناحية المعيشية والمادية... هذه الأوضاع الصعبة لن تمكنني من الصوم في ظل هذه الظروف».

أما في بغداد، حيث الأوضاع المادية صعبة أساساً، فقد تمنّى محمد العبيدي (48 عاماً) في شارع الكرادة المزدحم أن تتوقف الحرب. وقال: «يجب يجتمعوا لوقف الحرب في رمضان، لا بدّ من هدنة على الأقلّ في رمضان».

«متعبون ومنهكون»

ليس بعيداً عن غزة، يشعر المسلمون في القدس الشرقية بالقلق من العنف في باحات المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي شهد خلال رمضان في سنوات ماضية عادة مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وإسرائيليين.

وفي فبراير (شباط) الماضي، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، إنه «لا ينبغي السماح» للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بالدخول إلى القدس خلال رمضان. لكن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد، الثلاثاء أنه سيتم السماح للمصلين بدخول المسجد «بأعداد مماثلة» للسنوات الماضية.

صورة للمسجد الأقصى مع هلال رمضان (رويترز)

لكن ذلك لم يساعد كثيراً في تهدئة مخاوف أحلام شاهين (32 عاماً) التي تعمل في مركز مجتمعي على بعد بضع مئات من الأمتار من المسجد الأقصى. وعندما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المسجد في 2021، رأت شاهين نساء يصلين بجانبها يُصبن بالرصاص المطاطي.

وهي تخشى أن يحدث الشيء نفسه مرة أخرى. وقالت: «نعيش الحرب منذ خمسة أشهر. نحن متعبون ومنهكون».

وفي القاهرة، أكثر المدن احتفالاً خلال رمضان، قالت طالبة من غزة طلبت عدم كشف هويتها لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لأول مرة في حياتي لا أطيق فيها فكرة رمضان، وأشعر بالأذى الشديد كلما رأيت فانوساً أو زينة».

زينة معلقة من كشك أحد البائعين بينما يتسوق الناس لشراء فوانيس رمضان خارج مسجد السيدة زينب التاريخي في وسط القاهرة (أ.ف.ب)

وأضافت: «إخوتي لا يجدون أكلاً ولو لمرة واحدة في اليوم، ونحن من المفروض أن نصوم ونتسحر بشكل عادي؟».

وبالعودة إلى رفح، قال أحمد شلبي، بائع الفوانيس: «أول ما بدأت في المشروع كنت على حياء وخجل بسبب ما يحدث لنا من تدمير وتهجير وشهداء. لكنني سأستمر في العمل. إننا نحاول أن نريح أنفسنا من الضغط النفسي ونفرح أنفسنا بأبسط الأشياء».


مقالات ذات صلة

مصر ترفض وجود قوات أجنبية في غزة... ما البدائل؟

تحليل إخباري جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)

مصر ترفض وجود قوات أجنبية في غزة... ما البدائل؟

وسط حديث يتصاعد عن خطط «لليوم التالي» في غزة، جددت مصر رفضها وجود قوات أجنبية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)

«النواب» الأميركي يعاقب «الجنائية الدولية» بسبب إسرائيل

صوّت مجلس النواب الأميركي على فرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية»؛ احتجاجاً على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في نفق يقول الجيش إن مسلحي «حماس» استخدموه لمهاجمة معبر «إيريز» في شمال قطاع غزة 15 ديسمبر 2023 (أ.ب)

كاتس طلب من الجيش خطة «هزيمة كاملة» لـ«حماس»

طلب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الجمعة، من الجيش الإسرائيلي إعداد خطة في أسرع وقت ممكن لإلحاق هزيمة كاملة بحركة «حماس» في قطاع غزة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام في إسطنبول الجمعة (أ.ف.ب)

تركيا تؤكد استمرار جهودها لوقف إطلاق النار في غزة

أعلنت تركيا أنها تواصل جهودها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية في غزة، مؤكدة أن طريق السلام في المنطقة يمر عبر حل الدولتين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية  وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز)

حال عدم التوصل لاتفاق... كاتس يأمر الجيش الإسرائيلي بتقديم خطة لـ«هزيمة حماس بالكامل»

كشف وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن أنه أصدر أوامره للجيش الإسرائيلي بإعداد خطة «تلحق هزيمة كاملة بـ(حماس) في غزة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نُجري محادثات بناءة مع الشرع

المدير السياسي لدى «الخارجية» الألمانية غونتر سوتر ووزراء الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني والأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي ينظرون إلى سقف قاعة فيلا ماداما بروما قبيل اجتماعهم حول الوضع في سوريا (إ.ب.أ)
المدير السياسي لدى «الخارجية» الألمانية غونتر سوتر ووزراء الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني والأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي ينظرون إلى سقف قاعة فيلا ماداما بروما قبيل اجتماعهم حول الوضع في سوريا (إ.ب.أ)
TT

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نُجري محادثات بناءة مع الشرع

المدير السياسي لدى «الخارجية» الألمانية غونتر سوتر ووزراء الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني والأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي ينظرون إلى سقف قاعة فيلا ماداما بروما قبيل اجتماعهم حول الوضع في سوريا (إ.ب.أ)
المدير السياسي لدى «الخارجية» الألمانية غونتر سوتر ووزراء الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني والأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي ينظرون إلى سقف قاعة فيلا ماداما بروما قبيل اجتماعهم حول الوضع في سوريا (إ.ب.أ)

أكدت واشنطن أنها تُجري محادثات «بناءة» مع الإدارة السورية المؤقتة بقيادة زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع، بشأن مجموعة واسعة من القضايا المحلية والدولية، بما في ذلك المشاركة الجامعة لجميع السوريين في مستقبل سوريا، مشددة على أولويات مكافحة الإرهاب و«إضعاف» دور كل من إيران وروسيا في هذا البلد العربي، بعد إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المسؤولين الأميركيين «يُجرون حواراً متواصلاً مع السلطات المؤقتة في دمشق»، موضحاً أن المناقشات «بناءة وتغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المحلية والدولية». وأضاف أن الولايات المتحدة «ترغب في رؤية سوريا جامعة وتحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين»، بما «يعكس كل شعب سوريا وتنوعه الغني». وشدد على المساعي الأميركية من أجل «إحراز تقدم ملموس بشأن أولويات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك (داعش)»، بالإضافة إلى «إضعاف إيران وروسيا في سوريا» التي «لا تشكل تهديداً لجيرانها».

ممثلون لترمب؟

جاء ذلك فيما عقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محادثات، الخميس، في روما مع نظرائه الأوروبيين؛ الفرنسي جان نويل بارو، والبريطاني ديفيد لامي، والإيطالي أنطونيو تاجاني (الذي زار دمشق الجمعة)، والمدير السياسي لدى وزارة الخارجية الألمانية غونتر سوتر، نيابة عن الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن المشترك كايا كالاس؛ لمناقشة «مساعدة الشعب السوري على اغتنام هذه الفرصة لبناء مستقبل أفضل».

ولم يُجب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية على سؤال بشأن تقارير عن وفد من إدارة الرئيس جو بايدن ضمَّ مبعوثاً للرئيس المنتخب دونالد ترمب زار دمشق أخيراً وأجرى محادثات مع الزعماء السوريين الجدد؛ وفي مقدمهم قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع (الذي كان معروفاً سابقاً بكُنيته «أبو محمد الجولاني»).

وكذلك فعلت السفارة الأميركية في دمشق، التي نشرت في حسابها على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، أن الولايات المتحدة «تقف بفخر إلى جانب الشعب السوري العظيم، وتدعم جهوده لبناء سوريا حرة ومستقرة ومزدهرة ومستقلة وتعكس إرادة جميع السوريين». وأفادت، في منشور آخر، بأن «الشعب السوري هو من يرسم مستقبل سوريا»، مضيفة أن «المسؤولين الأميركيين سعداء بالتواصل مع مجموعة من النشطاء السوريين، للاستماع إلى آمالهم وتطلعاتهم لبلدٍ يمكن لجميع السوريين فيه العمل معاً من أجل مستقبل موحد ومزدهر». وزادت أن المسؤولين الأميركيين سلطوا الضوء على «إصدار الترخيص العام الرقم 24، لدعم الشعب السوري في سعيه إلى إعادة بناء حياته وبلاده».

وذكرت تقاريرُ، قبل أيام، أن «وفداً من وزارة الخارجية الأميركية يضم ممثلين للرئيس (المنتخب) ترمب» زار دمشق والتقى الشرع.